تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الإمام ابن جرير الطَّبريُّ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي الإمام ابن جرير الطَّبريُّ

    الإمام ابن جرير الطَّبريُّ (1/2)



    شريف عبدالعزيز



    إمام المفسِّرين ورائد المدرسة التَّقليديَّة في التَّاريخ
    حياته وعطاؤه العلميُّ ومنهجه وآراؤه ومحنته




    التَّعريف به:
    هو الإمام العلم العلامة, المجتهد المطلق, شيخ الإسلام, إمام المفسرين, ورائد المؤرِّخين, كبير المصنِّفين, البحر الزخَّار, الموسوعيُّ الكبير, جامع العلوم, والحائز على الفنون, الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن غالب بن كثير بن غالب الطَّبريُّ.
    وُلد الإمام الطبريُّ سنة 224هـ على الأرجح، ببلدة أمل عاصمة إقليم طبرستان في شمالِ غربِ خُراسانَ، وهي مدينة كبيرة واسعةٌ عامرةٌ بالسُّكان, وكان الطَّبريُّ أسمرَ اللون، واسع العينين, نحيفَ الجسد, مديد القامة, فصيح اللسان, أسودَ الشعر وبقي السَّواد في شعر رأسه ولحيته إلى حين وفاته على الرغم من تجاوزه الثمانين.
    طلبه للعلم:
    كعادة طلاب العلم في ذلك الزمان، بدأ الطبريُّ في طلب العلم صغيرا , فأتمَّ حفظ القرآن وهو في سنِّ السَّابعة, حتى إنَّه كان يؤُمُّ بالناس وهو في سنِّ الثامنة، من جودة حفظه وجمال صوته، بدأ في سماع الحديث وكتابته وهو في سنِّ التاسعة, وكان أبوه صالحا , فلمَّا رأى نبوغَ ولده محمد, نذره للعلم والدرس, ودفعه إلى حِلَقِ العلم, وكان أبوه قد رأى في النوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير ومحمد ولده بين يديه، يحمل مِخْلاةً مملوءة حجارة يرمي بين يديه, فسأل أحدَ المعبِّرين فقال: إنْ كبُرَ هذا الولد نصح في دينه وذبَّ عن شريعته.
    عندما بلغ الطبريُّ سنَّ المراهقة بدأ في رحلته العلميَّة, فخرج من طَبَرستان ودخل المراكز العلمية في خراسان مثل بخارَىْ ومَرْوَ ونَيْسَابورَ, ثم دخل بغداد والناس يُصلُّون الجنازة على الإمام أحمد, فلم يتسنَّ له أن يسمعَ منه, فجلسَ إلى علماءِ بغدادَ وشيوخِها ثم انتقل إلى الحجازِ ثمَّ اليمنِ ثمَّ الحجازِ مرَّةً أخرى ومنه إلى الشامِ ثم مصر، ولم يترك إقليما ولا بلداً معروفاٌ بالعلم والعلماء إلا دخله وجلس إلى شيوخه وعلمائه.
    ملكاتُه العلمية:
    يُعتبر الإمام الطبريُّ من أكثر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً, ولا يُنازعُه في هذه الدرجة سوى بحرِ العلوم الإمامِ ابن حزمٍ الظاهريِّ, وهذه المنزلة لم يكن للطبريِّ أن يتبوِّأها لولا مِنَّةُ الرحمن عليه بخصالٍ ومواهبَ ومَلَكَاتٍ علمية فذة وفريدة, وكانت أدواتِ نبوغه وأسبابِ تقدُّمه وتفرده, من أهمِّ الملكات:
    • همَّة قويَّة وعزيمة حديديَّة:
    هذه الملكة كانت أهمَّ ما يميز الإمامَ الطبري, فلقد كان ذا عزيمة تُناطحُ قمم الجبال، وهمَّةٍ تُحَلِّقُ في السَّحَاب, فلقد مكث أربعين سنة, يكتب في كلِّ يومٍ أربعينَ ورقةً, وقد أراد أن يكتب تفسير القرآنِ في ثلاثينَ ألفَ ورقةٍ, فأبى عليه تلاميذُه والكتبةُ فاختصره في ثلاثةِ آلافِ ورقة, وكذلك فعل مع التاريخ، وقال لتلاميذه: إنا لله, ماتت الهممُ!
    هذه الهمَّة الفريدة جعلت الطَّبريَّ متفرغاً لطلب العلم, مُنكبَّاً علي تحصيله, ورحل في سبيله, وقضى معظم شبابه في السفر والترحال من بلد إلى آخر, ولم يستقر في بلد, ثم في بغداد إلا بعد الكهولة, ومن شدَّة انشغاله في طلب العلم والتفرغ له, لم يتزوج قط, واستعاض بمتعة العلم ولذة البحث والتأليف عن متع الدنيا والزواج, وأنس بالمعارف والعلوم, وصاحب الكتب والمجلدات والمخططات, من أجل ذلك كثر إنتاجه وازداد عطاؤه, وغزُر علمه, حتى صار من أكثر علماء الأمة تصنيفا وتأليفا , قال عنه تلميذُه مسلمة بن قاسم: "كان أبو جعفر الطبري حَصوراً, لا يَعرف النِّساء, شغله طلبُ العلم, وهو ابنُ عشرة سنينَ, ولم يزل طالباً للعلم, مولعاً به إلى أن مات".
    • حافظةٌ عجيبةٌ وذكاءٌ فريد:
    - كان الطَّبريُّ موهوبَ الغرائز, فقد حباه الله تعالى بذكاءٍ خارق, وعقل متَّقد, وذِهنٍ حادٍّ, وحافظة نادرة, وهذا ما لاحظه فيه أبوه, فحرص على دفعه إلى طريق العلم, وهو صبيٌّ صغير, وخصَّص له موارد أرضه؛ ليُنفقها على دراسته ورحلاته العلمية, ومن قوَّة حفظه وشدة ذكائه أنَّه تعلَّم علم العَروض وهو من علوم اللغة العزيزة، حتى إنَّ إماماً كبيراً مثل الدارَقطنيِّ قد تعسَّر عليه هذا العلمُ واعترف بذلك لأقرانه، هذا الفنُّ قد تعلَّمه الطبريُّ في ليلة واحدة, وكان يحفظ الأحاديث حفظا فريدا من نوعه, ليس بمتونها وأسانيدها فحسب, ولكن باليومِ والوقت والمكان والرُّفقاء الَّذين حضروا مجلس التحديث.
    - قال عنه تلميذه أبو محمد عبد العزيز الطبري: كان أبو جعفر من العقل والعلم والذكَّاء والحفظ ما لا يجهلُه أحد عرفه, لجمعه من علوم الإسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الأمة, ولا ظهر من كتب المصنفين, وانتشر من كتب المؤلِّفين, ما انتشر له.
    اتِّباعه للسُّنة وشدَّته في الحق:
    الإمام الطَّبريُّ كان سلفيّاً أثريَّاً ينتمي لمدرسة السَّلف الصَّالح, ومن يقرأ كلامه في كتابه النَّفيس "التَّبصيرُ في معالم الدين" في الصِّفات وتفسير الآيات الخاصَّة بها, يعلم مكانة الإمام وأثره, خاصَّةً وأنَّ تلك الفترة قد بدأت فيها الأفكار المخالفة للسنة تنتشر في الأوساط العلميَّة, مثلُ أفكار الأشعريِّ –قبل تراجعه عنها– وأفكارِ ابن كُلَّاب, ناهيكَ عن أفكار الاعتزالِ والتَّشيُّع التى كانت موجودةً من قبلُ.
    ففي تفسير آيات الصفات قال ابنُ جرير: القولُ فيما أُدركَ علمُهُ من الصِّفاتِ خبرا , ذلك نحوُ إخباره تعالى أنه سميع بصير, وأنّ له يدين بقوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) [المائدة: من الآية64], وأنَّ له وجهاً, بقوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن:27], وأنه يضحكُ بقوله في الحديث: "لقيَ اللهَ وهو يضحكُ إليه"، وأنَّه ينزلُ إلى السَّماء الدنيا, لخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك, إلى أن قال: فإنَّ هذه المعاني التي وصفتُ, ونظائرَها مما وصف اللهُ نفسَه ورسولُه, ما لا يثبت حقيقةُ علمهِ بالفكر والرَّوِيَّة.
    كان الطبريّ ممن لا تأخذه في الله -عزَّ وجلَّ- لومةُ لائم, من عظيمِ ما يلحقه من الأذى والشَّناعاتِ من جاهلٍ وحاسدٍ وحاقدٍ, فقد كان شديدَ التَّمسُّك بالسنة وأصولها, فقد سئل يوماً عمَّن يقول: إنَّ أبا بكر وعمر ليسا بإمامَي هُدى؟ فبادر أحدُ الحاضرين فقال: "مبتدعٌ!"، فاحتدَّ الطبريُّ وأنكر بشدَّة عليه وقال: "مبتدع, مبتدع! هذا يُقتل!".
    أخلاقه وعبادته:
    كان الطَّبريُّ على جانب كبير رفيع من مكارم الأخلاق, ظريفاً في ظاهره, نظيفاً في باطنه, حَسَنَ العُشرة لجلسائه, متفقِّداً لأحوال أصحابه, مهذباً في جميع أحواله, جميلَ الأدب في أمور حياته كلِّها، ومن أهمِّ خصاله وأخلاقه الجميلة:
    • الكرم والسَّماحة:
    كان الطبريُّ سمحاً جواداً شديدَ الكرم, كثيرَ النفقة على إخوانه وأهله, كان إذا أُهديَ إليه هدية مما يمكنه المكافأةُ عليها, قبلها, وكافأ صاحبها, وإن كانت مما لا يُمكنه المكافأةُ عليها ردَّها واعتذر إلى صاحبها, وقد وجَّه إليه أبو الهيجاء بن حمدان ثلاثةَ آلافِ دينار, فلمَّا نظر إليها عَجِبَ منها, ثمَّ قال: لا أقبلُ ما لا أقدرُ على المكافأة عنه, ومن أين لي ما أُكافئُ عن هذا؟
    وكان يختلفُ إليه أبو الفرج بن أبي العبَّاس الأصبهانيُّ, يقرأ عليه كتبه, فالتمس أبو جعفر حصيراً لبيته, فدخل أبو الفرج الأصبهانيُّ, وقدَّر مساحة البيت, واشترى الحصير, يقصد إهداءَهُ إلى الطبريِّ, فأصرَّ الطبريُّ على دفع ثمنها, فلمَّا رفض الأصبهانيُّ أهداه الطبريُّ أربعةَ دنانير, وقد أهدى إليه أبو المحسن المحرر جارُه فرخينِ, فأهدى إليه ثوباً.
    • الزُّهدُ والورعُ:
    لقد كان ابنُ جريرٍ شديدَ الزُّهد والورع, يرفضُ بشكل تامٍّ, وفي كل موطن أن يتكسَّب بعلمه, أو يسترزقَ بما فتح الله له من العلوم والفضائل, وظلَّ طَوَالَ حياتِهِ يَتقوَّتُ بما يُرسلُه له أبوه من قريته بطَبَرِستانَ, حتى إنَّه لما تأخرت عليه النفقةُ ذات مرةٍ باع بعض ملابسه, وعرض عليه الوزيرُ الخاقانيُّ أموالاً كثيرة, ولكنه رفض أخذها بشدَّة, ورضيَ أن يعملَ بالأجر في تأديب الصِّبيان, وذاتَ مرَّة أراد المكتفي العباسيُّ أن يحبس وقفاً تجتمع عليه أقاويلُ العلماء, فأُحضِرَ له ابنُ جرير, فأملى عليه كتاباً لذلك, فأُخرجت له جائزةٌ كبيرة, فامتنع عن قَبولها, فقيل له: تصدَّقْ بها, فلم يفعل, وقال لهم: أنتُم أولى بأموالكم, وأعرفُ بمن تتصدَّقون عليه, وقد طلبوه لولايةِ القضاء عدة مرات ولكنه رفض بشدةٍ, ولما عاتبه أصحابه وقالوا له: لك في هذا ثوابٌ, وتُحيي سُنَّةً درست, فانتهرهم وقال: فقد كنت أظنُّ أنِّي لو رغبتُ في ذلك, لنهيتموني عنه.
    وصفه ابنُ كثير فقال: "وكان من العبادة والزِّهادة والورع, والقيام في الحقِّ بمكانٍ لا يخفى على أحدٍ من الناس"، وقال تلميذُه أبو محمد الطَّبريُّ: "وكان فيه من الزُّهد والورع, والخشوع, والأمانة, وتصفية الأعمال وصدق النية, وحقائق الأفعال, ما دلَّ عليه كتابه في آداب النفوس, وكان عازفاً عن الدنيا, تاركاً لها ولأهلها, يدفع نفسه عن التماسها".
    وكان ابنُ جرير لا يسأل شيئاً لنفسه قطُّ, إنَّما سؤالاته لإخوانه وحوائج المسلمين العامة, استدعاه الخليفة المقتدر بالله العباسي يوماً ليستفتيَهُ في أمرٍ ما, فأجابه, فقال له الخليفة: سل حاجتك. فقال: لا حاجةَ لي. فقال: لا بدَّ أن تسألني حاجةً أو شيئاً, فقال: أسألُ أميرَ المؤمنين, أن يتقدم أمره إلى الشرطة؛ حتى يمنعوا السُّؤَّالَ -أي الشحَّاذين- يوم الجمعة من أن يدخلوا إلى مقصورة الجامع, فأمر الخليفة بذلك, وأرسل الوزيرُ العباس بن الحسن إلى ابن جرير: "قد أحببتُ أن أنظرَ في الفقه"، وسأله أن يعمل له مختصراً, فعمل له كتاب "الخفيف", وأنفذه, فوجَّهَ إليه ألف دينار فلم يقبلها, فقيل له: تصدَّقْ بها, فلم يفعل.
    • التَّواضُعُ والدُّعابة:
    كان الطبريُّ شديدَ التواضع جمَّ الأدب, كامل الهيئة, ضابطاً لأحواله, منبسطاً مع إخوانه, حتى ربما داعبهم أحسنَ مداعبةٍ, وكان إذا جلس لا يكاد يُسمع له تنخُّمٌ, ولا تبصُّق, ولا يُدرَى له نُخامة, وإذا أراد أن يمسح ريقه, أخذ ذؤابةَ منديله, قال تلميذه أبو بكر بن كامل: "ولقد حرصتُ مراراً أن يستويَ لي مثلُ ما يفعله, فيتعذَّر عليَّ اعتياده", قال: "وما سمعته قطُّ لاحناً, ولا حالفاً بالله -عزَّ وجلَّ-".
    وكان من تواضعه لا يُحبُّ أن يَذكر مآثره العلميَّة خاصَّةً في باب المناظرات الذي كان الطبريُّ مشهوراً فيه بقهر خصومه, فلقد هزم داود الظاهريَّ شيخ الظاهرية, وأبا بكرٍ المزَنىَّ شيخَ الشافعية في المناظرة, وأقام عليهما الحجة حتى أفحمهما، ومع ذلك كان دائم الثَّناء عليهما، على الرَّغم من كراهيَّة تلاميذ الإمامين له، وخوضِهِما في حقه بسبب ذلك.
    ثناءُ أهل العلم عليه:

    يُعتبر ابن جرير الطبريُّ من كبار أئمَّة الإسلام, وعلماً من أعلام الدِّين, يُحكم بقوله, ويُرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله, وكان قد جمع من العلوم ما لم يُشارِك فيه أحدٌ من معاصريه, فقد كان حافظاً لكتاب الله, عارفاً بالقراءات, بصيراً بالمعاني فقيهاً في أحكام القرآن, عالماً بالسنن وطرقها, صحيحِها وسقيمِها, وناسخِها ومنسوخِها, عارفاً بأقوال السلف من الصَّحابة والتابعين, بصيراً بأيام الناس وأخبارهم, وهذه طائفةٌ من ثناء العلماء عليه:
    قال رفيقُه وقرينه ابنُ خزيمةَ الملقب بإمام الأئمَّة: "ما أعلمُ تحت أديم السماء أعلمَ من محمد بن جرير".
    قال ابن سُرَيج الملقب بالشافعيِّ الصغير: "محمَّد بن جرير الطبريُّ فقيهُ العالم".
    قال ابنُ خِلَّكان: "صاحب التفسير الكبير, والتاريخ الشهير, كان إماماً في فنون كثيرة, وله مُصَنَّفات مليحة في فنون عديدة, تَدُلُّ على سَعَة علمه, وغزارةِ فضله, وكان من الأئمَّة المجتهدين".
    قال القِفطيُّ: "العالم الكامل, الفقيهُ المقرئ, النَّحويُّ اللُّغوي, الحافظُ الإخباري, جامع العلوم, لم يُرَ في فنِّه مثلُه, وصنَّف التصانيف الكبار".
    قال ابن كثير: "كان أحد أئمَّةِ العلماء علماً وعملاً بكتاب الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلم –".
    قال ابنُ تغري بردي: "وهو أحد أئمَّة العلم, يُحكم بقوله, ويُرجع إلى رأيه, وكان متفنِّناً في علوم كثيرة, وكان واحد عصره".
    قال الذَّهبيُّ: "إمامُ العلم المجتهد, عالمُ العصر أبو جعفرٍ الطَّبريُّ, صاحبُ التَّصانيف البديعة, كان من أفراد الدَّهر, عِلما , وذكاءً, وكثرةَ تصانيف, قلَّ أن ترى العيون مثله, رأسٌ في التفسير, إمامٌ في الفقه والإجماع والاختلاف, علَّامة في التاريخ وأيَّام الناس".
    قال السُّبكيٌّ: "الإمام الجليل, والمجتهد المطلق, أحد أئمَّة الدنيا علماً وديناً".
    مُصنَّفاتُه:
    لم تقتصر علومُ الإمام الطَّبريّ وآثارُه على علمٍ واحد، بل ولج -رحمه الله- ميدان مختلف العلوم الشَّرعيَّة واللُّغويَّة، وكان في كلٍّ منها إماماً ومقدَّماً. لقد كان الطبريُّ إمامًا في السُّنة وعلوم الحديث، وعدَّه الإمام النَّوويُّ –رحمه الله– في طبقة التِّرمذيِّ والنَّسائي وكان أيضاً إمامًا في القراءات، وصنَّف في القراءات.
    ودرس التَّفسير بتعمُّق، وصنَّف أعظمَ كتبه على الإطلاق في التَّفسير، كتاب "جامع البيان في تأويل آي القرآن"، الذي ضمَّ فيه علوم القرآن المختلفة، حتى اعتُبِر "إمام المفسرين" أو "شيخ المفسرين".
    كما كان –رحمه الله– إماماً: في الفقه، وعلمِ الخلاف، والفقهِ المقارن، واختلافِ العلماء؛ وكان من الأئمَّة المجتهدين، وصاحبَ مذهبٍ مستقلٍّ، ولقد تبعه بعضُ الناس على مذهبه رَدْحاً من الزَّمن، وصنَّف الكتب الجيِّدة: في الفقه العام، والفقه المقارن، والفقه المذهبيّ.
    ومن أعظم إنجازاته – رحمه الله– إلى جانب تفسيره العظيم، كتابُه في التاريخ الذي يُعتبر مرجعًا هامًّا وأساسيًّا، لدى كثيرٍ من الباحثين والمؤرِّخين، وهو فيما قدّم يُعتبر شيخَ المؤرِّخين بلا منازعٍ ولا مدافع، واسمُ الكتاب: "تاريخ الرُّسل والملوك".
    هذا إلى جانب كتابه الأخير: "تاريخ الرِّجال من الصَّحابة والتَّابعين"، إلى شيوخه هو؛ المعروف بـ " ذيل المذبل ".

    وكان أيضا –رحمه الله– من أئمَّة العربيَّة، في المعاني واللُّغة والصَّرف والعَروض والبيان، بالإضافة إلى علمه بالفلسفة والمنطق والجَدَل.
    وكان عنده شيءٌ من علم الطَّبِّ والجبر والرِّياضيَّات.
    وكان –رحمه الله– أيضا عالماً بأصول الدِّين والتَّوحيد، وعلم الكلام، وله كتبٌ فيها.
    وكان عالماً بالحديث، وبلغ مرتبة الحافظ المحدِّث، ولقد صنَّف في علم الحديث ومصطلحه، كما التزم بمنهج المحدّثين في معظم كتبه.
    وكان عالماً بأصول الفقه وقواعد الاجتهاد والاستنباط، مما أهَّله أن يكون مجتهدًا صاحبَ رأيٍ مستقل ومذهب.
    وكان عالماً بآداب النَّفس وعلم الأخلاق والتَّربية، وصنَّف فيها كذلك.
    قال الخراسانيُّ: "وله مصنَّفات مليحة في فنون عديدة، تدلُّ على سعة علمه، وغزارة فضله، وكان من الأئمَّة المجتهدين"، ووصفه الخطيب البغداديُّ فقال: "وكان أحد أئمَّة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يُشاركه فيها أحدٌ من أهل عصره؛ وكان حافظًا لكتاب الله تعالى، عارفًا بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسُّنن وطرقها، صحِيحِها وسقيمِها، ناسخِها ومنسوخِها، عارفًا بأقوال الصَّحابة والتَّابعين، ومَن بعدهم من المخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في "تاريخ الأمم والملوك" وكتابٌ في التفسير لم يصنِّفْ أحدٌ مثله، وكتابٌ سمَّاه "تهذيب الآثار" لم أرَ سواه في معناه، إلا أنَّه لم يُتِمَّه؛ وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرُّد بمسائل حُفِظت عنه". ويقول ياقوت الحمويُّ في معجم الأدباء: "كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن، وكالمحدّث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالنَّحويِّ الذي لا يعرف إلا النَّحو، وكالحاسب الذي لا يعرف إلا الحساب، وكان عالماً بالعبادات جامعًا للعلوم، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره، وجدت لكتبه فضلًا على غيرها".
    أمَّا عن أشهر وأهمِّ مصنفاته فهي:
    - جامعُ البيان عن تأويل آي القرآن، المعروف بـتفسير الطبري، وقد طبع مرات عديدة.
    - وتاريخ الأمم والملوك، المعروف بـتاريخ الطبري.
    - واختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام.
    - والخفيف في أحكام شرائع الإسلام في الفقه، وهو مختصر كتاب:
    - لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، المعروف بـاختلاف الفقهاء في علم الخلاف، وهو كتابٌ واسع اختصره في كتاب الخفيف، فإذاً: اللطيف والخفيف هما كتابان للطَّبريِّ في الفقه.
    - وكتاب تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، هذا كتاب في الحديث طبع منه أربعة مجلدات، وبقي منه بقايا، وهو من الكتب العظيمة.
    - كذلك ألف كتاب: آداب القضاة، وآداب النفوس، والقراءات وتنزيل القرآن، والبصير في معالم الدين، وفضائل عليٍّ، وفضائل أبي بكر، وفضائل عمر، وفضائل العبَّاس، وكتابٌ في تعبير عبارة رؤية في الحديث، ومختصر مناسك الحج، ومختصر الفرائض، والموجز في الأصول، والرَّميُ بالنُّشَّاب حتَّى الرَّمي بالقوس وطريقة الرمي يقال: إنَّه للطبريِّ - رحمه الله -، والرسالة في أصول الفقه، والمسترشد وكتاب اختيار من أقاويل الفقهاء، هذه بعض الكتب التي ألفها صاحب القلم السَّيَّال والنَّفَس الطويل ابن جرير رحمه الله تعالى.
    يقول الخطيب البغدادي راوياً: إنَّ محمد بن جرير مكث أربعين سنةً يكتب في كل يوم أربعين ورقة، وإذا ضربت أربعين سنة في إنتاج كل يومٍ أربعين ورقة يكون الناتج ستمائة ألف ورقة؛ لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - أمدَّ في عُمره ستًّا وثمانين سنة، اطرح منها الطفولةَ والجُمَعَ والتِّرحال والرَّحَلات إلى أن استقرَّ بـبغدادَ أربعين سنةً، هذه فترة تدريس وتصنيف، كلَّ يوم يؤلف أربعين ورقةً، هذه ستمائة ألف ورقة.

    يقول ياقوت الحموي: "وحدَّث عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف بكتاب الصِّلة، وهو كتابٌ وصل به تاريخ ابن جرير -أي كمّل مما انتهى إليه ابن جرير في التاريخ-: أنَّ قوماً من تلاميذ ابن جرير حصّلوا أيام حياته، منذ بلغ الحلم إلى أن تُوفِّي وهو ابنُ ستٍّ وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنَّفاته، فصار منها على كلِّ يومٍ أربعَ عشرةَ ورقةً، وهذا شيءٌ لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق"، تصنيف الطبري ليس كما يقولون كلام حشو، هذا لا يأتي إلا بعد جمع غزير.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: الإمام ابن جرير الطَّبريُّ

    الإمام ابن جرير الطَّبريُّ (2/2)



    شريف عبدالعزيز

    إمام المفسِّرين ورائد المدرسة التَّقليديَّة في التَّاريخ
    حياته وعطاؤه العلميُّ ومنهجه وآراؤه ومحنته

    منهج الطبري في التفسير
    أملى ابن جرير كتابه "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" على تلاميذه من سنة ( 283 ) إلى سنة ( 290 )، ثمَّ قُرئ عليه سنة (306)، وقد أطبق العلماءُ على الثَّناء على كتابه.
    وقد قدَّمَ الطبريُّ لتفسيرِه بمقدِّمة علميَّةٍ حشدَ فيها جملةً من مسائل علوم القرآن، منها: اللغةُ التي نزل بها القرآن والأحرفُ السبعة، والمعرَّبُ، وطرق التفسيرِ، وقد عنون لها بقوله: "القول في الوجوه التي من قِبَلِها يُوصَلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ، وتأويل القرآنِ بالرأي، وذكر من تُرضى روايتهم ومن لا تُرضى في التَّفسيرِ".
    ثمَّ ذكر القولَ في تأويلِ أسماء القرآنِ وسورِه وآيه، ثمَّ القول في تأويلِ أسماء فاتحة الكتابِ، ثمَّ القول في الاستعاذةِ، ثُمَّ القول في البسملةِ.
    ثمَّ ابتدأ التفسيرَ بسورة الفاتحة، حتى ختم تفسيرَه بسورةِ النَّاسِ.
    كان يُجزِّئ الآيةَ التي يُريدُ تفسيرَها إلى أجزاء، فيفسرها جملة، جملة، ويبدأ في تفسير هذه الجملة، فيذكر المعنى الجملي لها بعدها، أو يذكره أثناء ترجيحه إن كان هناك خلاف في تفسيرها.
    إذا لم يكن هناك خلاف بين أهل التأويل فسَّر تفسيرًا جُمْلِيًّا، ثم قال: "وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل".
    ـ وإذا كان بين أهل التأويل خلاف، فقد يذكر التفسير الجُمليَّ، ثم ينص على وجود الخلاف، ويقول: "واختلفَ أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ ذلكَ، فقال بعضهـــم فيه نحوَ الذي قلنا فيه".
    ـ وقد يذكر اختلاف أهل التأويل بعد المقطع المفسَّرِ مباشرةً، ثمَّ يذكر التفسير الجمليَّ أثناء ترجيحه.
    ـ ومن عادته أن يُترجمُ لكل قولٍ بقوله: "فقال بعضهم" ….، ثمَّ يقول: "ذكرُ من قال ذلك"، ثمَّ يذكر أقوالهم مسندًا إليهم بما وصله عنهم من أسانيد، ثمَّ يقول: "وقال غيرهم"، "وقال آخرون" …، ثمَّ يذكر أقوالهم، فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم، رجَّحَ ما يراه صوابًا، وغالبًا ما تكون عبارته: "قال أبو جعفر: والقول الذي هو عندي أولى بالصَّواب قول من قال"، أو يذكر عبارة مقاربةً لها، ثمَّ يذكر ترجيحَه، ومستندَه في الترجيحِ، وغالبًا ما يكون مستندُه قاعدةً علميَّة ترجيحيَّةً، وهو مما تميَّزَ به في تفسيرِه.
    ـ اعتمدَ أقوال ثلاثِ طبقاتٍ من طبقات مفسِّري السَّلف، وهم الصَّحابة والتابعون وأتباع التابعين، ولم يكن له ترتيبٌ معيَّن يسير عليه في ذكر أقوالهم، وإن كان يغلب عليه تأخيرُ الرِّواية عن ابن زيد ( ت: 182).
    ـ ويحرص على ذكر ما أورده عنهم بالإسناد إليهم، ولو تعدَّدت الأسانيد في القول الواحد.
    ـ وقد يورد قول الواحد منهم ويعتمده إذا لم يكن عنده غيره.
    ـ ولم يخرُج في ترجيحاته عن قول هذه الطَّبقات الثَّلاث إلا نادرًا، وكان شرطه في كتابه أن لا يخرج المفسِّرُ عن أقوال هذه الطَّبقات الثَّلاث .
    ـ ولهذا ردَّ أقوالَ أهل العربيَّة المخالفة لأقوال السَّلف أدنى مخالفةٍ، ولم يعتمد عليها إلا إذا لم يَرد عن السلف في مقطعٍ من مقاطع الآية شيءٌ .
    وإذا ذَكر علماءَ العربية فإنه لا يذكر أسماءهم إلا نادرًا، وإنما ينسبهم إلى علمهم الذي برزوا فيه، وإلى مدينتهم التي ينتمون إليها، كقوله: قال بعض نحويي البصرة.
    وغالبُ ما يروي عنهم مما يتعلق بالإعراب.
    ـ اعتمد الطبريُّ النظر إلى صحَّة المعنى المفسَّرِ به، وإلى تلاؤمه مع السياق، وقد كان هذا هو المنهجَ العامَّ في تفسيره، وكان يعتمد على صحة المعنى في الترجيح بين الأقوال.
    ـ وكان لا يبين درجة إسناد الآثار إلا نادرًا، ولم يكن من منهجه نقدُ أسانيد التفسير، كما أنه لم يعمد إلى ما يُقال من طريقة: من أسندك فقد أحالك.
    ـ وكان -في الغالب- لا يفرق بين طبقات السَّلف في الترجيح، وقد يقدم قول أتباع التَّابعين أو التَّابعين على قول الصَّحابيِّ.
    ـ وإن كان في بعض المواطن يُقدِّم قول الصحابة، خصوصًا فيما يتعلق بالنُّزول.
    ـ يقدم قول الجمهور على قول غيرهم، وقد يعدُّه إجماعًا، ويَعُدُّ القول المخالف لهم شاذًّا.
    ـ يَعُدُّ عدم قول السلف بقولٍ دلالة على إجماعهم على تركه، ويرجح بهذه الحجة عنده.
    ـ لم يلتزم بالأخذ بقول الصحابيِّ في الغيبيَّات.
    ـ لم يُعْرِضْ عن مرويَّات بني إسرائيلَ لأنه تلقَّاها بالآثار التي يروي بها عن السَّلف، وقد يبني المعنى على مجمل ما فيها من المعنى المبيِّن للآية.
    ـ يؤخِّر أقوال أهل العربية، ويجعلها بعد أقوال السَّلف، وأحيانًا بعد ترجيحه بين أقوال السَّلف.
    ـ لا يقبل أقوال اللُّغويِّين المخالفة لأقوال السَّلف، ولو كان لها وجهٌ صحيح في المعنى لذلك كلِّه عدَّه أهلُ العلم رائدَ مدرسة التفسير بالأثر، وأعظمَ مفسِّري القرآن في الأمة الإسلامية.
    منهج الطبري في التاريخ
    بدأ الإمام الطبريُّ حياته العلميَّة بدراسة الحديث، فكان حريَّاً أن يتأثر بمنهج المحدِّثين في جمع الرِّواية التَّاريخيَّة والاهتمام بسندها، فكان يجمعُ مأثور الرِّوايات ويدوِّنها مع إسنادها إلى مصدرها مثل: شيخ تتلمذ عليه، أو عدل شارك في الحادثة، أو كان له علمٌ بها، أو كتاب تدارسه بالسَّند المتَّصل قراءةً وسماعاً وإجازة. فكان في الغالب يلتزم وجهة المحدِّثين في الاهتمام الذي ينصبُّ على الإسناد حيث يُثبته في معظم الأحيان في الروايات، يقول في هذا الشأن في مقدمة تاريخه: "وليعلم النَّاظرُ في كتابنا هذا أنَّ اعتمادي في كلِّ ما أحضرت ذكره فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرُها فيه، والآثار التي أنا مُسندُها إلى رواتها فيه، دون ما أُدرك بحجج العقول واستُنبط بفكر النفوس.. إلا القليل اليسير منه".
    وهكذا أكد الإمامُ الطبريُّ حرصه على إسناد كل خبرٍ إلى قائله، وأنه سوف لن يسمح لحجج العقول وفكر النفوس أن تتدخَّل في التَّفسير والاستنباط، في الكتابة والتَّدوين أثناء جمع المادة، وما ذاك إلا حرصاً منه على جمع ما قيل كلُّه أو جلُّه من وجهات نظر متعددة إن كانت، وبعد ذلك يكون محصل الموازنة والمقارنة، والاستنباط والقبول والرد لمن يريد.
    ولما كان تاريخ صدر الإسلام -خصوصاً فترة الفتنة- أكثر حساسيَّةً من غيره، إذ فيه رواياتٌ أملتها عاطفة الرواة أو الاتجاهات السياسية أو اختلاف وجهات النظر والفهم، ونظراً لأن الروايات تتأثر بعوامل مختلفة كالنسيان والميول والنَّزَعات فيصعب الجزم بدقتها وسلامتها، فإن هذا مما يجعل إبداءَ الرأي فيها أو إصدارَ حكم بشأنها يبدو معقَّداً للغاية.
    ولهذا قام الإمام الطبري -رحمه الله- وهو يعرض وجهات النظر المختلفة لرواته ومصادره باتِّباع طريقة جمع الأصول وتدوينها على صورة روايات، المسئولُ عنها رجالُ السَّند أي الرواة الإخباريُّون. وقد برهن على ذلك في قوله: "فما يكُن في كتابي هذا من خبرٍ ذكرناهُ عن بعض الماضين مما ينكره قارؤه أو يستقبحُه سامعه، من أجل أنَّه لم يعرف له وجهاً في الصِّحَّة ولا معنىً في الحقيقة، فليعلمْ أنَّه لم يؤتَ في ذلك من قبلنا، وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنَّما أدَّينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا".
    ومن منهجه أيضاً الحياد، فهو يعرض مختلف وجهات النَّظر دون تحزُّب أو تعصُّبٍ، وإن كان له رأيٌ خاص فيظهر أحياناً في اختياره للروايات وإيراد بعضها وترك البعض الآخر، مُتجنِّباً إعطاءَ حكمٍ قاطعٍ في القضايا التي يتعرَّض لها، حتى إنه لا يفضل روايةً على أخرى إلا نادراً.
    وقد أدَّى به التزامُ هذا المنهج إلى الحرص على إيراد الرِّوايات المختلفة للحادث أو الخبر الواحد، وعند المقابلة بين الرِّوايات يَستعمل تعبير: "واختُلف في كذا" ثم يُعقِبه باستعراض الروايات المختلفة لرواته، إلا أنَّ النقد والمقابلة يظهرُ جلياً في عدد من الأخبار التي ترد في نهاية الحوليات كالوفيات والغزوات الصيفيَّة، وتعيين ولاة الأقاليم وأمراء الحج، وهكذا إذا كان للحادث رواياتٌ مختلفة اعتقد الإمام الطبري بوجوب ذكرها لتكتمل الرؤية عنه. لكن مع اجتهاده في تدوين كل ما يمكن تدوينه من الروايات والأقوال من الخبر الواحد، فإذا وصل إلى موضوع مطوَّل مختلَفٍ فيه قَطَعَهُ؛ ليذكر مواضع الاختلاف مشيراً إليها.
    فإذا ما انتهى منها عاد إلى المتن -أي إلى الموضع الذي وقف عنده- فيُمهد للكلام بإشارة تدلُّ على استئنافه، وهذه الطريقة قد تربك القارئ، فتُنسيَه الحادث الأصلي، إذ تُشكل عقبةً أماميَّةً أمام الوحدة الموضوعية للحادثة التاريخية، وربما كان الأفضلُ عرضَ كل رواية عرضاً متكاملاً من أولها إلى آخرها، الواحدة تلو الأخرى، وبهذا العرض الكامل تتكون لدى القارئ فكرة واضحة عن الموضوع وعن الأوجه المختلفة فيه، فيستطيع أن يوازن بين جميع الآراء، ويُرجعَ بعضها على بعض، فتتكون بذلك لديه نظرة إيجابية عن الموضوع، والجدير بالذكر أنَّ الإمام ابن الأثير قد استدرك هذا الأمر تحديداً على أستاذه الطبري، وراعي تلافيه عند كتابته لتاريخه الشهير بالكامل، لذلك جاء كتابُ الكامل في التاريخ أجود وأقوى بحثيَّاً وتاريخيَّاً من تاريخ الإمام الطبري.
    و قد راعى الطبري التسلسل الزمنيَّ عند ذكره للأحداث والوقائع، ووقف بكتابه عند سنة 302 هجرية، أي قبل وفاته بعدة سنوات، فيذكر أهم الأحداث والوقائع في كلِّ عام على حدة، وبالنسبة للأخبار التي لا ترتبط بزمن معين كالسِّيَر مثلاً، فقد كان يختم بها الحديث عن كل خليفة عند وفاته، فبعد أن يذكر الأحداث في عهده مرتبة على السِّنين يختمها باستعراض سيرته دون التقيد بعامل الزمن.
    وما يذكر أن الإمام الطبري لم يتقيد بطريقة الحوليَّات في كل كتابه، وإنما اتَّبعها في الحوادث الخاصة بتاريخ الإسلام، أما في القسم الرابع - أي منذ الخليقة إلى الهجرة - فقد اتبع منهجاً آخرَ في عرض الحوادث، فلم يرتبها على حسب وقوعها عاماً بعد عام، إذ كان ذلك متعذِّراً، ولكن سار على النَّهج الذي سلكه أكثر المؤرخين القدماء بالبدء بالخليقة ثم بالأنبياء ثم التعرض للحوادث التي وقعت في أيامهم، وذكر الملوك الذين كانوا يعاصرونهم وأخبارهم، وكذلك الأمم المعاصرة لهم والتي جاءت بعدهم، إلى ظهور الإسلام وبعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
    ويُكثر الإمام الطبري في تاريخه من تسجيل النصوص التاريخية من رسائلَ وخطبٍ ومحاوراتٍ ولا سيَّما الشعر؛ رغبة في توثيق الحوادث أو التشويق إليها. كما أنه حاول ضبط النصوص التي يرويها دون تبديل أو تغيير إلى درجة أنَّه كثيراً ما تَبقى الكلمات والألفاظ غيرُ العربية كما هي.
    أما منهجه في إثبات المصادر، فإنه إذا ما نقل من كتابٍ ما فإنه قلَّما يذكر عنوانه، وإنما يذكر اسم مؤلفه كقوله مثلاً: "قال الواقدي" أو "قال أبو مخنف" وإذا سمع من أحدٍ مشافهةً قال: "حدَّثني فلان".. فإذا اشترك مع راوٍ محدِّثُه في السَّماع آخر أو آخرون قال: "حدَّثني فلان قال.. حدَّثنا فلان وفلان".. ثم سلسل السند إلى مصدره الأصلي، وكان يعتمد أحياناً على المراسلات، وقد حرص في الغالب على السَّند المتصل إلا في بعض المواقع. وكان يضع العناوين لأحداثه وخاصَّة المهمة منها في بداية كلامه عن بدء كل سنة تحت عنوانٍ عامٍّ مثل قوله: "ثم دخلت سنةٌ خمسٍ وثلاثين، ذكر الخبر عمَّا كان فيها من الأحداث المشهورة" أما الأحداث الصغيرة التي لا تتجاوز بضعة أسطر، فإنه يذكرها متعاقبة تحت عنوان: "ثم دخلت سنة كذا، وذكر الأحداث التي كانت فيها".
    أما فيما يتعلق بعدالة الرُّواة، فإذا كان الإمام الطبري لا يتقيَّد بالقيود التي تمسَّك بها أهل الحديث بالنسبة إلى الرواة الضُّعفاء، فأدخل في تاريخه أقوال الكلبيِّ وابنه هشام والواقدي وسيف بن عمر وأبي مخنف وغيرهم من الضُّعفاء المتَّهمين بالكذب والوضع في الحديث، فإنَّ ذلك يرجع إلى اتِّباعه منهجاً معلوماً عند علماء الحديث وغيرهم، حيث يذكرون ما يبلغهم ويسوقون سنده، فالصحيح يؤخذ وغير الصحيح يُعرف ويُردُّ وفق ضوابط الشريعة وقواعد الرواية..وهكذا ،لم يكن الإمام الطبري بذلك العمل مغفلاً أو جاهلاً عندما يورد مئات الروايات عن الضُّعفاء والمتروكين، لكنه يتبع منهجاً مرسوماً عند علماء الجرح والتعديل: لا يَلزم من إيراد أخبار المتروكين والضُّعفاء وتدوينها في كتاب من الكتب للاحتجاج بها كقولهم: "يُروى حديثُه ولا يُحتج به" و"يُذكر حديثُه للاعتبار"، "يُكتب حديثه للمعرفة"، "ولا يجوز الرِّواية عنه إلا للخواصِّ عند الاعتبار"، ولكون الإمام الطبريِّ من علماء الحديث فقد سار على هذا النَّهج في تاريخه، فهو ليس صاحبَ الأخبار التي يوردُها بل لها أصحابٌ آخرون أبرأ هو ذمَّته بتسميتهم، وهؤلاء متفاوتون في الأقدار، وأخبارهم ليست سواءً في قيمتها العلميَّة، ففيها الصَّحيح والضَّعيف الموضوع، تبعاً لصدق الرُّواة أو كذبهم ومنزلتهم من الأمانة والعدالة والتثبت، ولذلك ينبغي دراسة أسانيد ومتون الروايات وفق المقاييس المعتبرة عند العلماء للوقوف على مدى صحتها من عدمه.
    وبناءً على ذلك: لا يكفي في المنهج العلميِّ السليم الإحالةُ على تاريخ الإمام الطبري أو غيره من الكتب المسندة دون دراسة سند الرواية ومتنها، لأنَّ من أسند فقد برئ من العُهدة.

    ومما يُلاحظ أيضاً أن الطبري لم يُرد الاقتصار على المصادر الموثوق بها، بل أراد أن يُطْلعَ قارئهُ على مختلف وجهات النظر، فأخذ من مصادرَ أخرى قد لا يثق هو بأكثرها، إلا أنها تُفيد عند معارضتها بالأخبار القوية؛ فقد تكمَّل بعضُ ما فيها من نقص، أو تقوَّى الخبر باشتراكها مع المصادر الصَّحيحة في أصل الحادثة.
    فهذا كان منهجَ الإمام الطَّبريِّ في كتابة التاريخ، وأمَّا الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم أو لجهلهم بمنهج الإمام الطَّبريِّ ولا يتعرَّفون إلى رواتها ويكتفون بالإشارة في الحاشية إلى أنَّ الطبريَّ روى في صفحة كذا من جزء كذا.. ويظُنُّون أنَّ مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء قد يَظلمون الإمام الطبريَّ بذلك ويُسيئون إليه، وهو لا ذنبَ له بعد أن بَيَّنَ لقرائه مصادرَهُ، وعليهم معرفةُ نَزَعات وأحوال أصحاب هذه المصادر؛ ليعرفوا للأخبار أقدارها بوقوفهم على أقدار أصحابها. وهذا المنهج لا يمكن استعماله إلا عن طريق الإلمام بعلم الجرح والتعديل الذي يهتمُّ بفحص أحوال الرُّواة ويُبيِّن شروط الانتفاع بأخبارهم، كما ينبغي أيضاً مراعاة المقاييس التي وضعها العلماء في نقد متون الأخبار، وخصوصاً وضع الملامح العامة للمجتمع الإسلامي وطبيعته في الحسبان، ويُعتبر ذلك كلُّه من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي.
    محنتُه ووفاتُه:
    كان ابن جرير الطَّبريُّ من أكبر علماء الوقت، محبوبًا من الجميع، مُجمعًا على إمامته بين الناس، من رجالات الكمال، وكلُّها صفاتٌ حميدة وعظيمة تحتاج إليها الأمة، ولكنَّها عادة ما تجلب لصاحبها الكثيرَ من المتاعب مع الأقران والمتنافسين، والذين تسللت الغَيرة إلى قلوبهم تجاه أمثال هؤلاء الأعلام المحبوبين، وهذا هو عينُ ما وقع للإمام ابن جرير الطبري.
    كان المذهب الحنبليُّ هو المذهب السائد بأرض العراق خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين، وذلك بفضل صمود الإمام أحمد -رحمه الله- في محنة خلق القرآن، وهذا الصمود أعلى من شأن الحنابلة ورفع قدرهم في أعين الناس والعامة، وأقبلوا على تعلُّم العلم وفقًا للمذهب الحنبليِّ، حتى أصبح الحنابلةُ أغلبيَّةً بأرض العراق، وكان رأسُ الحنابلة بالعراق الإمامَ أبا بكر محمد بن الحافظ أبي داود صاحب السُّنن، وكانت بينه وبين الإمام ابن جرير الطبري مشاحناتٌ وخلافات، وكلاهما لا يُنصف الآخر، ووقع بينهما ما يقع بين الأقران في كلِّ عصر ومكان، ولو وقف الخلافُ بين الرجلين عند هذا الحدِّ لكان الأمر هيِّنًا يسيرًا، لتوافر أمثال هذه الخلافات في كل عصر، ولكن هذا الخلاف قد أخذ منحنىً جديدًا حتى تحوَّل إلى محنةٍ كبيرة للإمام ابن جرير الطَّبريِّ.
    ذلك أنَّ الحنابلة حزبَ أبي بكر بن أبي داود قد دفعهم التعصبُ المذهبيُّ المقيت لأن يُشنِّعوا على ابن جرير ويُشيعوا عليه الأكاذيب والأباطيل التي هو منها براء، بل هو مِن أبعد الناس عمَّا اتهموه به؛ ذلك أن الحنابلة قد أشاعوا على الإمام الطَّبري أنَّه من الروافض، ورمَوه بالتَّشيُّع والإماميَّة، وشغبوا عليه بشدة، وصدَّقهم كثيرٌ ممَّن لا عقول لهم إلا في آذانهم، وكان سببُ هذا الرَّواج وانتشارُ هذه الشَّناعات عدةُ أمور منها:
    1ـ جَمْعُ ابن جرير الطبري لطرق حديث "غدير خم"، وذلك في أربعةِ أجزاءٍ باهرة تدل على سعة علمه ومرويَّاته، وهو الحديث الشهير: "من كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاهُ" وهو الحديث العُمدة عند جميعِ طوائف الشِّيعة، الَّذين يستدلون به على أحقِّيَّة عليِّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وبنيه في الخلافة، وهو حديث صحيح لا شكَّ فيه، ولكن لا دلالةَ فيه على أحقِّيَّة عليٍّ -رضي الله عنه- في الخلافة، وتأويله يختلف بالكلية عما ذهب إليه الروافض الجهلة، وكان السبب وراء جمع ابن جرير لطرق هذا الحديث؛ هو قيامُ أبي بكر بن أبي داود وغيره من علماء الحنابلة بتضعيف هذا الحديث، ومن باب الأمانة العلميَّة وليس من باب الميل للتَّشيُّع أو التأثر به قام الإمام الطبري بجمع طرق الحديث، وقد أقرَّ أبو بكر بن أبي داود بعد ذلك بصحَّة حديث الغدير.
    2ـ الأمرُ الثاني، والذي كان سببًا لتصديق كثيرٍ من البسطاء والعامة لفرية تشيُّع الطبري، يرجع إلى وجود عالم من علماء الشِّيعة الإمامية يحمل نفس الاسم ونفس الكُنية، وهو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، وكان من كبار الروافض، وقد صنَّف كتبًا كثيرة في ضلالات التَّشيُّع مثل كتاب "المسترشد في الإمامة" و"الرُّواة عن أهل البيت"، وقد أدى هذا التشابه العجيب لخلط الناس بين الرَّجلين، وشتَّان ما بينهما، ولقد أحسن الإمامُ الذهبي -رحمه الله- صنعًا عندما أورد ترجمة الطبريِّ الرَّافضيِّ مباشرةً خلف ترجمة جبل السنة ابن جرير الطبري، حتى لا يختلط الأمر على الناس، وللتَّمييز بين الرجلين.
    3ـ الأمر الثَّالث هو قيام الإمام ابن جرير الطبري بتأليف كتابٍ ضخم في اختلاف العلماء، ولم يذكر فيه الإمام أحمد بن حنبل، على أساس أنه من كبار المحدِّثين، فظنَّ الحنابلة أنَّ الطبريَّ قد تعمَّد ذلك للتقليل من شأن فقه الحنابلة، فشغبوا عليه، وأطلقوا بحقِّه العظائم والفظائع، ولعلَّ ذلك هو السبب الرئيس في محنة الطَّبريِّ واضطهاد الحنابلة له.
    هذه الأمور وغيرُها جعلت فصول المحنة تشتد، وتضيق حلقاتها على الإمام الطبري؛ فبعد هجمة شرسة من الشائعات الشنيعة والأباطيل والأكاذيب بحقِّ هذا العالم الجليل، قام الحنابلة بالتشويش على الطبريِّ في مجالسه، وتنفير الطلبة من مجالسه، ومع ذلك ظلَّ الإمام صابرًا محتسبًا مواظبًا على الدرس لا ينقطع عنه، حتى قام الحنابلة ذات يوم بسبه وشتمه أثناء الدرس، وأقاموه بالقوة من حلقة الدرس ومنعوه من الجلوس للتدريس، وألزموه القعود في بيته.
    نقل الطبري دروسه إلى بيته فكان يجتمع مع طلبة العلم في بيته، فأغاظ ذلك الأمر الحنابلة بشدة، فدفعهم التعصب المذهبي المذموم لأبعد دركات الغلوِّ والظلم، حيث قاموا بمحاصرة بيت الطبري ومنعوه من الخروج من بيته، ومنعوا طلاب العلم من الدخول عليه، حتى إنَّ كلَّ طلاب العلم والحديث الذين دخلوا بغداد سنة 309هـ لم يجتمعوا به ولم يروُوا عنه شيئًا بسبب طغيان جهلة الحنابلة، ومنهم الإمام حسنيك بن عليٍّ دخل بغداد ولم يكتب شيئًا عن الطَّبريِّ، وعندما علم أستاذُه ابن خزيمة ذلك قال لتلميذه حسنيك: "ليتك لم تكتب عن كلِّ من كتبت عنهم، وسمعت من أبي جعفر، وبئس ما فعلتِ الحنابلة بحقه".
    ظلَّ الطبري حبيسًا في بيته يُعاني من الاضطهاد الشَّديد، ولا يدخل عليه أحد إلا القليل من خاصَّته، وكان قد جاوز الخامسة والثَّمانين وأنهكته السنون، ورحلاتُ طلب العلم في شتَّى بقاع الأرض، وزادت المحنة من آلامه وأوجاعه، والجهلة والمتعصبون لا يردُّهم شيء، لا مكانةٌ علميَّةٌ ولا كِبَرُ سنٍّ، ولا مؤلفات ومصنفات عظيمة في التفسير والتاريخ وغيرهما، وظل الجهلة محاصِرين لبيت الطبريِّ حتى حان وقتُ الرَّحيل في شوال سنة 309هـ، وقد ظلَّ الطبري يردد الشهادة قبل موته عدة مرات، ثم مسح يده على وجهه وغمض بصره بيده، وبسطها وقد فارقت روحه الحياة.
    وبلغت المحنةُ أوجها ووصل التعصب إلى ذروته، وظلَّ الحنابلة على حصارهم لبيت الطبري حتى بعد أن بلغهم خبر وفاته، مما دفع أصحابَ الطبريِّ لأن يدفنوه في صحن داره برحبة يعقوب ببغداد، ولم يخرج الطبري من حصاره حتى بعد موته، ولكن هذا الحصار والتعصب المقيت لم يمنع الناس أن يأتوا إلى بيته للصَّلاة عليه حتى إنَّ الناس ظلوا عدة شهور يصلون على قبره ليلاً ونهارًا.
    رحل الطبريُّ عن دنيانا الفانية محاصرًا مظلومًا مضطهدًا من الجهلة والمتعصبين، وراح ضحية محنةٍ مقيتة، وإن كان خصومه قد نالوا من دنياه، فإنه ولا شك قد نال من آخرتهم، وقد رفع الله عز وجل ذكره بين الناس وقام له سوق الثناء والفضل والدعاء ولم ينفضَّ، في حين باء الجهلة والمتعصبون بالخسران والنكران في الدنيا والآخرة.
    المراجع والمصادر
    سير أعلام النُّبلاء،
    البداية والنِّهاية،
    الكامل في التَّاريخ،
    المنتظم، تذكرة الحفَّاظ،
    طبقات الشَّافعيَّة، وَفَيَات الأعيان،
    شذرات الذَّهب، النُّجوم الزاهرة،
    الإمام ابن جرير شيخ المفسرين للزحيلي،
    أخبار ابن جرير للقفطي ،
    التَّفسير والمفسرون للذَّهبيّ،
    منهجُ الطَّبريِّ في التَّاريخ أمحزون.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •