السجود للشمس والقمر

د. أحمد مصطفى نصير

قوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ *لَا *تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]، ثمة أناس سجدوا للشمس، وآخرون للقمر؛ ظنًّا منهم أنهما مصدر الطاقة الروحية، وأنهما سببُ حركةِ المدِّ والجزر على البرية وفي البحر، وأن السجود لهما بديل عن السجود لله[1]، وهذا من تزيين الشيطان الباطلَ لهم، وهم في الحقيقة يسجدون للشيطان؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أقربَ ما يكون الرب عز وجل من العبد جوفُ الليل الآخر؛ فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة، فكُنْ؛ فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلُع بين قرنَيِ الشيطان، وهي ساعة صلاةِ الكفار، فدَعِ الصلاة حتى ترتفع قِيدَ رُمْحٍ، ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدالَ الرمح بنصف النهار؛ فإنها ساعةٌ تُفتَح فيها أبواب جهنم وتُسجَر، فَدَعِ الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس، فإنها تغيب بين قرني شيطان، وهي صلاة الكفار))[2].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلِّ صلاة الصبح ثم أقْصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرنَي شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقلَّ الظل بالرمح، ثم أقْصِر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقْصِر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار))[3]، فقوله: (وحينئذ يسجد لها الكفار) يبيِّن أن الذين يتحيَّنون هذا الوقت لممارسة طقوس روحية أشبه بعبادتها هم كفار بقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فإن من شروط التأمل الصحيح عند الذي يمارسون ما يسمى بـالـيوجا استقبال الشمس، وتحيُّن وقت طلوعها وغروبها.

ولذلك كان الظاهر من رسومات القدماء المصريين (الفراعنة) أنهم كانوا يعبدون الشمس، أما ما يسمى بإله الشمس، وكانوا يرمزون لقرني الشيطان في تيجانهم.



قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُصلُّوا حين تطلع الشمس، ولا حين تسقط؛ فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان))[4]؛ ذلك أن الشيطان يريد أن يسجد له الناس، فينتهز تلك الفرصة لحظة طلوع الشمس، ولحظة غروبها، فيظهر في السماء لحظتي الشروق والغروب، لتطلع الشمس بين قرنيه، وتغرب بين قرنيه، فيُوهم أتباعه بانقياد ابن آدم له.
والحقيقة أن غروب الشمس وطلوعها دليل على تسيير الله لها وطاعتها له، فهي تأتي طوعًا وتغرب طوعًا؛ وهما - أي الشمس والقمر - آيتان من آيات الله، ومخلوقان من مخلوقات الله؛ فعن المغيرة بن شعبة يقول: ((انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى ينجليَ))[5]، وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوِّف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئًا، فصلُّوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم))[6].
لكن الذين تسلَّط عليهم الشيطان أغواهم بعبادة الشمس والقمر، وقد أشار القرآن لضلال قوم سبأ وسجودهم للشمس في قوله سبحانه: ﴿ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [النمل: 24]، وقد بيَّنت الآيات سببَ سجودهم للشمس في قوله: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ *فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24]، وقد استنكر الهدهد عبادتهم لغير الله؛ فقال: ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 25]، فهذا ما يفعله القرين المتسلِّط: ﴿ **وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25].
والعقل يقف حائرًا إزاء عبادة هؤلاء للشمس والقمر، ولماذا ضلوا؟ وكيف ضلوا؟ وكيف زين لهم الشيطان ذلك؟ وبالبحث نكتشف أن الطقوس السحرية تقوم على هذه العبادة الضالة، والسجود للشمس والقمر[7]؛ فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس علمًا من النجوم، اقتبس شعبةً من السحر، زاد ما زاد))[8]، قوله: (زاد ما زاد)؛ يعني: كلما زاد من هذا التعلم، فإنه يزيد السحر[9]، فطالما كانت الشمس والقمر من الرموز الماسونية للدلالة على قدم حركة الماسونية نشأتها، بقدم هذه الأفلاك بزعمهم[10]؛ قال ابن كثير في أنواع السحر السبعة؛ سحر الكلدانيين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السَّيَّارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبِّرة العالم، وأنها تأتي بالخير والشر، وهم الذين بُعِثَ إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلًا لمقالتهم ورادًّا لمذهبهم[11]؛ قال ابن تيمية: "كان الطالبون للمنفعة والمضرة من الكواكب إنما يأخذون الأحداث بحسب سير القمر، فإذا كان في شرفه كالسرطان، كان الوقت عندهم سعيدًا، وإذا كان في العقرب وهو هبوطه، كان نحسًا، فهذا في علمهم، وكذلك في عملهم من السحر وغيره، القمر أقرب المؤثرات حتى صنفوا مصحف القمر؛ لعبادته وتسبيحه"[12].
============================== ========
[1] عَبَدَةُ الشمس زعموا أن الشمس مَلَك من الملائكة، ولها نفس وعقل، ومنها نور الكواكب، وضياء العالم، وتكون الموجودات السفلية، وهي ملك الفلك، فتستحق التعظيموالسجود،والتبخي ر والدعاء، وهؤلاء يسمَّون الدينيكيتية؛ أي: عُبَّاد الشمس، ومن سنتهم أن اتخذوا لها صنمًا بيده جوهر على لون النار، وله بيت خاص بنَوه باسمه، ووقفوا عليه ضِياعًا وقربانًا، وله سَدَنة وقوام، فيأتون البيت، ويصلون ثلاث كرات، ويأتيه أصحاب العلل والأمراض فيصومون له، ويصلون، ويدعون، ويستشفون به، أما عبدة القمر، فزعموا أن القمر مَلَك من الملائكة يستحق التعظيم والعبادة، وإليه تدبير هذا العالم السفليِّ، والأمور الجزئية فيه، ومنه نضج الأشياء المكتوبة، وإيصالها إلى كمالها وبزيادته؛ [الملل والنِّحل، الشهرستاني، ج 2، الصفحة 258].
[2] رواه النسائي، ج: 2، ص: 408، رقم: 568، وصححه الألباني.
[3] رواه مسلم، ج: 4، ص: 278، رقم: 1374.
[4] رواه أحمد، ج: 41، ص: 140، رقم: 19310، وصححه الألباني: السلسلة الصحيحة، ج: 20، ص: 42.
[5] رواه البخاري، ج: 4، ص: 186، رقم: 1000.
[6] رواه مسلم، ج: 4، ص: 463، رقم: 1516.
[7] يقول فيصل بن علي الكاملي في مقال نشره بعنوان (الأهرام وعبادة الشمس) في جريدة البيان، باحث سعودي متخصص في دراسة الأديان، بمركز الدراسات والبحوث التابع لمجلة البيان: تُعَدُّ الأهرام من أبرز بنايات الحضارات الوثنية القديمة، وقد وُجِدت آثارها في بلاد الرافدين وإيران، ومصر والصين، وأمريكا اللاتينية، وغيرها، وتعد هذه البنايات مظهرًا بارزًا من مظاهر عبادة الشمس عند تلك الأمم [1]. عرفت الأهرام عند الأكاديين والبابليين باسم الـ«زِقُّورات» (Ziggurat) وهي كلمة أكادية مشتقة من الفعل «زقر» بمعنى رفع، أو أنشأ على نُصُب، وكانت هذه الأهرام في أول الأمر مدرجة يُرقى بها - على حد زعم عُباد الشمس - إلى الإله، ثم أصبحت ملساء تمثل أشعة الشمس التي تسقط على الأرض بشكل يشبه الهرم؛ وهذا يذكرنا بقول فرعون لوزيره هامان: ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 36، 37]. يقول فيليب ووترمان في كتابه «قصة الخرافة»: "كثير من الصخور المقدسة في العالم على شكل أهرام، كان هذا الشكل محببًا أيضًا لدى الشعوب التي عبدت الشمس"[2]. ويرى مايكل رايس في كتابه «ميراث مصر» أن حم إيونو - الذي ينسب إليه الفضل في بناء هرم [الملك] خنوم أو خوفو (خيوبس) عند الإغريق - يمكن فعلًا أن يكون قد أُلهم حبس أشعة الشمس على هيئة حجارة، وهكذا اخترع ذات يوم من أيام الشتاء المعْلَمَ الذي ارتبط إلى الأبد بـ[اسم] الملك، في الصحراء التي إلى الشمال من منف حيث تُلاحَظ أحيانًا ظاهرة اختراق أشعة الشمس للسحاب فتشكل هرمًا تامًا من النور [3]. وكان من مظاهر عبادة الشمس المتعلقة بالشكل الهرمي أيضًا بناء المسلات (Obelisk)؛ التي هي برج أو عمود حجري نحيف ذو أربع جوانب، ينتهي برأس مستدق على شكل هرم صغير، ومن أشهر المسلات مسلة ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، وقد جيء بها من مصر عام 73م، ونُقلت إلى ساحة القديس بطرس عام 1586م. حول «المسلات» يقول عالم المصريات آلفرد فييدمان في كتابه «دين قدماء المصريين»: "وُجدت عبادة الشمس في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، ونالت قبولًا شعبيًّا حتى آخر مرحلة من التاريخ المصري، ونُذرت للشمس المسلاتُ التي قامت على مداخل المعابد، وكذا أدوات النذور الشبيهة لها، التي كانت تُوضَع في المقابر خصوصًا أثناء المملكة القديمة"[4]. ومثل هذا تشهد به دائرة المعارف البريطانية تحت مدخل Obelisk (المسلة) بقولها: "تُزيَّن كلُّ جوانب عمود المسلة الأربعة بكتابات هيروغليفية تحوي بشكل متميز نذورًا دينية للشمس، واحتفاء بسِيَر القادة"[5]. أما «الموسوعة الماسونية الملكية» فتنص على أن "عبادة الشمس كانت مرتبطة بشكل واضح ببناء المسلات"[6]. [1] PocketEncyclopedia – World History (Worcs, UK: Sandcastle Books Ltd., 2008), p. 21. [2] Philip Waterman. Story of Superstition (Kessinger Publishing, 2003), p. 126. [3] Michael Rice. Egypt’sLegacy: The Archetypesof WesternCivilization 3000-30 BC (Routledge, 2004), p. 43. [4] Alfred Wiedemann. Religion of the Ancient Egyptians (Adamant Media Corporation, 2001), p. 16. [5] EncyclopediaBritannica, “obelisk”. [6] Kenneth MacKenzie. Royal MasonicEncyclopedia (KessingerPublishing, 2002), vol. II, p. 521.
[8] رواه ابن ماجه، ج: 11، ص: 144، رقم: 3716، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ج: 2، ص: 305، رقم: 3716.
[9] شرح سنن أبي داود لعبدالمحسن العباد، ج: 22، ص: 247.
[10] موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة، ج: 1، ص: 74، أشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف.
[11] تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 367. وقد استقصى أبو عبدالله الرازي في كتاب "السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم" المنسوب إليه فيما ذكره القاضي ابن خِلِّكان وغيره، ويُقال: إنه تاب منه، وقيل: إنه صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد، وهذا هو المظنون به، إلا أنه ذكر فيه طرائقهم في مخاطبة كل من هذه الكواكب السبعة، وكيفية ما يفعلون وما يلبسونه، وما يتنسكون به.
[12] مجموع الفتاوى، ج: 17، ص: 536.