العزيز الغفور
- من الأسماء الحسنى التي اقترن بها اسم الله (العزيز)، و(الغفور)، فهو سبحانه (العزيز الغفور).
- كم مرة اقترن (الغفور) بـ(العزيز) في القرآن الكريم؟
كنت في زيارة قصيرة لأحد أقاربنا يتلقى العلاج في المملكة المتحدة، وكان مقر علاجه يبعد عن العاصمة ساعتين بالقطار، وكانت رحلة قصيرة، ولكن من الرحلات الممتعة دينا ودنيا.
- اقترن الاسمان (العزيز الغفور) في آيتين من كتاب الله في سورة فاطر: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}(فاطر: 28)، وفي أوائل تبارك: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(تبار ك: 2).
- لنتدبر هاتين الآيتين.
كان مرافقي يتحدث بحماس وهو يقلب صفحات (ما اقترن من الاسماء الحسنى في القرآن الكريم) الذي أهديته لصاحبي المريض.
تابع حديثه وهو يقرأ من الكتاب.
- (وهو العزيز) الذي له العزة كلها التي قهر بها جميع الأشياء وانقادت له المخلوقات.
(الغفور) للمسيئين والمقصرين والمذنبين، ولاسيما إذا استغفروا وتابوا.
- لنتدبر أبعد من المعاني اللفظية.
كان المتحدث صاحبنا المريض، استمعنا لما يريد أن يقول.
- في آية فاطر يبين الله عز وجل أن الذي يحقق (الخشية) التي يريدها الله من عباده هم العلماء فقط؛ وذلك باستخدام صيغة الحصر (إنما) وكلما زاد العلم الشرعي الصحيح، ازدادت الخشية الصحيحة من الله، تلك الخشية المبنية على العلم والمستقرة في القلب والمؤثرة على الجوارح، ومن أهم دوافع (الخشية) الصحيحة أن يعلم العبد أن الله (عزيز غفور) فيخشاه المطيع لعزته وقهره، وإن وقع منه تقصير لا يقنط فهو (غفور) مع كمال العزة والقهر، فيكون إيمانه (رهبة ورغبة)، وهذا حال العلماء، ومن كان كذلك دخل في مسمى العلماء وقدم الرهبة على الرغبة؛ لأنها الأصل؛ ولأن العبد أحوج إليها في الدنيا، ولاسيما في أوائل حياته، فإذا تقدم به العمر فهو للرغبة أحوج؛ لأن دوافع المعصية تضعف، ولاشك أن أعظم ما يتعلق به العبد مع إدباره عن الدنيا وإقباله على الآخرة هي (الرغبة) بالمغفرة.
قاطعني صاحبي.
- أحسنت، ما أجمل ما ذكرت.
- كنت أقضي معظم وقتي أقرأ كتب ابن القيم.
تابع صاحبنا المريض حديثه.
- والآية من صورة تبارك يبين الله عز وجل أن الغاية من خلق (الموت والحياة) هو الابتلاء بمعنى الامتحان؛ ولذلك يأمرنا بإحسان العمل، ولم يقل (أيكم أصلح عملا) بل (أيكم أحسن عملا)، ولاشك أن العمل الحسن أفضل من العمل الصالح، وهو من (الإحسان) الذي فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (مسلم).
وهذه كلها من درجات الإحسان، أقلها ألا يغيب عنك أن الله يراك، وأعلاها أن تعبد الله كأنك تراه.
لم نجد ما نقوله إعجابا بما قال صاحبنا المريض، سأله مرافقي.
- لقد تعلمنا منك من حيث أردنا أن نقرأ لك، كل هذا من كتب ابن القيم؟!
- الحمد لله، المرء ينتفع من حيث لا يدري، ودعني أذكر لكما حديثا قرأته بالأمس، وكتبته على ورقة.
سحب درجا صغيرا في الطاولة بجانبه، استخرج ورقة دون أن يبحث عنها.
- اسمعا هذا الحديث.
«اعبدالله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر، وإذا عملت سيئة بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية» (حسنه الألباني).
وسبحانه هو (العزيز الغفور).
د. أميــر الحـداد