تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية

    الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية


    صفا مصطفى عبدالفتاح



    الحمدُ لله الذي حفِظَ القرآن العظيمَ بحِفْظه، فقال تبارك اسمُه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:41، 42]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المُسْداةِ، إمام الأنبياءِ والمرسلين وخاتَمِهِم، الذي أَخرج الله به الناسَ مِن الظلمات إلى النورِ، وأَكْمَلَ به الدينَ، وأَتَمَّ به النِّعمة، وأَقامَ به الحُجَّةَ العلميةَ بالبرهان، والحجة العمليَّة بالقدوةِ، سَيِّدِنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ.

    أما بعدُ:
    فقد طار الحمامُ وجاء بأحلى الكلام؛ فأعلن: إنَّ الشبكة الغراء - شبكة أهل العلم الكرماء، شبكة الألوكة حاملة اللواء، ناصرة الإسلام وصانعة العلاء - قد بدأتْ مسابقتها السنويَّة للكتَّاب والأدباء والشعراء، وصدق فيها القول:
    تَرَى الأَلُوكَةَ غَرَّاءً وَقَدْ لَبِسَتْ
    نُورًا مِنَ الشَّمْسِ فِي حَافَاتِهَا سَطَعَا



    فأحببتُ أن يكون لي قدَمٌ فيها، أسير فيها مِن أسفلَ إلى أعلى، راجيةً الفوزَ بجائزة الله لي أولًا، ثم بجائزة الألوكة الأولى ثانيًا، إذ تعودتُ أن أسعى إلى المعالي، وأمتثل قول القائل - وأنا أمتطي قلمي وأقوده -:
    وَفاِرسُنَا عَلِيٌّ ذُو المعَالِي
    هُنَاكَ الفْضْلُ وَاْلأَمْرُ الرَّشِيدُ



    وقول القائل:
    بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي
    وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللَّيَالِي



    فكابدتُ وسهِرْتُ الليالي، حتى ظَهَرتْ كتابتي في حلتها هذه، فإن تحقق أملي فلله الحمد والفضل والمنة، وإن كانت الأخرى فحسبي أني اجتهدت، ولا أعدم الخير في التجربة والسعي مرة أخرى.

    وختامًا، أسأل الله رب العرش العظيم، أن يجعل ما كتبتُ وما أكتبُ زادًا وعتادًا لي يوم القدوم عليه، وأن يشملنا بعفوه ووالدينا وأهلينا وإخواننا، إنه كريم مجيب، وعلى كل شيء قدير.

    تمهيد:
    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله المبعوث للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعدُ:
    فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ[1] الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُو هُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»[2].

    قال النووي: "وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَا تِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

    وقال ابن حجر في الفتح: "قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَذَمَّهُ"[3].

    وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي المعجز، فمعلوم أنَّ الغَرْب كان وما زال يُمارس هُجُومًا فكريًّا - بعد أن فشل في الهجوم العسكري - مِمَّا أدى إلى اختراق صفوف الأمة الإسلامية، وتحريفِ كثير من تاريخها، ومنهجها، وحضارتها، وعقيدتها، واخترع أفكارًا تُشْبه الإسلامَ مِن طرفٍ خَفِيٍّ - وليستْ منه - فانبرى له مَن وقف حائِط صَدٍّ ضده، وزادت صيحاتهم تدوِّي في أرجاء المعمورة: أنِ احْذروا من الغزْوِ الفكري، أن احذروا مِنَ التغريب[4].

    فلما وجد الغربُ فشلهم في الحرب المباشرة، بدأ في استخدام سلوك المكر والخديعة - سلوك الغزو الفكري - والذي يُمَثِّل أفضل الطرُق وأقربها، لإحكام سيطرته الاستعمارية على المسلمين.

    فوضَعوا المخطَّطات والبرامج الدقيقة في هذا الجانب، ونسَجُوا المؤامَرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية، وعلى كلِّ ما له صِلَة بالإسلام؛ أمَّة وحضارةً وفكرًا، وأضحت قاعدتهم التي ارْتَكَزُوا عليها هي: "إذا أرهبك عدوُّك، فأفْسِد فِكْرَه ينتحر به، ومِن ثَمَّ تستعبده"، فانتقلتِ المعركةُ من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة[5].

    ثم نجحتِ المخططاتُ - وبكل أسف - فَسِرْنا نتبع خُطا مَن قبلنا؛ في كل كبير وصغير، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، فضاع جيلٌ من الشباب، وغُرِّبَ جِيلٌ من الفتيات، وانسلخ رجال من دينهم، وترك نساءٌ تعاليم نبيها، فإنا لله.

    فكان لزامًا عليَّ حملًا لأمانة الكلمة، أن أكتب شيئًا يعبِّر عما في داخلي من مرارةٍ وحرقة على حال أمتي؛ نتيجة التغريب الذي يُمارس عليها كل يوم؛ في شتى مجالات الحياة؛ في: الاقتصاد، والسياسة، والإعلام، والتعليم، والمرأة، حتى في طعامنا وشرابنا.

    وقد أخذتُ جانبًا واحدًا مِن هذه الجوانب المتعَدِّدة، أبين فيه ما فَعَلَهُ أصحابُ التقدُّم والتحرُّر! - وقد كذبوا تالله - وأقدِّم بعده حلولًا بديلة لأصحاب الحضارة الحقيقيين، أصحاب الحق والعدل، أصحاب الفكر المستقيم، أهل الديانة والملة الحنيفية.

    أما الجانب الذي اخترتُه فهو الجانب التربوي والتعليمي، لما يُمَثِّل من خطورةٍ عظيمةٍ على شبابنا أطفال في تعليمهم وتربيتهم.

    ولو استفضتُ في بيان كلِّ نقطة فيه، لما قُضِي وما انتهى، فآثرتُ أن تكون هذه الكلمات لبنات على الطريق، لعلَّ الله أن يُصلحَ الحال؛ لذت ملتُ إلى الاختصار والاقتصار، مبينًا ما اقتضى البيان، ومختصرًا ما اقتضى الاختصار.
    وسميتُه: "الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"

    وقد قسَّمتُه ثلاثة فصول:
    الفصل الأول: تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه.

    الفصل الثاني: أهداف الغزو الفكري ووسائله.

    الفصل الثالث: الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي.

    والله تعالى أسألُ أن يتمَّه بخيرِ حال، وأن ينفعَ به إخواننا في الألوكة وفي غيرها، وأن يكون زادًا وعتادًا لي يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    الفصل الأول

    تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه

    تعريف الغزو الفكري:
    الغزو الفكري: تغيير أحوال المسلمين السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، عن طريق استعمار القلوب والعُقُول، وتبديل الأفكار والقيَم والعقائد، فيصبح المغزوُّ فكريًّا خاضعًا بشكْلٍ تام لقادة الغزو وجنوده[6].

    ومن هنا يظْهَر الفَرْقُ جليًّا بين الغزْوِ العسكري والغَزْو الفكري[7]:
    1- فالغزو العسكري يستهدف أولًا وأخيرًا الأرض، وما فيها من خيراتٍ وموارد اقتصاديةٍ، وما تُشَكِّلُه من موقع إستراتيجي للأعداء.

    بينما الغزوُ الفكري يستهدف أشرف ما في الإنسان؛ عقيدته وفكره، قلبه وعقله.

    2- الغزو العسكري يضُرُّ بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم؛ لأنَّه يُحَرِّك في الشُّعوب المغزوة عاطفةَ الولاء للدِّين والوطن، ويُثير فيهم الحميَّة ضد المستعمر، فتهب الشعوب مُجاهدةً عن دينها، ومدافعةً عن أوطانِها.

    بينما الغزوُ الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.

    3- الغزوُ العسكري يُحَرِّك في الشُّعوب حسَّ العمل الجاد للاستقلال والتحرُّر من التبعيَّة والخُضُوع للأعداء.

    بينما الغزو الفكري يُفقد المغزوِّين القدرة والاستعداد للمجابهة، مما يجعلهم يقعون في أحابيل قادة الغزو بسهولة.

    4- الغزو العسكري وسائله منفِّرة، وهي مصحوبةٌ بالدَّمار والقتل والدم.

    بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة، ومصحوبة بالشهوات، فالاستجابة لها مِن قِبَل المغْزُوِّين أسرع، وأكثر، وأنجع.

    5- الغزو العسكري تكاليفُه باهظة، وهو يلقى أسباب المقاومة، وآثاره تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده.

    بينما الغزو الفكري قليل التكلفة، ولا يلقى في الغالب مُقاومةً، وتبقى آثارُه في عقول وقلوب المغزوِّين.

    6- قادة الغزو العسكري وجنوده يوجدون في مسرح العمليات والأحداث.

    بينما الغزو الفكري يكون قادتُه في الغالب بعيدين عن مسرح الأحداث، إذ يعملون مِن خلال عُمَلائهم ومأجوريهم من أبناء البلاد المغزُوَّة، والغزوُ يتم في جوٍّ من العلانية التامة، وتحت سمع وبصر القانون، بل برعايته وحمايته!

    7- الغزو العسكري لا يجد له كثيرًا من الأتباع.

    بينما الغزوُ الفكري يجد له كثيرًا من الأتباع والأنصار، الذين يمُدُّون يد التعاون باستمرار لقادة الغزو الفكري، وهؤلاء الأتباع والأنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة لبلادهم، وهم يظنُّون أنَّ خيانتهم - لدينهم وأمتهم - لا يمكن أن تنكشف للناس.

    دوافع الغزو الفكري:
    إن الله - عزَّ وجلَّ - ابْتَعَثَ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إلى البشريَّة جمعاء؛ لإخراج العِباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد - سبحانه وتعالى - فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]، وقال: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾[الطلاق: 10، 11]، وقد أَمَر اللهُ - تبارك وتعالى - نبيَّه وأُمَّة الإسلام بإبلاغ هذا الدِّين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، ثم لَمَّا وَجَد هؤلاءِ الحقدةُ انتشارَ الدِّين - بنَصِّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"[8] - تآمروا عليه وعلى أمة الإسلام، وقد أخذ هذا التآمر عدة صور بعد فشلهم الذريع في الإتيان على الإسلام من أسفله، وهدم أركان الإسلام، وأولها توجيه سهامهم نحو الخلافة الإسلامية، حتى نجحوا بفضل حقدهم الدفين!

    إن الحقد الذي يملأ الصدور ليزداد عندما يرون نور الإيمان يشع من قلوب ووجوه المؤمنين، عندما يرون ازدياد أعداء المسلمين، فقاموا يعملون على إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ تارة بأنه دين لا يصلح للحكم، وتارة بأنه دين لا يصلح للعصر، وتارة بأنه ليس بدين بل خرافة مزعومة!

    إن الغزو الفكري يظهر رأي العين عندما أقرأ قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102]، فهذا آيات تكشف نفسيات الأعداء، فبين الله تعالى أن الكافرين والمشركين وأهل الكتاب يقفون معًا على قدم وساق لمنع الخير، لمنع انتشار الإسلام، الكل يضمر شرًّا للإسلام وأهله.

    كذلك يظهر الحقد - لإحساسهم بأن المسلمين تميزوا عنهم - بقول الله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، حتى في الفكر الكفري يريدوننا مثلهم! فكيف يرضون أن نتقدم؟! فكيف يرون أقوى؟! ولكن كما قال الله: ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، و﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].

    إنَّ وُجودَ الإسلام بحَدِّ ذاته في دنيا الناس اليوم - فكرًا وسلوكًا واعتقادًا - غير مرغوب فيه من الغرب؛ إذ هو الخطرُ بِعَيْنه عليهم، فيَشْعُرون أنه يُهَدِّدهم حتى في أحلامهم، أما إذا تخلى المسلمون عن عقيدتهم وتهاونوا في شأنها، فإن الغرب لا يجد خطرًا ألبتة يخشاه، بل هو غاية المنى؛ إذ لا يتحرك المسلم إلا بعقيدة، فإذا ذهبت صار في دنياه كورقة الشجر أينما جاءها الهواء حركها!

    يقول ولفرد كانتول سميث في كتابه الإسلام في التاريخ المعاصر (122): "إن عزل العقيدة عن مجالاتها التطبيقية في حياة المسلمين لهو ما يقوض فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير الإسلامية؛ لأنها هي التي تتصدى لأي تدخل عسكري! لذلك يريد مُفَكِّرو الغرب أن يوقفوا بواسطة الغزو الفكري فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير، وجعلها مشلولة الإرادة، مبلبلة الفكر، سلسة الانقياد..."، ومنه يُعْلَم أن الحقد الصليبي الغربي الكافر يتحرك ضد الإسلام لهدمه بكلِّ قُوَّة، وهو نفسه - أي: ولفرد كانتول سميث - يُؤَكِّد في كتابه هذا ص 124 قائلًا: "لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني - في بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجهًا بقوةٍ وعنفٍ، وكان ناجحًا نجاحًا مكتسحًا في نصف العالم المسيحي تقريبًا..."!

    وإذا كان العامل الفكري والنفسي سببا رئيسا في حرب وهدم الإسلام، فلا ينفي هذا أن يكون هناك دوافعُ أخرى؛ كأن يكون عاملًا اقتصاديًّا، للاستيلاء على خيرات العالم الإسلامي، كما حَدَث مصر والمغرب والجزائر وليبيا، وكما هو حَادِثٌ الآن في العراق، والسودان وغيرها من بلاد المسلمين!

    كذلك هناك دوافع سياسية ودينية يتحرك بها القوم، ولكن الدافع الأكبر - في نظري - هو العامل النفسي.

    الفصل الثاني

    أهداف الغزو الفكري ووسائله

    أهداف الغزو الفكري:
    العقيدة أولًا!
    إن أسمى هدف يسعى إليه أصحاب الصليب هدم العقيدة أولًا؛ إذ هو النواة المحركة للقلب المسلم، فالعقيدة هي سبب الكره لهم، والعقيدة هي التي تمنع أفكارهم، والعقيدة هي التي ترفض سياستهم، والعقيدة هي التي تقف أمامهم أثناء الحروب العسكرية، والعقيدة هي تقف حائط سد أمام تسرب أفكارهم إلى الشباب المسلم، والعقيدة هي التي تحبب المسلمين في الجهاد والموت، والعقيدة هي التي تجمع آصرة الأخوة بين المسلمين، والعقيدة هي التي ترفض ولاية الكافرين على المؤمنين، والعقيدة هي التي ترفض أي ولاء إلا لله والإسلام.

    لقد هَدَف الاستعمارُ الغربي من تطبيق الغزو الفكري على الأمة الإسلامية إلى[9]:
    ضرب الإسلام من الداخل، عنْ طريقِ إضعاف فاعليته، وعَزْله عن التأثير في حياةِ المُسْلِمين، وتحويله إلى دين - أشبه بدين النصارى - لا يَأْبَه بحياة الناس التشريعيَّة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ أي: فَصْل الدِّين وعزله عن الدولة والحكم وحياة الناس العامة.

    وقف المد الإسلامي، وحَصْر الإسلام داخل حُدُودٍ لا يتجاوزها، حتى لا يدخلَ فيه أحد من الغربيين، وحَقْن الشعوب الأخرى بكراهية الإسلام والمسلمين.

    تجزئة المسلمين أرضًا وأمة وفكرًا، وتَشْويه صورتهم التاريخية الغابرة والحالية، والحيلولة دون مستقبل مشرق للإسلام والمسلمين.

    يقول لورانس براون: "لقد كنا نُخَوَّف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختِبار لم نجدْ مبررًا لمثل هذا الخوف، لقد كنا نخوَّف مِن قَبْلُ بالخطر اليهودي والخطر الأصفر، وبالخطر البلشفي (الشيوعي)، إلا أن هذا التخويف كله لم يكن كما تخيلناه.

    إننا وَجَدْنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كلُّ مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أمَّا الشعوب الصفر فإنَّ هناك دولًا ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتها... ولكن الخطر الحقيقي كامِنٌ في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".

    ويقول المنصر الصليبي غاردنز: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا"، ويقول رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "بن غوريون": "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلًا، وبدأ يتململ من جديد"[10].

    ومن ثَمَّ استخدموا كل وسيلة وطريقة وجدوا فيها محورًا نافعًا في صراعهم ضد الإسلام، لقد تعددت وسائل الغزو الفكري، وتكاثرتْ سبله حتى كاد الباحث المسلم يعجز عن تحديدها وحصرها، ومن العجيب أن بعض هذه الوسائل أصبحت أمرًا مستساغًا جدًّا عند كثير من المسلمين، ونحاول هنا الحديث عن بعض وسائل الغزو الفكري منبهين إلى خطورتها وآثارها في حياة المسلمين، ومنها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفرق الضالة، والمذاهب الفكرية الفلسفية والمناقضة للإسلام عقيدة ومنهجًا ونظامًا[11].

    وسائل الغَزْو الفكري:
    لقد اتحد أصحاب الصليب مع اليهود في حروبهم الفكرية ضد أصحاب المنهج الحق، المسلمين، وحاولوا استخدام كل طريقة نافعة يمكن بها إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، لذا اتخذت الحرب الفكرية طرقًا وأساليب عديدة أهمها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفِرَق الضالة.

    وسنحاول في عجالة إلقاء الضوء على كل نمط منها، حتى تستبين سبيل المجرمين، ويعلم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

    التنصير:
    والذي يُسَمَّى زورًا وبهتانًا بالتبشير.

    إن القوم ينطلقون بعقيدة، فالتنصيرُ فرْضٌ عليهم وواجِب؛ ففي خاتمة إنجيل مرقس (16: 15): "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزا بالإنجيل للخليقة كلها".

    فالنصارى بهذه العقيدة يريدون فرض النصرانية على العالم، لإدخال غير المؤمنين إلى دائرة الإيمان (أقصد الكفر)، فها هو روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية يقول: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة"! لذا فتجدهم يضحون بالغالي والرخيص في سبيل تحقيق أهدافهم، والتي تكمُن في[12]:
    1- الحيلولة دون دُخُول النَّصارى في الإسلام، ويُعبِّر عنه بعضُ المنَصِّرين بحماية النصارى من الإسلام.

    2- الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى - غير النصرانية - في الإسلام، والوقوف أمام انتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه، أو بالإبقاء على العقائد المحلية المتوارثة.

    3- إخراج المسلمين من الإسلام، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام.

    وهذا من الأهداف طويلة المدى؛ لأن النتائج فيه لا تتناسب مع الجهود المبذولة له من أموال وإمكانات بشرية ومادية؛ ذلك لأنه يسعى إلى هدم الإسلام في قلوب المسلمين، وقطع صلتهم بالله تعالى، وجعلهم مسخًا لا تعرف عوامل الحياة القوية التي لا تقوم إلا على العقيدة القويمة والأخلاق الفاضلة.

    4- بذر الاضطراب والشك في المُثُل والمبادئ الإسلامية، لمن أصروا على التمسك بالإسلام، ولم يُجْدِ فيهم الهدف الثالث سالف الذكر، وقد تكرر هذا الهدف في محاولات المنصر المعروف السمَوْءَل (صاموئيل) زويمر الذي خاص تجربة التنصير في البلاد العربية بعامة، وركز على منطقة الخليج العربية بخاصة.

    وقد أرسل إلى لو شاتليه رسالة في 7 / 8 / 1329 هـ - 2 / 8 / 1911 م قال فيها: "إن لنتيجية إرساليات التنصير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب، والأمر الذي لا مرية فيه هو أنَّ حظ المنصرين من التغيير - الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية في البلاد العثمانية والقطر المصري وجهات أخرى - هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه، ولا ينبغي لنا أنْ نعتمدَ على إحصائيات التعميد في معرفة عدد الذين تنصروا رسميًّا من المسلمين؛ لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور، ومتَحَقِّقون مِن وُجُود مئات من الناس انْتَزَعُوا الدِّين الإسلامي من قلوبهم، واعتَنَقُوا النصرانية من طرف خفي".

    ويعقب شاتليه على رسالة زويمر بقوله: "ولا شك أن إرساليات التنصير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزحَ العقيدة الإسلامية من نفوس مُنْتَحِليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبِنَشْرِها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يتحكك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبُل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التنصير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها.

    5- الإيحاء بأنَّ المبادئ والمُثُل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مُثُل ومبادئ أخرى، لتحل هذه المثل والمبادئ النصرانية محل المبادئ والمثل الإسلامية.

    6- الإيحاء بأنَّ تقدُّم الغربيين الذي وصلوا إليه إنما جاء بفضل تمسُّكهم بالنصرانية، بينما يُعزى تأخر العالم الإسلامي إلى تمسُّكهم بالإسلام، وهذا منطق المنصِّرين المُتَمَسِّكين بنصرانيتهم.

    أما العلمانيون فإنهم يُقَرِّرون أن سرَّ تقدم الغرب إنما جاء لتخلِّيهم عن النصرانية، وأن تخلُّف المسلمين يعود إلى إصرارهم على التمسك بدينهم!

    7- تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأخرى، وترسيخ مفهوم الفوقية والدونية، تعضيدًا للاحتلال بأنواعه، والتبعية السياسية من الشعوب والحكومات الإسلامية للرجل الأبيض، ومن ثَمَّ يستمر إخضاع العالم الإسلامي لسيطرة الاحتلال، ويستمر التحكم في مقدراته وإمكاناته.

    8- ترسيخ فكرة قيام دولة ووطن قومي لليهود في أي مكان أولًا، ثم في فلسطين المحتلة بعدئذ، أخذًا في الحسبان أن الإنجيل - العهد الجديد بعد تحريفه بأيدٍ يهودية - يتضمن تعاليم تدعو إلى هذه الفكرة، وأنها أضحت واجبًا مُقَدَّسًا على النصارى، ومن ناحية أخرى التخلص من الجنس اليهودي من أوروبا ثم أمريكا الشمالية، وتجميعهم في مكان واحد، وهذا هدف فرعي لذلك الهدف العقدي، ولم يتم هذا رغم استمرار تجمع اليهود في فلسطين المحتلة.

    9- التغريب، وذلك بالسَّعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري والعقدي من أصالتها الإسلامية، إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمَدَّة من خلفيَّة دينية نصرانيَّة أو يهودية، وفي هذا يقول سيرج لاتوش في كتابه تغريب العالم: "إنَّ تغريب العالم كان لمُدَّة طويلة جدًّا - ولم يكف كليًّا عن أن يكون - عَمَليَّة تنصير: إنَّ تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتَّضح تمامًا قبل الحروب الصليبية الأولى، في انطلاقات التنصير قسرًا، وإن مقاومة شارل مارتل في بواتييه، وأكثر من ذلك تحويل السكسون إلى المسيحية بوحشية، على يد القديس بونيفاس (680 - 754م) : ألا يشكل ذلك الحرب الصليبية الأولى، وأقصد القول بأنه شهادة لتأكيد ذاتية الغرب كقعيدة وكقوة؟ وهكذا نجد أنَّ ظاهِرة المنصِّرين بالمسيحية هي بالتأكيد حقيقة ثابتة للغرب، باقية في ضميره بكُلِّ محتواها الديني، يجدها الإنسانُ دائمًا في العمل تحت أكثر الأشكال تنوُّعًا، واليوم أيضًا، فإنَّ أغلب مَشْرُوعات التَّنْمية الأساسية في العالم الثالث تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر تحت شارة الصَّليب.

    10- والهدف الذي يذكر هنا متأخرًا قصدًا هو إدخال النصرانية أو إعادتها إلى عددٍ كبير من البلاد الإسلامية وغيرها، وبخاصَّة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وفي هذا يقول روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة".

    ويأتي هذا الهدفُ متأخِّرًا في الترتيب؛ لأنه قد تبَيَّن مِن تجارب المنصرين في المجتمعات الإسلامية بخاصة، والتي وصل إليها الإسلام بعامة، أنه ليس بالضرورة أن يكونَ هذا الهدف هو إدخال الآخرين في النصرانية، بقدر ما هو محاولة لضمان استمرار سيطرة النصرانية على الأمم الأخرى.

    ويمكن القول بأن هذه الأهداف المذكورة أعلاه تمثل مجمل ما يسعى المنصرون بعامة إلى تحقيقه في حملاتهم التنصيريَّة.

    • وسائل التنصير[13]:
    إذا عَرَفْنا أهدافَ التنصير، فلْنَعْلَم أن النصارى يسْعَوْن بكلٍّ وسيلة لتحقيق مِثْل هذه الأهداف، فهناك وسائل صريحة وأخرى خفيَّة، وقد استخدم المنصرون ثلاثة مجالات لتطبيق وسائلهم عليها، ألا وهي:
    التعليم، والطب، والمطبوعات والصُّحف والنشرات والمطابع، ووسائل الإعلام، والجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين، وتقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين.

    أولًا: التعليم: فقد سلك المنَصِّرون طرقًا لنشر التنصير في أركانه بعدة طرق منها:
    أ- الإكثار من إنشاء المدارس ورياض الأطفال، فإن الوسيلة التي تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين إنما هي تعليم الأولاد الصغار، وفي هذا الصدد يقول جون موط: "إن الأثر المفسد في الإسلام يبدأ باكرًا جدًّا، مِن أجل ذلك يجب أن نحمل الأطفال الصغار إلى المسيح قبل بلوغهم الرشد، وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية".

    ب- إنشاء الجامعات والكليات النصرانية، كالكليات القبطية والمدارس النصرانيَّة، والجامعة الأمريكية في كل من بيروت والقاهرة، وجنين بفلسطين، يقول نبروز رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت (1948-1954م): "لقد برهن التعليم على أنه أثمن الوسائل التي استطاع المنصرون أن يلجؤُوا إليها في سعيهم لتنصير سورية ولبنان"، وتقول المنصرة أنا ميليغان: "في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهم باشاوات وبكوات، وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليست ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة".

    وعن الجامعة الأمريكية في القاهرة يقول المنصرون: "لا بُدَّ من إنشاء مدرسة جامعية نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها، وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وأن العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر مركز عمل للتبشير، لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير البلدان الإسلامية".

    ج - اختيار المدَرِّسين والمعلِّمين وفق مقياس خاص، فالمدرس يجب أن يكون أجنبيًّا غير وطني، وإذا دعتِ الحاجةُ إلى معلم وطني، فلْيَكُن مسيحيًّا في الدرجة الأولى، وفي المناطق التي لا يوجد فيها أمثال هؤلاء: فليكن ممن مسخت أفكارهم وعقائدهم، ولا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه.

    وأذكر ها هنا قصة حدثت معي خصيصًا في مجال التعليم:
    إذ ذهبتْ إحدى المعلِّمات إلى مدرسة نصرانية للعمل فيها كمدرسة للغة العربية، ثُمَّ إذ بها تجد أن كثيرًا من أبناء المسلمين داخل هذه المدرسة! وكانت الشروط التي أملاها المدير النصراني:
    1- عدم ترتيل القرآن بالتجويد مطلقًا، أو بصوت، بل قراءته قراءة عادية!

    2- كل يوم صباحًا يدخل القسيس لرش ماء مبروكٍ على التلاميذ لينشطوا.

    3- عدم الصلاة في المدرسة مُطلقًا.

    4- تدريس الآيات القرآنية للمسلمين وغير المسلمين كتدريس النص الشعري تمامًا!

    5- حفظ قطع من الإنجيل للمسلمين وغير المسلمين!

    6- ممنوع تدريس التربية الدينية الإسلامية في المدرسة.

    7- عمل حصص عن المسيح وألوهية المسيح في "الحصص الفاضية".

    8- تفريق الهدايا والجوائز على الطلاب النصارى فقط؛ لأنهم "مسيحيون" أما المسلمون فلا؛ لأنهم مسلمون، وعندما يسأل الطلاب المسلمون يقول الآخرون لهم: لأننا مسيحيون اخْتَصَّنا المسيحُ بهذه الجوائز، فكونوا مثلنا لتأخذوا الجائزة!

    د- ملأ الكتب بالشبهات والتشكيكات، والدس على الإسلام وأهله، وإحالة الطلبة على المراجع التي كتبها المنصرون والمستشرقون.

    هـ- إجبار الطلاب المسلمين على دخول الكنيسة، والاستماع إلى مواعظ الأحد الدينية والقيام بالطقوس المسيحية، ولقد صرَّح بهذا الأمر عمدة الجامعة الأمريكية في بيروت عندما أصدر بيانًا سنة 1909م، جاء فيه: "إن هذه الكلية مسيحية، أسست بأموال شعب مسيحي، هم اشتروا الأرض، وهم أقاموا الأبنية، وهم أنشؤُوا المستشفى وجهَّزوه، ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليمًا يكون الإنجيل من مواده، فنعرض منافع الدين المسيحي على كل تلميذ، هكذا نجد أنفسنا ملزمين بأن نعرض الحقيقة المسيحية على كل تلميذ، وإن كل طالب يدخل إلى مؤسساتنا يجب أن يعرف مسبقًا ماذا يطلب منه".

    و- غرس مَبَادئ التربية الغربية وأنماط السلوك الغربي في نفوس المسلمين وحياتهم، حتى يشبوا مُقَلِّدين للغرب الكافر، وقد استَخَفُّوا بالأخلاق والقيم الإسلامية، وهذا ما نجده في طلابنا وتلامذتنا الآن في الصلاة إذ تجدهم يلبسون "التيشرت" القصير الذي يظهر العورة تقليدا للموضة الغربية، وفي المحلات نجد أن اللغة العربية ماتت واستبدلت الإنجليزية بها، حتى إنه من العجب أن تجد الكلمات الإنجليزية مكتوبة بالعربية؛ مثل: باد بوي للملابس الجاهزة، سنتر سي آي إيه للتعليم الثانوي، فانتاستيك آند أندرفول... إلخ.





    يتبع



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية

    الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية


    صفا مصطفى عبدالفتاح



    ثانيًا: الطب:


    يُعتبر الطب مِن أكرم المهن الإنسانية، وأرقى المهن من حيث المستوى والثقافة، ولكن كيف يكون موجودًا ولا يستغله المنصرون في نشر تنصيرهم يقول المنَصِّر الطبيب "بول هاريسون": "إن المنصر لا يرضى عن إنشاء مستشفى... لقد وجِدْنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى"، ويقول المنصر موريسون: "نحن متفقون بلا ريب على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات: أن ندخلهم أعضاء عاملين في الكنيسة المسيحية الحية"، وتقول المنصرة إيراهايس ناصحة الطبيب النصراني الذاهب في مهمة تنصيرية: "يجب أن تنتهز الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكرّز - فتبشر - لهم بالإنجيل.

    لقد أنشأ المنصرون في كثير من ديار الإسلام المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج، يعالجون المرضى باسم المسيح، ويخبرونهم أنه الشافي لهم، وأن الإيمان به شفاء ونجاة!

    ومن عَجَب أنَّ المنصرون القساوسة في مصر يحثون أبناءهم على دخول كليات الطب، فتجد أن كثيرا من الطلاب النصارى يدخلون كلية الطب، والصيدلة! فأين نحن يا مسلمون؟!

    ثالثًا: المَطْبُوعات والصُّحف والنشرات والمطابع:
    اهتَمَّ التنصير بالمطبوعات والنشرات وإصدار الجرائد والمجلات التنصيريَّة، فأنشؤُوا مطابع نصرانيَّة خاصَّة بهم؛ كدار النَّشر الأسقُفية، وكدار الكتاب المقدس، والمطبعة الأمريكية في بيروت، والمطبعة الكاثوليكية في بيروت أيضًا، ودعموها بأقل الأسعار حتى إن المرء ليزهل من قلة أسعار الكتب!

    كذلك عملوا على إصدار جرائد يومية خاصة بهم؛ كالجريدة التي تصدرها دار النشر الأسقفية في مصر، والتي يكتب بها أراذل الناس من البشر؛ كفاطمة ناعوت (المسلمة اسمها، الكافرة اعتقادًا)!

    وقد جاء في تقرير للندوة العالمية للشباب الإسلامي عن النشاط التنصيري في إفريقيا: لقد تمّ توزيع 610 عنوانًا لكتب تنصيرية مطبوعة بلغات مختلفة، ومئات الملايين من الكتب المطبوعة والتي تم نشرها، و24.900 مجلة متنوِّعة يُوَزَّع منها ملايين النسخ، ووزعوا 112 مليون نسخة إنجيل في عام 1987م، وتم ترجمة الإنجيل إلى652 لغة ولهجة إفريقية مقابل سبع لغات تم ترجمة القرآن لها فقط، و5445 لغة ولهجة تم ترجمة وتسجيل الإنجيل في أشرطة، وتم توزيع عشرات الملايين من هذه الأشرطة.

    رابعًا: استخدام وسائل الإعلام:
    يَستخدم المنصرون وسائل الإعلام في تحقيق أغراضه التنصيرية، ومنها: الإذاعة المسموعة والمرئية، والصحافة، والمسرح، وشرائط الفيديو والإنترنت ونحوها، ومن أشهر الإذاعات التنصيرية إذاعة منتوكارلوا الفرنسية، وحسب إحصائية عام 1416هـ يملك المنصرون (52) إذاعة في إفريقيا.

    وقد أُنشِئَتْ قنوات نصرانية تُذاع من الكنيسة مباشرة، وتقدم برامج تنصيرية مثل قناة: (v†c) وهي قناة الكنيسة القبطية، والرجاء، والكرمة، والحياة، ومعجزة، وأغابي الأرثوذوكسية، ونور سات، الطريق... وغيرها.

    خامسًا: الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين:
    إن الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية من أخطر الوسائل التي يستخدمها المنصرون في نشر تنصيرهم على المسلمين؛ فقد جاء في كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين ما يلي: "نحن نعني بالعمـل الاجتماعي المسيحي تطبيـق مبادئ يسوع المسيح في جميع الصلات الإنسانيـة، إن المسلمين يدَّعون أن في الإسلام ما يلبي كل حاجة اجتماعية في البشر، فعلينا أن نقاوم الإسلام دينيًّا بالأسلحة الروحية، فالنشاطُ الاجتماعي يجب أن يوافقَ التعليم المباشـر للإنجيل ويُساعده ويُتمِّمه.

    من أجل ذلك ننصح بالسَّيْر في الأعمال الاجتماعية على الأسس التالية: إيجاد بيوت للرجال والنساء، خصوصًا الطلبة منهم ومنهن، وإيجاد أندية للاعتناء بالتعليم الرياضي وبأعمال الترفيه، وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال، وبما أن جمعية الشباب المسيحية وجمعية الشابات المسيحيات قد نصَّبتا نفسهما للوصول إلى الشباب المسلم، فالواجب يقضي أن تشجعا فتتسع دائرة عملهما فتشمل الجماعات المسؤولة عن المسلمين"، ويقول المنصر أديسون: "إن فروع جمعية الشبان المسيحية قد نشرت في الشرق الإسلامي لتكون عونًا على تغلغل التنصير المسيحي".

    كذلك يدخل في هذا دور الأحداث الصغار، وهي خطيرة جدًّا، وقد حُكِي لي أن أحد الدعاة ذهب لزيارة إحدى هذه الدور فوَجَد القساوسة تتردد على الدار، فطلب منه مأمور (السجن) أو الدار أنْ يكثف المشايخ زيارتهم هنا لأن القساوسة تُحاوِل تَنْصير الأطفال داخل الدار، ويَتَعَلَّقون بالقساوسة جدًّا؛ لأن يغدقون عليهم المال، والملابس، ويعدونهم بعمل بعد الخروج، كذلك يعطونهم الهدايا.

    ويَدْخُل في ذلك أيضًا زيارة المرضى في المستشفيات، وإغداق الهدايا والأموال عليهم، ووعدهم بالعمل بعد الشفاء!

    سادسًا: تقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين:
    استغل المنصرون الفقر والجوع أسوأ استغلال فقاموا بتقديم المساعدات المالية والعينية لفقراء المسلمين فها هو المنصر دوغلاس يعترف أن الجماعات التنصيرية قد استغلت تقديم الطعام والكساء للفقراء المسلمين وخاصة الأطفال منهم في إبعادهم عن الإسلام، وما نراه من منظمة الصحة العالمية وما تفعله أكبر دليل على ذلك.

    كذلك ما نراه في الصومال وما يحدث فيها من كرب وشدة ليُعْلِمَنا أن التنصير لا يترك حادثة صغيرة ولا كبيرة إلا استخدمها.

    سابعًا: البعثات الجامعية والمنح والقروض للطلاب المحتاجين:
    استغل المنصرون الشباب المسلم وأغووهم ببريق البعثات الأمريكية والمنح التعليمية، وقاموا باختيار بعض الطلاب المسلمين لإرسالهم إلى أوربا وأمريكا كي يُكْسِبوهم شيئًا من أساليب الحياة الغربية، والاتجاهات الفكرية الغربية، ثم ما يلبث هؤلاء إما أن يكونوا نصارى بالفعل، أو ممالئين لهم، وهذا قديم من أيام محمد علي - عليه من الله ما يستحق - ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم وغيرهم، وما طه حسين عنا ببعيد!

    كانت هذه أهم وسائل التنصير، والتي يجب أن يَعْلَمَها الجميعُ لنحذر أننا على شفا حفرة من نار التنصير في بلادنا العربية. فاللهُمَّ سَلِّم.

    • • •
    ثانيًا: الاستشراق:
    قالوا: حركة علمية! وقد كذبوا والله!


    إنه لمن الخطأ الفاحش أن نطلق على الاستشراق حركة علمية، لا تهدف إلى شيء إلا أنها تدرس تراث شرقنا؛ اعتقاده ولغته وأدبه وتاريخه، بل هي حركة استعمارية تتخذ من التراث ساترا لمحاربة الإسلام، غرضها التشكيك في مصادره، ووضع السم في العسل لنظل تابعين قابعين لهم!

    إن الاستشراق في حقيقته غزو فكري، وامتداد للاحتلال، احتلال الأرض، واحتلال الفكر، فمن ظن أن الحرب انتهت فقد أخطأ، ومن ظن أنهم لا يكيدون لنا فهذا نائم؛ فبماذا نفسر احتلال العراق، وأفغانستان! إن الغرب بالغزو الفكري يجعل الشعوب تعيش في وهم كبير.

    أما المستشرقون فكما سلف فهم امتداد للحروب الصليبية، وهي شكل من أشكاله، فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابسا ثوب العلم - زُورًا وبهتانًا - ومدعيًا البحث عن الحقيقة، ولكن النية قد عقدت وبُيِّتَتْ على الطعن في الإسلام ومصادره.

    ورَحِم الله حَبَنَّكَة الميداني عندما وضعها في أجنحة المكر الثلاثة، فقال رحمه الله (1 / 120): "الاستشراق تعبير أطلقه غير الشرقيين على الدراسات المتعلقة بالشرقيين: (شعوبهم وتاريخهم وأديانهم ولغاتهم وأوضاعهم الاجتماعية وبلدانهم وسائر أراضيهم وما فيها من كنوز وخيرات وحضاراتهم وكل ما يتعلق بهم)، وكان هدفُ الغربيين من هذا الإطلاق العام الذي يشمل كل الشرق والشرقيين، مسلمين أو غير مسلمين، أن يكون غطاءً للهدف الأساسي، الذي هو دراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين لخدمة أغراض التبشير من جهة، وأغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى، ثم لإعداد الدِّراسات اللازمة لمُحارَبة الإسلام، وتحطيم الأمة الإسلامية وتجزئتها، وتفتيت وحدتها، ثُمَّ تَوَسَّعَت الدِّراسات الاستشراقيَّة بعد توسُّع الاستعمار الغربي في الشرق، فتناولتْ جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وجغرافيته وتقاليده ولغاته وكل ما يتعلق به".

    دوافع المستشرقين:
    يمكن تقسيم دوافع المستشرقين إلى دوافع خمسة هي:
    1- دافع ديني.

    2- دافع استعماري.

    3- دافع تجاري.

    4- دافع سياسي.

    5- دافع علمي.

    أولاً: الدافع الديني:
    إنَّ الحِقْدَ الدَّفينَ المُتَجَذِّر داخل الرهبان حسرة على انتشار الإسلام ليظهر بقوة على وجوههم قبل ألسنتهم، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، فالرهبان النصارى الذين اشتغلوا بالدراسات الاستشراقية كان همهم أن يطعنوا في دين الإسلام، ويشوهوا محاسنه، ظنًّا منهم أن ذلك ممكن؛ يقول لورنس براون: "إن دين المسلمين دين دعوة، إن الإسلام انتشر بين النصارى وغير النصارى، ثم إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوربا، فأخضعوها في مناسبات كثيرة"، ويقول مصطفى السباعي[14]: "فقد بدأ بالرهبان - كما رأينا - واستمر كذلك حتى عصرنا الحاضر - كما سنرى - وهؤلاء كان يهُمُّهُمْ أنْ يطعنوا في الإسلام، ويُشَوِّهُوا محاسنة، ويُحَرِّفُوا حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدِّينِيَّةِ أنَّ الإسلام - وقد كان يومئذٍ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيِّين - دينًا لا يستحق الانتشار، وأنَّ المسلمين قوم همج لصوص وسفَّاكُو دماء، يحثهم دينهم على الملذات الجسدية، ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. ثم اشتدَّتْ حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر، بعد أنْ رأوا الحضارة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة عند الغربيِّين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيرًا مِن تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيِّين عن نقد ما عندهم من عقيدةٍ وكُتُبٍ مُقَدَّسةٍ، وهم يعلمون ما تركتْهُ الفتوحات الإسلامية الأولى، ثم الحروب الصليبية، ثم الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد ذلك في نفوس الغربيِّين من خوف من قوة الإسلام وكرهٍ لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي، وازدادوا نشاطًا في الدراسات الإسلامية، وهناك الهدفُ التبشيري الذي لَم يتناسَوه في دراساتهم العلميَّة، وهم قبل كلِّ شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه سُمعة الإسلام في نفوس رُواد ثقافتهم من المسلمين؛ لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلامية، والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وكل ما يتَّصل بالإسلام من علم وأدب وتراث" ا. هـ.

    قال حَبَنَّكَة الميداني: "فهدف هذا الدافع - أي: الدافع الديني - هو إخراج المسلمين عن دينهم، فإن أمكن تنصيرهم فذلك، وإلا فإبقاؤهم لا دين لهم مطلقًا هدف مرجو يحقق للنصارى منافع ومصالح سياسية واقتصادية واستعمارية وغير ذلك.

    ولإخراج المسلمين عن دينهم وسائل كثيرة، منها:
    1- تنفير المسلمين من دينهم وحملهم على كراهيته.

    2- تشويه الإسلام، والتشكيك في أسسه، وتوجيه المطاعن له.

    3- تشويه التاريخ الإسلامي، وتشويه حضارة المسلمين، وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.

    4- نبش الحضارات القديمة، وإحياء معارفها، وبعث الطوائف الضالة والحركات الهدامة القديمة.

    5- تزيين ما في المسيحية من تعاليم وأحكام.

    6- استدراج المسلمين للأخذ بالحضارة المادية الحديثة، وما فيها من مغريات.

    7- ادعاء أن الفقه الإسلامي مقتبس من القانون الروماني.

    8- ادعاء أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتلاءم مع التطور الحضاري.

    9- الدعوة إلى نبذ اللغة العربية وتبديل طريقة كتابتها"[15].

    10- الانتقاص من الإسلام حتى لا يلتفت النصارى إلى نقد العقيدة النصرانية التي لا يقبلها العقل، ونقد الكتب المقدسة المحرَّفة عندهم.

    11- إثارة الشبهات والشكوك في مصادر التشريع الإسلامي، والزعم بأن أصوله ومبادئه مستمدة من اليهودية والنصرانية.

    ثانيًا: الدافع الاستعماري:
    بعد أن خيب الله تعالى آمال النصارى أصحاب الصليب وهزموا من المسلمين شر هزيمة، وطردوا شر طردة من ديارهم، بدؤوا يدرسون البلاد دراسة عميقة لاحتلالها من جديد، فكانت الدراسات الاستشراقية بغية تحقيق ما يلي[16]:
    1- اكتشاف مواطن القوة في الشعوب المسلمة - عناصر المقاومة الإسلامية الروحية والمعنوية- التي تقف حائلاً أمام السيطرة الاستعمارية، ثم بث عوامل الوهن والارتباك في تفكير المسلمين، لإفقادهم الثقة بأنفسهم وتراثهم، وتنمية مواطن الضعف التي تجعل في المسلمين قابلية للاستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة.

    2- العمل على ارتماء الشعوب المسلمة في أحضان الغرب الاستعماري، والإقبال على الأفكار والثقافات الغربية المادية اللادينية.

    4- إحياء الدعوات والنعرات الجاهلية، وإحلال المفاهيم القومية والوطنية الضيقة، ومن ثم تشتيت شمل الأمة المسلمة الواحدة التي تجمعها رابطة: وحدة العقيدة وأخوة الإيمان.

    يقول القس سيمون: "إنَّ الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوربية"، ويقول لورانس بروان: "الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي"، ويقول غاردنز: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا".

    ثالثاً: الدافع السياسي:
    "قبل الاستعمار وبعد تحرُّر البلاد الإسلامية منه، رأت الدوائرُ الاستعمارية أن حاجتها السياسية تقضي بأن يكون لها في قنصلياتها، وسفاراتها ومندوبيها في الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، من لديهم زادٌ جيد من الدِّراسات الاستشراقية، ليقوم لهم هؤلاء بمهمات سياسية متعددة مرتبطة بالشعوب الإسلامية، وبلدان العالم الإسلامي، ومنها ما يلي:
    1- الاتصال بالسياسيين والتفاوض معهم، لمعرفة آرائهم واتجاهاتهم.

    2- الاتصال برجال الفكر والصحافة للتعرف على أفكارهم وواقع بلادهم.

    3- بث الاتجاهات السياسية التي تريدها دولهم، فيمن يريدون بثها فيهم، وإقناعهم بها.

    4- الاتصال بعملائهم وأجرائهم الذين يخدمون أغراضهم السياسية داخل شعوب الأمة الإسلامية.

    وكم بثَّ حاملو هذا الدافع في شعوب المسلمين من أفكار؟! وكم دسوا من دسائس؟! وكم استخدموا من أجراء لإثارة الفتن، وإقامة ثورات وانقلابات عسكرية؟! إلى غير ذلك من أعمال.

    فهدف هذا الدافع: تحقيق غايات سياسية، تريد تحقيقها الدول الموجهة لهذا النوع من الدراسات لتسيير دول العالم الإسلامي في أفلاكها"[17].

    رابعًا: الدافع الاقتصادي والتجاري:
    كان أهم دافع بعد ما سبق الدافع الاقتصادي؛ إذ إن البلاد الإسلامية ملآنة بالأسواق التجارية والمؤسسات المالية والخيرات الوفيرة، لذا أراد الغرب الكافر أن يكون مسيطرًا على خيراته وموارده، ليكون صاحب الأمر والنهي، صاحب القوة، وهذا ما نشاهده الآن في العراق وليبيا وغيرهما من البلدان الإسلامية.

    لذا "وَجَّهَت المؤسساتُ الاقتصادية الغربية مَن يهتمون بالدراسات الاستشراقية، ليكونوا وسطاءهم ورسلهم ومستشاريهم والمترجمين لهم في مهماتهم ومطالبهم الاقتصادية أو أبدت استعدادها لاستخدام من يعمل لهم في هذا المجال، فاتجه فريق من الغربيين لهذه الدراسات، طمعًا بأن يجدوا أعمالاً لهم لدى المؤسسات الاقتصادية"[18]، ويقول السباعي في هذا الصدد: "ومن الدوافع: رغبة الغربيِّين في التعامل معنا لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين"[19].

    خامسًا: الدافع العلمي:
    من المستشرقين - وهم قلة - مَن أقبلوا على الاستشراق بدافع من حب الإطلاع على حضارات الأمم وأديانها وثقافاتها ولغاتها، وهؤلاء كانوا أقل من غيرهم خطأً في فهم الإسلام وتراثه؛ لأنهم لم يكونوا يتعمَّدون الدَسَّ والتحريف، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العملي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة إلى المُسْتَشْرِقِي نَ، بل إنَّ منهم من اهتدى إلى الإسلام وآمن برسالته. على أنَّ هؤلاء لا يوجدون إلاَّ حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الاستشراق بأمانة وإخلاص؛ لأنَّ أبحاثهم المُجَرَّدة عن الهوى، لا تلقى رواجاً، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين، ومن ثمة فهي لا تَدُرُّ عليهم ربحاً ولا مالاً؛ ولهذا ندر وجود هذه الفئة في أوساط المُسْتَشْرِقِي نَ[20].

    "وقد أعلن بعض هؤلاء إسلامه، ومن هؤلاء: المستشرق النمساوي ليوبلد فايس الذي تسمى بـ: محمد أسد، والشاعر الألماني جوتيه، والفرنسي واتين وانيه الذي تسمى ب ناصر الدين، والدكتور جرينيه الذي كان عضواً بمجلس النواب الفرنسي، وروجيه جارودي الذي دوَّن عدة كتب يدافع فيها عن حق الفلسطينيين العرب في وطنهم. ولقد تحوَّل هؤلاء بعد إسلامهم إلى جنود مدافعين عن الإسلام وقضاياه، وعن العالم الإسلامي وقضاياه ومشكلاته، غير أن بعضاً منهم قد وقع في أخطاء علمية بسبب حداثة إسلامهم، وجهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق التعبير فيها"[21].

    • • •


    ثالثا: التغريب:
    ترك المستشرقون في ديار الإسلام بعد طرد المسلمين لهم من ديارهم جيشا لا حصر له، يعمل ليل نهار على إكمال دور الاحتلال، ولكن دورهم كان السطو الفكري، وبث حضارة الغرب في عقول الشباب شيئًا فشيئًا، وذلك من خلال تلميعهم وتقديمهم في وسائل الإعلام على أنهم هم المفكرون، المثقفون، النخبة، ثم تنشر هذه الأسماء على مرآى ومسمع كل شباب؛ فينخدع الشباب بهم، وما أمثال: طه حسين، ونجيب محفوظ، وقاسم أمين، وغيرهم عنا ببعيد!

    ولكن لما وقف لهؤلاء جيش عاقل، يفهم أساليبهم وطرقهم، غيروا طريقهم ومن ذلك أنه: "لما ثار نقاش في الأزهر حول الإمام الزهري عام 1360 هـ قال الدكتور أحمد أمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجَّة حوله: "إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلت أنا في "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، هذا ما سمعتُه من الدكتور علي حسن يومئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين"[22].

    فمثل هذا الكلام يلفت الأنظار إلى مدى اللف والدوران، ومدى الإخفاء والتمويه الذي يمارسه دعاة التغريب على بلادنا، ممن يتسمون بأسمائنا، ويدينون بديننا!

    ثم يأتي بعضهم ويقول: لا يوجد ما يسمى باسم التغريب، وهذا محض خرافة! ويرد الأستاذ أنور الجندي على أمثال هؤلاء قائلاً: "إنَّ التغريب لَم يَعُدْ بعدَ هذا الوقت الطويل مَوْضِع تساؤل أو تشكيك، وربما كان كذلك في الثلاثينيات؛ حيث كان يُغطي العالم الإسلامي والأمة العربية ظلامٌ كثيفٌ، وكانت هناك حقائقُ كثيرة ما تزال محجوبة، ولعل أهمها: بروتوكولات صِهْيَوْن التي ظهرتْ في العالم كله عام 1902 م حتى عام 1952 م تقريبًا، وإلى ما بعد أن قامتْ إسرائيل في قلْبِ الأمة العربيَّة.

    ولقد كشفَ هذه الحقيقة دعاةُ التغريب أنفسُهم، ولعل أول وثيقة في هذا المجال هي كتاب: (وجهة الإسلام)، الذي ألَّفَه "هاملتون جب" مع جماعةٍ من المستشرقين، وأعلن فيه صراحةً أنَّ هدف البحث هو معرفة: "إلى أيِّ حدٍّ وصلتْ حركة تغريب الشرق، وما هي العوامل التي تَحُول دون تحقيق هذا التغريب"، وذلك للقضاء عليها!

    ويُمكن لقارئ الكتاب أن يستكشفَ مناهج التغريب واضحةً، كالسهام تَنْدَفِع في أعماق العيون الضالة والمضللة؛ لتسقط عنها غشاوات الغَباء والجَهْل، وجاء بعد ذلك كثيرون؛ فأشاروا إلى ذلك وأوردوا المصادر والوثائق: من العرب الدكتوران عمر فروخ والخالدي في كتابهم "التبشير والاستعمار"، ومن الغرب: المؤرخ العالمي توينبي في كتابه: (العالم والغرب).

    وهناك عشرات الأدلة والوثائق التي تضَعُ الحقيقةَ ناصعةً أمام مَن يُريدها لِوَجْه الحق، ولا يُمالئ فيها خاصَّة لأقطاب التغريب، ودعاة الجنس، وعَمَالِقة الغزو الثقافي[23].

    فالتغريبُ في حدِّ ذاته - كما يقول علي جريشة -: هو إحداثُ التغيير الاجتماعي والأخلاقي والفكري في حياة المسلمين، مما يجعلُهم بعيدين عن دينهم، وخاضعين في ذلك للجاهلية الغربية، ومُقتفين آثارها الخلقية والاجتماعية؛ أي: يُصبح المسلمُ غربيًّا أوربيًّا في سُلُوكه وأخلاقه، وقيمه وحياته الاجتماعية[24].

    الأسباب التي أدَّتْ إلى تغريب كثير من المسلمين:
    1- وُقُوع البلاد الإسلامية تحت سيطرة الغربيين فترة طويلة، ومحاولة الاستعمار الأوربي إحداث التغريب بكلِّ ما يملك من إمكانات، كما فعلتْ فرنسا في كل من الجزائر وسوريا ولبنان.

    2- تولية الاستِعمار الغربي أبناءَ النصارى والمنافقين مِن أبناء المسلمين المراكز والمناصِب المهمَّة ذات التأثير في حياتهم.

    3- الضَّعف السياسي الذي أصاب المسلمين بعد رحيل عساكر الاحتلال، وفقدان المسلمين الثِّقة بأنفسِهم وبما عندهم.

    4- تخلُّف العلوم الإسلامية، وجمود المنهج الدِّراسي على خطه القديم، ووقوف الفكر الإسلامي عن التجديد والابتكار، ومعالجة شؤون العصر.

    5- أخْذ المجتَمَعات الإسلامية بنُظُم التعليم الغربيَّة، ففي مصرَ فرَض اللورد كرومر المعتمد البريطاني وبمساعدة من القس دنلوب منهج التعليم والتربية الغربي على الدارسين، ولقد بقي هذا المنهج سائدًا فيها حتى يومنا هذا، وقد تأثَّرَتْ به كثير من البلدان العربية.

    6- جهل مُعظم المسلمين بحقائق الإسلام ومفاهيمه، وقلة الدعاة المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه هذا الدين وأهله[25].

    إن حركات التَّغْريب التي مارَسَها الغربُ ومارَسها مُعاوِنوه لَتَدُلُّك على مدى حرص هؤلاء على تحقيق أهدافهم؛ حتى في عمليات السطو الفكري والسرقة على أفكار وأعمال المسلمين، لذا نجد الدكتور محمد ياسين عريبيي يضع نموذجًا لتغريب العقل التاريخي العربي.

    قال الدكتور محمد ياسين عريبيي:
    نموذج لتغريب العقل التاريخي العربي:
    1- نعتمد في تثبيت العقل والفهم العربيين من ديكارت في الفكر الأوروبي الحديث إلى الفكر المعاصر على مطابقة النظريات والنتائج المترتبة عليها، والتركيب فيما بينها، ولا نأبه بالإقرار التاريخي الذي يطالب به المستشرقون ومن في حكمهم، وتكفي الإشارة إلى أن العقل التاريخي العربي تملكه الغرب عن طريق الترجمة اللاتينية وثم تمثله من خلال الصراع معه لمدة تزيد عن خمسة قرون، وهو العقل المكتوب الذي اعتمدت عليه الجامعات الأوروبية كما هو معروف، وللتحقيق يمكن الرجوع لمحاولة فهم هذا العقل من خلال مؤلفات العصر الوسيط بصورة خاصة التي تذكر فيها أسماء الكتب العربية وأسماء أصحابها.



    يتبع




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •