على أعتاب عام جديد


تمضي الأعوام عامًا بعد عام ونحن نعدّ الأيام في تقلب الليل والنهار، فحمدًا لربي على طول عمر وحسن عمل، وتقلب في نعمة وأمن وأمان.
{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ِ}(النور: 44)، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }(الفرقان: 62)، ففي تقلب الليل والنهار وتعاقبهما عبرة وعظة، ففي مضي الأيام وطي الأعوام تأمل وتفكر، مع كل إشراقة شمس نقلب ورقة التقويم أو ننزعها.
إيذانا بانصرام يوم واستقبال يوم جديد، وهكذا واحدة بعد أخرى، حتى يأتي يوم لا نجد ورقة نقلبها أو ننزعها، عندها نعلم أننا على عتبة عام جديد.
فهناك قف مكانك والتفت وراءك، وانظر إلى تلك الأيام التي تصرمت من عامك، وفاتت من حياتك، وقلّب تلك الصفحات التي طويت من عمرك.
وانظر إلى الزوايا المظلمة في طريقك، وإلى مصابيح الدجى وأعمال الخير التي أضاءت لك الطريق في عام مضى! كم من هّم مر بك؟ وكم من مصيبتة ابتليت بها؟ حتى ظننت أنك هلكت ففرجها الله وكشفها, وكم من ذنب اقترفته وخطيئة اكتسبتها!حتى ظننت أن الله لا يغفرها فاستغفرته فغفر لك ولم يبالِ, وكم من أعمال الخير ومكاسب الحسنات، التي لولا توفيق الله لما عملتها، فله المنّ والفضل؟!
إنك إن تنظر في أيام مضت وساعات خلت، تتقلب فيها بين نعمة وفتنة، وبين منحة ومحنة، وبين طاعة ومعصية، وتنظر إلى توفيق الله لك، وستره عليك، وفضله ومنته، وإلهامك الصبر والشكر، والمد في عمرك، وإمهالك للتوبة والاستغفار؛ لتحس بشعور ينبعث من خلجات قلبك وحنايا صدرك كله خضوع وذلة لله!
تترجمه النفس بالحاجة والافتقار, وتترجمه العيون بالدموع والانكسار، ويترجمه اللسان بالحمد والثناء للعزيز الغفار! فاليوم وقد مضى من عمرك سنون عددا.. وازددت من الآخرة قربا. فهل تفكرت في عام مضى على أي شيء أمضيته؟!
هل تفكرت في أعمال نسخت في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؟! كيف نُسخت؟!
هل تفكرت في كلمة قلتها فرصدت من رقيب عتيد! كيف قلتها؟
إن لم تتفكر فيها اليوم فستجدها غدا يوم تنشر الدواوين وتنصب الموازين..
ويقال: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}(الإسرا ء: 14).
فترى أعمالا أحصاها الله ونسيتها!
فليت شعري ماذا تريد أن تقرأ فيه؟
هل تريد أن تقرأ فيه أعمالا صالحة، من صلاة، وزكاة، وصوم، وذكر، وقراءة قرءان، وعلم ينتفع به، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وخير وبر وإحسان؟
أم تريد أن تقرأ فيه تمردا وعصيان، وتثاقلا عن الطاعات، وتضييعا للصلوات، وانتهاكا للمحرمات، واقترافا للمنكرات، واتباعا للشهوات؟
اختر لنفسك اليوم ما تريد حفظه على صفحات كتابك,,,
فهما اثنان لاثالث لهما:
رجل آخذ كتابه بيمينه يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه.
ورجل آخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ويقول: ياليتني لم أوت كتابيه.
فها هو ذا العام الجديد قد أقبل عليك بثوبه الجديد. والأيام قادمة فيه كالسراب. ما إن تصلها حتى تمضي وراءك محملة بما فيها من الخير والشر.
فماذا أنت مودع فيها من العمل؟
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }(الزلزلة: 7 - 8).
فهل سيمضي كالعام الذي قبله؟
أم أنه سيكون عاما جديدا وحياة جديدة وثوبا جديدا؟!
أمد الله أعماركم أعواما عديدة وأزمنة مديدة على طاعة وحسن عمل..
محبكم : خالد بن محمد الوهيبي