قبل أن تتزوجوا
حسن عبدالحي
أُولَى خطوات الزَّواج النَّاجح هو الحديث المستفيض عن الاختيار، اختيار الشَّريك لشريكه، فهو طريق المُقْبِلين على الزَّواج نَحْو اختيارٍ يكفل لصاحبه السعادة؛ فالشابُّ والفتاة المُقْبِلان على الزَّواج قد فقدا التَّجربة السابقة والمؤهِّلة لفهم المرحلة، كما تقلُّ في حقِّهما عادةً الْخِبْرة المكتسَبة منَ الاحتِكاك بواقع الأزواج، والخِبْرة المكتسبة مع جريان العمر والحياة، فلم يَبْقَ لَهما إذًا إلاَّ حديثُ الناصحين.
قرار مصيريٌّ:
اختيار الزَّوج قرارٌ مصيري يتعلَّق به أطرافٌ أكثر من الزَّوجين، قرار مصيريٌّ يأتي في فَوْرة الشباب، حيث الحماسةُ، وتعظيمُ الرَّأي الذاتي، والثِّقةُ الزائدة بالنَّفْس، كما يأتي بلا خِبْرة سابقة، كما يأتي لِيُرافق صاحبه إلى ما بعد القَبْر، أو الفشل في إِتْمامه وتحمُّل عواقبه الخطيرة.
تفهُّم مآلات صفات الشريك في عملية الاختِيار:
أكْبَر مشكلة تُواجِه المقبل على اختيار زوجه هي ضَعْف تصوُّر مآلات اختياره، بِمَعنى عدم فهْمِه أنَّ لصِفات شريكه في الزوجيَّة آثارًا مترتِّبة على هذا الاختيار، هذه الصِّفات متعلِّقة به تعلُّقًا كبيرًا.
أمثلة متعلِّقة بطرَفَيِ الزواج:
فإذا جنح الشابُّ في اختياره إلى الفتاة الداعية العاملة على نشر دين الله تعالى، فإنَّه بِهذا الاختِيار يَجِب عليه أن يتفهَّم ويتقبَّل بعض انشغالاتها، وإلاَّ أضاع جهودها الأولى، أو لم تَنْتظم حياتُهما، وكذا إذا اختار فتاة من مُجتمع مغايِرٍ لِمُجتمعه، فإنَّه عليه أن يتفهَّم ويتقبَّل الاختلافات المترتِّبة على ذلك من عادات وتقاليد، وثقافات اجتماعية ومعيشيَّة، وإلاَّ اصطَدَما فيما ليس تركه على النُّفوس هينًا.
وكذا إذا رضِيَت الفتاةُ بالزَّوج المتزوِّج من غَيْرها أو صاحب الأولاد، فإنَّه عليها أن تتفهَّم أن لزوجها حينئذٍ تعلُّقاتٍ أخرى تُقاسِمُها فيه، وإلاَّ أفسدَت حياتها أو حياته، أو إذا انصبَّ اهتمامُها بالوضع الاجتماعي أو المالي الراقي، فإنَّ لِهذا لوازِمَ تؤدَّى ولا بدَّ.
وهكذا، كلُّ اختيار له مآلات يجب أن يُتحسَّب لَها وتُتدبَّر جيِّدًا، وسواء كان تَحسُّب الاختيار في صفة الزوج الخُلقيَّة، أو الدينيَّة، أو الْخِلْقيَّة، أو التصوُّريَّة، أو النفسيَّة، أو الاجتماعيَّة، أو الاقتصاديَّة، أو سائر جوانب الشخصيَّة المتعدِّدة وصفاتها.
فإنْ ناسب الاختيارُ شخصَ المتقدِّم المختار لشريكتِه، أو الرَّاضية الموافقة بشريكها، كان لنا حديثٌ آخر، حديثٌ لا يقلُّ أهمية عن حديث تفهُّم مآلات صفات الشريك.
عالَمٌ مجهول:
أكبَر حقيقة يجب أن تتشبَّع بِها نفوس المقبلين على الزَّواج، أنَّهم مُقْبِلون على عالَمٍ مَجْهول لا يعرفون عنه شيئًا عمَليًّا ألبتَّة، وإنْ تصوَّره كلٌّ منهم بحسب ثقافته وعقله وبيئته، وبحسب خلفيَّات احتكاكه بِمَن حوله من الأزواج، إلا أنَّ كلَّ تصوُّر غير منبثق من تَجْربةٍ تُخْرِجه من حيِّز التنظير إلى واقع التطبيق، تصوُّرٌ جامد ينتظر نفخ روح التَّجربة.
ولأنَّ تعذُّر الاستفادة من التجربة الشخصية في الحياة الزوجية مُحال قبل وجود الحياة أوَّلاً، لم يَبْق للمقبلين على الزواج غيْرُ طلب التصوُّر الصحيح عن تلك الحياة وما يسبقها من مقدِّماتٍ من ذَوِي الخبرات والتجارب الحيَّة، لا استنباط التصوُّر تبعًا لأفهامنا، بقدر اصطحاب تلك العقول في رحلتنا الجديدة، فنحن أحوج إلى النُّصح المباشر، وعَرْض واقعنا على مَن سبقونا من أصحاب الخِبْرات، من إعمال عقولنا في تَجاربِهم وفي عالَمٍ لم نره بعد رؤية واقعية.
من هنا يكتسب المقبلون على الزَّواج أهَمِّية الثِّقة في آراء أهل التَّجربة والوعي، وتَرْك الاعتداد بالرأي الذاتي، والقناعة بالاستغناء عن الْمُشاورة في صناعة القرار واتِّخاذه.
فالمتزوِّج يرى الزَّواج وأطرافه بِعَيْن أخرى غير التي يراه بِها المقبل على الزَّواج من الشباب، يرى بِحُكم تجربته أسباب نَجاحه أو إخفاقه، يرى ما يُمكن التَّجاوز عنه أثناء الاختيار وما لا يُمكن، أما المُقْبِل الفاقد للتَّجربة، فإنَّه تُحرِّكه ميوله ورغباته عن ملاحظة كلِّ هذا.
والحديث عن اعتبار مُشاورة أهل الخِبْرة يلحقه حديث آخَر عن صفات المستشار، فليس كلُّ أحدٍ أهلاً لأنْ نودعه ثِقَتَنا، ويُمكن أن نلخِّص أهمَّ تلك الصِّفات على عجل في نقاط محدَّدة:
• معرفته الجيِّدة بصاحب المشورة.
• أهليَّته الثقافيَّة والشرعية.
• خِبْرته الواسعة.
وإذا اختلَّت صفةٌ من تلك الصفات لم تُؤْتِ نصيحة المستشار فائدةً معتبَرة، هذا إذا لم تضرَّ.
بين الواقع والخيال في تقييم الشريك:
يُخْطِئ كثيرٌ من الْمُقبلين على الزواج عندما يقيمون اختياراتِهم طبقًا لمآلاتٍ ينتظرونها، أو يتمنَّونَها.
فالاختيار الصَّحيح مبنِيٌّ على حقائِقَ مشاهَدة، لا أمنيات منتظرة، حتَّى ولو تساوَتْ فُرَص تحقيقها من عدمه، فإنَّها ستظلُّ أمنيات خياليَّة لَم تُلامس الواقع، فلم تَصْلح كميزان مُعْتبر في عملية تَقْييم واختيار الشريك.
أمثلة من الواقع:
فكثيرًا ما لا تتحقَّق تلك الأمنيات أو التَّخمينات، بل تظلُّ حبيسة الخيال، فنَجِد اختيار الشابِّ مبنيًّا على أنَّ الفتاة ستلتَزِم دينيًّا، وتتقرَّب إلى الله تعالى أكثر بعد الزَّواج؛ بناء على رُؤًى حسبها صحيحة أو مُمْكنة، ثم يُفاجأ بعد الزواج بواقع آخَر، فتنهدم أمنياته، ولا تتحقَّق مآلات اختياره كما أراد.
وكثيرًا ما تَبْنِي الفتاة اختيارها على أساسِ تحقُّقٍ مآليٍّ لصفة في الشريك، فإذا الزَّواج يتمُّ ولا تتحقَّق الصفة إيجابًا، أو تنتفي سلبًا؛ نفيًا: كتمالُك غضَبِه المُفْرِط، أو تَرْكه للعادات المحرَّمة، مثل: التدخين، وإيجابًا: كتعلُّم ما يجب عليه من العلوم الشرعية، أو كالتزامه بالعمل والكدِّ للقيام على أُسْرته.
والشاهد أنَّ أسباب الاختيار لا يُنْظر لها بعين الاعتبار إلاَّ بعد تحقُّقها، أمَّا قبل تَحقُّقها فإنَّها عُرْضة لِبَطش موجة التوهُّم والأمانِيِّ، تضرب صاحِبَها حسب تيَّار الأهواء الموجَّهة.
صحة الغاية والمقصد:
للزَّواج في الإسلام مقاصِدُ عظيمة، مَن فَهِمَها حسن اختياره لشريكه، فهو يَجْعل من الزواج لَبِنة أصيلة يتكوَّن منها المجتمع بأَسْره، يحفظ تلك اللَّبِنة بصفة أكيدة في الزَّوْجَيْن، هي صفة "الدِّين"، ((فاظْفَر بذات الدِّين))، ((إذا أتاكم مَن ترضَوْن خلُقَه ودينه فزوِّجوه)).
ثُم هو يعتبر كلَّ صفة مؤثِّرة في عمليَّة إنْجاح هذا الرَّابط الوثيق، فيعتبر استطاعة الباءة في الرِّجال، والْجَمال في النِّساء، ويبيح الفراق أو التَّفريق إذا خيف الظُّلم، أو كفر العشير، أو الخيانات الأخلاقيَّة.
ثم للإسلام توجيهات وإشارت تَضْمن سُموَّ تلك العلاقة، أو على الأقلِّ سلامتَها وحياتها، فهو يوصي المرأة بِقَبول صاحب الْخُلق، الذي إنْ أحبَّها أكرمها، وإن بغضها لم يُهِنها، ويُوصي الرَّجل باختيار المرأة الودود الولود، التي إن نظَر إليها سرَّتْه، وإن أمَرَها أطاعته، وإن غاب عنه حفظته.
والحمد لله ربِّ العالَمين