الامام المحاملي شيخ الشافعية



أحمد بن فخري الرفاعي



المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده
اسمه ونسبه: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي، المحاملي، البغدادي، الشافعي([1]).
وكنيته: أبو الحسن([2]).
والضَّبِّي: بفتح الضاد المعجمة، وتشديد الباء الموحدة؛ نسبة إلى ضَبَّة ابن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر. وهو جد جاهلي، تنسب إليه (بني صبَّة)، وهي قبيلة كبيرة مشهورة.([3])
والمحاملي: بفتح الميم الأولى والحاء المهملة، وكسر الميم الثانية واللام؛ نسبة إلى المَحَامِل جمع مَحْمِل كمجلس، وهي: التي يحمل عليها الناس على الجمال في السفر إلى مكة وغيرها، وذلك لأن بعض أجداد المصنف كان يبيع هذه المحامل ببغداد، فنسبت هذه الأسرة إلى تلك المهنة([4])
البغدادي: نسبة إلى مدينة (بغداد) حيث ولد وعاش ومات فيها.([5])
الشافعي: نسبة إلى مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي، حيث برع المصنِّف في الفقه الشافعي وكتب فيه عدة مصنفات.([6])
مولده: ولد المَحَامِلي بمدينة (بغداد) سنة ثمان وستين وثلاثمائة للهجرة.([7])
المبحث الثاني: نشأته في أسرة علمية
نشأ المصنف – رحمه الله – في بيئة علمية متميزة، ساعدته في تكوين شخصيته العلمية، وظهور مواهبه، وسرعة نبوغه ونجابته، فهو ينتسب إلى أسرة (المَحَامِلي)، وهي أسرة اشتهرت بتفوقها العلمي، قد ألفت المرابطة في حلقات العلم، ولازمت مجالس التعليم، واستأنست بمرافقة العلماء، وآثر أفرادها الانتساب إلى حلقات التدريس والإفتاء التي كانت تغص بها مساجد ومدارس بغداد، قد ارتوت جذور هذه الأسرة بالعلوم الشرعية، ونمت أغصانها على ذلك، وترعرعت يانعة نديَّة، تحمل بين جوانحها أنواع العلوم، وأصناف المعارف، فتألقت، وارتفعت، وعلا شأنها، وذاع صيتها، وسجَّل التاريخ أخبارها وسيرتها ومسيرتها في رحلة التعليم الطويلة، إذ أسهمت هذه الأسرة في بث الوعي الديني، ونشر العلم الشرعي وتبليغه.
المبحث الثاني: نشأته في أسرة علمية
يقول ابن الصلاح([8]) في وصف هذه الأسرة: "بيت النبل والجلالة، والفضل، والفقه، والرواية".
ويقول ابن السبكي([9]): "بيت الفضل والجلالة، والفقه والرواية".
وقد برز أفراد هذه الأسرة، واشتهروا، وتقلد عدد من أفرادها مناصب مرموقة في التدريس والإفتاء، والخطابة والقضاء، والإمامة والرواية، وغير ذلك من المناصب العلمية البارزة.
ومن أشهر علماء هذه الأسرة وأعلامها:
1- ولد المصنِّف:
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الصبي، المحاملي، أبو الفضل ولد سنة [400هـ]، وتتلمذ على والده، وتفقه به، وكان فقيها، عالما بالتفسير، والحديث، ذكيا، وكانت له حلقة أيام الجمع بجامع القصر ببغداد يُقرأ عليه فيها التفسير والحديث، ولم يُنقل عنه إلاَّ اليسير؛ لأنه ترك العلم، وأقبل على الدنيا، مات في شهر رجب سنة (477هـ).([10])
2- حفيده:
يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، أبو الطاهر، كان فقيها كبيرا، ورعا، كثير العبادة، له مصنف في الفقه، أقام بمكة المكرمة أكثر من خمسين عاما، مات بها في جمادى الآخرة سنة (528هـ)([11])
3- والده:
محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، المحاملي، أبو الحسين البغدادي، من كبار فقهاء الشافعية، ولد سنة (332هـ)، حفظ القرآن، والفرائض، ودرس الفقه على مذهب الشافعي، وكتب الحديث، وكان ثقة صادقا خيّرا فاضلا، من مصنفاته: (تفسير النبي صلى الله عليه وسلم)، مات في رجب سنة (407هـ).([12])
4- أجداده.
( أ )- إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الضبي، المَحَامِلي، جدُّ جدِّ المصنف، ووالد القاضي أبي عبد الله الحسين المحدث المشهور.
سكن بغداد، وتتلمذ عليه كثير من محدثيها، روى عنه ابناه الحسين والقاسم شيئا يسيرا.([13])
( ب )- القاسم بن إسماعيل بن محمد الضبي، المَحَامِلي، أبو عبيد، جدُّ والدِ المصنف، ولد سنة (238هـ)، كان من أهل الحديث والعلم، ثقة صدوقا، مات ببغداد في شهر رجب سنة (323هـ).([14])
( ج )- أحمد بن إسماعيل بن إسماعيل بن محمد الضبي، المَحَامِلي، أبو الحسن، جدُّ المصنف لأبيه، سمع من أبيه، وصنف وذاكر بالحديث، ومات سنة (337هـ)([15])
( د )- جدَّتُه:
هي أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، جدة المصنف، اسمها: ستيتة، كانت عالمة فاضلة من أحفظ الناس للفقه، وحفظت القرآن، والفرائض، والحساب، والعربية وغير ذلك من العلوم، وكانت تفتي، كثيرة الصدقة والمسارعة إلى الخيرات. ماتت في شهر رمضان سنة (377هـ).([16])
5- أخوه:
عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، أبو الفتح، أخو المصنف، كتب عنه الخطيب البغدادي، ووثقه. مات في شهر المحرم سنة (448هـ).([17])
6- عمُّ جدِّه:
الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي، المحاملي، القاضي أبو عبد الله البغدادي الشافعي، العلامة، الحافظ، شيخ بغداد ومحدثها وفقيهها، ولد سنة (235هـ)، وكان فاضلا، دينا، صادقا، ثقة، ولي قضاء الكوفة ستين سنة، وكان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل يكتبون عنه. من مصنفاته (الدعاء)، (الأمالي) مطبوعان، (كتاب السنن)، (كتاب صلاة العيدين). مات في شهر ربيع الآخر سنة (330هـ).([18])
7- ابن ابن عم جده:
أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل الضبي، المحاملي، أبو عبد الله ولد في رمضان سنة (343هـ)، سمع عددا من مشايخ بغداد، وسماعه صحيح، روى عنه الخطيب البغدادي وغيره. مات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة (429هـ).([19])

المبحث الثالث: شيوخه
ولد المحاملي في الوقت الذي كانت فيه بغداد تشهد حركة علمية مزدهرة، ونهضة تعليمية نشطة، إذ كانت المساجد عامرة بحلقات العلوم الشرعية، والمدارس تغص بالتلاميذ الذين توافدوا من كل حدب وصوب، ينهلون من مختلف العلوم، ويتلقون من أساتذتهم أصناف الفنون والمعارف؛ من تفسير، وفقه، وحديث، ولغة، وغير ذلك، فقد برز في تلك الحقبة من الزمن الجهابذ من العلماء، وفحول الشيوخ الأتقياء، يدفعهم حب العلم، والإخلاص لله تعالى إلى بثة ونشره، لا مقصد لهم إلا طلب الثواب من الله تعالى، ورجاء مغفرته ورضوانه، وقد اعتلى قمة الإفتاء والتدريس في تلك الفترة أعلام اشتهروا، وحفظ التاريخ أسماءهم؛ من أمثال أبي الحسن القصار المالكي، وأبي محمد الخوارزمي الشافعي أحد الأئمة الفقهاء أصحاب الوجوه، وأبي عبد الله الحناطي الشافعي، وابن اللباب الفقيه الشافعي المشهور، وأبي عبد الله الحسن بن حامد شيخ الحنابلة، وأبي عبد الله الحاكم المحدث العلم،وأبي حازم محدث بغداد، وغيرهم من العلماء الأفذاذ، الذين ظهروا وعاشوا في تلك الفترة الزمنية. وعلى الرغم من ذلك الكم الهائل، والعدد الوافر من العلماء الذين برزوا في الفترة التي قارنت حياة الإمام المحاملي إلا أن كتب التراجم لم تورد لنا ذكر جميع أساتذته ومشايخه الذين روى عنهم، وقرأ عليهم ونهل من مناهلهم.
ومن خلال قيامي بقراءة استقراء وتتبع لتراجم الأعلام المعاصرين له – والذين هم مظنة أن يكون قد تتلمذ عليهم – عبر قراءة لكتب التراجم والطبقات؛ تمكنت من العثور على أسماء أربعة من شيوخه الذين أخذ عنهم، وهم:
1- الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، شيخ الشافعية بالعراق، ولد سنة (344هـ)، اشتغل بالعلم منذ قدومه بغداد، فأخذ عن كبار علمائها، وبر ع في المذهب حتى فاق متقدميه، وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، واتفق معاصروه على تقديمه وتفضيله، وأخذ عنه جمع كبير من أئمة وفقهاء بغداد، علق على (مختصر المزني)، وله (التعليقة الكبرى) في الفروع، وكتاب (البستان) وهو صغير. وثقه الخطيب البغدادي وغيره. مات ببغداد في شوال سنة (406هـ).([20])
2- الإمام علي بن عبد الرحمن البكائي، أبو الحسن بن أبي السري الكوفي، من كبار شيوخ الكوفة ومحدثيها، سمع من أبي جعفر بن مطين، وأبي حصين الوادعي، وعبد الله بن بحر، وغيرهم، وحدث عنه جماعة؛ منهم أبو العلاء صاعد بن محمد بن الحسن السكري، وأبو الحسين الدهان. مات في ثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة (376هـ)، وله تسع وتسعون سنة([21])
3- الإمام الفقيه أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، الابغدادي، والد المصنف. تقدمت ترجمته عند الكلام على أسرة المصنف.([22])
4- الشيخ الحافظ محمد بن المظفر بن موسى البغدادي، أبو الحسين، ولد ببغداد سنة (286هـ) من أشهر علماء الحديث ببغداد، سمع من كبار علمائها، ثم رحل إلى الكوفة، وحلب، وحمص، ومصر، وغيرها، واشتهر في معرفة الرجال، وجمع وصنف، حدث عنه أبو حفص بن شاهين، والإمام الدار قطني، والبرقاني، أبو محمد الخلال وغيرهم، وثقه غير واحد من العلماء. مات في جمادى الأولى سنة (379هـ)([23])


المبحث الرابع: تلاميذه
برز المحاملي وذاعت شهرته، وعلا صِيته، ورُزق من الذكاء والفطنة وحُسن الفهم ما تميز به على معاصريه، وتفوق به على أقرانه، وبرع في الفقه، وظهر للجميع تمكنه وطول باعه في مذهب الشافعي، لذلك التفَّ حوله طلبة العلم، وقصده التلاميذ من كل البلدان، فكان يُدرِّس في بغداد في حياة شيخه أبي حامد وبعده.
ومن أبرز تلاميذه الذين سمعوا منه وقرءوا عليه:
1- الإمام، الحافظ، الناقد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي، ولد سنة (392هـ)، كان أحد الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين، وكان فقهيا، فغلب عليه الحديث والتاريخ، كان فصيح اللهجة، عارفا بالأدب، ولوعا بالمطالعة والتأليف، من مصنفاته الكثيرة: (تاريخ بغداد)، (السابق واللاحق)، (موضح أوهام الجمع والتفريق). مات ببغداد في شهر ذي الحجة سنة (463هـ)1.([24])- علي بن أحمد الكاتب ذكر الخطيب البغدادي([25]) وغيره([26])، أن هذا قرأ على المصنِّف رواية الحافظ عبد الله بن محمد البغوي (ت 317هـ)([27]) عن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (الفوائد).([28])
ولم أقف على ترجمة لعليٍّ هذا.
3- القاضي علي بن المحسن بن علي التنوخي، أبو القاسم البغدادي، وُلد بالبصرة سنة (365هـ)، ذكر الخطيب البغدادي أنه سمع منه وقال: "وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره، وكان متحفظا في الشهادة، صدوقا في الحديث، وتقلَّد قضاء نواحٍ عدة. مات ببغداد سنة (447هـ)([29])
4- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم، الضبي، المحاملي، أبو الفضل، ولد المصنف. تقدمت ترجمته عند الكلام على أسرة المصنف([30])
5- محمود بن الحسن بن محمد، أبو حاتم القزويني الشافعي، من كبار فقهاء الشافعية، أخذ عن الباقلاني، وابن اللبَّان، وهو شيخ الشيرازي صاحب (المهذب)، كان حافظا للمذهب، وصنف كتبا كثيرة في المذهب وفي الأصول والخلاف والجدل؛ منها (الحيل) مطبوع، و(تجريد التجريد). مات سنة (440هـ).([31])


المبحث الخامس: مصنفاته
على الرغم من أن المحاملي – رحمه الله – لم يعمَّر طويلا، وإنما اخترمته المنية وهو في ريعان شبابه، إلا أنه لم يمت حتى ترك وراءه عددا من المصنفات الفقهية المفيدة، والمؤلفات المشهورة الفريدة، حيث صنف كتبا في المذهب، وأخرى في الخلاف، أعانه على ذلك ما وهبه الله من ذكاء حاد، وحضور
فكر، وفهم، وقريحة جيدة، وسرعة حفظ؛ فاستغل هذه المواهب، وأشرع قلمه في الكتابة والتأليف، وقدَّم للمكتبة الإسلامية ثروة فكرية تمثلت في مصنفاته الفقهية المتعددة في المذهب الشافعي، حيث اعتمد عليها من جاء بعده من مصنفي المذهب، فنقلوا عنها كثيرا من أقواله، وتحريراته، وأفادوا منها إفادة كبيرة".
وهذه مصنَّفات العلاَّمة المحاملي، مع الإشارة إلى بعض النقولات المتأخرة عن بعضها:
أولا: أمالي([32]) الأصفهاني.([33])
ثانيا: الأوسط:
ذكره ابن خلكان([34])، والصفدي([35])، والحافظ ابن كثير([36])
ثالثا: التجريد في الفروع.([37])
وهو كتاب في الفقه، غالبه فروع عارية عن الاستدلال([38])، وقد جرَّده تلميذه أبو حاتم القزويني([39])، وسمَّاه: تجريد التجريد.([40])
وقد نقل عنه الشافعية كثيرا، ومنهم الإمام النووي، فقد نقل عن التجريد مسائل كثيرة في كتابه المجموع؛ منها: في الجزء الأول/ الصفحات: 108، 123، 133، 356. والجزء الخامس / الصفحات: 176، 190، 191، 209، 217، 219، 239، 254، 423. والجزء السادس / 139، 186، 443، 450، 525.
والجزء الثامن / 137. وغير ذلك.
رابعا: تحرير الأدلة:
نسَبَه للمحاملي ابن هداية الله في طبقاته.([41])
خامسا: التعليقة([42]) نقلها عن شيخه أبي حامد الإسفراييني.
سادسا: رؤوس المسائل:
وهو مجلدان يذكر فيه أصول المسائل ويستدل عليها.([43])
سابعا: عدة المسافر وكفاية الحاضر.([44])
وهو كتاب في مجلد واحد، ذكر فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية، منه نسخة موقوفة بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة.([45])
ونقل عنه الأسنوي في كتابه: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول..([46])
ثامنا: كتاب القولين والوجهين.([47])
تاسعا: اللُّباب:
وهو الكتاب الذي بين يديك أخي القارئ، وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل إن شاء الله تعالى.([48])
عاشرا: المجرَّد.([49])
حادي عشر: المجموع.([50])
وهو كتاب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، يشتمل على نصوص كثيرة للشافعي، ويقع في عدة مجلدات بحجم كتاب (الروضة) للإمام النووي.([51])وقد نقل عنه النووي كثيرا.فنقل عنه في الروضة 1/57.
وفي المجموع 1/108، 129، 187، 194، 320، 325، 327، 345. 5/181، 189.6/24، 132، 139، 146، 187، 296، 357، 358، وغير ذلك.
ونقل عنه السيوطي في الأشباه والنظائر 460.
ثاني عشر: المقنع.([52])ذكر سركين أنه يقع في (222) ورقة.([53])
وقد نقل عنه النووي في عدة مواضع.
فنقل عنه في الروضة: 2/318. 3/87، 232، 535. 4/438. وفي المجموع: 1/129، 133، 157، 196، 360. 5/7، 141، 190، 301. 6/36، 174، 208. 8/137، 331، 433.
9/214. وفي طبقات ابن السبكي عدة مسائل نقلها عنه.([54])

المبحث السادس: وفاته
توفي العلاّمة أبو الحسن المحاملي شابا في بغداد، بعد حياة حافلة بالعلم، والتعليم، والتصنيف. وكانت وفاته يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة للهجرة، وكان عمره عند وفاته سبعا وأربعين سنة.([55])
وقد ذكر غير واحد ممن ترجموا له([56])، عن أبي الفتح سُلَيم بن أيوب الرازي الشافعي (ت 447هـ)([57]) قال: "لما صنف المحاملي كتبه (المقنع) و(المجرد) وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد الإسفراييني، ووقف عليها – قال: بَتَرَ كتبي بَتَرَ الله عمره، فما عاش إلا يسيرا ومات، فنفذت فيه دعوة أبي حامد".
وقد اتفقت كلمة المترجمين له على أن وفاته كانت سنة خمس عشرة وأربعمائة للهجرة.([58])
غير أن أبا إسحاق الشيرازي تشكك في وفاته حيث قال([59]): "وتوفي في سنة أربع عشرة، أو خمس عشرة وأربعمائة"، ولم يذكر ذلك أحد سواه.
كما ذكر الحاج خليفة صاحب كتاب كشف الظنون في أحد المواضع أن تاريخ وفاة المحاملي سنة (425هـ)([60])، ثم ذكر في خمسة مواضع أخرى أنها كانت سنة (415هـ) وذلك عند ذكره مؤلفات المصنِّف.([61])
وأرجح بل أجزم أن الموضع الأول كان خطأ مطبعيا، حيث كتبت كلمة (عشرين) بدل (عشر)، وذلك لاتفاق المواضع الخمسة الأخرى على ذكر تاريخ الوفاة الصحيح المتفق عليه.
المبحث السابع: ثناء العلماء عليه
لقد بلغ العلاّمة المحاملي مكانة مرموقة بين علماء عصره، وتبوَّأ مرتبة عالية بين أقرانه، وذلك لما وهبه الله – تعالى – من النجابة، والذكاء، والفطنة، وحضور الفكر، وسرعة البديهة، ولا عجب في ذلك، فإن لنشأته في أسرة علمية عريقة في العلم، ومجتمع علمي نَشِط، أثرا كبيرا في بلوغه تلك المكانة، ووصوله تلك المرتبة.
ولعل أول من وصفه بالنجابة والذكاء وغزارة العلم: شيخه أبو حامد الإسفراييني. فقد قال تلميذه([62]) - أعني تلميذ المحاملي – علي بن المحسِّن التنوخي([63]): "قال لي أبو القاسم علي بن حسين الموسوي([64]): دخل عليَّ أبو الحسن بن المحاملي مع أبي حامد الإسفراييني ولم أكن أعرفه، فقال لي أبو حامد: هذا أبو الحسن بن المحاملي، وهو اليوم أحفظ للفقه منِّي".
وقال عنه تلميذه الخطيب البغدادي([65]): "أحد الفقهاء الموجودين على مذهب الشافعي، وبرع في الفقه ورُزق من الذكاء وحسن الفهم ما أربى به على أقرانه.
وكذلك قال عنه السمعاني([66])، وابن خلكان([67])، والصفدي.([68])
وقال ابن الصلاح([69]): "الإمام، المصنِّف، من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد، ومن بيت النُّبل والجلالة، والفضل والفقه والرواية".
وقال الإمام الذهبي([70]): "الإمام الكبير، شيخ الشافعية، أحد الأعلام، وكان عجبا في الفهم والذكاء وسعة العلم".
وقال أيضا([71]): "وكان عديم النَّظير في الذكاء والفطنة، صنَّف عدة كتب".
وقال اليافعي([72]): "الإمام أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، برع في الفقه، وكان عديم النَّظير في الذكاء".
وأثنى عليه ابن السبكي في طبقاته فقال([73]): "الإمام الجليل، من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد، وبيته بيت الفضل والجلالة، والفقه والرواية".
وقال ابن قاضي شهبة([74]): "أحد الأئمة الشافعية، وكان غاية في الذكاء والفهم، وبرع في المذهب".
وقال المؤرخ الشهير ابن العماد([75]): "أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، كان عديم النَّظير في الذكاء والفطنة، صنَّف عدة كتب".
فجميع تلك الأوصاف والنعوت، وهذا الثناء العطِر على المحاملي من معاصريه؛ شيوخا وتلاميذا، وممن جاء بعدهم من العلماء والمؤرخين – يُظهر لنا ما وصل إليه هذا العالم العَلَم من مكانة رفيعة، ومنزلة عالية في نفوس الناس، ولم تحصل له تلك المكانة والمنزلة، إلا بإخلاصه لله تعالى في طلب العلم ونشره، وإيصاله للناس، وبما ترك وراءه من المصنَّفات الجليلة، والتحريرات المفيدة، التي استفاد منها كل من اطّلع عليها ممن جاء بعده، فرحمنا الله وإياه رحمة واسعة.
============================== ===
[1]-وفيات الأعيان 1/74، طبقات الشافعية للأسنوي 2/202، البداية والنهاية 12/19، طبقات الشافعية لابن كثير 1/369، النجوم الزاهرة 4/262.

[2]- المصادر السابقة.

[3]- جمهرة أنساب العرب 192، الأنساب للسمعاني 4/10، الوفيات 1/75.

[4]- الأنساب، والوفيات. الصفحات السابقة، الوافي 7/321، مرآة الجنان 3/29، القاموس 3/372.

[5]- تاريخ بغداد 4/372.

[6]- طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/366، ولابن السبكي 4/48، ولابن قاضي شهبة 1/174.

[7]- المصادر السابقة، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/202.

[8]- طبقات ابن الصلاح 1/366.

[9]- طبقات ابن السبكي 4/48.

[10] المنتظم 6/13، طبقات ابن الصلاح 1/98، الوافي 2/86، طبقات الأسنوي 2/202.

[11]- طبقات ابن السبكي 7/335، والأسنوي 2/203، وابن قاضي شهبة 1/314.

[12]- تاريخ بغداد 1/333، طبقات الأسنوي 2/203، هدية العارفين 2/60.

[13]- تاريخ بغداد 6/280.

[14]- تاريخ بغداد 12/447، الأنساب 5/208، العبر 2/20، شذرات الذهب 4/124.

[15]- تاريخ بغداد 4/352، طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/366، وللأسنوي 2/302.

[16]- تاريخ بغداد 14/442، مرآة الجنان 2/407، العبر 2/149، طبقات الأسنوي 2/204.

[17]- تاريخ بغداد 11/81، الأنساب 5/210.

[18]- سير أعلام النبلاء 15/258، البداية والنهاية 11/216، الشذرات 4/170.

[19]- تاريخ بغداد 4/238، الأنساب 5/209.

[20]- طبقات الشيرازي 131، طبقات الشافعية لابن السبكي 4/61، ولابن قاضي شهبة 1/172.

[21]- الأنساب 1/382، العبر 2/147، الشذرات 4/405.

[22]- ص (14) من هذا الكتاب.

[23]- تاريخ بغداد 3/262، المنتظم 7/152، البداية والنهاية 11/328.

[24]- وفيات الأعيان 1/92، طبقات ابن السبكي 4/29، هدية العارفين 1/79، الأعلام 1/172

[25]- تاريخ بغداد 4/373

[26]- طبقات ابن السبكي 4/49

[27]- سير أعلام النبلاء 14/440

[28]- وهي مسائل رواها عن الإمام أحمد – رحمه الله – البغوي، طبعت سنة (1407هـ) في الرياض

[29]- تاريخ بغداد 12/115، الأنساب 1/485، 5/209، الوفيات 4/162، العبر 2/291.

[30]- ص (13) من هذا الكتاب.

[31]- طبقات الشيرازي 137، طبقات الشافعية لابن السبكي 5/312، ولابن قاضي شهبة 1/218، ولابن هداية الله 145

[32]- الأمالي: جمع إملاء، وهو: أن يعقد عالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيتكلم العالم بما فتح الله – سبحانه وتعالى – عليه من العلم، ويكتبه التلامذة فيصير كتابا وهو المعروف عند فقهاء الشافعية وعلمائهم بالتعليق. وانظر: كشف الظنون 161، الرسالة المستطرفة 119.

[33]- هدية العارفين 1/72.

[34]- وفيات الأعيان 1/75

[35]- الوافي 7/321.

[36]- البداية والنهاية 12/19.

[37]- طبقات الشافعية للأسنوي 2/202، تهذيب الأسماء 2/210، هدية العارفين 1/72.

[38]- كشف الظنون 351

[39]- طبقات ابن السبكي 5/312.

[40]- المصدر السابق.

[41]- طبقات الشافعية لابن هداية الله 132.

[42]- طبقات الشيرازي 136، سير أعلام النبلاء 17/404، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/174.

[43]- طبقات ابن قاضي شهبة 1/175، شذرات الذهب 5/78.

[44]- طبقات ابن قاضي شهبة 1/175، شذرات الذهب 5/78، هدية العارفين 1/72، معجم المؤلفين 2/74.

[45]- كشف الظنون 2/1130

[46]- التمهيد 142.

[47]- كشف الظنون 2/1366، هدية العارفين 1/72.

[48]- انظر ص (31) من هذا الكتاب.

[49]- طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/368، 377، ولابن قاضي شهبة 1/174، الشذرات 5/77.

[50]- المصادر السابقة، وتهذيب الأسماء 2/220، سير أعلام النبلاء 17/404، مرآة الجنان 3/29، الوافي 7/321.

[51]- الشذرات 5/78.

[52]- طبقات الشيرازي 224، طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/367، تهذيب الأسماء 2/210، وفيات الأعيان 1/75، السير 17/405، الوافي 7/321، طبقات الشافعية لابن السبكي 4/48، البداية والونهاية 12/19، طبقات الشافعية لابن كثير 1/369، وللأسنوي 2/202، ولابن قاضي شهبة 1/175، كشف الظنون 2/1810، هدية العارفين 1/72، معجم المؤلفين 2/74.

[53]- تاريخ التراث العربي 1/3/210.

[54]- طبقات ابن السبكي 4/49-52.

[55]- تاريخ بغداد 4/373، المنتظم 8/17، الكامل 8/147، وفيات الأعيان 1/75، سير أعلام النبلاء 16/405، طبقات الشافعية للأسنوي 2/202، ولابن كثير 1/370، الشذرات 5/77..

[56]- طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/368، 377، تهذيب الأسماء 2/210، طبقات ابن السبكي 4/94.

[57]- طبقات ابن السبكي 4/388، سير أعلام النبلاء 17/645.

[58]- انظر المصادر في مقدمة الدراسة ص (9).

[59]- طبقات الفقهاء للشيرازي 136.

[60]- كشف الظنون 351.

[61]- كشف الظنون 1130، 1366، 1541، 1606، 1810.

[62]- تاريخ بغداد 4/373، المنتظم 8/17، طبقات ابن الصلاح 1/369، وطبقات ابن السبكي 4/49، السير 17/404.

[63]- ترجمته ص (19) من هذا الكتاب.

[64]- تاريخ بغداد 11/402.

[65]- تاريخ بغداد 4/372.

[66]- الأنساب 5/209.

[67]- وفيات الأعيان 1/75.

[68]- الوافي بالوفيات 7/321.

[69]- طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/366.

[70]- سير أعلام النبلاء 17/403-404.

[71]- العِبر 2/228-229.

[72]- مرآة الجنان 3/29.

[73]- طبقات ابن السبكي 4/48.

[74]- طبقات ابن قاضي شهبة 1/174.

[75]- شذرات الذهب 5/77.

هذه الترجمة مأخوذة يتمامها من مقدمة كتاب اللباب للمصنف

تحقيق: عبد الكريم بن صنيتان العمري


أستاذ مشارك بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة جزاه الله خيرا