كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (301)
صــــــــــ 143 الى صـــــــــــ 149
الأداء كان مملوكا بينهما، ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتبه قبل الأداء كان نصفه منه حرا فإن كان موسرا ضمن نصفه الباقي؛ لأن الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد؛ لأن عقد الكتابة كان فاسدا وإن كان معسرا عتق منه ما عتق، وكانت الكتابة بينهما باطلة إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها
(قال) : ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول ليس للآخر أن يبيعه لما دخل فيه من العتق وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يبيع حصته، وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول هو له خاصة وبهذا يأخذ، قال وتنتقض المفاوضة إذا قبض ذلك، وكان ابن أبي ليلى يقول هو بينهما نصفان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان العبد بين رجلين فدبره أحدهما فللآخر بيع نصيبه؛ لأن التدبير عندي وصية، وكذلك للذي دبره أن يبيعه وهذا مكتوب في كتاب المدبر ومن زعم أنه ليس للمدبر أن يبيع المدبر لزمه أن يزعم أن على السيد المدبر نصف القيمة لشريكه إن كان موسرا ويكون مدبرا كله كما يلزمه هذا في العتق إذا جعل هذا عتقا يكون له بكل حال فإن قال فالعتق الذي ألزمته فيه نصف القيمة عتق واقع مكانه قيل فأنت تزعم في الجارية بين الرجلين يطؤها أحدهما فتلد أنها أم ولد وعليه نصف القيمة وهذا عتق ليس بواقع مكانه إنما هو واقع بعد مدة كعتق المدبر يقع بعد مدة.
وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما، ثم أعتقه الآخر ألبتة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته مدبرا وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا ويرجع به المعتق على العبد، والولاء بينهما نصفان، وكان ابن أبي ليلى يقول التدبير باطل، والعتق جائز، والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى فيه العبد، ثم يرجع على المعتق، والولاء كله للمعتق وقال أبو يوسف إذا دبره أحدهما فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته وعتق الآخر باطل لا يجوز فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر بتاتا فإن كان موسرا فالعبد حر كله وعليه نصف قيمته وله ولاؤه وإن كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر ومن زعم أنه لا يبيع المدبر فيلزمه أن يبطل العتق الآخر ويجعله مدبرا كله إذا كان المدبر الأول موسرا؛ لأن تدبير الأول عتق، والعتق الأول أولى من الآخر قال وهكذا قال أهل القياس الذين لم يبيعوا المدبر.
[باب في المكاتب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كاتب الرجل المكاتب على نفسه فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول ماله لمولاه إذا لم يشترط المكاتب ذلك وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول المكاتب له المال وإن لم يشترط
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كاتب الرجل عبده وبيد العبد مال فالمال للسيد؛ لأنه لا مال للعبد إلا أن يشترط المكاتب على السيد ماله فيكون له بالشرط وهذا معنى السنة نصا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ولا يعدو المكاتب أن يكون مشتريا لنفسه فرب المكاتب بائع» ، وقد جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال، أو يكون غير خارج من ملك مولاه فيكون معه كالمعلق فذلك أحرى أن لا يملك على مولاه مالا كان لمولاه قبل الكتابة، والمشتري الذي أعطى ماله في العبد أولى أن يكون مالكا لمال العبد بشراء العبد؛ لأنه لو مات مكانه مات من ماله من المكاتب الذي لو مات لم يلزمه شيء
وإذا قال المكاتب قد عجزت وكسر
مكاتبته ورده مولاه في الرق فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول ذلك جائز وبهذا يأخذ، وقد بلغنا عن عبد الله بن عمر أنه رد مكاتبا له حين عجز وكسر مكاتبته عند غير قاض، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز ذلك إلا عند قاض، وكذلك لو أتى القاضي فقال قد عجزت فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يرده وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أرده حتى يجتمع عليه نجمان قد حلا عليه في يوم خاصم إليه، ثم قال أبو يوسف بعد لا أرده حتى أنظر فإن كان نجمه قريبا، وكان يرجى لم يعجل عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال المكاتب قد عجزت عند محل نجم من نجومه فهو كما قال وهو كمن لم يكاتب يبيعه سيده ويصنع به ما شاء كان ذلك عند قاض، أو لم يكن (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا الثقفي وابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه رد مكاتبا له عجز في الرق.
(قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة أنه شهد شريحا رد مكاتبا عجز في الرق
وإذا تزوج المكاتب، أو وهب هبة، أو أعتق عبدا، أو كفل بكفالة، أو كفل عنه رجل لمولاه بالذي عليه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول هذا كله باطل لا يجوز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول نكاحه وكفالته باطل وما تكفل به رجل عنه لمولاه فهو جائز وأما عتقه وهبته فهو موقوف فإن عتق أمضى ذلك وإن رجع مملوكا فذلك كله مردود وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - كيف يجوز عتقه وهبته وكيف تجوز الكفالة عنه لمولاه أرأيت رجلا كفل لرجل عن عبده كفالة أليست باطلا فكذلك مكاتبة وبهذا يأخذ وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لا يجوز أن يكفل الرجل للرجل بمكاتبة عبده؛ لأنه عبده وإنما كفل له بماله وقال أبو حنيفة - رحمه الله - إذا كان له مال حاضر فقال، أؤديه اليوم، أو غدا فإنه كان يقول يؤجله ثلاثة أيام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تزوج المكاتب، أو وهب، أو أعتق، أو كفل عن أحد بكفالة فذلك كله باطل لأن في هذا إتلافا لماله وهو غير مسلط المال أما التزوج فأبطلناه بالعبودية التي فيه أنه لا يكون للعبد أن ينكح إلا بإذن سيده، ولو كفل رجل لرب المكاتب بالكتابة كانت الكفالة باطلة من قبل أنه إنما تكفل له بماله عن ماله
[باب في الأيمان]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر، ثم باعه فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول لا يعتق؛ لأن العتق إنما وقع عليه بعد البيع وبعدما خرج من ملكه وصار لغيره وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول يقع العتق من مال البائع ويرد الثمن على المشتري؛ لأنه حلف يوم حلف وهو في ملكه، وكذلك لو قال البائع إن كلمت فلانا فأنت حر فباعه، ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يعتق، ألا ترى أنه قد خرج من ملك البائع الحالف أرأيت لو أعتقه المشتري أيرجع إلى الحالف، وقد صار مولى للمشتري؟ أرأيت لو أن المشتري ادعاه وزعم أنه ابنه فأثبت القاضي نسبه وهو رجل من العرب وجعله ابنه، ثم كلم البائع ذلك الرجل الذي حلف عليه أن لا يكلمه أبطل دعوى هذا ونسبه ويرجع الولاء إلى الأول، وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا يرجع الولاء إلى الأول ويرد الثمن ويبطل النسب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا ليس ببيع خيار بشرط فهو حر حين عقد البيع وإنما زعمت أنه يعتق من قبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» (قال الشافعي) : وتفرقهما تفرقهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه فلما
كان لمالك العبد الحالف بعتقه إجازة البيع ورده كان لم ينقطع ملكه عنه الانقطاع كله، ولو ابتدأ العتق في هذه الحال لعبده الذي باعه عتق فعتق بالحنث، ولو كان باعه بيع خيار كان هكذا عندي لأني أزعم أن الخيار إنما هو بعد البيع ومن زعم أن الخيار يجوز مع عقد البيع لم يعتق؛ لأن الصفقة أخرجته من ملك الحالف خروجا لا خيار له فيه فوقع العتق عليه وهو خارج من ملكه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهكذا لو قال رجل لغلامه أنت حر لو كلمت فلانا، أو دخلت الدار فباعه وفارق المشتري، ثم كلم فلانا، أو دخل الدار لم يعتق لأن الحنث وقع وهو خارج من ملكه، وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا، ثم طلقها واحدة بائنة، أو واحدة يملك الرجعة وانقضت عدتها، ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يقع عليه الطلاق الذي حلف به لأنها قد خرجت من ملكه، ألا ترى أنها لو تزوجت زوجا غيره، ثم كلم الأول فلانا وهي عند هذا الرجل لم يقع عليها الطلاق وهي تحت غيره وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول يقع عليها الطلاق؛ لأنه حلف بذلك وهي في ملكه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو قال لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا، ثم خالعها، ثم كلمت فلانا لم يقع عليها طلاق من قبل أن الطلاق وقع وهي خارجة من ملكه وهكذا لو طلقها واحدة فانقضت عدتها، ثم كلم فلانا لم يقع عليه الطلاق؛ لأن الطلاق لا يقع إلا على زوجة وهي ليست بزوجة، ولو نكحها نكاحا جديدا لم يحنث بهذا الطلاق وإن كلمه كلاما جديدا؛ لأن الحنث لا يقع إلا مرة، وقد وقع وهي خارجة من ملكه
(قال) : وإذا قال الرجل كل امرأة أتزوجها أبدا فهي طالق ثلاثا وكل مملوك أملكه فهو حر لوجه الله تعالى فاشترى مملوكا وتزوج امرأة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول يقع العتق على المملوك والطلاق على المرأة، ألا ترى أنه طلق بعدما ملك وأعتق بعدما ملك، وقد بلغنا عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقول لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك فهذا إنما وقع بعد الملك كله، ألا ترى أنه لو قال إذا تزوجتها، أو ملكتها فهي طالق صارت طالقا وبهذا يأخذ، ألا ترى أن رجلا لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر، ثم ولدت بعد عشر سنين كان حرا فهذا عتق ما لم يملك، ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده امرأة فقال لها إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، ثم طلقها واحدة بائنة، ثم تزوجها في العدة، أو بعدها أن ذلك واقع عليها؛ لأنه حلف وهو يملكها ووقع الطلاق وهو يملكها أرأيت لو قال لعبد له إن اشتريتك فأنت حر فباعه، ثم اشتراه أما كان يعتق، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يقع في ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت وقتا فإن وقت وقتا في سنين معلومة، أو قال ما عاش فلان، أو فلانة، أو وقت مصرا من الأمصار، أو مدينة، أو قبيلة لا يتزوج ولا يشتري منها مملوكا فإن ابن أبي ليلى يوقع على هذا الطلاق وأما قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فإنه يوقع في الوقت وغير الوقت، وقد بلغنا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه قال إذا وقت وقتا، أو قبيلة، أو ما عاشت فلانة وقع.
إذا قال الرجل إن وطئت فلانة فهي حرة فاشتراها فوطئها فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا تعتق من قبل أنه حلف وهو لا يملكها وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول تعتق فإن قال إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة فاشتراها فوطئها فهي حرة في قولهما جميعا (قال الربيع) للشافعي - رحمه الله تعالى - ها هنا جواب.
[باب في العارية وأكل الغلة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أعار الرجل الرجل أرضا يبني فيها ولم يوقت وقتا، ثم بدا له أن
يخرجه بعدما بنى فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول نخرجه ويقال للذي بنى انقض بناءك وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان، والبناء للمعير، وكذلك بلغنا عن شريح، فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أعار الرجل الرجل بقعة من الأرض يبني فيها بناء فبناه لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه من بنائه حتى يعطيه قيمته قائما يوم يخرجه، ولو وقت له وقتا وقال أعرتكها عشر سنين وأذنت لك في البناء مطلقا كان هكذا ولكنه لو قال فإن انقضت العشر السنين كان عليك أن تنقض بناءك كان ذلك عليه؛ لأنه لم يغر إنما هو غر نفسه
(قال) : وإذا أقام الرجل البينة على أرض ونخل أنها له، وقد أصاب الذي هو في يديه من غلة النخل، والأرض فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ من الثمر وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه في ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت النخل، والأرض في يدي الرجل فأقام رجل عليها البينة أنها له منذ عشر سنين، وقد أصاب الذي هي في يديه ثمرها منذ عشر سنين أخرجت من يديه وضمن ثمرها وما أصاب منها من شيء فدفعه إلى صاحب البينة فإن كانت الأرض تزرع فزرعها للزارع وعليه كراء مثل الأرض وإن كان لم يزرعها فعليه كراء مثل الأرض
(قال) : وإذا زرع الرجل الأرض فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: الزرع للذي كانت في يديه وهو ضامن لما نقص الأرض في قول أبي حنيفة ويتصدق بالفضل، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يتصدق بشيء وليس عليه ضمان
(قال) : وإذا أخذ الرجل أرض رجل إجارة سنة وعملها وأقام فيها سنتين فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول هو ضامن لما نقص الأرض في السنة الثانية ويتصدق بالفضل ويعطي أجر السنة الأولى، وكان ابن أبي ليلى يقول عليه أجر مثلها في السنة الثانية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تكارى الرجل الأرض ليزرعها سنة فزرعها سنتين فعليه كراؤها الذي تشارطا عليه في السنة الأولى وكراء مثلها في السنة الثانية، ولو حدث عليها في السنة الثانية حدث ينقصها كان ضامنا، وهكذا الدور، والعبيد والدواب وكل شيء استؤجر
(قال) : وإذا وجد الرجل كنزا قديما في أرض رجل، أو داره فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو لرب الدار وعليه الخمس وليس للذي وجده منه شيء، وكان ابن أبي ليلى يقول هو للذي وجده وعليه الخمس ولا شيء لصاحب الدار والأرض فيه وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وجد الرجل كنزا جاهليا في دار رجل فالكنز لرب الدار وفيه الخمس، وإنما يكون الكنز لمن وجده إذا وجده في موضع لا يملكه أحد، وإذا كان الكنز إسلاميا ولم يوجد في ملك أحد فهو لقطة يعرفه سنة، ثم هو له.
[باب في الأجير والإجارة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اختلف الأجير، والمستأجر في الأجرة فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول: القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: القول قول الأجير فيما بينه وبين أجر مثله إلا أن يكون الذي ادعى أقل فيعطيه إياه، وإن لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبي حنيفة وينبغي كذلك في قول ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف بعد: إذا كان شيء متقارب قبلت قول المستأجر وأحلفته، وإذا تفاوت لم أقبل وأجعل للعامل أجر مثله إذا حلف
(قال
الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استأجر الرجل أجيرا فتصادقا على الإجارة واختلفا كم هي فإن كان لم يعمل تحالفا وترادا الإجارة وإن كان عمل تحالفا وترادا أجر مثله كان أكثر مما ادعى، أو أقل مما أقر به المستأجر إذا أبطلت العقدة وزعمت أنها مفسوخة لم يجز أن أستدل بالمفسوخ على شيء، ولو استدللت به كنت لم أعمل المفسوخ ولا الصحيح على شيء
(قال) : وإذا استأجر الرجل بيتا شهرا يسكنه فسكنه شهرين، أو استأجر دابة إلى مكان فجاوز ذلك المكان فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الأجر فيما سمى ولا أجر له فيما لم يسم؛ لأنه قد خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والأجرة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له الأجر فيما سمى وفيما خالف إن سلم وإن لم يسلم ذلك ضمن ولا نجعل عليه أجرا في الخلاف إذا ضمنه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تكارى الرجل الدابة إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذي تكاراها إليه الكراء الذي تكاراها به وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع، وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذي عطبت فيه وقيمتها وهذا مكتوب في كتاب الإجارات
(قال) : وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم فحمل عليها أكثر من ذلك فعطبت الدابة فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو ضامن قيمة الدابة بحساب ما زاد عليها وعليه الأجر تاما إذا كانت قد بلغت المكان وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه قيمتها تامة ولا أجر عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تكارى الرجل الدابة على أن يحمل عليها عشرة مكاييل مسماة فحمل عليها أحد عشر مكيالا فعطبت فهو ضامن لقيمة الدابة كلها وعليه الكراء، وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يجعل عليه الضمان بقدر الزيادة كأنه تكاراها على أن يحمل عليها عشرة مكاييل فحمل عليها أحد عشر فيضمنه سهما من أحد عشر سهما ويجعل الأحد عشر كلها قتلتها، ثم يزعم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه تكاراها مائة ميل فتعدى بها على المائة ميلا، أو بعض ميل فعطبت ضمن الدابة كلها، وكان ينبغي في أصل قوله أن يجعل المائة والزيادة على المائة قتلتها فيضمنه بقدر الزيادة لأنه يزعم أنه ضامن للدابة حين تعدى بها حتى يردها، ولو كان الكراء مقبلا ومدبرا فماتت في المائة ميل
وإذا غرقت سفينة الملاح فغرق الذي فيها، وقد حمله بأجر فغرقت من مده، أو معالجته السفينة فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو ضامن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه في المد خاصة (قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا فعل من ذلك الفعل الذي يفعل بمثلها في ذلك الوقت الذي فعل لم يضمن، وإذا تعدى ذلك ضمن والله سبحانه وتعالى الموفق.
[باب القسمة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت الدار صغيرة بين اثنين، أو شقص قليل في دار لا يكون بيتا فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول أيهما طلب القسمة وأبى صاحبه قسمت له، ألا ترى أن صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب الكثير وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يقسم شيء منها
(قال الشافعي) : وإذا كانت الدار، أو البيت بين شركاء فسأل أحدهم القسمة ولم يسأل ذلك من بقي فإن كان يصل إليه بالقسم شيء ينتفع به وإن قلت المنفعة قسم له وإن كره أصابه، وإن كان لا يصل إليه منفعة ولا إلى أحد لم يقسم له.
[باب الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أتى الرجل إلى الإمام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة فسلم الإمام عند فراغه فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول: يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه لأن التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: يكبر ثم يقوم فيقضي.
(قال) : وإذا صلى الرجل في أيام التشريق وحده أو المرأة فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول: لا تكبير عليه ولا تكبير على من صلى في جماعة في غير مصر جامع ولا تكبير على المسافرين وكان ابن أبي ليلى يقول عليهم التكبير أبو يوسف عن عبيدة عن إبراهيم أنه قال: التكبير على المسافرين وعلى المقيمين وعلى الذي يصلي وحده وفي جماعة وعلى المرأة وبه يأخذ مجالد عن عامر مثله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا سبق الرجل بشيء من الصلاة في أيام التشريق فسلم الإمام وكبر لم يكبر المسبوق بشيء من الصلاة وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الإمام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة ويكبر في أيام التشريق المرأة والعبد والمسافر والمصلي منفردا وغير منفرد والرجل قائما وقاعدا ومضطجعا وعلى كل حال.
وإذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الإمام رأسه فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته. وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - ينهى عن القنوت في الفجر وبه يأخذ ويحدث به عن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يقنت إلا شهرا واحدا حارب حيا من المشركين فقنت يدعو عليهم» وأن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يقنت حتى لحق بالله عز وجل وأن ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يقنت في سفر ولا في حضر وأن عمر بن الخطاب لم يقنت وأن ابن عباس - رضي الله عنه - لم يقنت وأن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - لم يقنت وقال: يا أهل العراق أنبئت أن إمامكم يقوم لا قارئ قرآن ولا راكع يعني بذلك القنوت وأن عليا - رضي الله عنه - قنت في حرب يدعو على معاوية فأخذ أهل الكوفة عنه ذلك وقنت معاوية بالشام يدعو على علي - رضي الله عنه - فأخذ أهل الشام عنه ذلك وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يرى القنوت في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع في الفجر ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قنت بهاتين السورتين "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق" وكان يحدث عن ابن عباس عن عمر - رضي الله عنه - بهذا الحديث ويحدث عن علي - رضي الله عنه - أنه قنت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومن أدرك الإمام راكعا فكبر ولم يركع حتى يرفع الإمام رأسه سجد مع الإمام ولم يعتد بذلك السجود لأنه لم يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الإمام رأسه لم يعتد بتلك الركعة لأنه لم يدركها مع الإمام ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه فقرأ ولا صلى مع الإمام فيما أدرك مع الإمام ويقنت في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية «قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يترك» علمناه القنوت في الصبح قط وإنما «قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جاءه قتل أهل بئر معونة خمس عشر ليلة يدعو على قوم من المشركين في الصلوات كلها ثم ترك القنوت في الصلوات كلها» فأما في صلاة الصبح فلا أعلم أنه تركه بل نعلم أنه قنت في الصبح قبل قتل أهل بئر معونة وبعد وقد قنت بعد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - كلهم بعد الركوع وعثمان - رضي الله عنه - في بعض إمارته ثم قدم القنوت على الركوع وقال ليدرك من سبق بالصلاة الركعة.
[باب صلاة الخوف]
(قال) : وكان أبو حنيفة - رحمه الله - يقول في صلاة الخوف: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين ويسجدون معه فينفلتون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين ويسلم الإمام فينفلتون هم من غير تسليم ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم يسلمون وذلك لقول الله عز وجل {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} [النساء: ١٠٢] وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عباس وإبراهيم النخعي وكان ابن أبي ليلى يقول: يقوم الإمام والطائفتان جميعا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعا ويسجد الإمام والصف الأول ويقوم الصف الآخر في وجوه العدو فإذا رفع الإمام رفع الصف الأول رءوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر فإذا فرغوا من سجودهم قاموا ثم تقدم الصف المؤخر ويتأخر الصف الأول فيصلي بهم الإمام الركعة الأخرى كذلك ويحدث بذلك ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان العدو في دبر القبلة قام الإمام وصف معه مستقبل القبلة والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذي مع الإمام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية فيركعون جميعا ويسجد معه الصف الذي معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الإمام وهم جميعا.
(قال الشافعي) : وإذا صلى الإمام صلاة الخوف مسافرا جعل طائفة من أصحابه بينه وبين العدو وصلى بطائفة ركعة ثم ثبت قائما يقرأ وصلوا لأنفسهم الركعة التي بقيت عليهم وتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا وقاموا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فكبروا لأنفسهم وصلى بهم الركعة التي كانت بقيت عليه فإذا جلس في التشهد قاموا فصلوا الركعة التي بقيت عليهم ثم جلسوا فتشهدوا فإذا رأى الإمام أن قد قضوا تشهدهم سلم بهم وبهذا المعنى صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وقد روي عنه في صلاة الخوف خلاف هذا وهذا مكتوب في كتاب الصلاة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه وبينهم ولا سترة وحيث لا يناله النبل وكان العدو قليلا مأمونين وأصحابه كثيرا وكانوا بعيدا منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع: صلى بأصحابه كلهم فإذا ركع ركعوا كلهم وإذا رفع رفعوا كلهم وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفا يكونون على رأسه قياما فإذا رفع رأسه من السجدتين فاستوى قائما أو قاعدا في مثنى اتبعوه فسجدوا ثم قاموا بقيامه وقعدوا بقعوده وهكذا كان - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية بعسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وكان خالد في مائتي فارس منتبذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ألف وأربعمائة ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا جهر الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة عمدا فإن أبا حنيفة