جملة القول في هذا الحديث
أن له شواهد أربعة:
الأول: من حديث أبي هريرة، ومداره على عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه وعبد الرحمن ضعيف كما سيأتي.
الثاني: من حديث أبي الدرداء يرويه الحسن البصري وفيه خلاف كما سيأتي ولا يصح الحديث.
الثالث: ... من رواية ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر أسنده مرة عن عبادة ومرة عن فضالة بخلاف فيه ولا يصح عن أي منهما.
الرابع: حديث ابن عباس، يرويه ليث عن مجاهد عنه، ولا يصح أيضا.
الأول: حديث أبي هريرة:
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في "الحجة" (3/203) وتصحف، وسعيد بن منصور في "سننه" (1603)، وابن ماجه (2039)، وأبو داود (2194)- ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار" (16/ 375)-، والترمذي (1184)، وابن أبي خيثمة في "تاريخه" (1/449)، وابن الجارود في "المنتقى" (712)، وابن خزيمة في حديث "علي بن حجر" (442)، والطوسي في "المستخرج" (5/336 ـ 337)، وابن المنذر في "الأوسط" (7717)، والطحاوي في"معاني الآثار" (3/98)، والدارقطني في "سننه" (3/256 ـ 257)، والحاكم (2/197)، والبيهقي في "الكبرى" (7/340)، وفي "معرفة السنن" (11/ 43)، والخطيب في "الموضح" (1/343)، وأبو علي الطبري في "الأربعين" – كما في "التدوين" للرافعي (1/ 226 ـ 227)، والبغوي في "شرح السنة" (2356)، وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة.
حسنه الترمذي واستغربه، وتعقبه ابن القطان بجهالة ابن أردك، وصححه الحاكم ووثق ابن أردك، وتعقبه الذهبي بقوله: فيه لين.
قال ابن عبد البر: لا يستند هذا الحديث إلا من هذا الوجه.
قلت عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، وقيل: حبيب بن عبد الرحمن، ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في "ثقاته"، وضعفه ابن معين وابن المديني وقال النسائي: منكر الحديث. وانظر:
سؤلات ابن أبي شيبة لابن المديني (ق223/ب)، "التاريخ الكبير" (5/275)، "الجرح والتعديل" (5/226)، "الثقات" (7/77)، "ميزان الاعتدال" (1/455) و(2/555)، "لسان الميزان" (2/550).
ثانيا: حديث أبي الدرداء:
يرويه الحسن البصري واختلف عنه:
فرواه يونس بن عبيد وقتادة عنه عن أبي الدرداء موقوفا. – وهو أصح ما روي عن الحسن، وروايته عن أبي الدرداء منقطعة - كما سيأتي.
ورواه سليمان بن أرقم ومبارك بن فضالة وسالم الخياط عنه مرسلا.
ورواه غالب الجزري عنه عن أبي هريرة يرفعه
ورواه إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن البصري واختلف عنه
فرواه أبو معاوية الضرير عنه عن الحسن عن عبادة بن الصامت يرفعه.
وخالفه سفيان بن عيينة فرواه عنه عن الحسن عن رجل عن أبي الدرداء مرفوعا.
ورواه عمرو بن عبيد عنه عن أبي الدرداء مرفوعا.
ورواه إبراهيم بن أبي يحيى واختلف عنه:
فرواه يحيى بن عبد الله الأواني عنه عن عمرو بن عبيد عن الحسن، عن أبي الدرداء مرفوعا.
ورواه عبد الرزاق عنه عن صفوان بن سليم عن أبي ذر يرفعه، بنحوه.
وتفصيل ذلك:
فقد أخرجه عبد الرزاق (10245 و 10246) من طريق قتادة، وسعيد بن منصور في "سننه" (1604)، وابن أبي شيبة (18714) من طريق يونس بن عبيد، كلاهما عن الحسن البصري عن أبي الدرداء - موقوفا - قال: ثلاث لا يلعب بهن النكاح، والعتاق، والطلاق.
وهذا إسناد صحيح إلى الحسن وهو أصح ما روي عنه – وحسبك أن فيهم: يونس بن عبيد وهو من أثبت أصحاب الحسن- ويبقى الأثر ضعيفا لانقطاعه فإن الحسن لم يسمع من أبي الدرداء، قاله أبو حاتم "المراسيل" (ص 44).
ورواه إسماعيل بن مسلم المكي واختلف عنه:
فأخرجه أحمد بن منيع في "مسنده" (3139/إتحاف الخيرة) – وعنه أبو القاسم البغوي في "الأول والثاني من القراءة" (ق68/أ) -، وابن مردويه كما في "التفسير" لابن كثير (2/ 369) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن خازم عن إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عبادة بن الصامت، قال: كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق امرأته، ويقول: كنت لاعبا، ويعتق مملوكه، ويقول: كنت لاعبا، ويزوج ابنته، ويقول: كنت لاعبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من قالهن كن جائزات عليه: العتاق، والطلاق، والنكاح، فأنزل الله عز وجل ذلك:{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}.
وخالفه سفيان بن عيينة، فأخرجه ابن أبي عمر العدني في "مسنده" (5630/إتحاف الخيرة) عنه عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن رجل، عن أبي الدرداء، يرفعه، بنحوه.
وإسماعيل بن مسلم المكي ضعيف الحديث، والحسن لم يسمع من عبادة كما في التهذيب للحافظ العسقلاني نقلا عن البزار.
وأخرجه محمد بن الحسن الشيباني في "الحجة" (3/201) عن سالم الخياط، ويحيى بن سلام في "تفسيره" – كما في "التفسير" لابن أبي زمنين (1/ 234)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/184) من طريق سليمان بن أرقم، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2248) من طريق مبارك بن فضالة، ثلاثتهم (سالم الخياط وسليمان ومبارك) عن الحسن البصري، مرسلا.
قلت: ثلاثتهم فيهم كلام، فسالم سيء الحفظ، ومبارك يدلس ويسوي، وسليمان متروك وإن كانت تتقوى مجتمعة، إلا أنها جاءت مخالفة لرواية ثبتين وهما يونس وقتادة المتقدمة وهي أصح من تلك.
وأخرجه ابن أبي شيبة (18719) عن عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن البصري عن أبي الدرداء، مرفوعا.
كذا عنده عمرو ولم ينسبه، ولعله عمرو بن عبيد كما في الروايتين التاليتين:
فأخرجه ابن مردويه كما في التفسير لابن كثير (2/ 369) من طريق عمرو بن عبيد عن الحسن البصري عن أبي الدرداء، موقوفا.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 190) من طريق يحيى بن عبد الله الأواني عن إبراهيم بن أبي يحيى عن عمرو بن عبيد عن الحسن، عن أبي الدرداء مرفوعا ومختصرا.
وفيه وجه أخر عن إبراهيم بن أبي يحيى، فقد أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10249) عن إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم، أن أبا ذر يرفعه، بنحوه.
وإبراهيم بن أبي يحيى متروك، وكذا عمرو بن عبيد، وصفوان لم يدرك أبا ذر في الوجه الثاني.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/109) من طريق غالب الجزري عن الحسن البصري عن أبي هريرة، به.
قال ابن عدي: ولغالب أحاديث منكرة المتن.اه.
قلت: قد ضعفه ابن المديني وابن سعد والعجلي والنسائي والعقيلي والحاكم وغيرهم، وقال أبو حاتم:متروك الحديث منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك.
الحديث الثالث:
رواه عبد الله بن لهيعة واختلف عنه:
فرواه بشر بن عمر عن عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عبادة بن الصامت، يرفعه. أخرجه الحارث في "مسنده" (503/بغية) عن بشر بن عمر.
وخالفه عثمان بن صالح فرواه عنه عن عبد الله بن أبي جعفر، عن حنش بن عبد الله السبأي، عن فضالة بن عبيد الأنصاري، يرفعه.أخرجه الطبراني (18/رقم 780) عن يحيى بن عثمان بن صالح عن أبيه عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر، عن حنش بن عبد الله السبأي، عن فضالة بن عبيد الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث لا يجوز اللعب فيهن، الطلاق، والنكاح، والعتق.
كذا بالمطبوعة: "عبد الله بن أبي جعفر" وأظنه "عبيد الله" كما في "مسند الحارث"، ويحيى بن عثمان لينه بعضهم لكونه حدث من غير أصله، وروايته عن أبيه عن ابن لهيعة مخالفه لرواية بشر بن عمر، وبشر: ثقة، فالوجه الأول أشبه، والمدار على ابن لهيعة والعمل على تضعيف حديثه، وعبيد الله بن أبي جعفر مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل بعدها فهو قطعا لم يدرك عبادة، وما أظنه أدرك فضالة أيضا.
الحديث الرابع حديث ابن عباس:
أخرجه ابن مردويه – كما في "تفسير ابن كثير" (2/ 369) – من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس، قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق، فأنزل الله {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق.
وليث: صدوق اختلط جدا و لم يتميز حديثه فترك.
قلت:
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (10250) عن ابن جريج قال: أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من طلق، أو نكح لاعبا فقد أجاز.
قال ابن حزم في "المحلى" (10/ 204):هذا فاحش الانقطاع.
قلت: وأخرجه أيضا (10244) - ومن طريقه الطبراني (9/رقم 9707) -عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم، أن ابن مسعود قال: من طلق لاعبا أو نكح لاعبا فقد جاز.
وأخرجه أيضا (10243) عن ابن جريج عن عطاء قال: من نكح لاعبا أو طلق فقد جاز وقال: لا لعب في الطلاق والنكاح.
وقد روي موقوفا عن عمر وعلي وابن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين وقد صح عن جماعة من التابعين منهم سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومروان وغيرهم.
تنبيه
الحديث بعد تخريجه وجدته على ملتقى أهل الحديث وقد نظرت فيه ووجدت الحال فيه كالذي رأيته عند بعض المحققين للحديث - على هامش بعض طبعات مصادر الحديث المتقدمة - بأن جعلوا له شواهد من حديث أبي ذر وفضالة وعبادة وأبي الدرداء وأبي هريرة، وذلك كله منشأه الخلاف الحاصل على الحسن البصري وغيره في الحديث، فآثرت نشره هنا بيانا لعلته، وللفائدة، والله المستعان، والله أعلم.