تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 81

الموضوع: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (62)
    مثنى محمد الهبيان


    (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢)
    السؤال الأول:
    لِمَ عبّر تعالى في هذه الآية بـ (وَٱلَّذِينَ هَادُواْ) [البقرة:62] ولم يقل اليهود؟
    الجواب:
    في هذا التعبير إشارة إلى أنهم ليسوا اليهود، وإنما هم الذين انتسبوا إلى اليهود ولم يكونوا من سبط يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام.
    والنصارى جمع (نصرى)، نسبة إلى الناصرة، وهي قرية نشأت فيها مريم عليها السلام أم المسيح، وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة البيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم، ولذا سمي عيسى: يسوع الناصري، ومن ثَمَّ أُطلق على أتباعه اسم: النصارى.
    السؤال الثاني:
    ما وجه الاختلاف من الناحية البيانية بين آية 62 في سورة البقرة، وآية 69 في سورة المائدة وآية الحج 17؟ ولماذا النصب والرفع في: (الصابئين) و(الصابئون)؟وما دلالة التقديم والتأخير؟
    الجواب:
    جاء ذكر كلمة (الصابئين) في القرآن في ثلاث آيات، لكن بصور مختلفة:
    فلماذا مثلاً في آية المائدة (69) قدّم (الصابئون) ورفعها وأخّر النصارى؟
    والجواب أنه:
    1ـ في آية البقرة ( 62 ) جاءت كلمة (وَٱلصَّٰبِ*ِٔين َ) بالنصب والعطف على اسم إنّ باللفظ، وجاءت في الوضع العادي بعد اليهود والنصارى , فالتسلسل هو المناسب تاريخياً.
    بينما رفع (وَٱلصَّٰبِ*ُٔون َ) في آية المائدة على غير إرادة التوكيد، ولو أراد التوكيد لنصبها , وذلك لأنّ الصابئين هم أبعد المذكورين عن الإيمان، أي: أقلهم منزلة فقلّل التوكيد لهم؛ أي: أنّ الله جعل موازنة في آية المائدة فقدّم الصابئين ولم يؤكدهم ولم يعطهم الأولوية ليكون مقامهم كما في آية سورة البقرة مؤخرين على من ذُكر معهم , وأخّر النصارى وأكّدهم, بينما في سورة البقرة قدّم النصارى وأكّدهم وأخّر الصابئين، لكنْ جعلهم ملحوقين بالنصارى.
    2ـ التقديم كان لمقتضى السياق وليس التقديم للأفضل, والسياق في سورة المائدة هو ذم عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله وجعلوا له شركاء, فأخّر النصارى لتقترب الكلمة من متابعة ذم عقائد النصارى, قال تعالى: (لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ٧٢ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣﴾ [المائدة:72-73].
    لذلك رفع (الصابئون) للدلالة على أنهم أبعد المذكورين في الضلال؛ ولأنهم أقل منزلة، وأخّر النصارى لمتابعة السياق في ذم عقائدهم.
    وكلمة (الصابئون) تعرب مبتدأ، وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى: والصابئون كذلك.
    3ـ الدليل على أنّ التقديم ليس من الضروري أنْ يكون للتفضيل قوله تعالى في سورة الحج: (ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ٤٠) [الحج:40] , فالمساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحيانا يُقدم ما هو أقل تفضيلاً؛ لأنّ سياق الآية يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن أحيانا يُقدم موسى على هارون وأحيانا يُقدم هارون على موسى بحسب سياق الآيات.
    4ـ في آية الحج رقم (17) قال فيها سبحانه: (وَٱلصَّٰبِ*ِٔين َ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) فنصب الصابئين وقدّمهم على النصارى لأنّ السياق في سورة الحج موقف قضاء، والله سبحانه وتعالى لا يفرّق بين المتخاصمين ما داموا في طور الفصل (وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ) [النساء:58] فالمتخاصمون جميعهم سواء أمام القاضي حتى على المستوى اللغوي. قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ) [الحج:17].
    5 ـ هناك فرق بين نهايتي آيتي البقرة والمائدة، علماً أنّ المذكورين في الآيتين واحد:
    نهاية آية البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
    نهاية آية المائدة (فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69].
    فلماذا جاء في البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] ولم تأتِ في المائدة؟
    والجواب على ذلك أنه:
    آ ـ السياق في سورة المائدة في ذم عقائد اليهود والنصارى بشكل مسهب, أمّا في البقرة فالكلام عن اليهود فقط وليس النصارى, أي أنّ سورة المائدة تكلمت عن اليهود أكثر مما جاء في سورة البقرة, حتى أنّ القرآن لم يذكر في البقرة العقوبات التي ذكرها في المائدة, انظر آيات المائدة [60،65] وسياق الغضب في المائدة على معتقدات النصارى أشد، فاقتضى السياق أنْ يكون زيادة الخير والرحمة في المكان الذي يكون أقل غضباً أي في آية البقرة. مع ملاحظة أنّ جوَّ الرحمة ومفردات الرحمة وتوزيعها في سورة البقرة أكثر مما جاء في سورة المائدة, ولم تُجمع القردة والخنازير إلا في سورة المائدة.
    ب ـ وردت الرحمة ومشتقاتها في سورة البقرة (19) مرة، بينما وردت في المائدة (5) مرات؛ لذا اقتضى التفضيل بزيادة الرحمة في البقرة، والأجر يكون على قدر العمل للذين آمنوا من أهل الكتاب قبل تحريفه وهم مؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً حقيقياً.
    ج ـ ورد في سورة المائدة ذكرحوالي (10) أنواع من العمل الصالح، ومنها: الوفاء بالعقود ـ الوضوء ـ الزكاة ـ الأمر بطاعة الله ورسوله ـ الإحسان ـ التعاون على البر والتقوى ـ إقام الصلاة ـ الجهاد في سبيل الله ـ استباق الخيرات.
    بينما ورد في سورة البقرة أكثر من (30) نوعاً من أنواع الخير، وتشمل كل ما ذُكر في المائدة عدا الوضوء إضافة إلى [ الحج والعمرة ـ الصيام ـ الإنفاق ـ العكوف في المساجد ـ بر الوالدين ـ الهجرة في سبيل الله ـ إيفاء الدين ـ الإصلاح بين الناس وغيرها كثير ]؛ لذا اقتضى كل هذا العمل في البقرة أنْ يكون الأجر أكبرفقال:(فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62].
    د ـ لم ترد الآية (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢) [البقرة:62] بهذا الشكل إلا في سورة البقرة , وترددت مفردات الجزء الأول منها (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] في البقرة أكثر من المائدة حسبما يلي:


    جاء حرف (الفاء) في البقرة (751) مرة، وفي المائدة (291) مرة.
    (لَهُمۡ) في البقرة (29) مرة، وفي المائدة (15) مرة.
    (أَجۡرُهُمۡ) في البقرة (5) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
    (عِندَ) في البقرة (19) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
    (رَبِّهِمۡ) في البقرة (10) مرات، وفي المائدة (2) مرتان.
    والله أعلم.
    6ـ وقوله تعالى: (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:38] [المائدة:69] يفيد التالي:
    آـ الفاء ليست للعطف وإنما هي جواب شرط.
    ب ـ نفى الخوف بالصيغة الاسمية، ونفى الحزن بالصيغة الفعلية , وخصص الحزن بالضمير (وَلَا هُمۡ) وعطف بـ (هُمۡ) على الجملة الاسمية؛ لأنها أفصح وأثبت.
    ولا يصح أنْ يقال: (لا يخافون) فالخوف شيء طبيعي موجود عند الإنسان , فالمعنى أنه لا يُخشى عليه خطر، فقد يكونون خائفين لكنّ الأمان من الله أمّنهم بأنه لا خوف عليهم.
    ج ـ جعل الحزن بالفعل وأسنده إليهم, ولو قال: (لا حزن) فتعني لا حزن عليهم من الغير، بينما المهم للإنسان أنْ لا يكون هو في حزن، وليس المهم حزن الآخرين عليه.
    د ـ قالوا: إنّ معنى (وَلَا خَوۡفٌ) أي: على الماضي من الدنيا، فجاء بالصيغة الاسمية للتثبيت أنه لا خوف (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) مما يقابلهم في المستقبل، وقد تتكرر دواعي الحزن فجاء بالفعل الدال على الحدوث.
    هـ ـ قدّم الضمير: (هُمۡ) للقصر، فنفى عنهم الحزن وأثبته لغيرهم من أهل الضلال.
    وـ لم يقل: (لا عليهم خوف)؛ لأنه لا يصح المعنى ولو قالها لكان معناها: أنه نفى الخوف عنهم وأثبت أنّ الخوف على غيرهم، يعني يخاف على الكفار.
    زـ لم يقل: (لا خوفَ)؛ لأنه في هذه الحالة تكون (لا) نافية لجنس الخوف، أي: للجميع، أمّا (وَلَا خَوۡفٌ) بالرفع فتفيد نفي الجنس ونفي الواحد, والسياق عيّن أنه لا خوف عليهم على سبيل المدح والاستغراق. والله أعلم.
    السؤال الثالث:
    ما المعنى العام المشترك بين آيات [ البقرة 62 ـ المائدة 69 ـ الحج 17 ]؟
    الجواب:
    المعنى العام للآيات: أنّ من آمن وعمل صالحا من كل هذه الفرق في زمانه أو زمان رسوله الخاص فله أجره, وهذا ما قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم , أمّا بعد بعثته فلا بدّ من الإيمان به والتصديق بدعوته، ولا يصح إيمان الفرق السابقة بعد بعثة الرسول الكريم (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ) [آل عمران:85].
    وفي الآية دعوة للجميع للدخول في الإسلام، وذكر الذين آمنوا بمعنيين:
    آ ـ الذين آمنوا بدين أنبيائهم وفي زمانهم آنذاك, وهؤلاء مطالبون بالدخول في الإسلام إنْ كانوا لا يزالون أحياء على زمن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
    ب ـ غيرهم، فالجميع حتى المسلمون مطالبون بالدخول في الإسلام، والآية تعطي تساويا للجميع في طلب الدخول في دين الإسلام, وحتى يشعر اليهود الذين يظنون أنهم شعب الله المختار أنه طالما طُلِبَ من المسلمين أنْ يدخلوا في الإيمان بدين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن الأولى أنْ نطالب نحن بذلك أيضاً , والله أعلم.
    السؤال الرابع:
    ما سبب تقديم وتأخير كلمة (الصابئين)، وما سبب رفعها ونصبها في آيتي البقرة [ 62] والمائدة [69]؟ ولِمَ بقي الوضع على أصله في آية الحج؟
    الجواب:
    في سورة المائدة قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69] وفي سورة البقرة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِئينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
    بشكل عام نقول: (النصب) ليس فيه إشكال، وإنما (الرفع) هو الذي كثيراً ما يُسأل عنه، والنصب معطوف على منصوب.
    1ـ الرفع في آية سورة المائدة من حيث الناحية الإعرابية ليس فيه إشكال عند النحاة؛ لأنهم يقولون على غير إرادة (إِنَّ) أي: على محل إسم إنّ.
    وفي الأصل اسم إنّ قبل أنْ تدخل عليه مرفوع، فهذا مرفوع على المحل، أو يجعلونه جملة: (والصابئون كذلك)، لكن لماذا فعل ذلك حتى لو خرّجناها نحوياً؟ هي ليست مسألة إعراب فالإعراب يُخرّج؛ لأنه يمكن أنْ نجعلها جملة معترضة وينتهي الإشكال، لكنْ لماذا رفع؟
    (إِنَّ) تفيد التوكيد، معناه أنه قسم مؤكّد وقسم غير مؤكد، أي: (الصابئون) غير مؤكد والباقي مؤكد لماذا؟ لأنهم دونهم في المنزلة، فهم أبعد المذكورين ضلالاً، ويقول المفسرون: إنّ هؤلاء يعبدون النجوم، (صبأ) في اللغة، أي: خرج عن المِلّة، عن الدين , فالصابئون خرجوا عن الديانات المشهورة، وهم قسمان:
    قسم قالوا إنهم يعبدون النجوم، وقسم متبعون ليحيى عليه السلام، فهؤلاء أبعد المذكورين، والباقون أصحاب كتاب، الذين هادوا أصحاب كتاب وعندهم التوراة، والنصارى عندهم كتاب الإنجيل، والذين آمنوا عندهم القرآن, بينما الصابئون ليس عندهم كتاب, وبالنسبة لنا هم أبعد المذكورين ضلالاً، ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً. و(إِنَّ) للتوكيد. نقول: محمد قائم،ونقول: إنّ محمداً قائم، هذه أقوى.
    2ـ لكن لماذا لم يأت بها مرفوعة ووضعها في نهاية الترتيب؟
    في آية التوبة (وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3] ما قال: (ورسولَه) بالنصب، مع أنه يمكن العطف على لفظ الجلالة (ٱللَّهَ)، فلم يعطف على اسم الجلالة وإنما عطف على المحل، أي: (ورسولُه بريء)؛ لأنّ براءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليست ندّاً لبراءة الله تعالى ولكنها تبعٌ لها وليست مثلها، فبراءة الله تعالى هي الأولى، ولو قال: (ورسولَه) بالنصب تكون مؤكدة كالأولى، فإشارة إلى أنّ براءته ليست بمنزلة براءة الله سبحانه وتعالى، وإنما هي دونها فرفع على غير إرادة (إِنَّ)، حتى في الشعر العربي قول الشاعر جرير:
    إنّ النبوةَ والخلافةَ فيهم= والمكرماتُ وسادةٌ أطهارُ
    قال: (المكرماتُ) بالرفع ولم يقل: (المكرماتِ) بالنصب؛ لأنّ هؤلاء السادة لا يرتقون لا إلى النبوة ولا إلى الخلافة، هذه الدلالة موجودة في الشعر ففهمها العرب.
    3ـ يبقى السؤال حول التقديم والتأخير في الترتيب: آية المائدة قال: (وَٱلصَّٰبِ*ُٔون َ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) [المائدة:69] وآية البقرة: (وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِئينَ) [البقرة:62]، أي: في المائدة قدّم ورفع الصابئين؛ لأنه أتبع هذه الآية بذمّ النصارى في المائدة ذماً فظيعاً على معتقداتهم، وتكلم عن عقيدة التثليث فجعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين , قال تعالى:
    (لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ) [المائدة:72]
    (لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُو نَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٧٤) [المائدة: 73 - 74].
    فلمّا كان الكلام عن ذم العقائد (عقيدة النصارى) أخّر النصارى حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون، وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم.
    4ـ في سورة الحج تحدث عن مطلق الإيمان والكفر والحساب يوم القيامة، لذلك لمّا ذكرهم أولاً ذكرهم بالتأكيد ثم جمعهم جميعاً حتى يأتي معنى كلمة يفصل بينهم. لاحظ الآية: (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ١٦إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِئينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ) [الحج: 16 - 17] إذن هنا لا مجال ولا معنى لفصل المؤمنين؛ لأنّ الفصل سيكون يوم القيامة.
    السؤال الخامس:
    قال في آية البقرة: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا) [البقرة:62] فما الفرق بينها وبين: (فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا)؟
    الجواب:
    في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول: (عَمَلٗا صَٰلِحٗا) كما في آخر سورة الكهف (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا) [الكهف:110] لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة , ويكون السياق في الأعمال نحو: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِين َ أَعۡمَٰلًا١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا) [الكهف:103-104] والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا) [الكهف:2].والله أعلم.
    أمّا قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِئينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62] فليست في سياق الأعمال فقال: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا). والله أعلم.



  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (63)
    مثنى محمد الهبيان




    (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)
    السؤال الأول:
    ما اللمسة البيانية في تقديم كلمة (ٱلۡجَبَلَ) فى آية الأعراف: 171،وتأخير (ٱلطُّورَ) فى آية البقرة رقم 63، والنساء: 154 ؟
    الجواب:
    1ـ استعمل القرآن (ٱلطُّورَ) في آيتي البقرة والنساء، واستعمل (ٱلۡجَبَلَ) في آية الأعراف؛ وذلك لأنّ التهديد في آية الأعراف أشد، فاستعمل لفظ الجبل؛ لأنّ الجبل أعظم من الطور .
    2ـ وأمّا سبب التقديم والتأخير فيقول سيبويه: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به.
    3ـ والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات، فقد يتقدم المفضول، وقد يتقدم الفاضل، والكلام في سورة الأعراف عن بني إسرائيل والطور (وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [الأعراف:171] فقدّم الجبل على بني إسرائيل .
    أمّا في آية سورة البقرة (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [البقرة:63] أخّر الطور؛ لأنّ سياق الآيات في السورة هو في الكلام عن بني إسرائيل وليس في الطور نفسه.
    4ـ الجبل هو اسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض، والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين.
    5ـ النتق أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع، ومن النتق أيضاً: الجذب والاقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به، وفيه إخافة وتهديد كبيرين.
    ولذلك ذكر الجبلَ في آية سورة الأعراف؛ لأنّ الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والاقتلاع، وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في مواقع التهويل والتعظيم, ولذا جاء في قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [الأعراف:143] ولم يقل الطور.
    6ـ لذلك استعمل (نَتَقۡنَا) مع (ٱلۡجَبَلَ) ؛لأنّ النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً؛ ولأنّ المقام يقتضي ذلك، فإنه أفاض في ذكر صفات بني إسرائيل الذميمة ومعاصيهم في الأعراف ما لم يُفضه في سورتي البقرة والنساء، فاقتضى أنْ يكون كل تعبير في مكانه , والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    قال في الآية: (وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ) [البقرة:63] ولم يقل: (من فوقكم) فما السبب؟
    الجواب:
    (من) تفيد الابتداء، وفي آية البقرة (وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ) [البقرة:63] ليس رفع الطور مباشرة من فوق رؤوسهم بل هناك مسافة بين الطور والرؤوس ولذلك لم يستعمل (من فوقكم).
    السؤال الثالث:
    ما سبب تخويفهم برفع الطور فوق رؤوس بني إسرائيل ؟
    الجواب:
    التكليف من الله تعالى، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها, والله يعلم منذ الأزل أنّ في وسعك أنْ تؤدي التكليف، ولكنّ اليهود قالوا: نحن لا نطيق التكليف وفكّروا ألا يلتزموا به بالرغم من تعدد نعم الله عليهم ، والله تعالى لم يرغم أحداً على التكليف, ولكنه – رحمة منه - خيّرهم بين التكليف وعذاب يصيبهم فيهلكهم، وهذا العذاب هو أنْ يُطبق عليهم جبل الطور, فالمسألة ليس فيها إجبار ولكن فيها تخيير, وقد خُيّر الذين من قبلهم بين الإيمان والهلاك فلم يصدقوا حتى أصابهم الهلاك.
    وحين رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الأرض , فكان معنى سجودهم أنهم قبلوا المنهج, ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أنْ يطبق عليهم ..
    ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه بينما الجهة الأخرى تنظر إلى أعلى .
    ولو سألت يهودياً عن ذلك لقال : أنا أحمل التوراة واهتز منتفضاً, لأنهم اهتزوا ساعة رفع الله الطور فوقهم فكانوا في كل صلاة يأخذون الوضع نفسه ثم نقل ذلك إلى الأبناء والأحفاد، واعتقدت ذريتهم من بعدهم أنها شرط من شروط السجود عندهم, ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه، أي: على الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور.
    والله أعلم .


  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (64)
    مثنى محمد الهبيان


    (وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ*ِٔينَ٦٥)[البقرة: 65]
    السؤال الأول:
    الفعل (كونوا) هو فعل أمر، وفعل الأمر له معانٍ متعددة، فما أشهر معانيه؟
    الجواب:
    فعل الأمر هو طلب الفعل بصيغة مخصوصة , ومن أشهر معانيه :
    1ـ الإباحة: (وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ) [المائدة:2] .
    2ـ الدعاء : (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ) [نوح:28] .
    3ـ التهديد : (ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ) [فُصِّلَت:40] .
    4ـ التوجيه والإرشاد : (وَٱسۡتعينوا بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ) [البقرة:45] .
    5ـ الإكرام : (ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ) [الحِجر:46] .
    6ـ الإهانة : (ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان:49] .
    7ـ الاحتقار : (فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ) [طه:72] .
    8ـ التسوية : (ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ) [الطور:16] .
    9ـ الامتنان : (فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ) [المُلك:15] .
    10 ـ التعجب : (ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ) [الإسراء:48] .
    11 ـ التكذيب : (قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ) [آل عمران:93] .
    12ـ التعجيز : (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ) [البقرة:23] .
    13ـ الإذلال : (كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ*ِٔينَ) [البقرة:65] .
    14ـ إظهار القدرة : (قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا) [الإسراء:50] .


    وزمن فعل الأمر للمستقبل , لكنه أوسع من ذلك فقد يكون دالاً على :
    آـ الاستقبال المطلق قريباً أو بعيداً: (فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ) [البقرة:68] للقريب، (رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ) [الفرقان:65] للبعيد.
    ب ـ الحال:( ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ * ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان: 48 ، 49] فـ (ذق) من الذوق مصاحب لصب الحميم .
    ج ـ الأمر الحاصل في الماضي، فقوله :( ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ) [يوسف:99] كان بعد دخولهم إياها فهو أمر يفيد الماضي. وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ٤٥ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ٤٦﴾) [الحِجر:45-46] فقوله: (ٱدۡخُلُوهَا) كان بعد دخولهم الجنة، وكذلك قوله: (وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ٣٨ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ٣٩) [القمر:38-39] فقوله: (فَذُوقُواْ) كان بعد تصبيحهم بالعذاب.
    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج» فهذا من باب إقرار ما حصل في الماضي.
    د ـ الأمر المستمر (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] .
    (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩ )[البقرة: 69]
    السؤال الأول:
    ما دلالة (فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا) [البقرة:69] في الآية؟
    الجواب:
    لو قال تعالى: (بقرة صفراء) لعلِم بنو إسرائيل أنه لون الصُفرة لاسيما أنّ هذا اللون نادر في البقر، فلِمَ قيّد الصفرة بصفة فاقع؟
    في هذا التعبير مزيد من التعجيز، والتقييد والتحديد لبقرة بعينها دون سواها وهنا تضييق على بني إسرائيل، فعندما شدّدوا شدّد الله تعالى عليهم.
    السؤال الثاني:
    ما دلالات الألوان التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    الألوان التي وردت في القرآن الكريم هي : الأصفر ـ الأبيض ـ الأسود ـ الأخضر ـ الأزرق ـ الأحمر ـ الوردي ـ الأخضر الغامق . وأهم دلالات هذه الألوان هي :
    1ـ اللون الأصفر :
    و هو أول لون ذُكِرَ في القرآن , فقد ورد (5) مرات في (5) آيات , ومن دلالاته :
    آ ـ إدخال السرور:
    ﴿ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ} [ البقرة:69].
    ب ـ اﻹفساد والدمار:
    ﴿ وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا} [ الروم:51].
    ج ـ الفناء واليبوسة:
    ﴿ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ} [ الحديد:20].
    2- اللون الأبيض :
    وهو ثاني اﻷلوان ذكراً في القرآن , وقد ذُكٍرَ (12) مرة في (12) آية, ومن دﻻﻻته:
    آ ـ الضياء وإشراق الشمس ووقت الفجر والصباح:
    ﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ} [ البقرة:187].
    ب ـ لون وجوه أهل الجنة:
    ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} [ آل عمران:107].
    ج ـ مرض في العين من شدة الحزن:
    ﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} [ يوسف:84].
    د ـ لون يد موسى في معجزته :
    ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ} [ الأعراف:108].
    هـ ـ لون الطرق بين الجبال:
    ﴿ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ} [ فاطر:27].
    و ـ لون شراب أهل الجنة:
    ﴿ بَيۡضَآءَ لَذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ } [ الصافات:46].
    وللعلم فإنّ اللون الأبيض هو الأساس لجميع الألوان، وإذا تم تحليله ينتج عنه ألوان الطيف السبعة . ( انظر آية آل عمران 107).
    3ـ اللون الأسود :
    وهوثالث لون ذُكِرَ في القرآن , وقد ورد ( 7) مرات على عدد أبواب النارفي الآيات :
    [ البقرة 187 ـ آل عمران مرتان 106 ـ النحل 58 ـ فاطر 27 ـ الزمر 60 ـ الزخرف 17 ] , ومن دﻻﻻته:
    آ ـ ظلمة الليل:
    ﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ } [ البقرة:187].
    ب ـ لون وجوه أهل النار:
    {وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ١}[ آل عمران:106].
    ج ـ الكرب والهم والحزن:
    {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} [ النحل:58].
    د ـ اليبوسة والفناء:
    {فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} [ الأعلى:5].
    ومعنى (أَحْوَىٰ) أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًامسوداً.
    هـ ـ لون بعض الجبال:
    {وَغَرَابِيبُ سُودٞ} [ فاطر:27].
    4ـ اللون اﻷخضر:
    وهورابع لون ذكر في القرآن, وقد ذكر 8 مرات على عدد أبواب الجنة الثمانية في الآيات :
    [ الأنعام 99 ـ يوسف 43 , 46 ـ الكهف 31 ـ الحج 63 ـ يس 80 ـ الرحمن 76 ـ الإنسان 21 ] , وأهم دﻻﻻته:
    آ ـ لون الشجر والزرع والأرض بعد المطر:
    {وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ} [ يوسف:43].
    ب ـ لباس أهل الجنة:
    {عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ } [ الإنسان:21].
    ج ـ لون أغطية وسائد الجنة:
    {مُتَّكِ*ِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} [ الرحمن:76].
    5ـ اللون الأزرق :
    وهوخامس اﻷلوان ذكراً في القرآن الكريم , وذُكَرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته
    لون وجوه الكفار عند الحشر من شدة أهوال اليوم، والخوف والرهبة.
    {يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا}[ طه:102].
    6ـ اللون اﻷحمر:
    وهو سادس اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته لون الطرق بين الجبال وألوان بعض الثمار:
    {وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُود} [فاطر:27].
    7 ـ اللون الوردي :
    وهو سابع اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة, ودلالته لون السماء عند انشقاقها وتفطرها يوم القيامة:
    {فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} [الرحمن:37].
    8 ـ اللون الأخضر الغامق :
    وهوثامن اﻷلوان ذكراً في القرآن، وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻلته لون أشجار الجنة المتكاثفة:
    {مُدۡهَآمتان} [الرحمن:64].
    والله أعلم .


  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (65)
    مثنى محمد هبيان



    (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠ )[البقرة: 70]
    السؤال الأول:
    قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا) [البقرة:70] لِمَ قالوا هذه الجملة في هذه الآية، مع أنهم لم يقولوها في المرات السابقة؟
    الجواب:
    في الأصل طلب الله منهم أنْ يذبجوا (بَقَرَةٞ) بالتنكير المطلوب، أي: أنْ يمسكوا أي بقرة فيذبحوها، فشددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم.
    طلب بنو إسرائيل صفات البقرة على ثلاث مراحل:
    ﴿ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ٦٨ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩ ﴾ [البقرة: 68-69]
    آ ـ طلبوا تحديد ماهيتها في البداية (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ) [البقرة:68].
    ب ـ و طلبوا تحديد لونها (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ) [البقرة:69] ولم يعللوا سبب طلبهم.
    ج ـ في المرة الثالثة قالوا: (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠ ) [البقرة:70] ولجأوا للتعليل؛ لأنّ فعل الشيء ثلاث مرات يكون له وقع في النفس من الضجر؛ فلا بدّ من إضافة تعليل في المرة الثالثة.
    السؤال الثاني:
    قوله تعالى في الآية: (وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ) [البقرة:70] ما الفرق في الاستعمال بين: ( إن شاء الله ) وبين: ( بإذن الله ) في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    1 ـ وردت جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) في القرآن الكريم (6) مرات في الآيات: [ البقرة 70 ـ يوسف 99 ـ الكهف 69 ـ القصص 27 ـ الصافات 102 ـ الفتح 27]. ووردت جملة (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) في ( 18 ) موضعاً في ( 17 ) آية , ووردت كلمة (بِإِذۡنِهِۦ) في ( 9 ) مواضع.
    2ـ الفرق في الاستعمال بين ( إنْ شاء الله ) وبين ( بإذن الله ) في القرآن الكريم, هناك أقوال عدة منها:
    القول الأول:
    آ ـ أنّ استخدام جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) يكون عندما أقوم بنفسي بالعمل أو الحاجة أو أتدخل بها بالأمر بشكل شخصي فردي أو جماعي:
    شواهد قرآنية:
    ـ (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠ ) [البقرة:70] هم سيقومون بذبح البقرة بأنفسهم بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ٧١) [البقرة:71].
    ـ (وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ٩٩) [يوسف:99] هم سيدخلون.
    ـ (قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا٦٩) [الكهف:69] هو سيصبر.
    ـ (قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ١٠ ٢) [الصافات:102] هو سيصبر.
    ب ـ وأمّا (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) فالعمل ليس لي أي دخل به , بل هو بتدبيرٍ خارج إرادتي.
    شواهد قرآنية:
    ـ (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ ) [البقرة:97] فنزول القرآن الكريم على النبي عليه السلام ليس له دخل فيه بل هو من عند الله.
    ـ (كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ ﱽ) [البقرة:249] فنصر القلة يكون بتدبير إلهي , وإلا فالمنطقُ يقول إنهم يهزمون , بدليل قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ) [البقرة:251] فالنصرُ كان من عند الله تعالى.
    ـ (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ) [البقرة:102] فالسحر لا يضر الآخرين إلا بقضاء الله وإذنه. والله أعلم.
    القول الثاني:
    لا فرق في الاستثناء بقولك: ( إنْ شاءَ الله ) وقولك: ( بإذن الله ) وذلك لأسباب عدّة منها:
    آ ـ أنّ معنى كلٍ من الاستعمالين متقارب , فالتعليق على مشيئة الله يشابهُ التعليق على إذنه سبحانه.
    ب ـ الاستعمال القرآني لكلٍ من هذين اللفظين أيضاً متقارب , وفي القرآن هناك بعض الآيات التي ورد فيه اللفظان على معنى واحد متقارب في آية واحدة , كما في قوله تعالى:
    وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ٥١ ﱠ [الشورى:51]
    وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ*ًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ٢٦ ﱠ [النجم:26]
    ج ـ معظم المفسرين لم يفرقْ بين الاستعمالين , وهناك منهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه.
    د ـ وعند الفقهاء كذلك , فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) في باب ( الاستثناء ) عن الأَيمَان والنذور والطلاق وغيرها: أنّ كلَ تعليقٍ على مشيئة الله ونحوه هومما يبطل الحكم , وقالوا: إنّ قولك: ( بإذن الله ) استثاء , كقولك: ( إن شاء الله ).
    القول الثالث:
    جملة ( إنْ شاء الله ) جملة فعلية , وجملة ( بإذن الله ) جملة إسمية , والجملة الفعلية تدل على الحدث , وربما يشير ذلك إلى ما ذهب به أصحاب القول الأول من أنّ ( إنْ شاء الله ) تأتي مع عملٍ أنت ستقوم به أي: ( حدث ) , بينما الجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار, لتشير إلى أنّ مشيئة الله هي السائدة المستمرة لكل الأزمنة قبل زمن الأفعال والأحداث , وخلالها وبعدها في الزمن السرمدي, وهي الأصل في كل خلق الله تعالى.
    ولذلك من الأفضل أن نعلق كلَ شيء مستقبلي بالمشيئة كما قال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ ٢٤ ﱠ[الكهف: 23ـ24 ] , أمّا الشيء الماضي فلا يُعلق بالمشيئة إلا إذا قُصِدَ بذلك التعليل , فمثلاً لوقال لك شخص حين صلى:صليتُ إنْ شاء الله , فإنْ قَصَدَ فِعلَ الصلاة فإنّ الاستثناء هنا لا ينبغي , وإنْ قصَدَ الصلاة المقبولة فهذا يصح معه أنْ يقول: ( إنْ شاء الله ) لأنه لا يعلم أقبلتْ أم لم تقبل. والله أعلم.



  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(66)
    مثنى محمد هبيان



    (قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة: 71]
    السؤال الأول:
    ما الفرق في استعمالات الفعل (كاد) في قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] و (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] و (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ ) [القلم:51]؟ وما الفرق بين كاد وعسى؟
    الجواب:
    ( كاد )
    (كاد) من أفعال المقاربة، أي: قارب الحصول ولم يحصل بينما (عسى) هو لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء.
    ـ خبر كاد فعل مضارع غير مقترن بأنْ على الغالب، وذلك لقربها من الوقوع.
    ـ خبر عسى فعل مضارع مقترن بأنْ على الغالب؛ لأنّ (أنْ) تدل على الاستقبال.
    وقيل: إنَّ (كاد) إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإن قلت: كاد يفعل , فمعناه لم يفعل, وإنْ قلت: ما كاد يفعل, فمعناه أنه فعله بعد جهد، بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71].
    ومعنى قوله تعالى: (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] أي: مبالغة في (لم يرها) , أي: لم يقرب أنْ يراها فضلاً عن أنْ يراها, والأصح أنّ المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويأس من رؤيتها.
    ومعنى قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71]أي: ذبحوها بعد الجهد، وبعد أنْ كان بعيداً في الظن أن يذبحوها.
    ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزُّخرُف:52] هذا الكلام عن لسان فرعون في موسى عليه السلام، ولا شك أنّ موسى كان يبين بدلالة المحاجات المتعددة التي ذكرها القرآن مع فرعون والمعنى أنه كان يبين لكنْ بصعوبة.
    ومعنى قوله تعالى: (لَّا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ قَوۡلٗا) [الكهف:93] هذه المحاورة تدل على أنهم يفقهون ولكنْ بصعوبة, ولا تدل على أنهم لا يفقهون وإلا فما هذه المحاورة بينهما؟
    ومعنى قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ ) [القلم:51] دلالة على شدة تحديق المشركين ونظرهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حالة قراءة النبي للقرآن، وهو قوله: (لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ) [القلم:51] غيظاً وسخطاً بحيث لو أمكنهم أنْ يصرعوه لصرعوه.
    السؤال الثاني:
    قوله تعالى في الآية: (يَفۡعَلُونَ) ما الفرق بين (يعملون) و(يفعلون) وما الفرق بين الفعل والعمل والصنع؟
    الجواب:
    1ـ العمل هو إيجاد الأثر في الشيء وعلى الأغلب فيه قصد ويحتاج إلى امتداد زمن، يقال: فلان يعمل من الطين خزفاً، وهو مختص بالإنسان من المخلوقات، كما ينسب العمل إلى الله سبحانه نحو: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71].
    2ـ الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد، كما تقول: فعل الرياح.
    3ـ الصنع: أخص من الاثنين، وهو إجادة العمل ويحتاج إلى دقة ولا ينسب إلى حيوان أو جماد.
    4ـ الفعل عام، والعمل أخصّ من الفعل، والصنع أخص.
    ونستطيع أن ننظر في معاني الآيات، فالتي فيها زمن يقول: (يعملون) وما ليس فيه امتداد زمن وهو مفاجئ يقول: (يفعلون).
    شواهد قرآنية: العمل:
    ـ قوله تعالى عن الجان: (يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ) [سبأ:13]، وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً.
    ـ قوله تعالى: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71] ما قال: فعلت؛ لأنّ خلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، فالله تعالى عندما يخلق التفاحة لا يخلقها فجأة، فقال: عملت أيدينا، يعني هذا النظام معمول بهذا الشكل؛ لأنّ فيه امتداد زمن.
    قوله تعالى:( وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] أي: في الحياة؛ لأنّ العمل عادة فيه مدة.
    شواهد قرآنية: الفعل:
    ـ قوله تعالى عن الملائكة: (وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ) [النحل:50]؛ لأنّ فعل الملائكة يتم برمش العين.
    ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ) [الفيل:1] باللحظة أرسل عليهم حجارة.
    ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) [الفجر:6] خسف بهم.
    ـ قوله تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ) [إبراهيم:45] أي: العقوبات، وغضب الله سبحانه وتعالى لمّا ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فوراً ولا يحتاج لامتداد زمن.
    ـ قوله تعالى (وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] أي: كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل.
    شواهد قرآنية: الصنع:
    ـ قوله تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ) [النمل:88].
    ـ قوله تعالى: (وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [المائدة:14] أي: ما يخططون ويدبرون بدقة ضد المسلمين.
    والله أعلم.


  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (67)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ٧٢ فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣ ﱠ [البقرة: 72-73]
    السؤال الأول:
    قوله تعالى في هذه الآية: (وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا) [البقرة:72] جاء بعد الأمر بذبح البقرة في الآية 67، فما فائدة تقديم الذبح في البيان؟ وما دلالة هاتين الآيتين بشكل عام؟
    الجواب:
    بشكل عام آيات البقرة هي في بيان النعم على بني إسرائيل، فناسب تقديم ذكر النعمة على ذكر الذنب. وجاء قوله تعالى: (وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ) [البقرة:72] بالصيغة الاسمية (مخرج ) لتدل أنه لا بدّ وأن يفعل ذلك , وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات وإلا لما قدر على إظهار ما كتموه.
    من جهة أخرى , قوله تعالى: (فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ) [البقرة:73] من المفيد أن نذكر هنا أنّ الله قادر على إحياء الميت دون ضربه ببعض البقرة , لكنّ الله تعالى اقتضت حكمته ترتيب الأشياء على أسبابها , ولجبر اليتيم صاحب البقرة بما حصل له من ثمنها , إضافة إلى بيان قدرة الله على إحياء الموتى أمام بني إسرائيل (لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣) [البقرة:73] أي: حتى تتفكروا بعقولكم , فتمتنعوا عن معاصيه. والله أعلم.
    والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    ما معنى قوله تعالى في هذه الآية:
    فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ) ؟

    الجواب:
    أي تدافعتم لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاَ أي يدفعه , والمعنى: اتهم بعضكم بعضاً وتدافعتم لطمس معالم الجريمة ودرء الشبهة.والله أعلم.
    ****
    { ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}[البقرة: 74]
    السؤال الأول:
    تكرر الضمير ( منها ) و ( منه ) في الآية مرتين لكل منهما , إلى أين تعود هذه الضمائر؟وما إعراب قوله: (وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ)؟
    الجواب:
    الضمير ( منها ) في الموضعين يعودان إلى كلمة:(الحِجَارة) و ( مِن ) هنا للتبعيض , أي: من بعض الحجارة , بينما يعود الضمير ( منه ) في قوله تعالى: ( يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ) إلى مكان التفجّر, وهو التفتح بسعة وكثرة , ويعود في قوله تعالى: ( لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ) إلى مكان التشقق أو التصدع الذي يخرج الماء منه , وهو دون النهر.
    وأمّا الإعراب فهو كالتالي:
    وإنّ: الواو حرف إستئناف , و ( إنّ) حرف توكيد ونصب.
    من الحجارة: جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر إنّ مقدم.
    لما: اللام للتوكيد , و ( ما ) إسم موصول مبني على السكون في محل نصب إسم ( إنّ).
    يتفجّر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
    منه: جار ومجرور.
    الأنهارُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة , والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
    والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة حكم الإظهار في التلاوة في قوله تعالى في الآية: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ)؟
    الجواب:
    وردت جملة: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) ست مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ البقرة 74 ـ 85 ـ 140 ـ144 ـ 149 ـ آل عمران 99] ووردت جملة: (وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ) ثلاث مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ الأنعام 132 ـ هود 123 ـ النمل 93 ] , ونلاحظ وجود إظهار بين كلمتي (بِغَٰفِلٍ عَمَّا) وبذلك لا توجد غنة وإنما نون ظاهرة توحي بقطعية هذا الخبر , وأنّ الله ليس بغافل عما تعملون ولو للحظة واحدة.
    أمّا في حالة نسبة (الغفلة) إلى البشر فقد وردت في القرآن , وبعدها كلمات لا تبدأ بحروف الحلق , كما في قوله تعالى:
    (وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ٣٩) [مريم:39].
    (وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ) [الأنبياء:1].
    (يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا) [الأنبياء:97].
    (وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا) [القصص:15].
    (لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ) [ق:22].
    أي توجد غنة حسب أحكام علم التجويد في: (غَفۡلَةٖ وَهُمۡ) (غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ) (غَفۡلَةٖ مِّنۡ) , أي أنّ البشر غافلون لمدة طويلة , وليس لمدة قصيرة فقط.
    وهذا من لطائف معاني أحكام التجويد. والله أعلم.

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (68)
    مثنى محمد هبيان


    (وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَه ُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ)[البقرة: 76]
    السؤال الأول:
    قوله تعالى: (بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:76] ما الفرق بين (فتح الله لك) و(فتح الله عليك)؟ وما طبيعة اللام في قوله تعالى:( لِيُحَآجُّوكُم ) ؟وما دلالة هذه الآية؟
    الجواب:
    1ـ فتح الله لك: تأتي في الخير وفي غير الخير.
    2ـ فتح الله عليك: تأتي في الخير وفي غير الخير، لكنْ تأتي من فوق.
    شواهد قرآنية:
    ـ قوله تعالى: (وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ) [الحِجر:14] هذا في الشر.
    ـ قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ) [المؤمنون:77] هذا في الشر.
    ـ قوله تعالى: (لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ) [الأعراف:96] هذا في الخير.
    ـ قوله تعالى: (قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَه ُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) [البقرة:76] هذا في الخير، والله أعلم.
    3ـ اللام في قوله تعالى: (لِيُحَآجوكم) هي لام العاقبة أو الصيرورة , وليست للتعليل لأنهم لم يقصدوا ذلك , وإنما كان المآل والعاقبة , ولكنها مثل لام التعليل في النحو , والفعل
    ( يحاجوكم ) فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد لام العاقبة , واللام ومجرورها متعلقان بالفعل (تحدثونهم).
    4ـ كان بعض منافقي اليهود يقولون للذين آمنوا إذا لقوهم: آمنا بدينكم وبرسولكم , وإذا خلا بعضهم ببعض قال الرؤساء لهم في إنكار:أتحدثون المؤمنين بما بيّن الله لكم في التوارة من أمر محمد في نعته وصفته, لتكون لهم الحجة عند ربكم يوم القيامة !!! أفلا تفقهون فتحذروا !!؟؟
    (أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ)[البقرة: 77]
    السؤال الأول:
    هل هذا الاستفهام في الآية حقيقي؟ وما غاية هذا الاستفهام؟
    الجواب:
    هل ينتظر المستفهِم جواباً لسؤاله؟ إنك قد تقول لولدك أو عاملك: ألم تعلم أني أكره هذا الأمر؟ فسؤالك لا تنتظر له جواباً، وإنما غايتك لوم الفاعل, وهذا لا يُنتظر منه جواباً وإنما الغاية لوم الفاعل.
    وفي قوله تعالى: (أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ) [البقرة:77] استفهام غايته التوبيخ ولوم القوم.
    والهمزة في (أَوَلَا) هي للاستفهام التقريري, ومعناه حمل المخاطب على الإقراروالاعترا ف مع التوبيخ واللوم.والواو عاطفة وهي بنيّة التقديم على الهمزة وإنما أُخرت لقوة الهمزة , و( لا ) نافية.
    والله أعلم.


  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (69)
    مثنى محمد هبيان



    (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ)[البقرة: 78]
    السؤال الأول:
    الأميّ هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟
    الجواب:
    إن كلمة (أُمِّيٍّ ) اسم منسوب, والنِّسبةُ: هي كل اسم انتهى بياء مشددة , فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيٌّ، فما الكلمة التي نُسِب إليها الأُمِّيُّ؟ إن هذا الاسم منسوب إلى الأمِّ، أي: الوالدة؛ لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً , لذلك قيل عنه أميّ.
    السؤال الثاني:
    ما المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة؟
    الجواب:
    المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية هي:
    آ ـ المشركون في مكة.
    ب ـ أهل الكتاب في المدينة , ومعظمهم من اليهود، أمّا النصارى فعددهم قليل.
    وأهم فرق اليهود قسمان:
    1 ـ (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78] وهؤلاء لا يعرفون من التوراة إلا ما يقوله لهم أحبارهم فقط, وهؤلاء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة من صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآمنوا به, والله لم ينفِ عنهم مطلق العلم ولكنه نفى خصوصية العلم؛ لأنه قال: (لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78].وهؤلاء هم العوام من اليهود , وليسوا من أهل العلم , وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم.
    والأماني بالتخفيف جمع أُمنِيَةٍ، وبالتشديد جمع أُمنِيَّةٍ , وهؤلاء الأميّون يأخذون المعلومات البسيطة من أحبارهم فيصدقونهم دون مناقشة، فيحمل هؤلاء الأحبار أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.
    وكلمة (أَمَانِيَّ) [البقرة:78] لها معان مشتركة في أصل واحد، ومنها:
    آ ـ ما يتخيله الإنسان فيقدّر في نفسه وقوعه، كقوله تعالى: (يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120] ويكون معنى الآية [78] أنّ أمانيهم في أنّ الله تعالى لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ آباءهم يشفعون لهم، وأنّ النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , وأنهم أبناء الله وأحباؤه , وأن الجنة خُلقت لهم لا لغيرهم.
    ب ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): بمعنى أكاذيب سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد.
    ج ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): إلا ما يقرؤون، أي: إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل.
    2 ـ وقسم يعلمون التوراة، ولكنهم يغيرون ما فيها ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله، ولذلك توعدهم الله بالعذاب: (فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة:79] وهؤلاء متعمدون للإثم, وليست صكوك الغفران إلا شكلاً من أشكال كسبهم الحرام.
    فذكر القرآنُ الكريم في آيات سورة البقرة ( 76:78 ) علماء اليهود , وعوامَهم , ومنافقيهم , ومن لم ينافق منهم , فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال , والعوام مقلدون لهم , ولا بصيرة عندهم , فلا مطمع لكم في الطائفتين.
    السؤال الثالث:
    ما نوع الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّآ أَمَانِيَّ) ؟
    الجواب:
    هذا استثناء منقطع , لأنّ الأماني ليست مندرجة تحت مدلول الكتاب , ولهذا وجب نصبُه رغم تقدم النفي , وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أنْ يوضع فيه مكان ( إلا ) بـ ( لكن ) فيُعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول.والله أعلم.
    (فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة: 79]
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين (يا ويلنا) وبين (يا ويلتي)؟
    الجواب:
    الويل: هو الهلاك والعذاب، واسم لوادٍ في جهنم، ويجمع على ويلات, وقد تلحقه الهاء فيصبح: الويلة: وهي الفضيحة والخزي.
    وقد وردت (الويل) في عدة صيغ في القرآن الكريم وهي:
    آ ـ (وَيۡلٞ) في سبعة وعشرين موضعاً.
    ب ـ (وَيۡلَكَ) الأحقاف [17].
    ج ـ (وَيۡلَكُمۡ) [طه:61]، القصص[ 80].
    د ـ (يَٰوَيۡلَنَا) الأنبياء[14،46، 97]، يس [52]، الصافات[20]، القلم[31].
    وكذلك وردت (الويلة ) في صيغتين:
    آ ـ (يَٰوَيۡلَتَىٰ) [هود:72]، الفرقان[ 28].
    ب ـ (يَٰوَيۡلَتَنَا) [الكهف:49].
    السؤال الثاني:
    ما فائدة ذكر كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) في الآية؟
    الجواب:
    ذكرُ كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) مع أنّ الكتابة تتم باليد؛ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك, كما تقول: (نظر بعينه) مع أنّ النظر لا يكون ولا يتم إلا بالعين, وتقول: (تكلّم بفمه ) فالغاية من هذا كله تأكيد العمل. والله أعلم.



  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (70)
    مثنى محمد هبيان



    (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)[البقرة: 80]
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين دلالة الجمع في (معدودة) و (معدودات)؟
    الجواب:
    القاعدة: وصف جمع غير العاقل: إنْ كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم، كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات، وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات، فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
    لذلك تكون (معدودات) جمع قلّة، وهي أقل من (10)، أمّا (معدودة) فهي تدل على أكثر من (10).
    شواهد قرآنية:
    ـ قال تعالى في سورة آل عمران: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ) [آل عمران:24] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَٰتٖۖ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ. وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون سبعة أيام فقط , لكل ألف سنة من عمر الدنيا سيُعَذبون يوماً واحداً في النار , وهي في زعمهم سبعة آلاف سنة , ثم ينقطع العذاب.
    ـ وقال تعالى في سورة البقرة: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَةٗۚ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في سياق هذه الآية أكثر. انظر آيات البقرة [75: 80].وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون أربعين يوماً فقط , بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب.
    ـ وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ) [يوسف:20] أي أكثر من 11 درهماً، ولو قال: (معدودات)، لكانت أقل.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة هذه الآية؟ وما نوع الفاء في قوله تعالى: (فَلَن) ؟ وما دلالة الحرف (أَمۡ) ؟
    الجواب:
    1 ـ هذه من الأماني التي يعتقدها اليهود أنهم لن يُعذبوا إلا أربعين يوماً بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب , فيمنون أنفسهم بذلك , فردّ الله عليهم: (قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] فأخبر سبحانه أنّ أمر دعواهم متوقفٌ على:
    آ ـ إمّا أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهداً, فتكون دعواهم صحيحة.
    ب ـ وإمّا أنهم متقولين على الله , فتكون دعواهم كاذبة , وهذا أبلغ في خزيهم وعذابهم.
    ولمّا عُلم من حالهم , بسبب تكذيبهم وقتلهم لكثير من أنبيائهم , أنهم لم يتخذواعند الله عهداً , فتعيّن أنهم متقولون على الله , وهذا من أشنع القبائح.
    2ـ الفاء في: (فَلَن) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر: إنْ اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده.
    وأمّا الحرف: (أَمۡ) في الآية فهو حرف عطف معادل للاستفهام فهي متصلة , ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى: ( بل ) وكلاهما يفيد معنى التقرير والتوبيخ.
    والله أعلم.

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (71)
    مثنى محمد هبيان



    (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ*َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ)[البقرة: 81]
    السؤال الأول:
    قوله تعالى: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ*َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] كيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟
    الجواب:
    الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من آثام وجرائم، تأمل السِّوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة، وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية الهروب من الخطأ، كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده , لذلك فإنّ إحاطة الخطيئة بصاحبها معناها أنها لم تدع له منفذاً , وهذا لا يكون إلا الشرك, لأنّ من كان معه إيمان لا تحيط به خطيئته.
    السؤال الثاني:
    مادلالة هذه الآية وما يستفاد منها؟
    الجواب:
    1ـ بلى: حرف جواب في النفي، أي: ينفي الذي قبلها، أي: نفى قول اليهود: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80].
    2ـ هنا نلاحظ أنّ الحق سبحانه قال: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ) [البقرة:81] وكان السياق أنْ يقال: اكتسب , ولكنْ لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.
    ونلاحظ أنّ القرآن استعمل كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون, فكأنّ المعصية تأتي منهم طبيعية يفعلونها بدون افتعال ولا احتياط، فهي في حقهم كسب لا اكتساب , ويفرحون بها كأنها مكسب، فلا يؤنبون أنفسهم ولا يلومونها ولا يندمون على معصيتهم.
    3ـ وقوله تعالى: (وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ*َٔتُهُ) [البقرة:81] أي: إحاطة لا يوجد فيها منفذ للإفلات من الخطيئة؛ ولذلك هؤلاء ليسوا عصاة فقط، بل كانوا كافرين مشركين، فكان الجزاء(فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] بالجملة الاسمية الدالة على الثبات.
    هناك من يندم على المعصية وهذا له توبة، وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.
    4ـ هذه الآية تبين حكم الله الثابت العام لكل أحد , ويدخل به بنو إسرائيل وغيرهم , وهو ردٌ من الله تعالى على بعض أمنيات اليهود بأنّ النار لن تصيبهم في الآخرة إلا أياماً معدودة , فبين الله أنه من أحاطت به خطاياه من كل جانب فعمّ الشرك والكفر فما دونه, لأنّ من معه إيمان لا تحيط به خطيئته , فهو مخلد في النار, ملازم لها ملازمة دائمة.
    السؤال الثالث:
    ما دلالة الحرف (بلى) وكم مرة ورد في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    (بلى) حرف جواب لاستفهام فيه حرف نفي، كقولك: ألم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، وكما في قوله تعالى: (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ) [الأعراف:172]. وفي «مختار الصحاح»: (بلى) جواب للتحقيق توجب ما يقال لك؛ لأنها ترك للنفي وهي ضد ( لا).
    وقيل: الألف في ( بلى ) أصلية , وقيل: الأصل (بل) والألف زائدة , وقيل: هي للتأنيث بدليل إمالتها.
    وقد وردت (بلى) في القرآن الكريم في (22) موضعاً، وفي ( 16) سورة, وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1ـ وهو اختيار القراء وأهل اللغة: الوقف عليها؛ لأنها جواب لما قبلها غير متعلق بما بعدها؛ وذلك في عشر مواضع:
    البقرة موضعان( 81-112) آل عمران موضعان ( 76ـ 125) الأعراف (172) النحل (28) يس ( 81) غافر ( 50) الأحقاف ( 33) الانشقاق( 15)، وقد أجاز بعضهم الابتداء بها وليس بمختار، والله أعلم.
    2ـ ما لا يجوز الوقف عليه لتعلق ما بعدها بما قبلها، وذلك في سبع مواضع:
    الأنعام ( 30) في قوله تعالى (قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ) [الأنعام:30] وفي النحل (38) سبأ ( 3) ,الزمر (59) الأحقاف (34) التغابن (7) القيامة ( 4).
    3 ـ وفيه الخلاف بين جواز الوقف ومنعه , والأحسن عدم الوقف لاتصالها بما قبلها؛ وذلك في خمس مواضع:
    البقرة ( 260) في قوله تعالى (قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ) [البقرة:260], الزمر (71) الزخرف ( 80) الحديد ( 14) الملك ( 9).
    السؤال الرابع:
    ما الفرق بين أدوات الجواب التالية: نعم ـ بلى ـ أجل ـ أي ـ جلل؟
    الجواب:
    أحرف الجواب هي:
    نعم:
    حرف تصديق ووعد وإعلام.
    ـ التصديق: بعد الخبر، نحو: قد زارك محمد، فتقول: نعم.
    ـ الوعد: بعد الأمر والنهي، نحو: لا تخبره بما حدث، فتقول: نعم.
    ـ الإعلام: بعد الاستفهام، نحو: أحضر خالد؟ فتقول: نعم.
    بلى:
    مختصة بإبطال النفي، وهي لا تقع إلا بعد النفي.
    شواهد قرآنية:
    ـ (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ) [الأعراف:172].
    ـ (ٓ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ* قَالُواْ بَلَىٰ) [المُلك:8 – 9].
    أجل: حرف جواب يقع بعد الخبر كثيراً فيكون تصديقاً له، نحو: أزارك خالد؟ فتجيب: أجل.
    إي: بكسر الهمزة وسكون الياء وهي مثل (نعم) غير أنها لا تقع إلا قبل القسم فتكون تصديقاً للمخبر ووعداً للطالب وإعلاماً للمستفهم، قال تعالى: (وَيَسۡتَنۢبِ*ُٔ ونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ) [يونس:53].
    وللعلم فإن (إي) لا تكون إلا قبل القسم، وأمّا (نعم) فتكون مع القسم وغيره.
    جلل: حرف بمعنى( نعم)، واسم بمعنى (عظيم).
    والله أعلم.


  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (72)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَي ۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ)[البقرة: 83]
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] و(وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36]؟
    الجواب:
    1ـ لدينا آيتان، الأولى تتحدث عن اليهود، وهي قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَي ۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83]؟ وفيها (ذي القربى) بدون باء.
    و الآية الثانية تتحدث عن المسلمين، وهي قوله تعالى: (وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ*ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَي ۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36] وفيها (بذي الْقُرْبَى) مع الباء.
    هل هذه الباء زائدة وليس لها معنى؟ في الحقيقة لا؛ فرب العالمين بهذه الباء يرسم ما هومستقبل القربى عند اليهود وما هو مستقبل القربى عند المسلمين، أي: الترابط الأسري، والتناسب الخَلقي ومدى مسؤولية كل واحد في الأسرة.
    ورب العالمين يعلم مقدماً أنه ما من أمة على وجه الأرض سوف تصل إلى ما وصل إليه المسلمون من العناية بالرحم و بالقربى، والكل يشهد بذلك، ونحن لا يوجد لدينا من يترك أمه وأباه في الملجأ، ولا يوجد من لا يعرف عمه أو خاله، أو من لا يعرف أباه أو جده، هذا مستحيل، في حين نجد عكس ذلك في بقية الأمم خاصة في أيامنا هذه.
    فرب العالمين عز وجل عندما ترك الباء بهذه الآية [البقرة 83] وأثبتها في آية [النساء 36] أشار بذلك إلى أنّ هذه الأمة وحدها هي التي سوف تُعنى بالأرحام والأقارب والوالدين والتماسك الأسري مع الأعمام والأخوال والأجداد والجدات.
    هذا هو أثر الباء، ووجودها في آية المسلمين وحذفها من آية أخرى لغير المسلمين.
    2ـ في آية البقرة ذُكرت الباء مع وَبِٱلۡوَٰلِدَي ۡنِ إِحۡسَانٗا [البقرة:83] وحُذفت مع كلمة (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] وأمّا في آية النساء فقد ذكرت الباء مع الوالدين وذي القربى.
    3ـ السياق في سورة النساء هو الكلام عن القرابات من أول السورة إلى آخرها، وليس في هذه الآية فقط؛ لذلك كان ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الآية لمراعاة التفصيل والتوكيد.
    وأمّا آية سورة البقرة فليس السياق في القرابات، وإنما عما مضى من أخذ ميثاق بني إسرائيل فحُذفت الباء في (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) مراعاة للاختصار.
    والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    المطلوب إعطاء مختصر عن أهم النقاط في تفسير آية البقرة 83؟
    الجواب:
    1ـ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (يعبدون) بالياء على أنهم غيب أخبر عنهم, والباقون بالتاء على أنهم مخاطبون، والاختيار التاء.
    2ـ في قوله تعالى: (تَعۡبُدُونَ) من الإعراب على خمسة وجوه:
    آـ على الرفع بتقدير: بأنْ لا يعبدوا , إلا أنه لما أُسقطت (أن) رُفِعَ الفعل، كما قال طَرَفَة:
    ألا أيُّهذا اللائمي أحضـرَ الوغـــى=وأن أشهدَ اللَّذاتِ هل أنت مُخلِدِي
    فأراد (أنْ أحضر) ولذلك عطف عليه (أنْ أشهد)، وأجاز هذا الوجه الأخفش والفراء والزجّاج.
    ب ـ موضعه رفع على أنه جواب القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون, وهذا الوجه أجازه المبرد والكسائي والفراء وأحد قولي الأخفش.
    ج ـ في موضع نصب حال على تقدير: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا الله.
    د ـ قول الفراء أنّ موضع (لا تعبدون) على النهي، إلا أنه جاء على لفظ الخبر، كقوله تعالى (لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا) [البقرة:233].
    هـ ـ التقدير: أنْ لا تعبدوا، وتكون (أنْ) مع الفعل بدلاً عن الميثاق.
    3ـ هذا الميثاق يدل على تمام ما لا بدّ منه في الدين , وهذا الميثاق هو من أصول الدين وشرائعه التي أمر الله بها عباده في كل رسالة, فلم يدخلها النسخ , وهذا الميثاق مكون من عشرة بنود وهي: الإيمان بالله وحده ـ بر الوالدين ـ الإحسان إلى الأقارب والأرحام ـ الإحسان إلى اليتامى ـ الإحسان إلى المساكين ـ مخاطبة الناس بالكلام الطيب ـ المحافظة على الصلاة ـ إخراج الزكاة ـ ألا يسفك بعضهم دماء بعض ـ ألا يخرج بعضهم بعضاً من داره.( البقرة 83 ـ 84 ).
    4ـ قوله تعالى: وَبِٱلۡوَٰلِدَي ۡنِ إِحۡسَانٗا [البقرة:83] انتصب بتقدير: أحسنوا بالوالدين إحساناً، أو: وصيناهم بالوالدين، أو بتقدير: أنْ تعبدوا وتحسنوا.
    5ـ أردف الحق عبادته بالإحسان إلى الوالدين، وذلك:
    آـ نعمة الله على العبد أعظم النعم، ثم نعمة الوالدين.
    ب ـ الله سبحانه هو الموجد والمؤثر الحقيقي للعبد، والوالدان هما المؤثر بحسب العرف الظاهر.
    ج ـ لبيان عظم حقهما على الولد.
    6ـ قوله تعالى: (وَٱلۡيَتَٰمَىٰ) [البقرة:83] اليتيم الذي مات أبوه حتى يبلغ الحلم، وجمعه أيتام ويتامى، ولا يقال لمن ماتت أمه: إنه يتيم , أمّا في غير الإنسان فيُتمه من قِبَلِ أمِّه.
    7ـ قوله تعالى: وَٱلۡمَسَٰكِين [البقرة:83] جمع مسكين، أُخذ من السكون كأنّ الفقر قد سكنه، وهو أشد فقراً من الفقير عند أكثر أهل اللغة, وقيل غير ذلك.
    وتأخرت درجتهم عن اليتامى؛ لأنّ المسكين قد ينتفع به في الاستخدام والميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى؛ ولأنّ المسكين يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته أكثر من اليتيم.
    8ـ قوله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] أي: قولاً حسناً، لكنه جاء بصيغة الصفة المشبهة كقولك: رجل عدل, ليكون التقدير: ليكن قولكم للناس هو الحُسن بذاته.
    وهذا القول خطاب بعد الإخبار على طريقة الالتفات، كقوله تعالى (حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ) [يونس:22].
    والكلام مع الناس سواء كان في الأمور الدينية أو الدنيوية الأفضل أنْ يكون بالتلطف.
    9ـ قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] وفيه وجوه:
    آـ أنّ المقصود من تقدم من بني إسرائيل.
    ب ـ أنه خطاب لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    ج ـ المراد بقوله: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ) [البقرة:83] من تقدم، وقوله: (وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] من تأخر. والله أعلم.
    السؤال الثالث:
    استعمل القرآن في سياق الدعاء والبر للوالدين لفظة (ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ) [النساء:135] دون لفظة (الأبوين) فما دلالة ذلك؟
    الجواب:
    الوالدان مثنى الوالد والوالدة, وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب؛ إذ يغلّبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران)، والأبوان هما الأب والأم، ولكنه غلّب المذكر ولو غلب الوالدة لقال: الوالدتان، وسواء قال: بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر.
    لكنك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين لا الأبوين كما في الآيات المذكورة أعلاه.
    ولم يرد استعمال (الأبوين) إلا مرة واحدة في المواريث؛ لأنّ نصيب الأب أكبر من نصيب الأم أو التساوي في الأنصبة, لكنْ في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحاً إلى أنّ نصيب الأم ينبغي أنْ يكون أكثر من نصيب الأب.
    كما أنّ لفظ (الأبوين) قد يأتي للجدين، كما قال تعالى: (كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ) [يوسف:6] ويأتي لآدم وحواء: (كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ) [الأعراف:27] فاختيار (الوالدين) له دلالات مهمة، وينطبق هذا على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصحابي الذي سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك» فأعطى كلا منهما على قدر ما قدم.
    قد تقول: إنّ هذا الأمر تخلّف في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال: (وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ) [يوسف:100] فاختار الأبوين , والجواب أنّ الأمر لم يختلف، وبيان ذلك:
    آ ـ في قصة يوسف لم يرد ذكر للأم مطلقاً، بل ورد ذكر الأب الحزين الذي فقد ابنه وذهب بصره.
    ب ـ في هذا الاختيار أيضاً تكريم للأم؛ لأنّ العادة أنْ يكرم الابن أبويه وليس أنْ يكرم الأبوان الابن، وسجود التكريم حصل من الأبوين للابن، ولذلك جاء بلفظ الأبوين لا الوالدين إكراماً للأم، فلم يقل: (ورفع والديه).
    ج ـ وفيها إلماحٌ أنّ العرش ينبغي أنْ يكون للرجال.
    وهذا يناسب ما ذكر عن الأب فهو الأنسب من كل ناحية.
    وهنا يرد سؤال: لماذا لم يرد ذكر الأم في قصة يوسف مع أنّ الأم هي التي تتأثر وتتألم وتحزن أكثر؟ والجواب: أنّ الأم إمّا أنْ تكون قد توفيت من قبل على بعض الروايات، أو أنّ أم يوسف هي أم ليوسف وأخيه بنيامين فقط وليست أم بقية الإخوة, لذلك يكون كلامها حساساً مع إخوته, أمّا يعقوب عليه السلام فهو أبوهم جميعاً، فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم , أمّا الأم فليست أمهم فإذا تكلمت ففي الأمر حساسية وهذا من حسن تقديرها للأمور، فكتمت ما في نفسها وأخفت لوعتها وتركت الأب يتصرف، وهذا من حسن التقدير والأدب.
    السؤال الرابع:
    وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] وكلمة (حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت: 8] في سياق الدعاء للوالدين، فما الفرق بينهما؟
    الجواب:
    الله سبحانه وتعالى في جميع القرآن الكريم إذا أمر بالبر والدعاء يستعمل الوالدين وليس الأبوين، ولم يستعمل الأبوين إلا في موضوع المواريث أو في أمور أخرى, ولم يذكر في القرآن موقف بر أو دعاء إلا بلفظ الوالدين, وهو مثنى الوالد مع تغليب المذكر, ومشتقة من الولادة والولادة تقوم بها الأم، وهذه إشارة إلى أنّ البر بالأم أولى قبل الأب، كما جاء في الحديث الشريف: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك».
    وقد وردت كلمة الوالدين بالدعاء لهما في سبع آيات يمكن الاطلاع عليها من خلال الجدول التــالي:
    البيـــــان:
    أولاً:
    هذه الدراسة أو المقارنة هي لآيات الوالدين في [العنكبوت والأحقاف ولقمان] فقط ونلاحظ ما يلي:
    1ـ المراتب: الإحسان أعلى من الحُسن , فأنْ تعامل إنساناً بحُسنٍ أمرٌ عادي لكن أنْ تحسن إليه هذه مرتبة أعلى من الحُسن؛ لأنّ الإحسان يتعدى خيره للآخرين، تقول: أحسنت إليه.
    2ـ حُسناً: مصدر حَسُنَ، وهو فعل لازم، تقول: حَسُنَ الشيء في نفسه, وإحساناً مصدر أحْسَنَ، فعلٌ متعدٍّ، تقول: أحسنت إليه, فالكلمتان حُسناً وإحساناً مصدران مختلفان لفعلين مختلفين, لكنّ (إحساناً) أعلى من(حسناً)، والإحسان أمكن من الحُسن في فعل الخير ونفع الآخرين.
    3ـ نلاحظ ما يلي:
    آ ـ ذكر في آية الأحقاف أمرين: الحمل والوضع، وكلاهما كُره ومشقة, واستعمل: إحساناً.
    ب ـ في آية العنكبوت: لم يذكر الحمل أصلاً ولا الوضع، واستعمل: حسناً.
    ج ـ في آية لقمان: ذكر الحمل فقط ولم يذكر الوضع، ولم يستعمل حسناً أو إحساناً.
    النتيجة: الوضع الأصعب في آية الأحقاف فناسب (إحساناً)؛ لأنها أعلى من (حسناً).
    4ـ في الأحقاف الوالدان مؤمنان، وفي العنكبوت ولقمان الوالدان كافران, وبالتالي الوالدان المؤمنان يستحقان الإحسان أكثر من الوالدين الكافرين؛ فناسب في الأحقاف (إحساناً).
    ثانياً ـ مقارنة بين آيتي لقمان وآية العنكبوت(حالة الوالدين في الآيتين مشركان):
    1ـ في آية لقمان لم يذكر (حسناً) أو (إحساناً)، وإنما بيّن الحيثيات والمصاحبة, وذكر فيها:
    آ ـ الوالدان مشركان أشد كفراً بسبب الفقرة التالية، وهي:
    ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة الاستعلاء (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ) [لقمان:15] وكأنها شرط، وفيها معنى شدة الحمل على الشيء وشدة الحمل على المجاهدة وهي أقوى من (لتشرك) التي تفيد بيان الغرض والتعليل.
    ج ـ سياق السورة في آداب المصاحبة من الابن للأب وبالعكس؛ ومع الوالدين ومع المجتمع ؛ وتشمل هذه الآداب: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم التكبر عليهم، وعدم الاختيال.
    2ـ في آية العنكبوت: ذكر (حُسناً) وذكر فيها:
    آ ـ الوالدان مشركان.
    ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة (لِتُشۡرِكَ) [العنكبوت:8] اللام للتعليل, فهي أقل من (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ).
    ج ـ لم يذكر المصاحبة.
    فناسب في لقمان طلب حسن المصاحبة في الدنيا انسجاماً مع طابع السورة, وناسب في العنكبوت (بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8].
    والنتيجة من استعراض آيات العنكبوت والأحقاف ولقمان من ناحية السياق أو من ناحية واقع الوالدين أنّ المناسب هو: الحُسن في العنكبوت والإحسان في الأحقاف والمصاحبة بالمعروف في لقمان, والله أعلم.
    هذا الموضوع هوملخص رأي الدكتور فاضل صالح السامرائي حفظه الله ورعاه.
    وأما رأي الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى فهو التالي حول تفسير آية لقمان [14، 15]:
    آ ـ قال: (وَوَصَّيۡنَا) [لقمان:14] ولم يقل: (وأوصينا)؛ لأنّ القرآن يستعمل التشديد إذا كان أمر الوصية شديداً ومهماً؛ لذلك يستعمل (وصّى) في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية، والفعل المشدد يفيد التكرار؛ أي: يفيد استمرار الإحسان والبر بالوالدين.
    ب ـ بالرغم أنّ الوصية بالوالدين، إلا أنّ حيثيات الوصية خاصة بالأم (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] فلم يذكر شيئا عن دور الأب، والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ الله أراد أنْ يذكرنا بدور الأم خاصة؛ لأنها تصنع لك وأنت صغيرٌ لا تدرك ما تصنعه؛ فهو مستور عنك لا تعرفه, أمّا أفعال الأب وصنعه لك فجاء حال كِبَرِك وإدراكك للأمور من حولك ,فالابن يعرف ما قدّم أبوه من أجله، فدور الأب ظاهر على خلاف دور الأم؛ لذلك ذكره الله تعالى هنا (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] ويأتي من يقول: أليس الابن نتيجة التقاء الأب والأم فهما فيه سواء؟ فنقول: بلى، ولكنّ مشقة الأم فيه أوضح أثناء الحمل وعند الولادة, ولولا أنْ الله ربط النسل بالشهوة لزهد الناس فيه لما تتحمله الأم من مشاق، ولما يتحمله الأب من تبعات الأولاد.
    ونعرف قصة المرأة التي ذهبت تقاضي زوجها؛ لأنه يريد أنْ يأخذ ولدها منها، فقالت للقاضي وقد قال لها: أليس الولد ولدكما معاً؟ قالت: بلى، ولكن حَمَلَه خِفّاً ووضعه شهوة، وحملتُه وهناً ووضعته كرهاً فحكم لها.
    ومعنى: (وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] أي: ضعفاً على ضعف، فاجتمع للمرأة ضعفها الذاتي مع ضعفٍ بسبب الجنين الذي يتغذى منها ويكبر في أحشائها يوماً بعد يوم، ومن حكمة الله في خلق الرحم أنْ جعله قابلاً للتمدد والاتساع ليحتوي الجنين في مراحل نموه إلى أن يزيد الجنين زيادة لا يتحملها اتساع الرحم فينفجر إيذاناً بولادة إنسان جديد له مقومات حياة مستقلة غير متصل بأمه بعد أنْ كان تابعاً لأمه في غذائه وفي تنفسه، ومن العجيب أنّ الرحم يتسع بقدرة الله لعدة توائم كما نرى ونسمع.
    ج ـ ثم قال تعالى: (أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ) [لقمان:14] فالله هو المستحق للشكر أولاً؛ لأنه سبحانه هو الذي أنشأ من عدم وأمدَّ من عدم، ثم للوالدين لأنهما السبب الظاهري في الإيجاد وإنشاء الولد, وأنت لا تحسن شكر الله الخالق الأول والمسبب الأعلى حتى تحسن شكر الوالدين وهما السبب الثاني في وجودك.
    د ـ ذكرت الآية الحمل والفصال، أي: الفطام، وبين الحمل والفطام كانت الولادة من الأم الوالدة؛ لذلك كانت الآيات التي تتحدث عن البر أو الدعاء أو التوصية للوالدين بصيغة الوالدين للتذكير بالأم التي كانت قد ولدتك، ومن هنا كان الاختيار لكلمة الوالدين دون الأبوين.
    هـ ـ في هذه الآية جاءت الوصية للوالدين دون ذكرٍ لهاتين الكلمتين (حُسۡنٗاۖ) و(إِحۡسَانٗا)بل ذكر فيها حيثيات هذه الوصية وأسبابها وعللها.
    وـ في خمس آيات وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) وهي المذكورة في الآيات أعلاه في سور [ البقرة و النساء والأنعام والإسراء والأحقاف ] بينما وردت كلمة (حُسۡنٗاۖ) في آية واحدة في سورة العنكبوت.
    لكن ما الفرق بين (إِحۡسَانٗا) و(حُسۡنٗاۖ)؟
    الفرق: أنّ الإحسان مصدر أحسن، أي: الوصية بالإحسان إليهما. تقول: أحسن فلان لفلان إحساناً, أما حُسنا فمن الحُسن وهو المصدر الأصيل لهذه المادة (حَسُن) أي: أوصيك أنْ تعمل لهم الحُسن ذاته، كما تقول: فلان عادل , فوصفته بالعدل فإنْ أردت أنْ تبالغ في هذا الوصف تقول: فلان عدل، أي: في ذاته لا مجرد وصف له، أي: كأنّ العدل تمثَّل به، وكذلك رجل صومٌ لا صائم، وهذا يسمى الوصف بالمصدر، لذلك نسمي: الكاتب بالعدل، ولا نسميه: الكاتب العادل.
    إذن: (حسناً)آكد في الوصف من (إحساناً), فلماذا جاءت في هذه الآية فقط: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8] قالوا: لأنّ هذه الآية تتعرض لمسألة صعبة تمس قمة العقيدة فسوف يطلب الوالدان من الابن أنْ يشرك بالله ؛ لذا احتاج الأمر أنْ يوصى الابن بالحُسن في ذاته وفي أسمى توكيداته (حُسۡنٗاۖ) حتى لا يظن الابن أنّ دعوة الوالدين إياه إلى الشرك مبرر لإهانتهما أو التخلي عنهما، لذلك يعلمنا ربنا أنْ يكون الموقف كما في الآية 15 من سورة لقمان (فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15].والله أعلم.



  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (73)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ)[البقرة: 84]
    السؤال الأول:
    هذه الآية تخاطب بني إسرائيل الذين مضوا، ومع ذلك جاءت بصيغة المخاطب، فما السبب في مخاطبة من مضى؟
    الجواب:
    إنّ المخاطبة جاءت للخَلَف من بني إسرائيل لتبين للمؤمنين أنّ الخلف من بني إسرائيل هم بمنزلة أسلافهم؛ فأفعالهم واحدة وتصرفاتهم موروثة، والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة هذه الآية؟
    الجواب:
    هذه الآية تبين تتمة بنود الميثاق المذكور في الآية السابقة , وهما:
    1ـ ألا يسفك بعضُهم دماء بعض دون حدٍ أوقصاص.
    2ـ ألا يخرج بعضهم بعضاً من داره.
    وكان هذا يحدث في المدينة وقت تنزل الوحي , حيث كان هناك ثلاث فرق لليهود , وتحالفت كل فرقة مع الأوس والخزرج قبل الإسلام , فإذا حدث بينهما قتال , استعان كلُ حليف بحليفه من اليهود , فكان اليهوديُ يقتل اليهوديَ ويخرجه من داره.فإذا توقفت الحرب وكان بينهما أسرى , فدى بعضُهم بعضاً.
    وللعلم فقد تحالفت قريظة والنضير مع الأوس , وتحالف بنو قينقاع مع الخزرج , وكل منهما يقاتل مع حليفه , ومارسوا القتل والإخراج ,وهم بذلك قد خالفوا بنود الميثاق الذي أخذه الله عليهم , وكان الله قد أخذ عليهم الميثاق ألا يقتل بعضهم بعضاً , ولا يخرج بعضهم بعضاً من داره , وإذا وجد أسيراً وجب عليه فداؤه , فعملوا بالأخير وتركوا ما قبله , فوبّخهم الله على إيمانهم ببعض الكتاب , وهو فداء الأسير , وكفرهم ببعض , وهو القتل والإخراج.
    وفي الآية توبيخ لليهود السابقين واللاحقين على تضييع أحكام التوراة التي كانوا يقرون بها ويشهدون على ما فيها , وإنْ كان الخطاب موجهاً ليهود المدينة في عصر النبوة , إلا أنه عام في اليهود في كل زمان ومكان.والله أعلم.





  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (74)
    مثنى محمد هبيان



    (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 85]
    السؤال الأول:
    في هذه الآية جاءت هاء التنبيه مؤخرة على الضمير (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] بينما جاءت هاء التنبيه مقدمة في آية آل عمران 119 في قوله تعالى (هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ) [آل عمران:119] فما السبب؟
    الجواب:
    1ـ يُقدم التنبيه أو يُؤخر أو يُكرر بحسب الحاجة إليه, وقد يُحذف إذا لم يكن له داعٍ.
    2ـ في آية آل عمران قدّم التنبيه؛ لأنه تحذيرٌ لعباده المؤمنين مما هم فيه، وأنه ينبغي لهم أنْ يحذروا وينتبهوا.
    بينما في آية البقرة أخَّر التنبيه؛ لأنه أراد أنْ يُحضِّر أنفسهم أمام أعينهم هم ليشهدوا أعمالهم وصفاتهم, أي: أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون بصورتكم الواضحة التي لا تخفى , فهو لم يرد تحذيرهم من أمر كما في آية آل عمران.
    فالتنبيه في آل عمران لتنبيه المؤمنين ولفت انتباههم إلى أمر قد يكونون غافلين عنه, وأمّا آية البقرة فلإحضار صورتهم أمام أعينهم ليشاهدوها.
    السؤال الثاني:
    قوله تعالى في آية البقرة: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] فيه إشكال لغوي؛ لأنّ قوله (أَنتُمۡ) للحاضرين وقوله: (هَٰٓؤُلَآءِ) للغائبين فكيف يكون الحاضر نفس الغائب؟
    الجواب:
    التقدير هو:
    ـ ثم أنتم يا هؤلاء.
    ـ ثم أنتم، أعني: هؤلاء الحاضرين.
    ـ هؤلاء تأكيد لأنتم، والخبر (تقتلون).
    السؤال الثالث:
    ما دلالة هذه الآية؟
    الجواب:
    1ـ ذكرت الآية أربع حالات لليهود فيها إيمان ببعض الكتاب دون بعض:
    آـ قتل اليهودي لليهودي الآخر المتحالف مع قبيلة أخرى: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ)
    ب ـ إخراج بعضهم بعضاً من داره: (وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ).
    ج ـ يتعاون بعضهم مع الأعداء على إخوانه ويتقوى بهم على إخوانه ظلماً وعدواناً: (تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ) .ومعنى: (تَظَٰهَرُونَ) أي تتعاونون , وحذفت إحدى التاءين , وأصل المظاهرة مشتقة من الظهر لأن يقوي بعضهم بعضاً.
    وهم في هذه البنود الثلاثة مخالفون للعهد والميثاق الذي أُخذ عليهم.
    د ـ التعاون على فك الأسرى من اليهود: (وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ) أي تنقذوهم من الأسر بالمال.
    فنفذوا الأخيرة فقط ـ وهي فداء الأسير ـ وخالفوا في البنود الثلاثة الأولى فوبّخهم الله بقوله: أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ).
    2ـ بيّن الله عقوبة من ينقض الميثاق بقوله: (فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ).والفاء في: (فَمَا) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر كأنه قيل: إنْ شئتم أن تعرفوا جزاء من يفعل ذلك فهو...
    3ـ ثم قال تعالى: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) أي أنه مطلع عالم بدقائق أعمالهم , محيط بكل شؤونهم , وسوف يعاقبهم على أفعالهم وأقوالهم.
    السؤال الرابع:
    ما دلالة كتابة كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو في الآية؟
    الجواب:
    ذكر الداني في كتابه ( المقنع ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى , وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة حسب السياق , وهذه الكلمات وتسمى الأصول الأربعة هي: (ٱلصَّلَوٰةَ) (ٱلزَّكَوٰةَ) (ٱلۡحَيَوٰةِ) (ٱلرِّبَوٰاْ).
    وقد وردت كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو , بهذه الصورة لتبين أهمية الحياة كدار ابتلاء وكمزرعة للآخرة , وقد وردت (71) مرة في القرآن الكريم بهذا الرسم , غير أنه حين تُنسب الحياة إلى الكافرين فإنها تأتي بالصورة العادية , حيث وردت خمس مرات في القرآن الكريم كله , كما يلي:
    (وَقَالُوٓاْ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٢ ٩) [الأنعام:29].
    (إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٣ ٧) [المؤمنون:37].
    (أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا) [الأحقاف:20].
    (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا) [الجاثية:24].
    (يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي٢٤﴾ [الفجر:24].
    والله أعلم.
    *****
    (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦)[البقرة: 86]
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصَرُونَ) [البقرة:86] في هذه الآية وكلمة (يُنظَرُونَ) في آية البقرة 162، وآية آل عمران 88؟
    الجواب:
    لنستعرض الآيات أولاً:
    ـ قوله تعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦) [البقرة:86].
    ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ١٦٢) [البقرة:162].
    ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ٨٨) [آل عمران:88].
    ثانياً:
    لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآية (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 84،85] فالآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (يُنصَرُونَ).
    أمّا في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت قبلهما ذكر اللعنة, واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد , والمطرود كيف تنظر إليه؟
    و كلمة (يُنظَرُونَ) تحتمل معنيين:
    آ ـ لا يُمهلون في الوقت.
    ب ـ ولا يُنظر إليهم نَظَرَ رحمة.
    فإذا أُبعد الإنسانُ عن ربه وطُرد من رحمة الله كيف يُنظر إليه؟ إنه خارج النظر. فلمّا ذكرت اللعنة في سياق الآيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران استوجب ذكر (يُنظَرُونَ).
    السؤال الثاني:
    ماذا تعني الباء في الآية (ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ) [البقرة:86]؟
    الجواب:
    في أمور الشراء الباء مع الذاهب؛ فهم أخذوا الحياة الدنيا وكان الثمن الذاهب لها هو خسرانهم الآخرة.والله أعلم.
    جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين


  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (75)
    مثنى محمد هبيان



    (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة: 87]
    السؤال الأول:
    هل لمعنى لفظة (وَأَيَّدۡنَٰهُ) [البقرة:87] الواردة في الآية علاقة باليد؟ وما دلالة (وَقَفَّيۡنَا) [البقرة:87]؟
    الجواب:
    معنى (وَأَيَّدۡنَٰهُ) أي: قوّيناه وشددنا أزره وعضده, والفعل (أيدناه) مأخوذ من اليد، فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة؛ لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء.
    وأما معنى الفعل (وَقَفَّيۡنَا) أي أتبعنا , والمادة كلها تدل على التبعية ,والقفا كل تابع وهو مؤخر العنق , ومنه قافية الشعر لأنها تتبع البيت.
    ومعنى قوله تعالى: (وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ) أي اتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج واحد فكان منهم: داود وسليمان وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى عليهم السلام , إلى أن كانت رسالة عيسى عليه السلام حيث أنزل الله عليه الإنجيل وأيده بالمعجزات الباهرات , ثم ختم الله الرسالات برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنّ الكفر برسل الله ظلّ ملازماً لليهود , وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي عليه السلام: يكفينا ما أنزل الله علينا من الكتب , وما أُرسل فينا من الرسل , فنحن ماضون على شريعة الرسل السابقين , ومتّبعون لمنهجهم.
    السؤال الثاني:
    لماذا اختلفت صيغة الفعل في قوله تعالى: (فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة:87]؟
    الجواب:
    (كذبتم) فعل ماض، و(تقتلون ) فعل مضارع.
    آ ـ الأفعال تعبّر أحياناً عن الأحداث المستقبلية بأفعال ماضية، كقوله تعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ) [الزُّمَر:73].
    ب ـ أو تعبر عن الأحداث الماضية بأفعال مضارعة حكاية الحال فتُعبّر عن حدث ماضٍ بفعل مضارع، كأنما نريد أنْ نستحضر الحدث أمامنا، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:57].
    ج ـ الفعل المضارع (تَقۡتُلُونَ) جاء ليدل على إمكانية تجدد وتكرار الحدث، وهم قد فعلوا ذلك فعلاً عندما حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنْ عصمه الله منهم.
    السؤال الثالث:
    ما ترجمة: (عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ) [البقرة:87]؟
    الجواب:
    عيسى: اسم معرب , من يسوع , أو يشوع , ومعناه: السيد أو المبارك , وقد وُلد عيسى في بيت لحم سنة ست مئة وعشرين قبل الهجرة , أثناء حكم الرومان , وكان حاكم القدس من قِبَل الرومان اسمه ( هيردوس ) وجاءته الرسالة في سن الثلاثين , وبقي في الدنيا إلى سن الثالثة والثلاثين , حيث رُفع إلى السماء.
    مريم: اسم عبراني , وهي ابنة عمران , من سبط يهوذا , وَلدت عيسى وهي في الثالثة عشرة من عمرها , وكان أبوها قد مات قبل ولادتها , فكفلها زكريا زوج خالتها , وكان كاهناً من أحبار اليهود.
    (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ)[البقرة: 88]
    السؤال الأول:
    مامعنى قوله تعالى (غُلۡفُۢۚ) [البقرة:88]؟
    الجواب:
    الغلف: جمع أغلُف، وهي الأغشية، والمعنى أنهم يقولون: قلوبنا غلف مملوءة بالعلم والحكمة وهي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم , أو هي كالغلاف الخالي لا شيء فيه.وكلمة (غُلۡفُۢۚ) جمع أغلف , كأنما أُغشي غلافاً فهو لا يعي , والمعنى أنّ قلوبهم مغشاة بأغطية لا يدري أحدٌ ما وراءها.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة قوله تعالى (فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ) [البقرة:88]؟
    الجواب:
    في معانيها وجوه:
    آـ لا يؤمن منهم إلا القليل.
    ب ـ لا يؤمنون إلا بقليل مما كلفوا، حيث إنهم يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل.
    ج ـ لا يؤمنون أصلاً لا قليلاً ولا كثيراً، كما يقال: قليلاً ما يفعل، بمعنى لا يفعل البتة.
    السؤال الثالث:
    لماذا نصبت (فَقَلِيلٗا) ؟
    الجواب:
    لفظة (قليلاً) نصبت على تقدير:
    آـ نائب مفعول مطلق بتقدير: إيماناً قليلاً , و( ما ) صلة.
    ب ـ بنزع الخافض، أي: بقليل ما يؤمنون.
    والله أعلم.



  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (76)
    مثنى محمد هبيان



    (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة: 89]
    السؤال الأول:
    جاءت كلمة (مُصَدِّقٞ) [البقرة:89] مرفوعة في هذه الآية وفي الآية[101] بينما جاءت منصوبة في آية البقرة (مُصَدِّقٗا) [البقرة:91] وجميع الآيات هي في سورة البقرة، فلماذا؟
    الجواب:
    أولا: لنسنعرض الآيات:
    قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:89].
    قوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ ) [البقرة:91].
    قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:101].
    ثانياً:
    الآية[89] كتابٌ: فاعل مرفوع، فتكون الصفة (مُصَدِّقٞ) مرفوعة.
    الآية [91] جملة (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ) الواو: واو الحال، والجملة (هو الحق) مبتدأ وخبر في محل نصب حال , و(مُصَدِّقٗا) حال منصوبة.
    الآية[101] رَسُولٌ: فاعل، وتكون (مُصَدِّقٞ) صفة مرفوعة.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة الفعل يَسۡتَفۡتِحُونَ ) في هذه الآية؟
    الجواب:
    الفعل يَسۡتَفۡتِحُونَ ) أي يستنصرون , وفتح الله على نبيه أي نصره. قال أبو العالية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب , يقولون لهم: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا في التوراة حتى نُعذّب المشركين ونقتلهم , فلمّا بَعث اللهُ محمداً عليه السلام , ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله.
    وقال قتادة: لمّا بعث الله محمداً , فرأوه أنه بُعث من غيرهم كفروا به , حسداً للعرب , وهم يعلمون أنه رسول الله ,يجدونه ممكتوباً عندهم في التوراة.
    ****
    {بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِين َ عَذَابٞ مُّهِينٞ} [البقرة: 90]
    السؤال الأول:
    ما دلالة لفظة (بَغۡيًا) في الآية؟ وما دلالة قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) ؟
    الجواب:
    1 ـ لفظة (بَغۡيًا) أي حسداً وظلماً لأن تكون النبوة في بني إسماعيل عليه السلام , والبغي: هو اشتداد في طلب شيء ما, وأصله مطلق الطلب والإرادة. وكلمة(بَغۡيًا) تعرب مفعول لأجله , وهو علة ( اشتروا ) أو علة ( يكفروا ).
    2ـ قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) أي عاقبهم الله بغضبين:
    آ ـ الغضب الأول: بسبب عبادتهم للعجل من دون الله , وعدم إيمانهم بعيسى عليه السلام وبالإنجيل , وتحريفهم للتوارة.
    ب ـ الغضب الثاني: بسبب عدم إيمانهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالقرآن , ونتيجة عملهم هي: وَلِلۡكَٰفِرِين َ عَذَابٞ مُّهِينٞ) من الإهانة فيُذلهم ويُخزيهم.
    السؤال الثاني:
    وردت لفظة ( بئسما ) في القرآن الكريم متصلة (بِئۡسَمَا) ومنفصلة (لَبِئۡسَ مَا) فما تعليل ذلك؟
    الجواب:
    1 ـ وردت لفظة (بِئۡسَمَا) في القرآن الكريم متصلة في ثلاثة مواضع وهي:
    [ البقرة 90 ـ 93 ـ الأعراف 150 ] ووردت منفصلة (لَبِئۡسَ مَا) في ستة مواضع وهي:
    [ البقرة 102 ـ المائدة 62 ـ 63 ـ 79 ـ 80 ـ آل عمران 189 ].
    2ـ حرف ( ما ) في لفظ {بِئۡسَمَا} يأتي موصولاً في الآيات التي ليس فيها تفصيل , لأنه بمعنى واحد من جهة كونه مذموماً , بخلاف قوله تعالى :
    { وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ}[ المائدة: ٦٢ ] فحرف ( ما ) يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل في الآية , وكذلك قوله تعالى:
    { تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ} [ المائدة: 80 ] فحرف ( ما ) مفصول لأنه يشتمل ما بعده من الأقسام. والله أعلم.
    السؤال الثالث:
    ما دلالة رسم كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    وردت كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات:
    [ البقرة 61 ـ90 ـ آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا الحذف للألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه. والله أعلم.

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (77)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩١) [البقرة: 91]
    السؤال الأول:
    ما المقصود بـ (بِمَا وَرَآءَهُۥ) [البقرة:91] في الآية؟
    الجواب:
    1ـ الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية, واليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب، واليهودي لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام، ولذلك بقي يهودياً وإلا لأصبح نصرانياً أو مسلماً.
    2ـ وقوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) أي: وراء ما أنزل الله عليهم مما أنزل الله على رسله ما قبل التوراة وما بعدها؛ لأنّ وراء تفيد: خلف وأمام، ولا شكّ أنّ هذا يشمل القرآن الكريم. وجاء بما يدلّ على القرآن بالصيغة الاسمية مع واو الحال {وهو الحق}ليدل عليه بشكل ثابت وقطعي، وعلى حاله بكونه (مُصَدِّقٗا) للتوراة من غير تفاوت بينهما في الأصول.
    3ـ والقرآن يدلّ على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فلمّا أخبر الله عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة بل كان مكذباً لها.
    4ـ وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بها لزمهم من هذه الجهة الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
    السؤال الثاني:
    ما دلالة صيغة الفعل المضارع في (تَقۡتُلُونَ) ؟
    الجواب:
    هذا يُسمّى حكاية الحال، بمعنى أنه إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإنّ العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك.
    والمضارع يدل على الحال والاستقبال، والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد، فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيــغة مضارع وإنْ كانت ماضية.
    وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91] قتل الأنبياء هو حالة مستغربة، وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة.
    وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر: (وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ) [فاطر:9] جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع ثم فعل (فَسُقۡنَٰهُ) بصيغة الماضي مع أنّ السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية؛ لكنّ الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدلّ على الحضور.
    وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة، ففيما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال يصف ما حصل شعراً:
    فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش؟
    فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب، فكأنّ السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
    السؤال الثالث:
    ما دلالة قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في هذه الآية وفي القرآن الكريم؟
    الجواب:
    ورد هذا التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في القرآن الكريم في (16) موضعاً وهي ( البقرة 91،93،248،278) وآل عمران ( 49 ,139، 175 ) المائدة ( 23، 57،112 ) الأعراف ( 85 ) الأنفال ( 1)التوبة (13) هود( 86 ) النور( 17 ) الحديد (8 ).
    بينما ورد التركيب (إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) في مكان واحد في آية التوبة في قوله تعالى: (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) [التوبة:62].
    وهذا التركيب العجيب يضع الناس أمام أنفسهم وجهاً لوجه , وسر هذا التركيب يكمن في كلمة (إنْ) وهي أداة شرط تستعمل في القرآن عندما يكون الأمر موضع شك قابلاً للظن والاحتمال , أمّا (إذا) فتستعمل في مواضع اليقين.
    وقد ورد تركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع فئتين من الناس:
    الأولى: وهم المؤمنون الصادقون الذين لا يُشَكُّ في صدقهم وحسن بلائهم وسابق جهادهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
    الثانية: وهم المنافقون الفاسقون الذين لا يُشَكُّ في خياناتهم وتلونهم وكذبهم.
    ومن السهل أنْ نفهم التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع الفئة الثانية فهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ولذلك يخاطبهم الله عز وجل بأسلوب الشك في إيمانهم ويبين للمؤمنين الصادقين كذبهم ونفاقهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91].
    أمّا ورود هذا التركيب مع فئة المؤمنين الصادقين المخلصين كما في آية الأنفال: (يَسۡ*َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1] وقد نزلت هذه الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر ومعه الصحابة الذين هم أكرم أهل الأرض بعد أنبياء الله , فمن الواضح أنّ مثل هذه الآية عندما ترد مع مثل هؤلاء الناس تكون تطهيراً لهم وتعليماً وتذكيراً، كأنها تضعهم في منزلة الشك في إيمانهم إنْ لم يفعلوا ما يأمرهم الله به فيهبوا للعمل بأحكام الله فيدفعوا عنهم صورة التردد والشك، وليدخلوا في دائرة الإيمان الوثيق الذي يعلمه الله منهم بصدق أقوالهم وأعمالهم.
    السؤال الرابع:
    ما دلالة لفظة (قَبۡلُ) في هذه الآية (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) [البقرة:91]؟
    الجواب:
    قوله تعالى: (مِن قَبۡلُ) طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ قتلهم الأنبياء انتهى , وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أنْ يقتلوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم .
    وبذلك نزع الله الخوف من صدور وقلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا.
    واليهود بعد نزول هذه الآية لم يتوقفوا عن تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة بمحاولة إلقاء الحجر عليه، ومرة بدس السم له، ومحاولات أخرى لكنها فشلت كلها.
    السؤال الخامس:
    كيف جاز قوله تعالى: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) ولا يجوز أنْ يقال: أنا أضربك أمس؟ وما نوع الفاء في لفظة: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ) ؟
    الجواب:
    1ـ في الأمر قولان:
    آ ـ أنّ ذلك جائز إذا كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك: ويحك لِمَ تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك , وكقوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ) [البقرة:102] ولم يقل: ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
    ب ـ كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إنْ كنتم آمنتم بالتوراة؟
    2ـ الفاء (فَلِمَ) تسمى الفصيحة لأنها قد أفصحت عن شرط مقدر , أي إنْ كانت دعواكم صحيحة فَلِمَ تقتلون؟ واللام حرف جر , و( ما ) اسم استفهام في محل جر باللام , وحُذفت الألف من ( ما ) فرقاً بينها وبين ( ما ) الخبرية. والجار والمجرور متعلقان بالفعل ( تقتلون ).
    والله أعلم.
    السؤال السادس:
    ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟
    الجواب:
    1ـ عندما قال المسلمون لليهود آمنوا بمحمد , ردّ عليهم اليهود: نحن نؤمن بما أُنزل على نبينا موسى عليه السلام ولا نؤمن بغيره (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) .
    2ـ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) فجاء بألف التعريف ( الحق ) بصيغة التعريف لا بصيغة التنكير, ليبيّن أنه الحق بصورة دائمة , وهو يوافق التوراة التي بين أيديكم , فوحي السماء واحد لا يختلف.
    3 ـ ردّ الله عليهم مقالتهم بأمرين:
    آ ـ من يكفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة , لأنه الحق المطابق للواقع الموافق للتوراة , فهو: (ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) .
    ب ـ إنْ كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) أي إنْ كنتم كما تزعمون أنكم تؤمنون بكتب الله كالتوراة والإنجيل , وبرسل الله كموسى وعيسى عليهما السلام فلِمَ قتلتم أيها اليهود أنبياء الله كيحيى وزكريا؟! وقد حرّم الله عليكم ذلك في التوراة , ولمَ كذبتم نبيكم موسى عليه السلام؟!!!
    والله أعلم.


  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(78)
    مثنى محمد هبيان



    (وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 92]
    السؤال الأول:
    متى تُذكَّر (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) أو تؤنَّثُ في الاستعمال القرآني؟
    الجواب:
    جاءت كلمة (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) بصورها المختلفة في القرآن الكريم أكثر من 52 مرة، فإنْ جاءت بمعنى المعجزات تؤنث، وإنْ جاءت بمعنى حبل الله أو القرآن أو بمعنى الأمر والنهي تذكّر.
    شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات:
    ـ (فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:209].
    ـ (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ) [البقرة:213].
    ـ (تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253].
    ـ (ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا) [النساء:153]
    شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي:
    ـ (كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [آل عمران:86].
    ـ (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ) [آل عمران:105].
    ـ (قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [غافر:66].
    السؤال الثاني:
    ما دلالة هذه الآية؟
    الجواب:
    1ـ المعنى العام: لقد جاءكم نبي الله موسى عليه السلام بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه , كالطوفان والجراد والقمّل والضفادع وغير ذلك ,ومع ذلك اتخذتم العجل معبوداً , بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ,فلم يكن اتخاذكم العجل معبوداً عن جهل ,لذلك صار الظلم وصفاً لكم , وجاء بواو الحال المقرونة بالصيغة الاسمية الدالة على ثبوت الظلم وملازمته لكم (وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) .
    2ـ قوله تعالى: (وَلَقَدۡ) جاء بصيغة التوكيد , فاللام جواب قسم محذوف , و( قد ) حرف تحقيق.
    3ـ قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) ولم يقل: (بَعدَه ) ليفيد بقصر الزمن, أي بعد مفارقة موسى عليه السلام إلى الطور.
    (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة: 93]
    السؤال الأول:
    ما معنى (وَأُشۡرِبُواْ) في الآية؟
    الجواب:
    الإشراب هو أنْ تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟
    إنّ الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان، وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء؛ لأنّ الماء أسرى الأجسام في غيره, ولذلك يقال: الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن, فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان , وكذلك حُبُّ بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم. وقد عُبّر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل لأنّ شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام لا يتغلغل فيها , وفي هذا تشبيه بليغ حيث جُعلت القلوب لتمكّن حبِّ العجل منها كأنها تشرب , وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الإشراب.
    السؤال الثاني:
    ما أهم اللمسات اللغوية في الآية؟
    الجواب:
    1ـ إنّ إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوِّفات , ومع ذلك فقد أصرّوا على كفرهم وصرّحوا بقولهم: (سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا) وهذا يدل على أنّ التخويفَ وإنْ عَظُمَ لا يوجب الانقياد.
    2ـ قوله تعالى: (بِكُفۡرِهِمۡۚ) فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى.
    3ـ قوله تعالى: (قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ) فيه مسألتان:
    آ ـ المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة , لأنه ليس في التوراة عبادة العجل , وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم , كما قال في قصة شعيب: (أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ) [هود:87].
    ب ـ الإيمانُ عَرَض , ولا يصح منه الأمرُ والنهي , لكنّ الداعي إلى الفعل قد يشبه الأمر.
    4ـ قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم.
    والله أعلم.

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (79)
    مثنى محمد هبيان



    (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )[البقرة: 94-95]
    السؤال الأول:
    ما دلالة هاتين الآيتين؟
    الجواب:
    في هاتين الآيتين تصحيح لمزاعم اليهود أنّ الآخرة والجنة لهم من دون الناس , وأنّ النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , فأمر اللهُ رسوله عليه السلام أن يبلغهم: إنْ كان الأمر كما تزعمون فتمنوا لقاء الله وادعوا على أنفسكم بالموت , فإنّ الحبيب يَودُ لقاء حبيبه , وهذا نوع من مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس أمام اليهود بعد هذا الإلجاء والمضايقة إلا أحد أمرين: إمّا أن يؤمنوا بالله ورسوله , وإمّا أن يباهلوا على ما هم عليه بأن يتمنوا الموت , فامتنعوا من ذلك كله , فعلم كلُ واحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ورسوله مع علمهم بذلك . وسُميت المباهلة تمنياً لأنّ كل محقٍ يودُّ لو أهلك اللهُ المبطلَ المناظر له.
    وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( لو تمنوا الموت لشرق أحدُهم بريقه ).
    وفي قوله تعالى: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) خروج الأمر من معناه الأصلي إلى معنى التعجيز , لأنّ ذلك ليس من صفاتهم , ولأنّ تمني الموت لا يكون إلا من شأن المقربين الأبرارلأنّ من أيقن بالشهادة اشتاق لها , وحنّ إليها.
    ثم بيّن الله أنّ اليهود لن يتمنوا الموت أبداً بسبب ما قدمت أيديهم في حياتهم من الذنوب والتكذيب والمعاصي والكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام , وبسبب علمهم أنّ الموت طريق الحساب والجزاء , فالموت أكره شيء لهم , وهم أحرص الناس على الحياة مهما كان نوعها , قال تعالى: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) [البقرة:95].
    السؤال الثاني:
    عبّر الله تعالى في الآية عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) [البقرة:95] فلِمَ خصَّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى عليه السلام بلسانهم وكذبهم عليه؟
    الجواب:
    إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد, فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد، وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد.
    السؤال الثالث:
    نفى التمني في هذه الآية بـ ( لن) (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) [البقرة:95] ونفاه في آية الجمعة بـ ( لا ) (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ ) [الجمعة:7] فما سبب الفرق؟
    الجواب:
    السبب هو اختلاف سياق الآيتين:
    أولا ً ـ السياق:
    قال في الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٧)
    وقال في البقرة: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٩٥)
    فأنت ترى الفرق واضحاً بين السياقين؛ فالكلام في آية البقرة عن الآخرة, والدار الآخرة للاستقبال؛ فنفى بـ(لن)؛ إذ هو حرفٌ خاصٌ بالاستقبال.
    وأمّا الكلام في آية الجمعة فهو عام لا يختص بزمن دون زمن (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) [الجمعة:6] فهذا أمر مطلق ؛ من أجل هذا نفى بـ (لا)، وهو حرف يفيد الإطلاق والعموم.
    ثانياً:
    لمّا كان الزمنُ في آية الجمعة عاماً مطلقاً غير مقيد نفاه بـ(لا) التي آخرها حرف إطلاق وهو الألف , ولمّا كان الزمن مقيداً في آية البقرة للاستقبال وهو زمنٌ مقيد نفاه بـ(لن) التي آخرها حرف مقيد , وهو النون الساكنة، وهو تناظر فني جميل.
    ثالثاً:
    تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أنْ يظهروا تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثَمَّ تكذيب للنبي عليه السلام، ومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت.
    السؤال الرابع:
    قوله تعالى: (قَدَّمَتْ) في الآية، ما العلاقة بين التعبيرين (بما قدمت) و (بما كسبت) في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    1ـ الآيات التي فيها فعل (قَدَّمَتْ) ليس فيها كسب.
    شواهد قرآنية: (بِمَا قَدَّمَتْ):
    البقرة 95ـ النساء 62ـ القصص47ـ الروم36ـ الشورى 48ـ الجمعة 7
    2ـ آيات الكسب (فَبِمَا كَسَبَتْ) يسبقها شيء يدل على الكسب, والكسب هنا هو الكسب غير المشروع.
    شواهد قرآنية: (فَبِمَا كَسَبَتْ) :
    البقرة 225ـ الأنعام 70ـ الرعد 33ـ الروم41ـ غافر17ـ الشورى 30ـ الجاثية 22ـ المدثر 38.
    فمثلاً: آية الشورى 30، ورد فيها قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وسبقها في الآية 27 قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27] وبسط الرزق يدل على الكسب.والله أعلم.



  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(80)
    مثنى محمد هبيان



    وَلَتَجِدَنَّهُ مۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة: 96]
    السؤال الأول:
    ما دلالة استخدام كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة في هذه الآية؟
    الجواب:
    1ـ الآية في سياق الحديث عن اليهود, وجاءت كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة, وهي تعني أيَّ حياةٍ مهما كانت تافهة أو ذليلة، وهذه إشارة إلى أنهم يريدون أي حياة كانت وإنْ كانت تافهة أو مُهينة وليست الحياة الكريمة، لذا هم حرصوا على حياة تافهة ولا يتمنون الموت كما تحدّاهم به القرآن.
    2ـ المشرك حريص على الحياة؛ لأنه يعتقد أنّ الدنيا هي الغاية, بينما اليهود أشد حرصاً على الحياة من المشركين؛ لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة, وقد حُببت إليهم الخطيئة طول العمر , لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الله, ولذلك هم لا يبالون أنْ يعيشوا في ذلة أو في مسكنة, المهم أنْ يعيشوا في أي حياة مهما كان نوعها, ولذلك جاءت بالتنكير؛ لأنّ النكرة تفيد الكثرة وهم يريدون الحياة المتطاولة، فناسب التنكير.وقوله تعالى: (أَحۡرَصَ) صيغة مبالغة من الحرص وهو طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة الود في الآية في أنْ يعيشوا ألف سنة؟
    الجواب:
    1ـ قوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) الود هو الحب، أي: أنهم يحبون أنْ يعيشوا ألف سنة أو أكثر، لكنّ هذا أيزحزحه عن العذاب؟ بالطبع لا؛ لأنّ طول العمر لا يغير النهاية.
    2ـ قوله تعالى: (أَن يُعَمَّرَۗ ) بصيغة المبني للمجهول؛ ليدل على أنّ الأمر بيد الله وأنّ العمر ليس ملكاً لإنسان.
    السؤال الثالث:
    لماذا ذُكرت الألف سنة؟
    الجواب:
    لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب, ولذلك فإنّ الرجلَ الذي أَسر في الحرب أختَ كسرى فقالت له: كم تأخذ وتتركني؟ قال: ألف درهم، قالوا له: بكم فديتها؟ قال: بألف، قالوا: لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك، قال: والله لو عرفت شيئاً فوق الألف لقلته، ولذلك كانوا يقولون عن المليون: ألف ألف.
    وفي قوله تعالى: (أَلۡفَ سَنَةٖ) كناية عن الكثرة , وليس المراد خصوص الألف. وقيل: الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة , والسنة تمام دورة الشمس , وتمام ثنتي عشرة دورة للقمر.
    السؤال الرابع:
    أين مفعولا الفعل المتعدي وَلَتَجِدَنَّهُ مۡ) [البقرة:96] في الآية؟
    الجواب:
    الفعل وَلَتَجِدَنَّهُ مۡ)[البقرة:96] هو فعل متعدٍّ إلى مفعولين، وهما: الضمير(هم) في وَلَتَجِدَنَّهُ مۡ) [البقرة:96] و (أَحۡرَصَ) [البقرة:96].
    السؤال الخامس:
    الواو في قوله تعالى: ( وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ ) [البقرة:96] ما دلالتها؟
    الجواب:
    الواو في الآية على ثلاثة أقوال:
    آـ حرف عطف بتقدير أنّ اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا, وهذا القول أولى، والله أعلم.
    ب ـ استئنافية؛ أي أن الكلام تم عند قوله تعالى (عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96] ثم استأنف قوله.
    ج ـ أنّ فيه تقديماً وتأخيراً، وتقديره: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة، ثم فسر هذه المحبة بقوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) [البقرة:96].
    السؤال السادس:
    من المقصودون في الآية (ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96]؟
    الجواب:
    قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ) [البقرة:96] قيل: هم المجوس، وقيل: الأعاجم، وقيل: هم مشركو العرب، وقيل: كل مشرك لا يؤمن بالمعاد.
    السؤال السابع:
    ما دلالة الزحزحة في الآية؟
    الجواب:
    قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ) [البقرة:96] الزحزحة: هي التبعيد والإنحاء، والمراد: أنه لا يؤثر في إزالة العذاب على الكافر أقل تأثير, إنما تزحزحه الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح , وها هو إبليس لم ينفعه عمره الطويل أن ينجو من الناربسبب كِبره وكفره.
    والفعل ( زُحزح ) يُستعمل لازماً ومتعدياُ , وتكرار الحروف بمثابة تكرار العمل. والزحزحة إبعاد الشيء المستثقل المترامي لما يبعد عنه.
    السؤال الثامن:
    ما اللمسة البيانية في قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96]؟
    الجواب:
    قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] و يراد به البصر والعلم، فالله بصير وعليم بأفعالهم.
    وجاء بالفعل المضارع: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] للدلالة على تجدد الحدث باستمرار.
    السؤال التاسع:
    في قوله تعالى: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ما الفرق بين العمل والفعل والصنع؟
    الجواب:
    قال: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ولم يقل: يفعلون، أو يصنعون:
    آـ يفعلون: الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد.
    ب ـ يعملون: في الأكثر فيه قصد، وهو مختص بالإنسان، وهو أخص من الفعل، لذلك قلّما ينسب إلى الحيوان , والعرب لم تقله إلا في البقر التي تحرث الأرض.
    ج ـ يصنعون: الصنع أخص، وهو إجادة الفعل ويحتاج إلى دقة، ولا ينسب إلى حيوان أو جماد فهو أخص من العمل، قال تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ ) [النمل:88].
    وعندما تأتي (يَصۡنَعُونَ) فتعني ما يخططون وما يدبرون بدقة وإجادة.
    فالفعل عام والعمل أخص منه، والصنع أخص ويحتاج إلى دقة.
    والله أعلم.


  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (81)
    مثنى محمد هبيان



    (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ) [البقرة: 97]
    السؤال الأول:
    ما دلالة قوله تعالى: (مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ) [البقرة:97]؟
    الجواب:
    الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا إلى أعمال اليهود، فهم:
    1ـ يقتلون الأنبياء.
    2ـ يحرفون التوراة.
    3ـ يعادون الملائكة وخاصة جبريل عليه السلام.
    وعداوتهم للملائكة تؤكد ماديتهم فهم يقيسون الأمر على البشر.
    والله يقول عن السبب:(فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ) [البقرة:97].
    وهكذا الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا إلى وحدة الحق في الدين, فالمصدر هو الله جل جلاله، ورسوله من الملائكة هو جبريل، ورسله من البشر هم الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله, وميكائيل ينزل بالخير والخصب؛ لأنّ الإيمان أصل وجود الحياة.
    لذلك من كان عدواً للملائكة والرسل وجبريل وميكال فهو كافر, وهذا الحكم لم يخبر به الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، وإنما أمره بأنْ يعلنه حتى يعرفه الناس جميعاً ويعرفوا أنّ اليهود كافرون.
    السؤال الثاني:
    ما الفرق بين (نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ) [البقرة:97] في هذه الآية وبين (أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ) [البقرة:99] في آية البقرة 99؟
    الجواب:
    أولا ـ لنستعرض الآيات:
    قوله تعالى: (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ) [البقرة:97] وقوله تعالى (وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ) [البقرة:99].
    ثانياً ـ السياق:
    1ـ آية البقرة [97] تخص اليهود، حيث أعلنوا عداءهم لجبريل عليه السلام , فكأنّ الآية تقول لهم: جبريل لم يصنع شيئاً من عند نفسه وإنما نزّل القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإذنٍ من الله تعالى ,و(على) تفيد الاستعلاء. والفعل (نزّل) بالتضعيف يفيد التكثير والتدريج.
    2ـ آيتا البقرة [ 98،99] ذكر الله جبريل عليه السلام في الآية [98] لكنّ الله سبحانه في الآية [99] وهو يتكلم عن إنزال القرآن الكريم لم يشر إلى جبريل، وإنما أشار إلى المصدر الأول وهو الله سبحانه، فقال بصيغة التوكيد: (وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ) [البقرة:99] والحرف (إلى) يفيد الإيصال , أي: أوصلنا القرآن إليك لتبلغه للناس.
    السؤال الثالث:
    ما معنى اسم (جبريل)؟ وكم لغة في اسم (جبريل)؟
    الجواب:
    1ـ قال بعض أهل العلم: اسم (جبريل) معناه: عبد الله , جبر (عبد) و(ايل) الله.
    2ـ في اسم جبريل سبع لغات: فقد قرأ ابن كثير (جَبرِيل) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز , وقرأ حمزة والكسائي بفتح الجيم والراء مهموزاً , والباقون بكسر الجيم والراء غير مهموز بوزن (قنديل) , إضافة إلى: (جبرائل) و (وجبرائيل) و(جبرايل) و (جبرين) بالنون ومنع الصرف للتعريف والعجمة. والله أعلم.
    السؤال الرابع:
    ما أهم الدلالات في هذه الآية؟
    الجواب:
    1ـ نزلت هذه الآية رداً على زعم اليهود أنّ جبريل عدوٌ لهم , وأنّ ميكائيل وليٌ لهم.
    2ـ قوله تعالى: (مَن كَانَ) اسم للشرط , فكيف استقام قوله تعالى: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ) جواباً للشرط؟ والجواب: أنّ الله سبحانه بيّن أن هذه العداوة فاسدة , لأنّ (جبريل) أُمِرَ بإنزال كتاب فيه الهداية والبشارة فأنزله , فهو من حيث إنه مأمور فهو معذور , ومن حيث أنه أتى بالهداية والبشارة فيجب أن يكون مشكوراً , فكيف تليق به العداوة !!.
    و(الفاء) في: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ) عاطفة على جواب الشرط المقدّربمثابة التعليل له.والهاء في (نَزَّلَهُۥ) يعود على القرآن , وفي إضماره تفخيم لشأن صاحبه.
    3ـ قوله تعالى: (نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ) خُصّ القلبُ بالذكر لأجل أنّ الذي نزل به ثبت في قلبه حفظاً حتى أداه إلى أمته , فلمّا كان سبب تمكنه من الأداء ثباته في قلبه حفظاً جاز أن يُقال: نزّله على قلبك , وإنْ كان في الحقيقة نزّله عليه لا على قلبه , وكما قال تعالى: (وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٩ ٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ١٩ ٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ١٩٥ﱠ)[الشعراء:192- 195].
    4ـ قوله تعالى: (بِإِذۡنِ ٱللَّهِ) أي بأمر الله , والإذنُ رفعُ المنع.
    5 ـ قوله تعالى: (مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ) فمحمول على ما أجمع عليه أكثر المفسرين من أنّ المراد ما قبله من كتب الأنبياء.
    6 ـ قوله تعالى: (وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ) فـالقرآن مشتمل على (الهدى) إلى كل خير ,ويشمل ما وقع به التكليف من أعمال الجوارح والقلوب , وهو(بشرى) ببيان الثواب للمؤمنين الذين انقادوا للحق فلا يفرقون بين كتب الله ولا بين رسله , وقُدّم الهدى على البشرى لأنّ الهدى هو الأصل , والبشرى نتيجة للمؤمن , ولا بُشرى بغير هداية.
    7ـ هذه الآية مدحت القرآن الكريم بخمس صفات:
    آ ـ أنّه منزّل من عند الله سبحانه.
    ب ـ أنه منزّل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم , وهو أكمل القلوب على الإطلاق.
    ج ـ أنه مصدقٌ لما سبقه من الكتب السماوية المنزلة من عند الله.
    د ـ أنه يهدي إلى الحق.
    هـ ـ أنه بشرى للمؤمنين الصادقين العاملين بما فيه.
    والله أعلم.
    السؤال الخامس:
    ما هي أنواع القلوب التي ذكرت في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    وردت كلمة (قلب) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في (19) موضعاً, وبصيغة التثنية في موضع واحد في آية الأحزاب (4) , وبصيغة الجمع في (112) موضعاً.
    وأمّا أنواع القلوب التي ذكرت في القرآن الكريم فهي كثيرة منها:
    1ـ القلب السليم: وهو قلب مخلص لله , وخالٍ من من الكفر والنفاق والرزيلة. قال تعالى: إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ٨٩ [ الشعراء:89].
    2ـ القلب المنيب: وهو قلب دائم الرجوع والتوبة إلى الله ومقبل على طاعته. قال تعالى: مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ٣٣ [ ق:33].
    3ـ القلب المخبت: وهو القلب الخاضع المطمئن الساكن. قال تعالى: وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [ الحج:54].
    4ـ القلب الوجل: وهو الذي يخاف الله عز وجلّ ألا يقبل منه العمل وألا ينجو من عذاب ربه قال تعالى: وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ[ المؤمنون:60].
    5ـ القلب التقي: وهو الذي يعظّم شعائر الله. قال تعالى: ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ [ الحج:32].
    6ـ القلب المهدي: وهو القلب الراضي بقضاء الله والتسليم بأمره. قال تعالى: مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ[ التغابن:11].
    7ـ القلب المطمئن: وهو القلب الذي يسكن بتوحيد الله وذكره. قال تعالى:ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ[ الرعد:28].
    8ـ القلب الحي: وهو قلبٌ يعقل ما قد سمع من الأحاديث التي ضرب الله بها من عصاه من الأمم.قال تعالى: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ [ ق:37].
    9ـ القلب المريض: وهو الذي أصابه مرض مثل الشك أو النفاق , ولديه فجور ومرض في الشهوة الحرام. قال تعالى: يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا[ الأحزاب:32].
    10ـ القلب الأعمى: وهو الذي لا يبصر ولا يدرك الحق والاعتبار. قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ[ الحج:46].
    11ـ القلب اللاهي: وهو القلب الغافل عن القرآن الكريم ولا يعقل ما فيه , ومشغول بأباطيل الدنيا وشهواتها. قال تعالى: لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ[ الأنبياء:3].
    12ـ القلب الآثم: وهو الذي يكتم شهادة الحق. قال تعالى: وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ [ البقرة:283].
    13ـ القلب المتكبر: وهو القلب المستكبر عن توحيد الله وطاعته , وهو قلب جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.قال تعالى: كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ [ غافر:35].
    [ للعلم فإنّ لفظَ (متكبرٍ) في الآية مضاف إليه وليس صفة للقلب ].
    14ـ القلب الغليظ: وهو القلب الذي نزعت منه الرأفة والرحمة. قال تعالى: وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِي نَ[ آل عمران:159].
    15ـ القلب المختوم: وهو الذي يسمع الهدى ولم يعقله. قال تعالى: أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية:23].
    16ـ القلب القاسي: وهو قلب لا يلين للإيمان , ولا يؤثر فيه زجر , وهو مُعرضٌ عن ذكر الله. قال تعالى: فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ[ المائدة:13].
    17ـ القلب الغافل: وهو القلب الذي غفل عن ذكر الله سبحانه , وآثر هواه على طاعة مولاه. قال تعالى: وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا[ الكهف:28].
    18ـ القلب الأغلف: وهو قلب مغطى , لا ينفذ إليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ [ البقرة:88].
    19ـ القلب الزائغ: وهو القلب المائل عن الحق. قال تعالى: فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ[ آل عمران:7].
    20ـ القلب المريب: وهو قلب شاك متحير.قال تعالى: إِنَّمَا يَسۡتَ*ٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ [ التوبة:45].
    اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا وقلوب المسلمين على طاعتك ومحبتك , واجعل قلوبنا سليمة مطمئنة , وثبتنا على ذلك. اللهم آمين.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •