انتبهوا.. كلنا مراقبون!


المراقبة والتجسس من أهم شواغل الأمم والأفراد في العصر الحالي؛ فهناك دراسات كثيرة عن تلصص دول كبرى على دول صغرى، وتسريبات لشخصيات مهمة هنا وهناك، ومعلومات تكشفها عمليات التتبع الدقيق لفترات طويلة لشخصيات أو هيئات، وتكون كلها من شواغل الفضائيات والفضائيين، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، بالدرجة التي جعلت الكثيرين من الأفراد يضعون برامج حماية قوية لحماية بياناتهم أو أجهزتهم الذكية، بالرغم من أنهم غير مستهدفين أو معنيين بهذه المعارك.
مراقبون تكنولوجيا هذه حقائق تؤكدها شركات الحماية، وقد يكون الكلام دقيقا، وقد يكون فيه قدر من المبالغة والتهويل؛ لكن المؤكد أننا مراقبون في مساحات أخرى أهم وأعظم بكثير من مساحات التقنية الحديثة، إلا أننا لا نوليها أدنى اهتمام من المراقبة. إنها مراقبة الله تعالى، ثم مراقبة سلوكياتنا وقياسها على ما يرضي الله تعالى، ويطبع علاقتنا بمن حولنا بالطابع الحقيقي للمسلم الصادق مع ربه، ثم مع نفسه وكل من حوله.
إنها مساحات شاسعة من المراقبة يتعرض لها الناس، بدءا من الهاجس وحديث النفس، وانتهاء بالفعل المادي الملموس الذي يترتب عليه نتائج وآثار ينتفع منها أناس ويتضرر منها أناس آخرون!
إن باب المراقبة في تربية النفس على التزام الطاعة وتلمس رضا الله من أهم الأبواب التي تتعلق بالأعمال القلبية، والأعمال الخفية عن العباد، ولا يطلع عليها غير الله جل وعلا.
ذكر الشيخ على الطنطاوي -رحمه الله- في كتابه (تعريف عام بدين الإسلام) أنه مما يحسُن تدريب الصغار عليه، تمرين في المراقبة، يردد فيه الطفل أو حتى الشخص الكبير «إن الله مطلع عليّ.. إن الله يراني»، هذا تمرين من شأنه أن يوقظ الإيمان المخدر في الصدور، وأن ينبه العباد إلى أن الله وحده هو المسيطر وهو المدبر، وبالتالي، ينتظم السلوك وفق ما يرضي الله سبحانه وتعالي.
لعل أكثرنا وقف في مرحلة من حياته على معاني مراقبة الله تعالى وما لها من آثار إيجابية، لكننا هنا نذكر أن للمراقبة عدة فوائد منها: الإيمان، والبعد عن المعصية، وتحسين العبادة وأدائها على الوجه الأكمل، كما أنها تورث الإخلاص والطهر والعفاف، وأنها تسهل طريق العبد إلى الجنة.
إنها تذكرة للتحول بالمراقبة إلى ما ينفعنا، وتأمين حدود النفس من الإضرار بالآخرين أو الإضرار بالذات، وذلك مما قد يصدر عنا بوعي أو بدون وعي، لكنه في النهاية يترتب عليه نتائج كبيرة، فإن كان الفعل حسنا، كانت النتائج حسنة، وإن كان الفعل غير ذلك كانت النتائج مما يضع المرء في دائرة الخطر الحقيقي.. فانتبهوا!
مؤمنة عبد الرحمن