الشيخ محمد بن صالح العثيمين / بلوغ المرام
شرح كتاب البيوع-34
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) . أخرجه البخاري . حفظ
الشيخ : ثم قال: وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ).
( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا ) أولًا لنعرف كلمة أجرًا ما الذي نصبها؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : مفعول به أخذ.
الشيخ : مفعول أخذ إيه نعم مفعول أخذ، وهي في أول وهلة يظن الظآن أنها تمييز لأنها وقعت بعد اسم التفضيل لكن ليس كذلك، يعني إن أحق أخذتم عليه أجرًا كتاب الله هو خبر إن، هذا أحق ما يؤخذ عليه الأجر كتاب الله، وهذا أتى به المؤلف في باب الإجارة ليستدل به على جواز أخذ الأجرة على القرآن.
وقوله: ( كتاب الله ) نسبه إلى الله كما نسبه الله تعالى إلى نفسه في عدة آيات لأنه تكلم به سبحانه وتعالى، فالقرآن كلام الله تكلم به وكتب في الصحف التي في أيدي الملائكة وكتب كذلك في الصحف التي في أيدينا فسمي كتاب الله، ولا نعلم أن الله كتبه سبحانه وتعالى بيده وإنما كتب سبحانه وتعالى التوراة بيده كما قال تعالى: (( وكتبنا له في الألواح من كل شيء )) طيب الأخذ على كتاب الله يشمل أو بالأصح له ثلاث صور، الصورة الأولى: أن يأخذ أجرًا على التلاوة على مجرد التلاوة.
الصورة الثانية: أن يأخذ أجرًا على تعليم القرآن.
الصورة الثالثة: أن يأخذ أجرًا على الاستشفاء به هذه ثلاث صور فأيها المراد؟ نقول: إن السنة دلّت على أن المراد بذلك صورتان، الصورة الأولى: التعليم، والصورة الثانية: الاستشفاء، أما مجرد التلاوة فإن الأدلة تدل على تحريم ذلك.
طيب مثال التلاوة: ما يصنعه بعض الناس الآن من أنه إذا مات الميت أتوا بقارئ يقرأ القرآن يقولون إنه لروح الميت وهذا العمل حرام، حرام لأنه لا يجوز أخذ الأجرة على مجرد القراءة وهو كذلك بدعة، لأن السلف لم يكونوا يفعلونه فهو حرام من جهة أخذ الأجرة على القراءة ومن جهة كونه بدعة، ولهذا يعتبر صرف المال لهذا العمل إضاعة للمال ولا يجوز لأحد أن يفعل ذلك، فإن قال المال لي بعد انتقاله من الميت قلنا نعم هو لك لكن أضعته، وإضاعة المال حرام فكيف إذا كان في الورثة قصّار وأخذ هذا من نصيبهم يكون أشد وأشد، ثم إن الميت لن ينتفع بهذه القراءة حتى على القول بأن الميت إذا قرئ له شيء نفعه فإنه في هذا لا ينتفع به، لماذا؟ لأن القارئ ليس له أجر ووصول الأجر للميت فرع عن ثبوت الأجر للقارئ، والقارئ هنا لا أجر له طيب لأنه أراد بعمل الآخرة الدنيا وكل عمل للآخرة فإنه لا يجوز أن يجعل للدنيا لقول الله تعالى: (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )) إذن هذا القسم أو هذه الصورة حرام ولا غير حرام، حرام بدليل الآية التي سقتها لكم.
الصورة الثانية: أن يأخذ على القرآن أجرًا على تعليمه يقول أن أعلمك كل جزء بكذا أو كل سورة مقدارها خمس صفحات بكذا أو ما أشبه ذلك فهذا جائز، هذا على القول الراجح جائز لدخوله في عموم قوله: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي طلب منه أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ( التمس لها مهرًا ولو خاتمًا من حديد ) فقال لم أجد شيئًا إلا إزاري فقال: ( أمعك شيء من القرآن؟ ) قال: نعم سورة كذا وكذا، قال: ( فعلمها ) فقال: ( زوجتكها بما معك من القرآن ) فجعل تعليمه لها إيش؟ مهرًا والمهر لا يكون إلا مالًا لقوله تعالى: (( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم )) وإذا كان مالًا صح عقد الأجرة عليه، إذن فتعليم القرآن يجوز أخذ الأجرة عليه حتى مع المعاقدة بأن يقول لا أعلمك إلا بكذا، أما المكافأة على التعليم فلا شك في الجواز.
طيب الصورة الثالثة: الاستشفاء به بأن يكون مريض يذهب إلى قارئ يقرأ عليه من أجل أن يبرأ من مرضه فهذا أيضًا جائز، لأن هذا العوض في مقابلة قراءته التي يراد بها الاستشفاء فهي عوض عن أمر دنيوي وهو شفاء هذا المريض هذا من حيث التعليل، أما من حيث الدليل فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه كان في سفر ومعه جماعة فنزلوا على قوم من العرب ليلًا فاستضافوهم ولكنهم لم يضيفوهم العرب ما أضافوهم فتنحى أبو سعيد ومن معه ناحية فأذن الله عز وجل أن يلدغ رئيسهم رئيس القوم الذين منعوا الضيافة لدغته عقرب فعملوا كل عمل لعل الألم يسكن عنه، ولكنه لم يجد شيئًا فقالوا اذهبوا إلى هؤلاء النفر لعل فيهم من يقرأ فجاؤوا إلى النفر من الصحابة قالوا إن سيدهم لدغ فهل عندكم من راق؟ يعني من قارئ قالوا: نعم، فذهب أبو سعيد رضي الله عنه إلى هذا الرجل فقرأ عليه الفاتحة سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، لكن الصحابة قبل هذا قالوا لن نقرأ عليه حتى تعطونا أجرًا فجعلوا لهم قطيعًا من الغنم قطيعًا من الغنم، فلما أخذوه وأرادوا أن يقتسموه قال أبو سعيد: لا نقتسمه حتى نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ذلك من باب الاحتياط فلما قدموا وأخبروا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( أصبتم خذوا واقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا ) وضحك عليه الصلاة والسلام فهذا دليل على إيش؟ على جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن للاستشفاء هذا هو حاصل هذا الحديث إذن ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ) يكون هذا مخصوصًا بماذا؟ بالصورتين الأخيرتين التعليم والاستشفاء.
الطالب : شيخ أحسن الله إليك شيخ؟