الحمدُ لله الذي حفِظَ القرآن العظيمَ بحِفْظه، فقال تبارك اسمُه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:41، 42]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المُسْداةِ، إمام الأنبياءِ والمرسلين وخاتَمِهِم، الذي أَخرج الله به الناسَ مِن الظلمات إلى النورِ، وأَكْمَلَ به الدينَ، وأَتَمَّ به النِّعمة، وأَقامَ به الحُجَّةَ العلميةَ بالبرهان، والحجة العمليَّة بالقدوةِ، سَيِّدِنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ.
أما بعدُ:
فقد طار الحمامُ وجاء بأحلى الكلام؛ فأعلن: إنَّ الشبكة الغراء - شبكة أهل العلم الكرماء، شبكة الألوكة حاملة اللواء، ناصرة الإسلام وصانعة العلاء - قد بدأتْ مسابقتها السنويَّة للكتَّاب والأدباء والشعراء، وصدق فيها القول:
تَرَى الأَلُوكَةَ غَرَّاءً وَقَدْ لَبِسَتْ
نُورًا مِنَ الشَّمْسِ فِي حَافَاتِهَا سَطَعَا
فأحببتُ أن يكون لي قدَمٌ فيها، أسير فيها مِن أسفلَ إلى أعلى، راجيةً الفوزَ بجائزة الله لي أولًا، ثم بجائزة الألوكة الأولى ثانيًا، إذ تعودتُ أن أسعى إلى المعالي، وأمتثل قول القائل - وأنا أمتطي قلمي وأقوده -:
وَفاِرسُنَا عَلِيٌّ ذُو المعَالِي
هُنَاكَ الفْضْلُ وَاْلأَمْرُ الرَّشِيدُ
وقول القائل:
بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي
وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللَّيَالِي
فكابدتُ وسهِرْتُ الليالي، حتى ظَهَرتْ كتابتي في حلتها هذه، فإن تحقق أملي فلله الحمد والفضل والمنة، وإن كانت الأخرى فحسبي أني اجتهدت، ولا أعدم الخير في التجربة والسعي مرة أخرى.
وختامًا، أسأل الله رب العرش العظيم، أن يجعل ما كتبتُ وما أكتبُ زادًا وعتادًا لي يوم القدوم عليه، وأن يشملنا بعفوه ووالدينا وأهلينا وإخواننا، إنه كريم مجيب، وعلى كل شيء قدير.
تمهيد:
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله المبعوث للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعدُ:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ[1] الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُو هُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»[2].
قال النووي: "وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَا تِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وقال ابن حجر في الفتح: "قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَذَمَّهُ"[3].
وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي المعجز، فمعلوم أنَّ الغَرْب كان وما زال يُمارس هُجُومًا فكريًّا - بعد أن فشل في الهجوم العسكري - مِمَّا أدى إلى اختراق صفوف الأمة الإسلامية، وتحريفِ كثير من تاريخها، ومنهجها، وحضارتها، وعقيدتها، واخترع أفكارًا تُشْبه الإسلامَ مِن طرفٍ خَفِيٍّ - وليستْ منه - فانبرى له مَن وقف حائِط صَدٍّ ضده، وزادت صيحاتهم تدوِّي في أرجاء المعمورة: أنِ احْذروا من الغزْوِ الفكري، أن احذروا مِنَ التغريب[4].
فلما وجد الغربُ فشلهم في الحرب المباشرة، بدأ في استخدام سلوك المكر والخديعة - سلوك الغزو الفكري - والذي يُمَثِّل أفضل الطرُق وأقربها، لإحكام سيطرته الاستعمارية على المسلمين.
فوضَعوا المخطَّطات والبرامج الدقيقة في هذا الجانب، ونسَجُوا المؤامَرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية، وعلى كلِّ ما له صِلَة بالإسلام؛ أمَّة وحضارةً وفكرًا، وأضحت قاعدتهم التي ارْتَكَزُوا عليها هي: "إذا أرهبك عدوُّك، فأفْسِد فِكْرَه ينتحر به، ومِن ثَمَّ تستعبده"، فانتقلتِ المعركةُ من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة[5].
ثم نجحتِ المخططاتُ - وبكل أسف - فَسِرْنا نتبع خُطا مَن قبلنا؛ في كل كبير وصغير، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، فضاع جيلٌ من الشباب، وغُرِّبَ جِيلٌ من الفتيات، وانسلخ رجال من دينهم، وترك نساءٌ تعاليم نبيها، فإنا لله.
فكان لزامًا عليَّ حملًا لأمانة الكلمة، أن أكتب شيئًا يعبِّر عما في داخلي من مرارةٍ وحرقة على حال أمتي؛ نتيجة التغريب الذي يُمارس عليها كل يوم؛ في شتى مجالات الحياة؛ في: الاقتصاد، والسياسة، والإعلام، والتعليم، والمرأة، حتى في طعامنا وشرابنا.
وقد أخذتُ جانبًا واحدًا مِن هذه الجوانب المتعَدِّدة، أبين فيه ما فَعَلَهُ أصحابُ التقدُّم والتحرُّر! - وقد كذبوا تالله - وأقدِّم بعده حلولًا بديلة لأصحاب الحضارة الحقيقيين، أصحاب الحق والعدل، أصحاب الفكر المستقيم، أهل الديانة والملة الحنيفية.
أما الجانب الذي اخترتُه فهو الجانب التربوي والتعليمي، لما يُمَثِّل من خطورةٍ عظيمةٍ على شبابنا أطفال في تعليمهم وتربيتهم.
ولو استفضتُ في بيان كلِّ نقطة فيه، لما قُضِي وما انتهى، فآثرتُ أن تكون هذه الكلمات لبنات على الطريق، لعلَّ الله أن يُصلحَ الحال؛ لذت ملتُ إلى الاختصار والاقتصار، مبينًا ما اقتضى البيان، ومختصرًا ما اقتضى الاختصار.
وسميتُه: "الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"
وقد قسَّمتُه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه.
الفصل الثاني: أهداف الغزو الفكري ووسائله.
الفصل الثالث: الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي.
والله تعالى أسألُ أن يتمَّه بخيرِ حال، وأن ينفعَ به إخواننا في الألوكة وفي غيرها، وأن يكون زادًا وعتادًا لي يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الفصل الأول
تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه
تعريف الغزو الفكري:
الغزو الفكري: تغيير أحوال المسلمين السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، عن طريق استعمار القلوب والعُقُول، وتبديل الأفكار والقيَم والعقائد، فيصبح المغزوُّ فكريًّا خاضعًا بشكْلٍ تام لقادة الغزو وجنوده[6].
ومن هنا يظْهَر الفَرْقُ جليًّا بين الغزْوِ العسكري والغَزْو الفكري[7]:
1- فالغزو العسكري يستهدف أولًا وأخيرًا الأرض، وما فيها من خيراتٍ وموارد اقتصاديةٍ، وما تُشَكِّلُه من موقع إستراتيجي للأعداء.
بينما الغزوُ الفكري يستهدف أشرف ما في الإنسان؛ عقيدته وفكره، قلبه وعقله.
2- الغزو العسكري يضُرُّ بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم؛ لأنَّه يُحَرِّك في الشُّعوب المغزوة عاطفةَ الولاء للدِّين والوطن، ويُثير فيهم الحميَّة ضد المستعمر، فتهب الشعوب مُجاهدةً عن دينها، ومدافعةً عن أوطانِها.
بينما الغزوُ الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.
3- الغزوُ العسكري يُحَرِّك في الشُّعوب حسَّ العمل الجاد للاستقلال والتحرُّر من التبعيَّة والخُضُوع للأعداء.
بينما الغزو الفكري يُفقد المغزوِّين القدرة والاستعداد للمجابهة، مما يجعلهم يقعون في أحابيل قادة الغزو بسهولة.
4- الغزو العسكري وسائله منفِّرة، وهي مصحوبةٌ بالدَّمار والقتل والدم.
بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة، ومصحوبة بالشهوات، فالاستجابة لها مِن قِبَل المغْزُوِّين أسرع، وأكثر، وأنجع.
5- الغزو العسكري تكاليفُه باهظة، وهو يلقى أسباب المقاومة، وآثاره تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده.
بينما الغزو الفكري قليل التكلفة، ولا يلقى في الغالب مُقاومةً، وتبقى آثارُه في عقول وقلوب المغزوِّين.
6- قادة الغزو العسكري وجنوده يوجدون في مسرح العمليات والأحداث.
بينما الغزو الفكري يكون قادتُه في الغالب بعيدين عن مسرح الأحداث، إذ يعملون مِن خلال عُمَلائهم ومأجوريهم من أبناء البلاد المغزُوَّة، والغزوُ يتم في جوٍّ من العلانية التامة، وتحت سمع وبصر القانون، بل برعايته وحمايته!
7- الغزو العسكري لا يجد له كثيرًا من الأتباع.
بينما الغزوُ الفكري يجد له كثيرًا من الأتباع والأنصار، الذين يمُدُّون يد التعاون باستمرار لقادة الغزو الفكري، وهؤلاء الأتباع والأنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة لبلادهم، وهم يظنُّون أنَّ خيانتهم - لدينهم وأمتهم - لا يمكن أن تنكشف للناس.
دوافع الغزو الفكري:
إن الله - عزَّ وجلَّ - ابْتَعَثَ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إلى البشريَّة جمعاء؛ لإخراج العِباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد - سبحانه وتعالى - فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]، وقال: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾[الطلاق: 10، 11]، وقد أَمَر اللهُ - تبارك وتعالى - نبيَّه وأُمَّة الإسلام بإبلاغ هذا الدِّين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، ثم لَمَّا وَجَد هؤلاءِ الحقدةُ انتشارَ الدِّين - بنَصِّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"[8] - تآمروا عليه وعلى أمة الإسلام، وقد أخذ هذا التآمر عدة صور بعد فشلهم الذريع في الإتيان على الإسلام من أسفله، وهدم أركان الإسلام، وأولها توجيه سهامهم نحو الخلافة الإسلامية، حتى نجحوا بفضل حقدهم الدفين!
إن الحقد الذي يملأ الصدور ليزداد عندما يرون نور الإيمان يشع من قلوب ووجوه المؤمنين، عندما يرون ازدياد أعداء المسلمين، فقاموا يعملون على إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ تارة بأنه دين لا يصلح للحكم، وتارة بأنه دين لا يصلح للعصر، وتارة بأنه ليس بدين بل خرافة مزعومة!
إن الغزو الفكري يظهر رأي العين عندما أقرأ قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102]، فهذا آيات تكشف نفسيات الأعداء، فبين الله تعالى أن الكافرين والمشركين وأهل الكتاب يقفون معًا على قدم وساق لمنع الخير، لمنع انتشار الإسلام، الكل يضمر شرًّا للإسلام وأهله.
كذلك يظهر الحقد - لإحساسهم بأن المسلمين تميزوا عنهم - بقول الله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، حتى في الفكر الكفري يريدوننا مثلهم! فكيف يرضون أن نتقدم؟! فكيف يرون أقوى؟! ولكن كما قال الله: ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، و﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].
إنَّ وُجودَ الإسلام بحَدِّ ذاته في دنيا الناس اليوم - فكرًا وسلوكًا واعتقادًا - غير مرغوب فيه من الغرب؛ إذ هو الخطرُ بِعَيْنه عليهم، فيَشْعُرون أنه يُهَدِّدهم حتى في أحلامهم، أما إذا تخلى المسلمون عن عقيدتهم وتهاونوا في شأنها، فإن الغرب لا يجد خطرًا ألبتة يخشاه، بل هو غاية المنى؛ إذ لا يتحرك المسلم إلا بعقيدة، فإذا ذهبت صار في دنياه كورقة الشجر أينما جاءها الهواء حركها!
يقول ولفرد كانتول سميث في كتابه الإسلام في التاريخ المعاصر (122): "إن عزل العقيدة عن مجالاتها التطبيقية في حياة المسلمين لهو ما يقوض فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير الإسلامية؛ لأنها هي التي تتصدى لأي تدخل عسكري! لذلك يريد مُفَكِّرو الغرب أن يوقفوا بواسطة الغزو الفكري فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير، وجعلها مشلولة الإرادة، مبلبلة الفكر، سلسة الانقياد..."، ومنه يُعْلَم أن الحقد الصليبي الغربي الكافر يتحرك ضد الإسلام لهدمه بكلِّ قُوَّة، وهو نفسه - أي: ولفرد كانتول سميث - يُؤَكِّد في كتابه هذا ص 124 قائلًا: "لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني - في بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجهًا بقوةٍ وعنفٍ، وكان ناجحًا نجاحًا مكتسحًا في نصف العالم المسيحي تقريبًا..."!
وإذا كان العامل الفكري والنفسي سببا رئيسا في حرب وهدم الإسلام، فلا ينفي هذا أن يكون هناك دوافعُ أخرى؛ كأن يكون عاملًا اقتصاديًّا، للاستيلاء على خيرات العالم الإسلامي، كما حَدَث مصر والمغرب والجزائر وليبيا، وكما هو حَادِثٌ الآن في العراق، والسودان وغيرها من بلاد المسلمين!
كذلك هناك دوافع سياسية ودينية يتحرك بها القوم، ولكن الدافع الأكبر - في نظري - هو العامل النفسي.
الفصل الثاني
أهداف الغزو الفكري ووسائله
أهداف الغزو الفكري:
العقيدة أولًا!
إن أسمى هدف يسعى إليه أصحاب الصليب هدم العقيدة أولًا؛ إذ هو النواة المحركة للقلب المسلم، فالعقيدة هي سبب الكره لهم، والعقيدة هي التي تمنع أفكارهم، والعقيدة هي التي ترفض سياستهم، والعقيدة هي التي تقف أمامهم أثناء الحروب العسكرية، والعقيدة هي تقف حائط سد أمام تسرب أفكارهم إلى الشباب المسلم، والعقيدة هي التي تحبب المسلمين في الجهاد والموت، والعقيدة هي التي تجمع آصرة الأخوة بين المسلمين، والعقيدة هي التي ترفض ولاية الكافرين على المؤمنين، والعقيدة هي التي ترفض أي ولاء إلا لله والإسلام.
لقد هَدَف الاستعمارُ الغربي من تطبيق الغزو الفكري على الأمة الإسلامية إلى[9]:
• ضرب الإسلام من الداخل، عنْ طريقِ إضعاف فاعليته، وعَزْله عن التأثير في حياةِ المُسْلِمين، وتحويله إلى دين - أشبه بدين النصارى - لا يَأْبَه بحياة الناس التشريعيَّة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ أي: فَصْل الدِّين وعزله عن الدولة والحكم وحياة الناس العامة.
• وقف المد الإسلامي، وحَصْر الإسلام داخل حُدُودٍ لا يتجاوزها، حتى لا يدخلَ فيه أحد من الغربيين، وحَقْن الشعوب الأخرى بكراهية الإسلام والمسلمين.
• تجزئة المسلمين أرضًا وأمة وفكرًا، وتَشْويه صورتهم التاريخية الغابرة والحالية، والحيلولة دون مستقبل مشرق للإسلام والمسلمين.
يقول لورانس براون: "لقد كنا نُخَوَّف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختِبار لم نجدْ مبررًا لمثل هذا الخوف، لقد كنا نخوَّف مِن قَبْلُ بالخطر اليهودي والخطر الأصفر، وبالخطر البلشفي (الشيوعي)، إلا أن هذا التخويف كله لم يكن كما تخيلناه.
إننا وَجَدْنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كلُّ مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أمَّا الشعوب الصفر فإنَّ هناك دولًا ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتها... ولكن الخطر الحقيقي كامِنٌ في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".
ويقول المنصر الصليبي غاردنز: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا"، ويقول رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "بن غوريون": "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلًا، وبدأ يتململ من جديد"[10].
ومن ثَمَّ استخدموا كل وسيلة وطريقة وجدوا فيها محورًا نافعًا في صراعهم ضد الإسلام، لقد تعددت وسائل الغزو الفكري، وتكاثرتْ سبله حتى كاد الباحث المسلم يعجز عن تحديدها وحصرها، ومن العجيب أن بعض هذه الوسائل أصبحت أمرًا مستساغًا جدًّا عند كثير من المسلمين، ونحاول هنا الحديث عن بعض وسائل الغزو الفكري منبهين إلى خطورتها وآثارها في حياة المسلمين، ومنها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفرق الضالة، والمذاهب الفكرية الفلسفية والمناقضة للإسلام عقيدة ومنهجًا ونظامًا[11].
• وسائل الغَزْو الفكري:
لقد اتحد أصحاب الصليب مع اليهود في حروبهم الفكرية ضد أصحاب المنهج الحق، المسلمين، وحاولوا استخدام كل طريقة نافعة يمكن بها إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، لذا اتخذت الحرب الفكرية طرقًا وأساليب عديدة أهمها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفِرَق الضالة.
وسنحاول في عجالة إلقاء الضوء على كل نمط منها، حتى تستبين سبيل المجرمين، ويعلم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
• التنصير:
والذي يُسَمَّى زورًا وبهتانًا بالتبشير.
إن القوم ينطلقون بعقيدة، فالتنصيرُ فرْضٌ عليهم وواجِب؛ ففي خاتمة إنجيل مرقس (16: 15): "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزا بالإنجيل للخليقة كلها".
فالنصارى بهذه العقيدة يريدون فرض النصرانية على العالم، لإدخال غير المؤمنين إلى دائرة الإيمان (أقصد الكفر)، فها هو روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية يقول: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة"! لذا فتجدهم يضحون بالغالي والرخيص في سبيل تحقيق أهدافهم، والتي تكمُن في[12]:
1- الحيلولة دون دُخُول النَّصارى في الإسلام، ويُعبِّر عنه بعضُ المنَصِّرين بحماية النصارى من الإسلام.
2- الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى - غير النصرانية - في الإسلام، والوقوف أمام انتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه، أو بالإبقاء على العقائد المحلية المتوارثة.
3- إخراج المسلمين من الإسلام، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام.
وهذا من الأهداف طويلة المدى؛ لأن النتائج فيه لا تتناسب مع الجهود المبذولة له من أموال وإمكانات بشرية ومادية؛ ذلك لأنه يسعى إلى هدم الإسلام في قلوب المسلمين، وقطع صلتهم بالله تعالى، وجعلهم مسخًا لا تعرف عوامل الحياة القوية التي لا تقوم إلا على العقيدة القويمة والأخلاق الفاضلة.
4- بذر الاضطراب والشك في المُثُل والمبادئ الإسلامية، لمن أصروا على التمسك بالإسلام، ولم يُجْدِ فيهم الهدف الثالث سالف الذكر، وقد تكرر هذا الهدف في محاولات المنصر المعروف السمَوْءَل (صاموئيل) زويمر الذي خاص تجربة التنصير في البلاد العربية بعامة، وركز على منطقة الخليج العربية بخاصة.
وقد أرسل إلى لو شاتليه رسالة في 7 / 8 / 1329 هـ - 2 / 8 / 1911 م قال فيها: "إن لنتيجية إرساليات التنصير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب، والأمر الذي لا مرية فيه هو أنَّ حظ المنصرين من التغيير - الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية في البلاد العثمانية والقطر المصري وجهات أخرى - هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه، ولا ينبغي لنا أنْ نعتمدَ على إحصائيات التعميد في معرفة عدد الذين تنصروا رسميًّا من المسلمين؛ لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور، ومتَحَقِّقون مِن وُجُود مئات من الناس انْتَزَعُوا الدِّين الإسلامي من قلوبهم، واعتَنَقُوا النصرانية من طرف خفي".
ويعقب شاتليه على رسالة زويمر بقوله: "ولا شك أن إرساليات التنصير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزحَ العقيدة الإسلامية من نفوس مُنْتَحِليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبِنَشْرِها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يتحكك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبُل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التنصير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها.
5- الإيحاء بأنَّ المبادئ والمُثُل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مُثُل ومبادئ أخرى، لتحل هذه المثل والمبادئ النصرانية محل المبادئ والمثل الإسلامية.
6- الإيحاء بأنَّ تقدُّم الغربيين الذي وصلوا إليه إنما جاء بفضل تمسُّكهم بالنصرانية، بينما يُعزى تأخر العالم الإسلامي إلى تمسُّكهم بالإسلام، وهذا منطق المنصِّرين المُتَمَسِّكين بنصرانيتهم.
أما العلمانيون فإنهم يُقَرِّرون أن سرَّ تقدم الغرب إنما جاء لتخلِّيهم عن النصرانية، وأن تخلُّف المسلمين يعود إلى إصرارهم على التمسك بدينهم!
7- تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأخرى، وترسيخ مفهوم الفوقية والدونية، تعضيدًا للاحتلال بأنواعه، والتبعية السياسية من الشعوب والحكومات الإسلامية للرجل الأبيض، ومن ثَمَّ يستمر إخضاع العالم الإسلامي لسيطرة الاحتلال، ويستمر التحكم في مقدراته وإمكاناته.
8- ترسيخ فكرة قيام دولة ووطن قومي لليهود في أي مكان أولًا، ثم في فلسطين المحتلة بعدئذ، أخذًا في الحسبان أن الإنجيل - العهد الجديد بعد تحريفه بأيدٍ يهودية - يتضمن تعاليم تدعو إلى هذه الفكرة، وأنها أضحت واجبًا مُقَدَّسًا على النصارى، ومن ناحية أخرى التخلص من الجنس اليهودي من أوروبا ثم أمريكا الشمالية، وتجميعهم في مكان واحد، وهذا هدف فرعي لذلك الهدف العقدي، ولم يتم هذا رغم استمرار تجمع اليهود في فلسطين المحتلة.
9- التغريب، وذلك بالسَّعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري والعقدي من أصالتها الإسلامية، إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمَدَّة من خلفيَّة دينية نصرانيَّة أو يهودية، وفي هذا يقول سيرج لاتوش في كتابه تغريب العالم: "إنَّ تغريب العالم كان لمُدَّة طويلة جدًّا - ولم يكف كليًّا عن أن يكون - عَمَليَّة تنصير: إنَّ تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتَّضح تمامًا قبل الحروب الصليبية الأولى، في انطلاقات التنصير قسرًا، وإن مقاومة شارل مارتل في بواتييه، وأكثر من ذلك تحويل السكسون إلى المسيحية بوحشية، على يد القديس بونيفاس (680 - 754م) : ألا يشكل ذلك الحرب الصليبية الأولى، وأقصد القول بأنه شهادة لتأكيد ذاتية الغرب كقعيدة وكقوة؟ وهكذا نجد أنَّ ظاهِرة المنصِّرين بالمسيحية هي بالتأكيد حقيقة ثابتة للغرب، باقية في ضميره بكُلِّ محتواها الديني، يجدها الإنسانُ دائمًا في العمل تحت أكثر الأشكال تنوُّعًا، واليوم أيضًا، فإنَّ أغلب مَشْرُوعات التَّنْمية الأساسية في العالم الثالث تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر تحت شارة الصَّليب.
10- والهدف الذي يذكر هنا متأخرًا قصدًا هو إدخال النصرانية أو إعادتها إلى عددٍ كبير من البلاد الإسلامية وغيرها، وبخاصَّة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وفي هذا يقول روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة".
ويأتي هذا الهدفُ متأخِّرًا في الترتيب؛ لأنه قد تبَيَّن مِن تجارب المنصرين في المجتمعات الإسلامية بخاصة، والتي وصل إليها الإسلام بعامة، أنه ليس بالضرورة أن يكونَ هذا الهدف هو إدخال الآخرين في النصرانية، بقدر ما هو محاولة لضمان استمرار سيطرة النصرانية على الأمم الأخرى.
ويمكن القول بأن هذه الأهداف المذكورة أعلاه تمثل مجمل ما يسعى المنصرون بعامة إلى تحقيقه في حملاتهم التنصيريَّة.
• وسائل التنصير[13]:
إذا عَرَفْنا أهدافَ التنصير، فلْنَعْلَم أن النصارى يسْعَوْن بكلٍّ وسيلة لتحقيق مِثْل هذه الأهداف، فهناك وسائل صريحة وأخرى خفيَّة، وقد استخدم المنصرون ثلاثة مجالات لتطبيق وسائلهم عليها، ألا وهي:
التعليم، والطب، والمطبوعات والصُّحف والنشرات والمطابع، ووسائل الإعلام، والجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين، وتقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين.
أولًا: التعليم: فقد سلك المنَصِّرون طرقًا لنشر التنصير في أركانه بعدة طرق منها:
أ- الإكثار من إنشاء المدارس ورياض الأطفال، فإن الوسيلة التي تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين إنما هي تعليم الأولاد الصغار، وفي هذا الصدد يقول جون موط: "إن الأثر المفسد في الإسلام يبدأ باكرًا جدًّا، مِن أجل ذلك يجب أن نحمل الأطفال الصغار إلى المسيح قبل بلوغهم الرشد، وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية".
ب- إنشاء الجامعات والكليات النصرانية، كالكليات القبطية والمدارس النصرانيَّة، والجامعة الأمريكية في كل من بيروت والقاهرة، وجنين بفلسطين، يقول نبروز رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت (1948-1954م): "لقد برهن التعليم على أنه أثمن الوسائل التي استطاع المنصرون أن يلجؤُوا إليها في سعيهم لتنصير سورية ولبنان"، وتقول المنصرة أنا ميليغان: "في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهم باشاوات وبكوات، وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليست ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة".
وعن الجامعة الأمريكية في القاهرة يقول المنصرون: "لا بُدَّ من إنشاء مدرسة جامعية نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها، وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وأن العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر مركز عمل للتبشير، لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير البلدان الإسلامية".
ج - اختيار المدَرِّسين والمعلِّمين وفق مقياس خاص، فالمدرس يجب أن يكون أجنبيًّا غير وطني، وإذا دعتِ الحاجةُ إلى معلم وطني، فلْيَكُن مسيحيًّا في الدرجة الأولى، وفي المناطق التي لا يوجد فيها أمثال هؤلاء: فليكن ممن مسخت أفكارهم وعقائدهم، ولا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه.
وأذكر ها هنا قصة حدثت معي خصيصًا في مجال التعليم:
إذ ذهبتْ إحدى المعلِّمات إلى مدرسة نصرانية للعمل فيها كمدرسة للغة العربية، ثُمَّ إذ بها تجد أن كثيرًا من أبناء المسلمين داخل هذه المدرسة! وكانت الشروط التي أملاها المدير النصراني:
1- عدم ترتيل القرآن بالتجويد مطلقًا، أو بصوت، بل قراءته قراءة عادية!
2- كل يوم صباحًا يدخل القسيس لرش ماء مبروكٍ على التلاميذ لينشطوا.
3- عدم الصلاة في المدرسة مُطلقًا.
4- تدريس الآيات القرآنية للمسلمين وغير المسلمين كتدريس النص الشعري تمامًا!
5- حفظ قطع من الإنجيل للمسلمين وغير المسلمين!
6- ممنوع تدريس التربية الدينية الإسلامية في المدرسة.
7- عمل حصص عن المسيح وألوهية المسيح في "الحصص الفاضية".
8- تفريق الهدايا والجوائز على الطلاب النصارى فقط؛ لأنهم "مسيحيون" أما المسلمون فلا؛ لأنهم مسلمون، وعندما يسأل الطلاب المسلمون يقول الآخرون لهم: لأننا مسيحيون اخْتَصَّنا المسيحُ بهذه الجوائز، فكونوا مثلنا لتأخذوا الجائزة!
د- ملأ الكتب بالشبهات والتشكيكات، والدس على الإسلام وأهله، وإحالة الطلبة على المراجع التي كتبها المنصرون والمستشرقون.
هـ- إجبار الطلاب المسلمين على دخول الكنيسة، والاستماع إلى مواعظ الأحد الدينية والقيام بالطقوس المسيحية، ولقد صرَّح بهذا الأمر عمدة الجامعة الأمريكية في بيروت عندما أصدر بيانًا سنة 1909م، جاء فيه: "إن هذه الكلية مسيحية، أسست بأموال شعب مسيحي، هم اشتروا الأرض، وهم أقاموا الأبنية، وهم أنشؤُوا المستشفى وجهَّزوه، ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليمًا يكون الإنجيل من مواده، فنعرض منافع الدين المسيحي على كل تلميذ، هكذا نجد أنفسنا ملزمين بأن نعرض الحقيقة المسيحية على كل تلميذ، وإن كل طالب يدخل إلى مؤسساتنا يجب أن يعرف مسبقًا ماذا يطلب منه".
و- غرس مَبَادئ التربية الغربية وأنماط السلوك الغربي في نفوس المسلمين وحياتهم، حتى يشبوا مُقَلِّدين للغرب الكافر، وقد استَخَفُّوا بالأخلاق والقيم الإسلامية، وهذا ما نجده في طلابنا وتلامذتنا الآن في الصلاة إذ تجدهم يلبسون "التيشرت" القصير الذي يظهر العورة تقليدا للموضة الغربية، وفي المحلات نجد أن اللغة العربية ماتت واستبدلت الإنجليزية بها، حتى إنه من العجب أن تجد الكلمات الإنجليزية مكتوبة بالعربية؛ مثل: باد بوي للملابس الجاهزة، سنتر سي آي إيه للتعليم الثانوي، فانتاستيك آند أندرفول... إلخ.
يتبع