كيف نحمي أبناءنا من المخدرات؟
نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي تتراوح ما بين 7-10%، ومعظم المدمنين من فئة الشباب
يتم غسل 20 مليار دولار سنويا من تجارة المخدرات في أسواق المال العالمية ومن خلال المصارف والبنوك الكبيرة
حجم التجارة العالمية في المخدرات في بعض بلدان العالم تجاوز 800 مليار دولار سنويًا، حسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2012
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع معدل استهلاك المخدرات في المجتمعات الخليجية وصل إلى 4.6%، مقابل 2.2% فقط للولايات المتحدة
تشكل ظاهرة إنتاج المخدرات وتعاطيها مشكلة عالميَّة لا يكاد يخلو مجتمع إنساني من آثارها المباشرة أو غير المباشرة؛ حيث تُهدد المخدرات العالم بمخاطر تفوق جسامتها ما أحدثته الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب الحديثة، بل إن بعض المراقبين يؤكدون أنَّ المخدرات هي أخطر ما واجهته البشرية على امتداد تاريخها الماضي والحاضر.
من هنا فنحن نتساءل: هل الجهود المبذولة من جانب الحكومات والجهات المتخصصة كافية وقادرة على تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع سواء في القضاء على مروجي هذه السموم وإحكام القبضة على منافذ التهريب ووسائله؟ أم في إقناع الأصحاء من الشباب ليتجنبوا هذه الآفة؟ أم لإقناع المدمنين الحاليين بأن يبدؤوا برنامجاً علاجياً يساعدهم في الإقلاع عن التعاطي؟ وهل الأسرة قادرة على حماية أبنائها من هذا الغول الذي يتربص بهم، ويهدد مستقبل أبنائهم وحياتهم؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عنها في الأسطر القليلة الآتية:
إحصاءات دولية
أشار تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات الصادر عام 2012 إلى زيادة الإنتاج العالمي للمخدرات، واتساع مساحات الزراعات في كثير من الدول، منها: أفغانستان وهي أكبر منتج للحشيش ولصناعة الهيروين؛ حيث أنتجت 87 % من إنتاج الأفيون في العالم، وازدادت المساحات المخصصة لزراعة الخشخاش بـ62%، وكولومبيا، والهند، والمغرب، وإيران، والمكسيك، وبوليفيا، وبيرو، وجمايكا، والسودان، وسهل البقاع في لبنان في زراعة القنب (الحشيش) والأفيونيات في بعض تلك الدول، وفي المقابل قللت بورما ولاوس من زراعة الخشخاش بنسبة 43 %.
ونتيجة لهذا التطور تتغير أساليب التهريب باستمرار، فقد اتبع تجار المخدرات أنواعًا عديدة من وسائل التهريب ومسالك معقدة ودائمة التغير في مختلف أرجاء العالم لتفادي إجراءات التفتيش التي يقوم بها رجال الجمارك، فتأتي أحيانًا بصفة دوائية وطبية، وأحيانًا بشكل مواد صناعية وكيميائية وغذائية.
وأشار التقرير إلى أن حجم التجارة العالمية في المخدرات والأدوية والعقاقير الممنوعة والمواد المسموح بها قانونيًا في بعض بلدان العالم تجاوز حاليًا 800 مليار دولار سنويًا، حسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2012، وهو ما يزيد على مجموع ميزانيات عشرات من الدول النامية والفقيرة، ويتم سنويا غسيل نحو 120 مليار دولار من تلك التجارة في أسواق المال العالمية ومن خلال المصارف والبنوك الكبيرة.
معدلات عربية مخيفة
وتنشط تجارة المخدرات نشاطاً خطيراً وواسعاً في الوطن العربي؛ فهو يتمتع بموقع استراتيجي لمثل هذه التجارة السوداء، وذكر تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات أن نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي تتراوح ما بين 7-10%، وأن معظم المدمنين من فئة الشباب، وأن رواج هذه السموم، ولاسيما بين الشباب يعود في المقام الأول إلى المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة، ولاسيما على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وقد نتج عن هذه التغييرات تحولات كثيرة طالت مقومات المجتمع العربي، وأضحت الأسرة منشغلة بتوفير لقمة العيش والمال، ولم تعد تصب جُلَّ اهتمامها بالأبناء، الذين انغمسوا في عالم الإنترنت والفضائيات دون رقيب.
وحسب ما تشير إليه تقارير الأمم المتحدة فقد ارتفع معدل استهلاك المخدرات في المجتمعات الخليجية ارتفاعاً خطيراً جدًا؛ حيث وصل إلى 4.6%، مقابل 2.2% فقط للولايات المتحدة، و2.5% لدول أمريكا الجنوبية، وقد ذكرت منظمة الدولية لمراقبة تهريب المخدرات التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها أن العراق قد تحول إلى محطة ترانزيت رئيسة لنقل الهروين المصنع في أفغانستان وإيران إلى دول العالم.
الجدير بالذكر أن تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن عدد متعاطي المخدرات يزيد على 210 مليون شخص في كل عام، وأن 15.3 مليون شخص يصابون بالأمراض بسبب التعاطي، ويلاقي ما يقارب 200 ألف منهم حتفهم سنويا؛ مما يهدد الاستقرار والتنمية في العالم.
ولا شك أن الجهل بأبعاد هذه الظاهرة وإدراك خطورتها وآثارها المدمرة سواء على الأسرة أم على الأفراد سبب رئيس في استفحالها وتغولها، وحتى تستطيع الأسرة حماية أبنائها ووقايتهم لابد من التعرف على أبعاد هذه المشكلة بكل تفاصيلها.
أضرار الإدمان
الإدمان يسبب للمدمن أضراراً جسمية مدمرة؛ حيث يؤثر على كفاءة وظائف الأعضاء في الجسم، وكذلك يؤدي إلى تعرض المدمنين لعدد من الأمراض مثل: سرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمريء، وتليف الكبد وتشمعه، والإصابات الجلدية نتيجة تكرار الحقن الوريدية، وبطء الاستجابات وردود الفعل الحركية، وضعف مناعة الجسم ومقاومته للأمراض، والإصابة بمرض الإيدز ومرض التهاب الكبد الوبائي نتيجة استعمال الحقن الملوثة واشتراك أكثر من شخص بها، وأخيرًا الوفاة نتيجة لتناوله الجرعات الزائدة.
أماّ تأثير الإدمان على الناحية النفسية فيؤدي إلى تقّلب المزاج ونقص التركيز والقلق والعصبية الزائدة والاكتئاب أو المرح الزائد عن حده، فضلا عن إصابة بعض المدمنين بالاضطرابات العقلية كانفصام الشخصية، والاضطرابات السلوكية صفة تلازم المدمنين نتيجة لحاجة المدمن للمال لتوفير المادة المخدرة؛ فيلجأ للسرقة وارتكاب الجرائم ممّا يزعزع أمن المجتمع والأسرة على السواء.
والإدمان هو مشكلة اقتصادية واجتماعية؛ لأن الشخص المدمن على استعداد لدفع أضعاف قيمة المادة المدمنة لكي يحصل عليها، كما أنّ إنتاج هذا الشخص يقل ويتدهور ممّا يسبب أيضا في فقدان وظيفته وضياع مصدر رزقه؛ ونتيجة ذلك لا يستطيع القيام بالتزاماته العائلية فيؤدي إلى انهيار الأسرة وفقدان الأمن المادي والمعنوي لأعضاء أسرته؛ ممّا ينتج عن ذلك تفكك الأسرة وتشرد الأبناء. وترتفع أيضا نسبة الحوادث ولاسيما حوادث السير والانتحار.
كيف تعرف أن الشخص أصبح مدمنا؟
- التغير المفاجئ بنمط الحياة كالغياب المتكرر والانقطاع عن العمل أو الدراسة.
- تدني المستوى الدراسي أو أدائه في العمل.
- الخروج من البيت لفترات طويلة والتأخر خارج البيت ليلا.
- التعامل بسرية فيما يتعلق بخصوصياته.
- تقلب المزاج وعدم الاهتمام بالمظهر.
- الغضب لأتفه الأسباب.
- التهرب من تحمل المسؤولية واللامبالاة.
- الإسراف دون حساب وزيادة الطلب على النقود.
- تغيير مجموعة الأصدقاء والانضمام إلى شلة جديدة.
- الميل إلى الانطواء والوحدة.
- فقدان الوزن الملحوظ نتيجة لفقدان الشهية.
متى يتعرض الفرد لخطر الإدمان ؟
- الجهل بمخاطر استعمال المخدر.
- ضعف الوازع الديني والتنشئة الاجتماعية غير السليمة. التفكك الأسري.
- الفقر المدقع والجهل والأمية.
- الثراء الفاحش، والتبذير دون حساب.
- انشغال الوالدين عن الأبناء، وعدم وجود الرقابة والتوجيه.
- عدم وجود الحوار بين أفراد العائلة .
- مصاحبة رفاق السوء.
- البطالة والفراغ.
كيف تكتشف المدمن؟
من الصعوبة بمكان اكتشاف المدمن الذي يحاول جاهدًا إخفاء الآثار ولاسيما في بداية التعاطي، ومن النصائح النفسية للتعامل المبكر مع المدمن ما يلي:
- المحاورة بأسلوب ودي وهادئ والابتعاد عن التعنيف ومعاملة المدمن بإنسانية بوصفه مريضاً يستحق العلاج.
- تتبع الأسباب والظروف الخاصة بحالة المدمن.
- جمع المعلومات الكافية حول المادة التي يتعاطاها المدمن من أجل تحديد مستوى الإدمان واستخدام الأسلوب الأمثل للعلاج.
- المبادرة في عرض المدمن على الطبيب النفسي لقطع الأسباب النفسية التي أدت للتعاطي.
نصيحـــة للأهـــل
على الوالدين التعرف على أصدقاء الأبناء و مراقبة تصرفاتهم؛ فكثير من المتعاطين والمروجين الصغار يقدمون أنفسهم على أنهم زملاء، ويستدرجون الضحية باسم اللهو والتجربة حتى يدخلوهم في مزالق لا نهاية لها.
حرمة المخدرات
أجمع علماء المسلمين على تحريم المخدرات وذلك لثبوت ضررهاعلى الفرد والمجتمع، ولم يشذ عن ذلك فقيه من الفقهاء ولا مذهب من المذاهب, كلهم أقروا حرمتها فهي حرام، بل هي كبيرة، وقالوا: إن من استحل شربها أو أكلها أو تناولها، فلابد أن يستتاب, فإن تاب ورجع فيها وإلا عوقب بما يعاقب به المرتدون؛ لأنه أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، وللأسف نجد في عصرنا أناساً يماحكون بالباطل ويجادلون في غير موضع للجدل ويقولون: لا نجد دليلاً في القرآن أو السنة على حرمة المخدرات؛ كذبوا, فالقرآن والسنة يحرم هذه المخدرات, هؤلاء يريدون أن يأتي القرآن ويقول: قد حرمت عليكم الحشيش أو الويسكي أو الكونياك, والقرآن لا يأتي بالتفصيلات إنما توضع مبادئ عامة وقواعد كلية ونصوص مطلقة، يدخل تحتها آلاف الجزئيات والمسائل, والقرآن قد حرّم الخمر وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)، {أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }(المائدة: 91)، هكذا نزلت الآيتان الكريمتان في سورة المائدة وحينما قال الله تعالى: {فهل أنتم منتهون}، قالوا: قد انتهينا يا رب قد انتهينا يا رب، كان الرجل منهم يمسك بالكأس في يده يشرب بعضها وبقي بعضه, فأفرغها ولم يكمل الكأس ويقول أشربها ثم أنتهي لا ثم ذهبوا إلى بيوتهم فجاؤوا بقرب الخمر وأفرغوها في طرقات المدينة, انتهينا يا رب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الم ائدة:90)، وكلمة فاجتنبوه ليست كما يزعم بعض الناس كلمة خفيفة لا تدل على التحريم, بل تدل على أبلغ التحريم وأشده, ولذلك تأتي مع الشرك والكبائر, {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(الحج: 30)، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}(ال زمر: 17)، الأصنام والأوثان, {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ }(النجم: 32)، فهكذا كلمة اجتنب لا تأتي إلا مع الشرك والطاغوت والأصنام وكبائر الذنوب وفواحشها ومعنى اجتنب, أي اجعل بينك وبين هذا الشيء جانبا,ً ابتعد عنه مثلها, كقوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (الإسراء: 32)، ليس معناه لا تزنوا فقط بل ابتعدوا عن كل ما يقرب إلى الزنا, كالخلوة والتبرج والخلاعة والنظرة بشهوة إلى آخر هذه الأشياء, فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
كيف نحمى أبناءنا من الوقوع في المخدرات؟
لا شك أن التعامل مع الأبناء هو فن في حد ذاته وهذه بعض الخطوط العريضة لذلك:ـ
- التنشئة الاجتماعية السليمة.
- التواصل والحوار المستمر مع الأبناء وتقوية الإيمان والوازع الديني والقدوة الحسنة من قبل الوالدين وأفراد الأسرة البالغين له التأثير الأكبر في تشكيل سلوك النشء، مع الحرص على استخدام أسلوب الحزم والمودة والابتعاد عن التدليل والتسلط المفرطيْن .
- الجو الأسري: إن الجو الأسري الآمن الذي تسوده المحبة والوئام الخالي من المشاحنات والمنازعات والبعيد عن التهديد يؤدي إلى تماسك الأسرة، ويجعل كل فرد يحقق طموحاته ومستقبله.
- تلبية احتياجات الشباب: من الضروري تشجيع الشباب من الجنسين على ممارسة هوايات مفيدة، والانخراط في مختلف الأنشطة الرياضية والترويحية الموجهة؛ ممّا يملأ أوقات فراغهم ويبعدهم عن التفكير بممارسة العادات الضارة.
- وأخيرًا: لا يجب أن يُترك أحد الأبناء فريسة للضياع بأي حال من الأحوال حتى وان اكتشف تعاطيه للمخدرات، فمن الضروري محاورته بأسلوب ودي وهادئ والابتعاد عن التعنيف ومعاملته بإنسانية بوصفة مريضاً يستحق العلاج،
وتتبع الأسباب والظروف الخاصة التي أدت به إلى هذا الطريق، ثم المبادرة في عرضه على الطبيب النفسي لقطع الأسباب النفسية التي أدت به للتعاطي.
اعداد: وائل رمضان