الكوكب الزاهر في اصول أهل الظاهر
عبد الرحمن بن عمر آل زعتري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هذه نبذ من اصول أهل الظاهر جمهتها قديما من كلام ابن حزم وابن عقيل وابن عربي والشوكاني...
لا طريق إلى العلم أبدا إلا :
1- بما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس .
2- مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس.
وبهذه المقدمات الصحيحة علمنا صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلمنا أن القرآن هو عهد الله إلينا فكان في القرآن وجوب أشياء ألزمنها والإنتهاء عن أشياء منعنا منها .
وتيقنا صحة كل ذلك بنقل الكواف مما ظهر من المعجزات , فلما أخذنا بالقرآن وجدناه مصححا لحجج العقول التي نتيقن بها صحة الأخبار من زيفها يقول تعالى :" ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أزلئك هم الغافلون" وقال تعالى حاكيا عن مثل أولئك المنكرين لحجج العقول : "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير".
ولقد ألزمنا الله تعالى طاعة ما في كتابه وطاعة ما رواه الثقات عن رسوله وطاعة ما جاء به عن رسوله بتواتر أجمع عليه علماء المسلمين , فنظرنا فيها فوجدناها منها جملا إذا اجتمعت قام منها حكم منصوص على معناه فكان ذلك كأنه وجه رابع إلا أنه غير خارج عن الأصول الثلاثة التي ذكرنا وذلك نحو قوله عليه السلام : "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" فأنتج ذلك كل مسكر حرام .فهذا منصوص على معناه نصا جليا ضروريا.
ومثل قوله تعالى : " وورثه أبواه فلأمه الثلث " وقد تيقنا بالعقل الذي به علمنا الأشياء على ما هي عليه أن كل معدود فهو ثلث وثلثان , فإذا كان للأم الثلث فقط وهي بالأب وارثان فقط فالثلثان للأب هذا علم ضروري لا محيد عنه للعقل ووجدنا ذلك منصوصا على المعنى وإن لم ينص على اللفظ, وحتى تنجلي كل شبهة أقول إن الوقوف على الظاهر ليس جمودا على ظواهر الحروف بل هو تحقيق للقضية إذ إن المعنى المحمول في النص قد يكون مفهوما بوضوح من ألفاظه المظهرة للمعنى لما هو متعارف عليه لغويا أو بمعنى أخص أو يكون مفهوما بدلائل العقل ولوازمه ومقتضياته أي المعنى لا يدرك إلا بلطف . أما استكراه الألفاط على معاني لاتقلها العبارة من قريب أو من بعيد فإن مسلك عبد لكل زندقة .
فكان دين الله بهذا التوضيح كاملا لا تعزب عنه حادثة من الحوادث في أي عصر من الأعصار ...فكان من عظمة هذا الذين أن كانت عمومات ألفاظه كافية في كل الأغراض موفية لكل المآرب بظواهرها اللفظية وظواهرها العقلية فقط إذلا وسيط في فهم الشرع إلا العقل ،ولا سبيل إلى نقل موجب العقل من موضعه من كون الأشياء على مراتبها التي رتبها عليها بارئها عز وجل.
وحمل الكلام على ظاهره الذي وضع له في اللغة فرض لا يجوز تعديه إلا بنص أو إجماع ومن فعل غير ذلك فقد أفسد الحقائق كلها والشرائع كلها ، والمعقول كله ، ولا سبيل إلى نقل مقتضى اللفظ عن موضعه الذي رتب للعبارة عنه ، وإلا ركب الباطل ، وترك الحق وفارق السنة والتحق بركب الرافضة. وجميع الدلائل تبطل نقل اللفظ عن موضعه في اللغة ، ولا دليل يصححه أصلاً , وهذه العمومات نفهمهما باللغة التي نزل بها الكتاب على نبينا محمد عليه السلام وهي العربية فعلمنا حينئذ أنه عليه السلام إذا نص في القرآن أو في كلامه على اسم ما بحكم ما فواجب ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم فقط ، ولا يتعدى به الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وألا يخرج عن ذلك الحكم شيء مما يقتضيه الاسم ويقع عليه ، فالزيادة على ذلك زيادة في الدين ، وهو القياس ، والنقص منه نقص من الدين ، وهو التخصيص ، وكل ذلك حرام.
وإن الواجب – كما قلنا- حمل الأمور على معهودها في اللغة ، ما لم يمنع من ذلك نص أو إجماع أو ضرورة . وأكثر الأسماء الشرعية موضوعة من عند الله تعالى على مسميات لم يعرفها العرب قط ، هذا أمر لا يجهله أحد من أهل الأرض ، فصح بهذا أن الأسماء تنقل في الشريعة عن موضوعها في اللغة ، ولا يجوز أن تحال اللغة فتنقل لفظ المستقبل إلى معنى الماضي إلا بنص آخر جلي وارد بذلك أو بإجماع متيقن أن المراد به غير ظاهره أو ضرورة .
ولا يجوز أن يفسر كلام الله تعالى إلا بكلامه أو بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو بلغة العرب التي أخبر الله تعالى أنه أنزل بها القرآن .ولا يجوز أن نخبر عن مراد الله عز وجل ولا عن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير خبر وارد عن الله تعالى بذلك ، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن توهم التعارض بين نصين فلا يجوز العدول عن أحدهما إلى الآخر بل يجب استعمالهما معا .وبيان بعض ذلك :
1- أن يكون أحدهما أقل معاني فنستثني الأقل معاني من الأكثر معاني .
2- أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر أو حاضرا بعض ما حضره النص الأخر فلا تعارض هنا .
3- أن يكون أحد النصين فيه أمر بعمل ما , معلق بكيفية ما أو بزمان ما أو على شخص ما أو في مكان ما ويكون النص الآخر نهي عن عمل ما بعذر ما بكيفية ما...ويكون في كل من النصين حكمان فصاعدا ويكون الحكم الثاني الذي في النص الثاني عاما أيضا لبعض ما ذكر في هذا النص الآخر ولا شيئ آخر معه وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم كما قال ابن حزم والبسط تجده في الإحكام يا طالب المعرفة.
4- أن يكون أحد النصين حاضرا لما أبيح في النص الآخر بأسره أو يكون أحدهما موجبا والآخر مسقطا لما وجب في هذا النص بأسره فذهب بعض أهل الظاهر إلى تركهما وذهب ابن حزم إلى أن الواجب أن ننظر إلى النص الوافق لما كنا عليه لو لم ثيرد واحد منهما فنتركه ونأخذ بالأخر.
5- أن يرد حديث بحكم ما في وجه ما ويرد حديث آخر بحكم آخر في ذلك الوجه بعينه فهذا ليس تعارضا اللهم إذا أمر بأحد الوجهين فحينئذ نأخذ به لأنه أخذ بالشرع الزائد.
6- أن يرد خبران في نفس المسألة لكن أحد الراويين باشر الأمر بنفسه فحينئذ نأخذ برواية من باشر الأمر.
7- إذا جاء خبران قصد بأحدهما توضيح حكم والأخر لا فنقدم الأول.
ولا يجوز القول بالتعليل لأن الشرع حكم الله وليس حكم العقل , فمن طلب علل الأحكام فقد سأل الرب عما لايجوز له سؤاله عنه قال تعالى : "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" . إلا أن تكون العلة قد نص عليها الشارع وقيل أو كانت واضحة واحتمال أن تكون مقصودة للشارع ظاهر...
ولا يجوز القول بالقياس لقوله عليه السلام :" تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال " . فالقياس كما ترى فعل لما نهى عنه عليه السلام ثم إنه مبني على القول بالتعليل والتعليل باطل والقياس مبني على التعليل ومابني على باطل فهو باطل . إلا إذا كانت العلة منصوصة فقد اختلف أهل الظاهر في حكم القياس آنذاك والأكثر على أنه لا يجوز.
ولا يحل القول بدليل الخطاب أو مفهوم المخالفة إذ هو تقدم بين يدي الله ورسوله وقد قال تعالى :" يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" بيان ذلك أن دليل الخطاب هو إخراج المسكوت عنه عن حكم المنصوص عليه عن حكم نفسه .كنصه عليه السلام على السائمة فوجب أن يكون غير السائمة بخلاف السائمة في الزكاة.وكل هذا خطأ وحاش لله تعالى أن يريد أن يخرج بعض ما نص لنا على حكمه عن الجملة التي نصها لناولا يبين ذلك!!! فهذا محال .ونسأل الله المسامحة للمسلمين.