17174 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرِيزٌ، عَنْ (1) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا (2) عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ 3) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ " (4)
(1) تحرف في (م) إلى: بن.
(2) في عامة النسخ بالتنوين غير (ق) ففيها شبعان بغير تنوين، وشبعان جاء تأنيثه شبعى وشبعانة، وقد قالوا في الصفة على وزن فعلان يشترط في منعها من الصرف أن لا تؤنث بالتاء، فإن أنثت بها تمنع من الصرف.
(3) ضبب فوق الضمير في (س) ، ولم يرد الضمير في نسخة السندي، ففيها: أن يَقْرُوه.
(4) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن أبي عوف الجُرَشي، فمن رجال أبي داود والنسائي، وهو ثقة. حريز: هو ابن عثمان الرحبي.
وأخرجه مطولاً ومختصراً ابن زنجويه في "الأموال" (620) ، وأبو داود في "السنن" (4604) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (668) و (670) ، وفي "الشاميين" (1061) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/549، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/89، وابنُ عبد البر في "التمهيد" 1/149-150، من طرق عن حريز بن عثمان، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/209، وابن حبان (12) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (667) ، والدارقطني 4/287، والبيهقي في "السنن" 9/332، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/89 من طريق مروان بن رؤبة، عن عبد الرحمن الجرشي، به.
وأخرجه الطبراني 20/ (669) من طريق عمرو بن رؤبة، عن عبد الرحمن الجرشي، به.
وأخرجه بنحوه ابن زنجويه (619) من طريق خالد بن معدان، عن المقدام، به.
والحديث سيأتي مختصراً في الروايتين (17193) و (17194) .
وفي الباب في قوله: "ألا يوشك رجل ينثني ... " عن أبي رافع، سيرد 6/8.
وفي الباب في قوله: "ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي" عن ابن عمر، سلف برقم (4720) ، وذكرنا بقيةَ أحاديث الباب هناك.
وفي الباب في قوله: "ولا كل ذي ناب من السباع" عن أبي هريرة، سلف برقم (7224) ، وذكرنا بقية أحاديث الباب هناك.
وفي الباب في قوله: "ألا ولا لُقَطَةٌ من مال معاهد.. إلخ " عن خالد بن الوليد، سلف 4/89- 90.
وقوله: "ومن نزل بقوم فعليهم أن يقرُوهم ... " سلف بنحوه برقم (17172) .
قال السندي: قوله: "ألا": حرف تنبيه. "الكتاب": القرآن. "ومثلَه" بالنصب، عطف على الكتاب. "معه": حال عن المثل، ويجوز أن يكون (مثله) بالرفع مبتدأ، و (معه) خبره، والجملة حال، والمماثلة إما في القَدْر، أو في وجوب الطاعة، والأول أظهر، فإن وجوب الطاعة يفهم من المعية. قال البيهقي: يحتمل أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر، أو أوتي الكتاب وحياً يتلى، وأوتي مثله من البيان، أي: أُذن له أن يُبينَ ما في الكتاب فيعم ويخص، وأن يزيد عليه، فيشرع ما ليس له ذكر في الكتاب، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به، كالظاهر المتلوِّ من القرآن.
"شبعاناً": هكذا وقع في النسخ منوناً، وقد جاء في مؤنثه شبعى وشبعانة.
قيل: وصفه بذلك لأن الحامل له على هذا القول إما البلادة وسوء الفهم، ومن أسبابه كثرة الأكل، وإما البطر والحماقة، ومن موجباته التنعم والغرور بالمال والجاه، والشبع يكنى به عن ذلك.
"على أريكته"، أي: جالساً على سريره المزين. قال الخطابي: أراد به أصحاب الترفُّه والدعة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم بالأسفار من أهله.
"يقول: عليكم ... إلخ": قال الخطابي: يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهب إليه الخوارج
والروافض، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن، وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب، فضلوا. قال: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان حجة بنفسه.
قلت: كأنه أراد به العرض لقصد رد الحديث بمجرد أنه ذُكر فيه ما ليس في الكتاب، وإلا فالعرض لقصد الفهم والجمع والتثبت لازم، ثم قال: وحديث: "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فخذوه" حديث باطل لا أصل له، روي عن يحيى بن معين إنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة.
"ألا لا يحل ... ": بيان ما حرمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائداً على ما في القرآن، لكن على سبيل التمثيل لا التحديد، ومنه يفهم أن قوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير) [النحل: 8] ليس لإفادة تحريم الخيل وغيره في الكتاب كما قيل، فتأمَّل.
"معاهَد": ذِمِّي، أو مستأمن، وتخصيصه لزيادة الاهتمام، لأنه لكفره يتوهم حِلُّ لقطته، والمراد غير الحربي، فيشمل المسلم أيضاً.
"إلا أن يستغني عنها" أي: إلا أن يكون حقيراً لا يُلتفت إليه عادة. وقال الخطابي: إلا أن يتركها صاحبها لمن أخذها استغناء عنها. قلت: وهذا يقتضي أنه لا يحل القليل إلا بعد علم صاحبه وتركه، إلا أن يقال: يستدل بحقارته على تركه عادة.
"أن يُعقبوهم": من أعقب أو عقَّب بالتشديد، أي: يُجازوهم. والله تعالى أعلم.
الكتاب: مسند الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)
المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون