والثاني: صِفَاتُ أَفْعَالٍ لَا تَقُومُ عِنْدَهُمْ بِالذَّاتِ بَلْ هِيَ نِسَبٌ إِضَافِيَّةٌ عَدِمِيَّةٌ، تَنْشَأُ مِنْ إِضَافَةِ المَفْعُولِ لِفَاعِلِهِ، وَلَا يُعْقَلُ لَهَا وُجُودٌ إِلَّا بِتِلْكَ الإِضَافَةِ، فَوُجُودُهَا أَمْرٌ سَلْبِيٌّ، وَلَيْسَ لَهَا وَجُودٌ فِي نَفْسِهَا، فَلَيْسَ ثِمَتَ عِنْدَهُمْ مَوْجُودٌ إِلَّا المَفْعُولَاتُ، وَأَمَّا الأَفْعَالُ فَنِسَبٌ وَإِضَافَاتٌ!
وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ! مُخَالِفٌ كَمَا قَدَّمْنَا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الكِتَابُ والسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ، بَلْ وَالعَقْلُ أَيْضًا، الَّذِي يَقْضِي بِأَنْ تَكُونَ صِفَاتُ الأَفْعَالِ قَائِمَةً بِمَنْ فَعَلَهَا، وَيَكُونَ مُتَّصِفًا بِهَا مَنْ قَالَهَا أَوْ عَمِلَهَا، إِذًا لَا يُتَصَوَّرُ فِي العَقْلِ مَفْعُولٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ، وَلَا مَخْلُوقٍ مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ، كَمَا لَا يَتَصَوَّرُ أَحَدٌ اسْمًا مُشْتَقًّا وَلَا يَكُونُ دَالًّا عَلَى صِفَةٍ فِي المَحَلِّ المُسَمَّى بِهِ.
وَالَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذَا الغَلَطِ الشَّنِيعِ: أَنَّ صِفَاتِ الأَفْعَالِ عِنْدَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا حَادِثَةً! لِتَعَلُّقِهَا بِالمَفْعُولَات ِ الحَادِثَةِ.
فَيَسْتَحِيلُ عِنْدَهُمْ قِيَامُهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى؛ لَأَنَّ قِيَامَ الحَوَادِثِ بِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِحدُوثِهِ، فَارْتَكَبُوا بِهَذِهِ الأَكذُوبَةِ أَعْظَمَ جِنَايَةٍ عَلَى الدِّينِ، حَيْثُ نَفَوا كُلَّ الصِّفَاتِ الفِعْلِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مِنَ الاسْتِوَاءِ عَلَى العَرْشِ والنُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَتَكْلِيمِهِ لِبَعْضِ عِبَادِهِ فِي بَعْضِ الأَزْمِنَةِ، وَحُبِّهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَمَقْتِهِ... إلخ.
كَمَا نَفَوا أَفْعَالَهُ الَّتِي يُوجِدُهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ تَبَعًا لِحكْمَتِهِ، وَأَقْوَالَهُ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا شَيْئًا بَعْد شَيءٍ كَذَلِكَ! وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّعْطِيلَ لِأَفْعَالِهِ لَهْوٌ كَتَعْطِيلِ الجَهْمِيَّةِ وَالمُعْتَزِلَة ِ لِصِفَاتِ ذَاتِهِ بِلَا فَرْقٍ أَصْلًا، فَإِذَا كَانَ هَذَا التَّعْطِيلُ لِصِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ بَاطِلًا بِإِقْرَارِ هَؤُلَاءِ أَنْفُسِهِمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْطِيلُ لِصِفَاتِهِ الفِعْلِيَّةِ بَاطِلًا كَذَلِكَ[35].
2- وَقَالَ القُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ: «خَرَّجَهُ الأَئِمَةُ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِمَا الأُمَّةُ، وَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الآَخَرِ، قَالَهُ الحُلَيْمِي».
وَكِلَاهُمَا ظَاهِرُ المَعْنَى، وَهُمَا مِنْ صِفَاتِ الأَفْعَالِ، يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَرِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُبْعِدُ مَنْ يَشَاءُ، فَمَنْ قُدِّمَ فَقَدْ نَالَ المَرَاتِبَ العُلَى، وَمَنْ أُخِّرَ فَقَدْ رُدَّ إِلَى السُّفْلَى.
قَالَ الحُلَيْمِي: «(المُقَدِّمُ): هُوَ المُعْطِي لِعَوَالِي الرُّتَبِ، وَ(المُؤَخِّرُ) هُوَ الدَّافِعُ عَنْ عَوَالِي الرُّتَبِ»، فَقَرَّبَ أَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ بِتَقْرِيبِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَأَخْزَى أَعْدَاءَهُ بِإِبْعَادِهِ، وَضَرَبَ الحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.
قَدَّرَ المَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ، وَقَدَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، وَرَفَعَ الخَلْقَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].
وَكُلُّ مُمْكِنٍ إِنَّمَا تَخَصَّصَّ فِي زَمَانِهِ وَصِفَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ، بِإِرَادَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ.
وَقَدْ يُرَادُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ: بَعْضُ المَوْجُودَاتِ عَلَى بَعْضٍ فِي الإِبْدَاعِ، وَتَأْخِيرِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ يُرَادُ بِهِمَا: تَقْدِيمُ بَعْضِ المَوْجُودَاتِ عَلَى بَعْضٍ فِي الرُّتَبَةِ وَالشَّرَفِ، وَتَأْخِيرُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، كَمَا ذَكَرْنَا.
فَعَلَى هَذَا، قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُقَدَّمًا فِي الإِبْدَاعِ وَالشَّرَفِ مَعًا، وَقَدْ يَكُونُ مُقَدَّمًا فِي الإِبْدَاعِ مُؤَخَّرًا فِي الشَّرَفِ.
وَقَدْ يَكُونُ مُؤَخَّرًا فِي الإِبْدَاعِ مُقَدَّمًا فِي الشَّرَفِ، كَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ آَخِرُ الأَنْبِيَاِء وَهُوَ أَشْرَفُهُم، وَكَنَوعِ الإِنْسَانِ الَّذِي أَبْدَعَهُ اللهُ بَعْدَ مَوْجُودَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا، وَقَدَّمَ إِبْلِيسَ قَبْلَ مَوْجُودَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ شَرٌّ مَنْهَا كُلِّهَا، وَقَدْ يَجْتَمِعُ لِبَعْضِ المَوْجُودَاتِ تَقْدِيمُ الإِبْدَاعِ وَالشَّرَفِ، كَالعَرْشِ والكُرْسِي وَالقَلَمِ وَالعَقْلِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَوَّلِ المُبْتَدَعَاتِ ، وَهِي عِنْدَ الله مُشْرَّفَاتٌ[36].
3- فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، قَدَّمَ مَنْ شَاءَ وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ، فِي الخَلْقِ وَالرُّتبةِ، أَوِ الرُّتْبَةِ دُونَ الخَلْقِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا فَحَقٌّ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا قَدَّمَهُ اللهُ، وَيُؤَخِّرَ مَا أَخَّرَهُ اللهُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى الخَافِضُ الرَّافِعُ، فَيُعِزُّ مَنْ أَعَزَّهُ اللهُ بِطَاعَتِهِ مِنْ إِخْوَانِهِ المُؤْمِنِينَ، وَيَهْجُرُ مَنْ أَذَلَّهُ اللهُ بِمَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ إِذَا تَابَ عَطَفَ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ بِحَسْبِ دَرَجَتِهِ[37].
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ اللهُ تَعَالَى، وَيُقَدِّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَلْيُسَابِقْ إِلَى طَاعَتِهِ والعَمَلِ بِمَرْضَاتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ مَحْبُوبَاتِهِ فَإِنَّهُ سَبِيلُ التَّقْدِيمِ إِلَى مَرَاتِبِ الشَّرَفِ وَالكَرَامَةِ وَالخَيْرِ والرَّحْمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ.
وَأَمَّا مَنْ تَرَاخَى عَنِ الأَخْذِ بِمَعَاقِدِ العِزِّ وَالشَّرَفِ، وَتَكَاسَلَ عَنِ القِيَامِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ مِنَ الوَاجِبَاتِ وَتَخَلَّفَ، وَتَعَدَّى حُدُودَ الله، وَلِلِتَّوْبَةِ سَوَّفَ، فَإِنَّهُ المُتَأَخِّرُ عَنْ دَرَجَاتِ الخَيْرِ وَالثَّوَابِ، المُؤَخَّرُ فِي الآَلَامِ وَالعَذَابِ.
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأَتَمُّوا بِي، وَلَيْأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُم»[38].
وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَوْمًا فِي مُؤخَّرِ المَسْجِدِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ[39]، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى «يُؤَخِّرُهُم اللهُ»: أَيْ عَنْ رَحْمَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُشْبِهُ هَذَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللهُ فِي النَّارِ»[40]، وِلِهَذَا حَثَّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ إِلَى التَّقَدُّمِ إِلَى الصُّفُوفِ الأُولَى وَالتَّسَابُقِ عَلَيْهَا، وَالتَّبْكِيرِ إِلَى المَسَاجِدِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ، لاسْتَبَقوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمةِ والصُّبحِ لأَتَوْهُما وَلَوْ حَبْوًا»[41].
وَقَدْ قَالَ تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
فَمَنْ كَانَ سَبَّاقًا إِلَى الخَيْرَاتِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ لِدُخُولِ الجَنَّاتِ فِي الأُخْرَى، وَالنَّاسُ فِي هَذَا دَرَجَاتٌ، فَفِي الحَدِيثِ فِي صِفَاتِ المَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «... فَيَمرُّ أَوَّلُكم كَالبَرْقِ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمرِّ البَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوا إِلَى البَرقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرفةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدَّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّم سَلِّم، حَتَّى تَعْجَزُ أَعْمَالُ العِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبٌ مُعَلَّقةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ»[42].
وَيَذْكُرُ صلى الله عليه وسلم مَنْ أُخِّرَ عَنْ دُخُولِ الجَنَّةِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ كُلُّهُمْ إِلَى مَنَازِلِهمْ وَبَقِي هُوَ، فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ: «.. ثُمَّ يَفْرُغ اللهُ تَعَالَى من القضاء بين العباد، ويَبْقَى رَجلٌ مقبلٌ بوجهه على النار، وهو آخرُ أهل الجنة دخولًا الجنة، فيقول: أي ربِّ! اصْرِف وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فإنه قد قشبني ريحُها وأَحرقني ذكاؤُها فَيْدعو الله مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُو، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ! فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الجَنَّةِ وَرَآَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ! قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أُعْطِيتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرِ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آَدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ! فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّة، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ انْفَهَقَتْ[43] لَهُ الجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الخَيْرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ، وَيْلَكَ يَا بْنَ آَدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ اللهُ مِنْهُ، قَالَ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا[44]، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِي. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ اللهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: «وِمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرجلُ آخر أهل الجنةِ دخولًا الجنة[45].
[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَ هُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.
[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».
وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».
[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».
ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».
[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».
[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.
[7] البخاري في كتاب التهجد، باب التهجد بالليل (1/ 377) (1069).
[8] البخاري في كتاب الصوم، باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان (1/ 22) (38).
[9]لسان العرب (12/ 467)، كتاب العين (5/ 122)، عون المعون (2/ 331).
[10] النسائي في الأذان، باب رفع الصوت بالأذان (2/ 13) (646)، وانظر صحيح الجامع (1841).
[11] مسلم في الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها (1/ 326) (439).
[12] أبو داود في الصلاة، باب تسوية الصفوف (1/ 180) (671)، وانظر: صحيح الجامع (122).
[13] انظر: طبقات الصوفية (ص: 489)، والتعرف لمذهب أهل التصوف (ص: 161)، وصفة الصفوة (2/ 249).
[14] البخاري في الجنائز، باب السرعة بالجنازة (1/ 442) (1315).
[15] النهاية في غريب الحديث (4/ 25).
[16] البخاري في الجنائز، باب ما يكره من الصلاة على المنافقين (1/ 459) (1300).
[17] البخاري في العلم، باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها (1/ 43) (83).
[18] البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب يؤخر الظهر إلى العصر (1/ 374) (1060)، وانظر: كتاب العين للخليل بن أحمد (4/ 303)، والمغرب للمطرزي (1/ 32).
[19] مسلم في القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا زيد ولا نقص (4/ 2050) (2663).
[20] مسلم في كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه (2/ 771) (1099).
[21] لسان العرب (4/ 11).
[22] صحيح: أخرجه البخاري (1120) في الجمعة، باب التهجد بالليل، ومسلم (769) في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
[23] موقوف: أخرجه مسلم في المقدمة.
(2) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 373-375) بتصرف.
[24] النهج الأسمى (3/ 54-64).
[25] أخرجه البخاري في الدعوات (11/ 196)، ومسلم في الذكر والدعاء (4/ 2087).
[26] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/ 536).
[27] أخرجه البخاري في مواضع أولها: في التهجد (3/ 3).
[28] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 86).
[29] المنهاج (ص: 207-208)، وذكرهما ضمن الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 86)، والقرطبي في الأسنى (ورقة 362 أ).
[30] الاعتقاد (ص: 63).
[31] النهاية (4/ 25)، ونقله ابن منظور في اللسان (5/ 3552) ولم يعزه.
[32] المصدر السابق (1/ 29)، واللسان (1/ 38).
[33] شرح مسلم (17/ 40).
[34] النونية (2/ 241) بشرح أحمد بن عيسى، وقد وقع في البيت الأول (الصفان)، (تابعان)، وكلاهما خطأ، وقد وقعا على الصواب في مطبوعة الهراس / (2/ 109).
[35] من كلام الشيخ محمد خليل هراس / على النونية (2/ 110-111)، وانظر شرح الشيخ أحمد بن عيسى إن شئت (2/ 242) وما بعدها.
[36] الكتاب الأسنى (2/ ورقة 362أ-ب)، وهو بنحو ما قال الغزالي في المقصد (ص: 85).
[37] المصدر السابق باختصار وتصرف.
[38] أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 325)، وأبو داود (680)، والنسائي (2/ 83)، وابن ماجه (978).
[39] أخرجها مسلم في الموضع السابق.
[40] صحيح: أخرجه أبو داود (679)، وعبد الرزاق في المصنف (2453)، وابن خزيمة (1559)، وابن حبان (5/ 2156) وفي حديث سنده لين لكنه يتقوى بما قبله.
[41] رواه مسلم في الصلاة (1/ 325) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[42] رواه مسلم في الإيمان (1/ 187) من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما.
[43] أي انفتحت واتسعت.
[44] أي يقول له ربه: تمن من الشيء الفلاني والشيء الفلاني، يسمي له أجناس ما يتمنى، فسبحان الملك الرؤوف الرحيم.
[45] رواه البخاري في الرقاق (11/ 445)، وفي التوحيد (13/ 420)، ومسلم في الإيمان (1/ 165-167) من حديث عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه به.