مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد .
هشام السيد عطية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، التعريف بالإمام البغوي - رحمه الله تعالى - سأبدأ بالتعريف القصير بالإمام ، ثم أتبعه ببيان مكانته من الاجتهاد فأقول :
أولا : التعريف بالإمام :
اسمه وكنيته : هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي([1]).
لقبه : لقد برع الإمام البغوي في علوم كثيرة وتفوق فيها؛ فقد كان فقيها مفسرا محدثا ؛ ولذلك فقد لقب بألقاب كثيرة تدل على نبوغه العلمي منها : شيخ الإسلام([2])، ومحيي السنة([3]) ، وركن الدين([4])، وظهير الدين([5]) . نسبته : الذين ترجموا للإمام البغوي – رحمه الله – ذكروا له نسبتين :
النسبة الأولي : البغوي : نسبة إلى موطن ولادته بلدة " بَغ"، ويطلق عليها أيضا (بَغْشُور)([6]) .
النسبة الثانية : الفَرَّاء : نسبة إلى عمل والده ؛ حيث كان يشتغل بالفراء يخيطه ويبيعه ، فيترجم للبغوي تارة بالفَرَّاء ، وتارة بابن الفَرَّاء([7]) .
مولده : ويشتمل على ذكر المكان ، والزمان : أما مكان الميلاد : فقد ولد الإمام البغوي في بلدة صغيرة تقع بين مرو([8]) وهراة([9]) ، من إقليم خراسان([10]) ، يقال لها "بغ" أو "بغشور" ([11]).
وأما عن سنة الميلاد : فأكثر من ترجم للإمام البغوي – رحمه الله - لم يذكر سنة ميلاده ، وقد ذكرها اثنان وهما : ياقوت الحموي ، والزركلي ، واختلفا فيها : فقد ذكر ياقوت : أن البغوي ولد في جمادي الأولي سنة (433هـ)([12]) ، وذكر الزركلي : أنه ولد سنة (436هـ /1044م)([13]) .
ولعل الراحج هو قول ياقوت ؛ لأن أكثر من ترجم للإمام البغوي قديما ذكروا أن عمره عند وفاته – سنة 516هـ - تجاوز الثمانين([14]) ، ولا يكون هذا إلا إذا مولده سنة 433هـ ، والله أعلم بالصواب .
نشأته العلمية :
لم تذكر كتب التراجم عن أسرة الإمام البغوي سوي والده الذي كان يصنع الفراء([15]) ويبيعها([16])،وأخيه أبي علي الحسن بن مسعود بن الفراء الذي رباه البغوي وعلمه([17])، وزوجته ([18]) ، وعلى هذا لم تتضح معالم حياة الإمام المبكرة ، ولكن قد اهتم الشيخ بالعلم وتحصيله والرحلة فيه إلى البلاد ، فقد رحل إلى مرو الروذ([19]) وتفقه على علمائها ومنهم القاضي حسين ، وكان ذلك قبل سنة 460هـ ، وبلغ في الفقه مبلغا استحق به أن يكون من أخص تلامذة القاضي حسين([20]) ، وسمع الحديث من علماء كثيرين ، وكان سماعه بعد سنة460 هـ([21]) ، وبرع فيه حتى استحق لقب محيي السنة ، وروي عنه خلق كثير([22]) ، ولم يقدر الله للإمام دخول بغداد ، ولو دخلها لاتسعت ترجمته([23]) ، وكانت للإمام مصنفات كثيرة بورك له فيها ، ورُزِق فيها القبول ؛ لحسن قصده وصدق نيته ، وكان قانعا باليسير ، مقتصدا في لباسه ([24]) ، رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه.
وفاته : اتفق كل من ترجم للإمام البغوي على أنه توفي بمدينة مرو الروذ([25]) ، ودفن مع شيخه القاضي حسين([26]) . واختلفوا في سنة وفاته : فأكثرهم على أنه توفي في شوال516هـ([27])، وقيل : توفي سنة 510 هـ([28]).
ولعل الراحج هو أنه توفي عام 516 هـ ؛ لأنه قول جمهور من ترجم له ، والله أعلم .
ومن مصنفاته : التهذيب في الفقه الشافعي ، ومعالم التنزيل في التفسير ، شرح السنة في الحديث ، وغيرها الكثير .
[1])) وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت: 681هـ) ،( 2 /136) ، طبعة : دار الثقافة - لبنان، تحقيق: إحسان عباس . سير أعلام النبلاء لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي(ت: 748 هـ) ، (19/439) ، الطبعة : التاسعة ، مؤسسة الرسالة - بيروت - 1413 هـ ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط , محمد نعيم العرقسوسي ، تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت: 748 هـ ) ، (4/1257) ، الطبعة : الأولى ، دار الكتب العلمية - بيروت ، طبقات الشافعية ، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة (ت: 851 هـ ) ، (1/281) ، الطبعة : الأولى ، دار عالم الكتب - بيروت - 1407 هـ ، تحقيق : د. الحافظ عبد العليم خان . طبقات الشافعية الكبرى ، لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ، (ت : 771هـ ) ،(7/75) ، الطبعة : الثانية ، دارهجر للطباعة والنشر والتوزيع - 1413هـ ، تحقيق : د. محمود محمد الطناحي د.عبد الفتاح محمد الحلو . طبقات الفقهاء الشافعيين للحافظ : ابن كثير الدمشقي (ت : 774هـ) ، (2/109) ،الطبعة : الأولي ، دار : الوفاء – مصر ، 1425هـ ،2004م . طبقات المفسرين ، للإمام : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت:911 هـ )، (1/49) ، الطبعة : الأولى ، مكتبة وهبة - القاهرة - 1396 هـ ، تحقيق : علي محمد عمر .
([2]) لقبه بهذا اللقب الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (19/439) .
([3]) لقبه بهذا اللقب الأئمة الذهبي ، وتاج الدين السبكي ، وابن قاضي شهبة . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (7/75) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([4])لقبه بهذا اللقب الإمام الذهبي ، والإمام تاج الدين السبكي . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (7/75) .
[5])) لقبه بهذا اللقب ابن خلكان في وفيات الأعيان( 2 /136) .
[6])) "بغ" أو "بغشور" هي : بلدة من بلاد خراسان بين مرو وهراة ، نسب إليها جماعة من العلماء منهم الإمام البغوي ، هكذا وصفها العلماء قديما ، وهي الآن : تقع في دولة تركمانستان - وهي دولة بجوار دولة أفغانستان - وليست في إيران كما ذكر بعض الباحثين بناء على أن خراسان في إيران ؛ لأن إقليم خراسان في الوقت الحاضر- الذي هو في إيران- يضم منطقة أصغر بكثير من تلك التي كان يضمها الإقليم المعروف باسم خراسان في العصور الإسلامية ؛ لأن خراسان قديما كانت تضم أربع أقاليم : نيسابور ، ومرو ، وهراة ، وبلخ ، وموقع مرو الآن – التي كانت تتبعها بغشور- في دولة تركمانستان ، وقد قال كي لسترنج بعد وصف بغشور قديما : " وأما أطلال مدينة بغشور فالظاهر أنها المعروفة الآن بقلعة مرو" . ينظر : الأنساب لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني ، (ت: 562هـ) ، (1/374) ، الطبعة : الأولى ، دار الفكر - بيروت - 1998م ، تحقيق : عبد الله عمر البارودي . معجم البلدان ، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي ، (ت: 626 هـ) ،(1/468) ، طبعة : دار الفكر - بيروت . بلدان الخلافة الشرقية ، تأليف : كي لسترنج ، تعريب : بشير فرنسيس ، و كركيس عواد ، (صـ423 ، 424 ، 455) ، الطبعة : الثانية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، 1405هـ ، 1985م .
[7])) الأنساب للسمعاني (4/351) ، وفيات الأعيان( 2 /137) ، سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
[8])) مرو : هي مَرْوَ الرُّوذ - بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الواو وتشديد الراء المهملة المضمومة وبعد الواو ذال معجمة – أو " مرو الصغري " وهي إحدى مدن خراسان وأشهرها ، وهي مبنية على نهر – والنهر بالفارسية يسمي الروذ - وإليه أضيفت ، تمييزا لها عن مرو العظمي التي تسمي " مرو الشاهجان" ، والنسبة إلى مرو الأولي تكون : مَرْوَرُوذي أو مَرُّوذي ، والنسبة إلى مرو الثانية تكون : مروزي ، وهي الآن في تركمانستان . ينظر : معجم البلدان (5/112) ، وفيات الأعيان (1/27 ، 69) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ439 ،440 .
[9])) هراة : هي مدينة عظيمة مشهورة من مدن خراسان القديمة ، وإليها نسب كثير من الأئمة والعلماء ، وهي الآن في دولة أفغانستان . ينظر : معجم البلدان (5/396) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ449.
[10])) خراسان : قديما غير هي حديثا ، فقديما كانت بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق ، وأخر حدودها الهند ، وكانت تضم أربع أقاليم : نيسابور ، ومرو ، وهراة ، وبلخ ، أي أنها كان تشمل الآن دولة إيران ودولة أفغانستان ودولة تركمناستان ، وأما حديثا فهي جزء من دولة إيران . ينظر : معجم البلدان (2/350 -354) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ423 ، أطلس تاريخ الإسلام للدكتور : حسين مؤنس ، صـ49 ، الطبعة : الأولي ، دار : الزهراء للإعلام العربي ، 1407هـ ، 1987م .
[11])) معجم البلدان (1/467) ، طبقات الشافعية الكبري (7/77) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([12]) معجم البلدان (1/467) .
[13])) الأعلام لخير الدين الزركلي(2/259) ، الطبعة : السابعة ، دار : العلم للملايين ، بيروت – لبنان ، 1986هـ .
[14])) كالإمام الذهبي والإمام تاج الدين السبكي والإمام ابن قاضي شهبة والإمام السيوطي . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات المفسرين للسيوطي (1/ 49) .
[15])) الفراء : جمع فرو ، وهو جلد الحيوان وكان يدبغ ويخاط ويلبس اتقاء للبرد . ينظر : مختار الصحاح (1/210) ، تاج العروس (39/ 225) ، مادة : ( فرو ) .
[16])) وفيات الأعيان( 2 /137) ، سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
[17])) وكان رحمه الله مصيبا في الفتوي ، ولد سنة 458هـ ، وتوفي سنة 529هـ بمرو الروذ . ينظر: طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76)، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/122) .
[18])) وفيات الأعيان( 2 /137) .
[19])) سبق التعريف بها في صــ10 .
[20])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/75 ، 76) .
[21])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، تذكرة الحفاظ للذهبي (4/1258) .
[22])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76) .
[23])) طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76) .
[24])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([25]) سبق التعريف بها في صــ10 .
[26])) وفيات الأعيان( 2 /136) ، سير أعلام النبلاء(19/439) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109).
[27])) سير أعلام النبلاء(19/439) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109) .
[28])) وفيات الأعيان( 2 /136) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109) .