6590 - ( قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبواً ).
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
كذب.
أخرجه أحمد في ( مسند عائشة ) ( 3/ 115 )، وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات" ( 2/ 13 )، وكذا ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 10/
124 )، والبزار ( 3/ 209/ 2586 - كشف )، والطبراني في "المعجم الكبير"
( 1/ 89 - 0 9 )، وعنه أبو نعيم في " الحلية " ( 1/ 98 ) من طرق عن عمارة
ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال:
بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتآ في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا:
عِيرلعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام، تحمل من كل شيء، قال: فكانت سبع مئة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فقال:
إن استطعت، لأدخلنها قائمأ! فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
وأخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " ( 3/178/1381 )، وعنه ابن عساكر ( 10/ 117 ) من طريق أخرى عن عمارة بن زاذان به، وزاد في أوله قصة هجرة عبد الرحمن رضي الله عنه إلى المدينة ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان ( كذا )... الحديث وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :
" أولم ولو بشاةٍ"، قال: فكثر ماله، حتى قدمت له سبع مئة راحلة... الحديث.
وضعف إسناده المعلق عليه بعمارة بن زاذان، وهو كما قال أو أسوأ - كما يأتي -، ولكنه قال: " ولبعضه شواهد. انظر حديث 1388 ".
والحديث الذي أحال عليه عزاه للبخاري، وهو مخرج في "الارواء" ( 6/ 343/1923 )، و "آداب الزفاف " ( ص 149 - 150 )، ولكن خفي عليه أمران مهمان:
أحد هما: ذكر ( عثمان بن عفان ) فيه.. والمحفوظ: ( سعد بن الربيع ) رضي الله عنهما؟ كما قال ابن عساكر ( 10/ 117 ).
والآخر: أن حديث الترجمة موضوع متناً - وإن كان سنده ضعيفاً -، ولذلك أورده ابن الجوزي في "الموضوعات "، تبعاً للإمام أحمد، وتبعه الحافظ ابن حجر - كما يأتي -، فقال ابن الجوزي عقبه:
"قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث كذب منكر. قال: و ( عمارة ) يروي أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به ".
وقد قعقع عليه السيوطي في " اللآلي " ( 1/ 412 - 414 ) كما هي غالب عادته! لأن الشواهد التي ساقها كلها معلولة، ويطول الحديث جداً بإخراجها، وبيان عللها مع تضارب متونها، واختلاف ألفاظها، ولعله ييسر لي تخريج بعضها وبيان عللها. ويكفي العاقل المنصف قولُ أحمد المتقدم، ومثله قول النسائي في بعض تلك الشواهد:
"حديث موضوع ".
ذكره ابن الجوزي، وأقره السيوطي!
ونحو ذلك قول الحافظ ابن حجر في رسالته " القول المسددة" - بعد أن ساق حديث أغلب بن تميم الآتي عقب هذا إن شاء الله وبعد هذا - ( ص 25 ):
" وفيه من النكارة أيضاً إخاء عبد الرحمن لعثمان، والذي في " الصحيحين " أنه سعد بن الربيع.. وهو الصواب.
والذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه، فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب. وأولى مجاملة أن نقول:
هو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد أن يضرب عليها، فيما أن يكون الضرب ترك سهواً، واما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث، وأخل بالضرب. والله أعلم".
ثم بدا له أن لا يكتفي بشهادة الإمام أحمد، وأن يتوسع في الكلام عليه، فساق أحاديث أخرى، كما فعل السيوطي من بعده، وهو تابع له في ذلك، ومستشهداً بها، وسترى أنها غير صالحة للشهادة، إما سنداً، واما متناً. وقد أشار
إلى ذلك الحافظ المنذري في " الترغيب، ( 4/ 89 )، فقال عقب حديث عبد الله ابن أبي أوفى الآتي برقم ( 6592 ):
( وقد ورد من غير ما وجه، ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، يدخل الجنة حبواً لكثرة ماله، ولا يسلم أجودها من مقال، ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن، ولقد كان ماله بالصفة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم المال الصالح، للرجل الصالح " (1)، فأنى ينقص درجاته في الآخرة، أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة، فإنه لم يرد هذا في حق غيره، إنما صح: " سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم" (2)، على الإطلاق. والله أعلم ".
وهذا كلام قوي متين يشير إشارة قوية إلى بطلان الحديث من حيث معناه، وهو ما صرح به ابن الجوزي، فقال ( 2/ 13 - 14 ) من " موضوعاته":
" قلت: وبمثل هذا الحديث الباطل تتعلق جهلة المتزهدين، ويرون أن المال مانع من السبق إلى الخير! ويقولون: ( إذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفأ لأجل ماله، كفى ذلك في ذم المال! )، والحديث لا يصح، وحاشا عبد الرحمن المشهود له بالجنة أن يمنعه ماله من السبق! لأن جمع المال مباح، وإنما المذموم كسبه من غير وجهه، ومنع الحق الواجب فيه، وعبد الرحمن منزه عن الحالين، وقد خلف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب، وخلف الزبير وغيره، ولو علموا أن ذلك مذموم، لأخرجوا الكل.
وكم قاصًّ يشوق بمثل هذا الحديث، ويحث على الفقر، ويذم الغنى. فيالله در العلماء الذين يعرفون الصحيح، ويفهمون الأصول ".
قلت: ولوضوح هذا الكلام ونحوه استنكر الحديث من ليس من عادته ذلك، أعني به الحافظ الهيثمي، فإنه قال عقبه في " كشف الأستار ":
( قلت: هذا منكر، وعلته ( عُمارة بن زاذان ): قال الإمام أحمد: له مناكير.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه الدارقطني ".
ثم قال: "لا يصح في دخوله حبواً حديث ".
وعمارة بن زاذان مع تضعيف المذكودين إياه، واستنكارهم لحديثه - كما رأيت - فقد وثقه أحمد في بعض الروايات عنه، فلا يفيده متابعة أغلب بن تميم اياه، لأنه أشد ضعفأ منه، ولا سيما وقد زاد في متنه زيادة منكرة، فقال حبّان بن أغلب بن تميم: ثنا أبي: ثنا ثابت البناني عن أنس به مرفوعاً بلفظ:
"أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف، والذي نفسي بيده! لا يدخلها إلا حبواً ".
أخرجه البزار ( 2587 ) وقال:
" وأغلب: لا نعلم روى عنه إلا ابنه".
قلت: بلى، قد روى عنه غيره، ولكنه ضعيف اتفاقأ، بل قال البخاري وغيره:
"منكر الحديث". وقال ابن حبان في " الضعفاء" ( 1/ 175 ):
" روى عنه يزيد بن هارون، منكر الحديث، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ".
وأبنه ( حبان ) - الراوي عنه هذا الحديث -: قال ابن أبي حاتم ( 1! 2/ 271 ):
"روى عنه أبي قديماً، ثم أمسك عنه، وقال: هو ضعيف الحديث ".
قلت: فالسند ضعيف جداً، لحال أبيه المذكور، وقد جزم بضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 3/ 266 )، فقول الحافظ في " القول المسدد " ( ص 24 ) - وتبعه السيوطي -:
" قلت: وأغلب شبيهُ بـ ( عمارة ) في الضعف، لكن لم أر من اتهمه بالكذب ".
قلت: يكفي في رد الاستشهاد به شدة ضعفه الذي أشار إليه البخاري بقوله:
" منكر الحديث " - كما هو معلوم من اصطلاحه -، ومما يدل على ذلك تفرده بذكر ( أولية الدخول ) دون سائر طرق الحديث على ضعفها كلها ووهائها، وهو مثال صالح من الأمثلة الكثيرة على أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على اطلاقها كما حققه العلماء، والناشئون في هذا العلم ما بين إفراط وتفريط - كما هو معروف عند العلماء النقاد، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -.
ولذلك كان هو من هؤلاء العلماء الذين تبعوا الإمام أحمد في قوله بتكذيب هذا الحديث، فقال في " الفتاوى " ( 11/ 128 ):
"وما روي: أن ابن عوف يدخل الجنة حبواً، كلام موضوع لا أصل له، فإنه قد ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن أفضل الأمة أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، والعشرة مفضلون على غيرهم... ".
وأما تلميذه الحافظ الذهبي، فلم يوضح موقفه من هذا الحديث، فإنه بعد أن ضعف اسناده بـ ( عمارة بن زاذان ) في "السير" ( 1/ 77 - 78 ) قال متكلفاً تأويله - وكأنه أخذ برهبة " المسند " -:
" وبكل حال، فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة حبواً على سبيل الاستعارة وضرب المثل ( ! ) فإن منزلته في الجنة ليست بدون منزلة علي والزبير، رضي الله عن الكل ".
__________
(1) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد، ( 299 ) وغيره، وهو في "المشكاة" ( 3756/ التحقيق الثاني ).
(2) فيه أحاديث صحيحة خرّج هو بعضها، وانظر " المشكاة " ( 5243 ).