تحريم نسبة الفقر إلى الله تبارك وتعالى وتنزَّه وتقدَّس

فواز بن علي بن عباس السليماني


قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:181ـ182].

قال ابن عباس رضي الله عنهما لَما نزل قوله: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245] قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربُّك، يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ الآية؛ رواه ابن أبي حاتم (3 /4588)[1].

وقال محمد بن إسحاق: كما في «سيرة ابن هشام» (2 /592): حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المِدْرَاس، فوجد من يهود أناسًا كثيرًا، قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يُقال له: فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حَبْرٌ يُقال له: أشيع، فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص، اتَّق الله وأسلِم، فوالله إنك لتعلم أن محمدًا رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقرٍ، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرَّع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيًّا ما استقرض منا، كما يزعم صاحبُكم، ينهاكم عن الربا ويعطناه، ولو كان غنيًّا ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر رضي الله عنه، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا، وقال: والذي نفسي بيده، لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فاكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (ما حملك على ما صنعت؟)، فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قد قال قولًا عظيمًا، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله فيما قال فنحاص ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ الآية؛ اهـ[2].

قلت: وفي الباب عقب هذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
=============================
[1] حسنٌ: راجع: «تحقيق تفسير ابن كثير» (2 /479)، للدكتور حكمت ياسين، والله أعلم.

[2] حسنٌ: راحع: «فتح الباري» (8 /231)، و«تحقيق تفسير ابن كثير» (2 /479)، لحكمت ياسين.