[ ص: 561 ] القول في تأويل قوله ( وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ( 79 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " وأرسلناك للناس رسولا " ، إنما جعلناك يا محمد رسولا بيننا وبين الخلق ، تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت ، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم ، وإن ردوا فعليها . " وكفى بالله " عليك وعليهم " شهيدا " يقول : حسبك الله - تعالى ذكره - شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه ، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم ، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم ، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك ، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر ، جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
القول في تأويل قوله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ( 80 ) )
قال أبو جعفر : وهذا إعذار من الله إلى خلقه في نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول الله - تعالى ذكره - لهم : من يطع منكم - أيها الناس - محمدا فقد أطاعني بطاعته إياه ، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمره ، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم ، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي ، فلا يقولن أحدكم : إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضل علينا . [ ص: 562 ]
ثم قال - جل ثناؤه - لنبيه : ومن تولى عن طاعتك يا محمد فأعرض عنك ، فإنا لم نرسلك عليهم " حفيظا " يعني : حافظا لما يعملون محاسبا ، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم ، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين .
ونزلت هذه الآية - فيما ذكر - قبل أن يؤمر بالجهاد ، كما : -
9979 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قول الله : " فما أرسلناك عليهم حفيظا " قال : هذا أول ما بعثه ، قال : ( إن عليك إلا البلاغ ) [ سورة الشورى : 48 ] . قال : ثم جاء بعد هذا بأمره بجهادهم والغلظة عليهم حتى يسلموا .
القول في تأويل قوله ( ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - بقوله : ويقولون طاعة يعني : الفريق الذي أخبر الله عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال خشوا الناس كخشية الله أو أشد خشية يقولون لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم بأمر : أمرك طاعة ، ولك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه " وإذا برزوا من عندك " يقول : فإذا خرجوا من عندك يا محمد " بيت طائفة منهم غير الذي تقول " يعني بذلك - جل ثناؤه - غير جماعة منهم ليلا الذي تقول لهم .
وكل عمل عمل ليلا فقد " بيت " ، ومن ذلك " بيت " العدو ، وهو الوقوع [ ص: 563 ] بهم ليلا ومنه قول عبيدة بن همام :
أتوني فلم أرض ما بيتوا ، وكانوا أتوني بشيء نكر
لأنكح أيمهم منذرا ، وهل ينكح العبد حر لحر ؟!
يعني بقوله : فلم أرض ما بيتوا ليلا أي : ما أبرموه ليلا وعزموا عليه
ومنه قول النمر بن تولب العكلي :
هبت لتعذلني من الليل اسمع سفها تبيتك الملامة فاهجعي
[ ص: 564 ]
يقول الله - جل ثناؤه - " والله يكتب ما يبيتون " يعني بذلك - جل ثناؤه - والله يكتب ما يغيرون من قولك ليلا في كتب أعمالهم التي تكتبها حفظته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9980 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول قال : يغيرون ما عهد نبي الله - صلى الله عليه وسلم -
9981 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : بيت طائفة منهم غير الذي تقول ، قال : غير أولئك ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .
9982 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول ، قال : غير أولئك ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
9983 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون ) قال : هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم بأمر قالوا : طاعة ، فإذا [ ص: 565 ] خرجوا من عنده غيرت طائفة منهم ما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " والله يكتب ما يبيتون " ، يقول : ما يقولون .
9984 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس قوله : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول قال : يغيرون ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
9985 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول : وهم ناس كانوا يقولون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : آمنا بالله ورسوله ؛ ليأمنوا على دمائهم وأموالهم . وإذا برزوا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالفوا إلى غير ما قالوا عنده ، فعابهم الله ، فقال : " بيت طائفة منهم غير الذي تقول " يقول : يغيرون ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
9986 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " بيت طائفة منهم غير الذي تقول " هم أهل النفاق .
وأما رفع " طاعة " ؛ فإنه بالمتروك الذي دل عليه الظاهر من القول وهو : أمرك طاعة ، أو منا طاعة . وأما قوله : " بيت طائفة " ، فإن "التاء " من " بيت " تحركها بالفتح عامة قرأة المدينة والعراق وسائر القرأة ؛ لأنها لام " فعل " . [ ص: 566 ]
وكان بعض قرأة العراق يسكنها ، ثم يدغمها في " الطاء " ؛ لمقاربتها في المخرج .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ترك الإدغام ؛ لأنها أعني " التاء " " والطاء " من حرفين مختلفين . وإذا كان كذلك كان ترك الإدغام أفصح اللغتين عند العرب ، واللغة الأخرى جائزة - أعني الإدغام - في ذلك ، محكية .
القول في تأويل قوله ( فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 81 ) )
قال أبو جعفر : يقول - جل ثناؤه - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - " فأعرض " يا محمد عن هؤلاء المنافقين الذين يقولون لك فيما تأمرهم : أمرك طاعة ، فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به ، وغيروه إلى ما نهيتهم عنه ، وخلهم وما هم عليه من الضلالة ، وارض لهم بي منتقما منهم " وتوكل " أنت يا محمد " على الله " يقول : وفوض أنت أمرك إلى الله ، وثق به في أمورك ، وولها إياه " وكفى بالله وكيلا " يقول : وكفاك بالله أي : وحسبك بالله " وكيلا " أي : فيما يأمرك ، ووليا لها ، ودافعا عنك وناصرا .
[ ص: 567 ] القول في تأويل قوله ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " أفلا يتدبرون القرآن " أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك ، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم ؛ لاتساق معانيه ، وائتلاف أحكامه ، وتأييد بعضه بعضا بالتصديق ، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه ، وتناقضت معانيه ، وأبان بعضه عن فساد بعض ، كما : -
9987 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " أي : قول الله لا يختلف ، وهو حق ليس فيه باطل ، وإن قول الناس يختلف .
9988 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : إن القرآن لا يكذب بعضه بعضا ، ولا ينقض بعضه بعضا ، ما جهل الناس من أمر فإنما هو من تقصير عقولهم وجهالتهم ، وقرأ : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . قال : فحق على المؤمن أن يقول : " كل من عند الله " ، ويؤمن بالمتشابه ، ولا يضرب بعضه ببعض وإذا جهل أمرا ولم يعرف أن يقول : الذي قال الله حق ، ويعرف أن الله - تعالى - لم يقل قولا وينقضه . ينبغي [ ص: 568 ] أن يؤمن بحقيقة ما جاء من الله .
9989 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قوله : " أفلا يتدبرون القرآن " قال : يتدبرون : النظر فيه .
القول في تأويل قوله ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به : وإذا جاء هذه الطائفة المبيتة غير الذي يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أمر من الأمن " فالهاء والميم في قوله : " وإذا جاءهم " من ذكر الطائفة المبيتة يقول - جل ثناؤه - : وإذا جاءهم خبر عن سرية للمسلمين غازية بأنهم قد أمنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم "أو الخوف " يقول : أو تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم " أذاعوا به " يقول : أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل مأتى سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والهاء " في قوله : " أذاعوا به " من ذكر " الأمر " . وتأويله أذاعوا بالأمر من الأمن أو الخوف الذي جاءهم .
يقال منه : أذاع فلان بهذا الخبر ، وأذاعه ، ومنه قول أبي الأسود :
أذاع به في الناس حتى كأنه بعلياء نار أوقدت بثقوب
[ ص: 569 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9990 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به : يقول : سارعوا به وأفشوه .
9991 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، يقول : إذا جاءهم أمر أنهم قد أمنوا من عدوهم ، أو أنهم خائفون منهم ، أذاعوا بالحديث حتى يبلغ عدوهم أمرهم .
9992 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به : يقول : أفشوه وسعوا به . [ ص: 570 ]
9993 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به قال هذا في الأخبار ، إذا غزت سرية من المسلمين تخبر الناس بينهم فقالوا : أصاب المسلمون من عدوهم كذا وكذا ، وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا ، فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أخبرهم . قال ابن جريج : قال ابن عباس : قوله : " أذاعوا به " قال : أعلنوه وأفشوه .
9994 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " : أذاعوا به " قال : نشروه . قال : والذين أذاعوا به قوم : إما منافقون ، وإما آخرون ضعفوا .
9995 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أفشوه وسعوا به ، وهم أهل النفاق .
القول في تأويل قوله ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " ولو ردوه " الأمر الذي نالهم من عدوهم [ والمسلمين ] إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أولي أمرهم يعني : [ ص: 571 ] وإلى أمرائهم وسكتوا فلم يذيعوا ما جاءهم من الخبر ، حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ذوو أمرهم هم الذين يتولون الخبر عن ذلك ، بعد أن ثبتت عندهم صحته أو بطوله ، فيصححوه إن كان صحيحا ، أو يبطلوه إن كان باطلا " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " يقول : لعلم حقيقة ذلك الخبر الذي جاءهم به الذين يبحثون عنه ويستخرجونه " منهم " يعني : أولي الأمر ، " والهاء " " والميم " في قوله : "منهم " من ذكر أولي الأمر يقول : لعلم ذلك من أولي الأمر من يستنبطه .
وكل مستخرج شيئا كان مستترا عن أبصار العيون أو عن معارف القلوب فهو له : مستنبط ، يقال : استنبطت الركية إذا استخرجت ماءها ، ونبطتها أنبطها ، والنبط الماء المستنبط من الأرض ، ومنه قول الشاعر :
قريب ثراه ما ينال عدوه له نبطا آبي الهوان قطوب
يعني بالنبط : الماء المستنبط .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 572 ]
9996 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم : يقول : ولو سكتوا وردوا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى أولي أمرهم حتى يتكلم هو به " لعلمه الذين يستنبطونه " يعني : عن الأخبار ، وهم الذين ينقرون عن الأخبار .
9997 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم : يقول : إلى علمائهم ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) لعلمه الذين يفحصون عنه ويهمهم ذلك .
9998 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ولو ردوه إلى الرسول ، حتى يكون هو الذي يخبرهم : " وإلى أولي الأمر منهم " الفقه في الدين والعقل .
9999 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم " : العلم " الذين يستنبطونه منهم " : يتتبعونه ويتحسسونه .
10000 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا ليث ، عن مجاهد " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " قال : الذين يسألون عنه ويتحسسونه .
10001 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 573 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " يستنبطونه " قال : قولهم : ما كان ؟ ماذا سمعتم ؟
10002 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
10003 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " الذين يستنبطونه " قال : يتحسسونه .
10004 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " يقول : لعلمه الذين يتحسسونه منهم .
10005 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " يستنبطونه منهم " قال : يتتبعونه .
10006 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به " حتى بلغ " وإلى أولي الأمر منهم " قال : الولاة الذين يلون في الحرب عليهم ، الذين يتفكرون فينظرون لما جاءهم من الخبر : أصدق أم كذب ؟ أباطل فيبطلونه ، أو حق فيحقونه ؟ قال : وهذا في الحرب ، وقرأ : " أذاعوا به " ولو فعلوا غير هذا " وردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم " الآية .
[ ص: 574 ] القول في تأويل قوله ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( 83 ) )
قال أبو جعفر يعني بذلك - جل ثناؤه - ولولا إنعام الله عليكم - أيها المؤمنون - بفضله وتوفيقه ورحمته ، فأنقذكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين الذين يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم بأمر : " طاعة " فإذا برزوا من عنده بيت طائفة منهم غير الذي يقول لكنتم مثلهم ، فاتبعتم الشيطان إلا قليلا كما اتبعه هؤلاء الذين وصف صفتهم .
وخاطب بقوله - تعالى ذكره - : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان : الذين خاطبهم بقوله - جل ثناؤه - ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) [ سورة النساء : 71 ] .
ثم اختلف أهل التأويل في " القليل " الذين استثناهم في هذه الآية : من هم ؟ ومن أي شيء من الصفات استثناهم ؟
فقال بعضهم : هم المستنبطون من أولي الأمر ، استثناهم من قوله : " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ، ونفى عنهم أن يعلموا بالاستنباط ما يعلم به غيرهم من المستنبطين من الخبر الوارد عليهم من الأمن أو الخوف .
ذكر من قال ذلك :
10007 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، [ ص: 575 ] عن قتادة قال : إنما هو : لعلمه الذين يستنبطونه منهم " إلا قليلا منهم " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان " .
10008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا : يقول : لاتبعتم الشيطان كلكم . وأما قوله : " إلا قليلا " ، فهو كقوله : " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " إلا قليلا .
10009 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة ، عن سعيد ، عن قتادة : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا قال يقول : لاتبعتم الشيطان كلكم . وأما " إلا قليلا " فهو كقوله : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا .
10010 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج نحوه ، يعني نحو قول قتادة وقال : لعلموه إلا قليلا .
وقال آخرون : بل هم الطائفة الذين وصفهم الله أنهم يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " طاعة " فإذا برزوا من عنده بيتوا غير الذي قالوا . ومعنى الكلام : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلا منهم .