2918 - " يا شيطان اخرج من صدر عثمان ! [ فعل ذلك ثلاث مرات ] " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 999 :

هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه ، و له عنه طرق أربعة :
الأولى : عن عبد الأعلى : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن
الحكم عن عثمان بن بشر قال : سمعت عثمان بن أبي العاص يقول : شكوت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن ، فضرب صدري بيده فقال : فذكره . قال
عثمان : " فما نسيت منه شيئا بعد ، أحببت أن أذكره " . أخرجه الطبراني في "
المعجم الكبير " ( 9 / 37 / 8347 ) و قال الهيثمي في " المجمع " ( 9 / 3 ) : "
رواه الطبراني و فيه عثمان بن بشر ، و لم أعرفه ، و بقية رجاله ثقات " . فأقول
: بلى هو معروف ، فقد ترجمه البحاري في " التاريخ " ، و ابن أبي حاتم ، و روى
عن ابن معين أنه قال : " عثمان بن بشر الثقفي - ثقة " . و بقية رجال الإسناد
ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفي ، و غير عبد الله بن الحكم ، و الظاهر
أنه البلوي المترجم في " التاريخ " ، و " ثقات ابن حبان " ( 7 / 30 ) ، فإنه من
هذه الطبقة ، فالإسناد حسن . و لعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا ، و
هو الطريق : الثانية : يرويه معتمر بن سليمان قال : سمعت عبد الله بن عبد
الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمرو بن أويس عن عثمان بن أبي العاص قال : استعملني
رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف ، و
ذلك أني كنت قرأت سورة *( البقرة )* ، فقلت : يا رسول الله ! إن القرآن ينفلت
مني ، فوضع يده على صدري و قال : " يا شيطان ! اخرج من صدر عثمان " . فما نسيت
شيئا أريد حفظه . أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 5 / 308 ) . و إسناده
صحيح . الثالثة : يرويه الحسن عنه ، قال : شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
سوء حفظي للقرآن ، فقال : " ذاك شيطان يقال له : ( خنزب ) ، ادن مني يا عثمان !
" . ثم وضع يده على صدري ، فوجدت بردها بين كتفي ، ثم قال : ( فذكره ) . فما
سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته . أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " ( ص 400 - 401 )
، و كذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي : حدثنا أبي عن يونس و
عنبسة عنه . قلت : و هذا إسناد صحيح لولا عنعنة ( الحسن ) ، و هو البصري ، فإنه
كان يدلس ، و رجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب ، وثقه ابن حبان
( 8 / 453 ) . و أصل الحديث في " صحيح مسلم " بلفظ آخر ، و هو في " صفة الصلاة
" . الرابعة : يرويه عيينة بن عبد الرحمن : حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص
قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء
في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي ! فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال : " ابن العاص ؟ " . قلت : نعم يا رسول الله ! قال : " ما جاء
بك ؟ " . قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي ! قال
: " ذاك الشيطان ، ادنه " . فدنوت منه ، فجلست على صدور قدمي ، قال : فضرب صدري
بيده ، و تفل في فمي و قال : " اخرج عدو الله ! " . ففعل ذلك ثلاث مرات ، ثم
قال : " الحق بعملك " . أخرجه ابن ماجه ( 3548 ) و الروياني في " مسنده " ( ق
148 / 1 - 2 ) كلاهما بإسناد واحد عنه . و هو إسناد صحيح . و في الحديث دلالة
صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان و يدخل فيه و لو كان مؤمنا صالحا ، و في
ذلك أحاديث كثيرة ، و قد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم ( 485 ) من حديث يعلى
بن مرة قال : " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا ..
" و فيه : " و أتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين ، يأخذه كل
يوم مرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدنيه " ، فأدنته منه ،
فتفل في فيه ، و قال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله " . رواه الحاكم و صححه .
و وافقه الذهبي ، و هو منقطع . ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى ، جود المنذري
أحدها ! ثم ختمت التخريج بقولي : " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد <1> .
و الله أعلم " . ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان
( طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان " ) ! لمؤلفه ( أبو عبد الرحمن إيهاب
بن حسين الأثري ) - كذا الأثري موضة العصر ! - و هذا العنوان وحده يغني القارئ
اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل و الضلال ، و الانحراف عن الكتاب
و السنة ، باسم الكتاب و السنة و وجوب الرجوع إليهما ، فقد عقد فصلا في ذلك ، و
فصلا آخر في البدعة و ذمها و أنها على عمومها ، بحيث يظن من لم يتتبع كلامه و
ما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما
انتسب - مائة في المائة ! و الواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل
الأهواء ، يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة و الأحاديث ، إلى ضعف شديد باللغة
العربية و آدابها ، حتى كأنه شبه عامي ، و مع ذلك فهو مغرور بعلمه ، معجب بنفسه
، لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد و ابن تيمية
و ابن القيم ، و الطبري و ابن كثير و القرطبي ، و الإمام الشوكاني و صديق حسن
خان القنوجي ، و يرميهم بالتقليد ! على قاعدة ( رمتني بدائها و انسلت ) ، الأمر
الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله
عليه وسلم : " و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل
التافه يتكلم في أمر العامة " <2> . و نحوه قول عمر رضي الله عنه : " فساد
الدين إذا جاء العلم من الصغير ، استعصى عليه الكبير ، و صلاح الناس إذا جاء
العلم من قبل الكبير ، تابعه عليه الصغير " <3> . و ما أكثر هؤلاء ( الصغار )
الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ ، و ما العهد عنا ببعيد ذاك المصري
الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة ! و ثالث أردني ألف في تضعيف قوله
صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين " ، و في حديث
تحريم المعازف ، المجمع على صحتهما عند المحدثين ، و غيرهم و غيرهم كثير و كثير
!! و إن من جهل هذا ( الأثري ) المزعوم و غباوته أنه رغم تقريره ( ص 71 و 138 )
أن : " منهج أهل السنة و الجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، و أنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا ، أو
أن ينقص ما ثبت بالدليل ، أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه ، أو بلا دليل " .
أقول : إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج ، فإنه لم يقف في هذه المسألة
الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح . بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان ،
و كنت أظن أنه على جهل به ، حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره ( ص 4 ) من الملحق
بآخر كتابه ، فعرفت أنه تجاهله ، و لم يخرجه مع حديث يعلى و غيره مما سبقت
الإشارة إليه ( ص 1002 ) . و كذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب و السنة على ما
زعمه من الاستحالة ، بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي
نفاه : *( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس )* تأويلا ينتهي به إلى إنكار ( المس ) - الذي فسره العلماء بالجنون - و
إلى موافقة بعض الأشاعرة و المعتزلة ! الذين فسروا ( المس ) بوسوسة الشيطان
المؤذية ! و هذا تفسير بالمجاز ، و هو خلاف الأصل ، و لذلك أنكره أهل السنة كما
سيأتي ، و هو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري ( ص 76 و 78 ) : " كأن
الشيطان يمس الإنسان فيجن " ! و نقل ( ص 89 ) عن غيره أنه قال : " كأن الجن مسه
" ! و عليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله ، فقال ( ص 22 ) : " و ما كان ليمس
أحد ( كذا غير منصوب ! ) <4> إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم " ! و لو سلمنا
جدلا أن الأمر كما قال ، فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي ، لإمكان
وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح ، بينما توهم الرجل أنه
برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه ، و ليس الأمر كذلك لو سلمنا برده ،
فكيف و هو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح ، و بحديث يعلى المتقدم و بهما تفسر
الآية ، و يبطل تفسيره إياها بالمجاز . و من جهل الرجل و تناقضه أنه بعد أن فسر
الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا ( مس ) حقيقة ، عاد ليقول ( ص 93 ) : " و اللغة
أجمعت على أن المس : الجنون " . و لكنه فسره على هواه فقال : أي من الخارج لا
من الداخل ، قال : " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء و كيف تصعق المماس لها من
الخارج ... " إلخ هرائه . فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور
مشاهدة مادية ، و هذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه ، و مع ذلك فقد
تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة ( كوخ )
في مرحلته الثالثة ! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان ،
و تعمل عملها و أذاها فيه من الداخل ، كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر ،
و قد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به ، و لم نضربه كما فعل المعتزلة و
أمثالهم من أهل الأهواء ، و هذا المؤلف ( الأثري ) - زعم - منهم . كيف لا و قد
تعامى عن حديث الترجمة ، فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها و
ساق ألفاظها من ( ص 111 ) إلى ( ص 126 ) - و هو صحيح جدا - كما رأيت ، و هو إلى
ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله
عليه وسلم للشيطان - من ذاك المجنون - ، و هي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله
عليه وسلم ، بل نصب خلافا بين رواية " اخرج عدو الله " و رواية " اخسأ عدو الله
" ، فقد أورد على نفسه ( ص 124 ) قول بعضهم : " إن الإمام الألباني قد صحح
الحديث " ، فعقب بقوله : " فهذا كذب مفترى ، انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني
لتعلم الكذب : المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 " . ثم ساق كلامي
فيه ، و نص ما في آخره كما تقدم : " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد . و
الله أعلم " . قلت : فتكذيبه المذكور غير وارد إذن ، و لعل العكس هو الصواب ! و
قد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل ( ص 22 ) ، و اغتر به البعض ! نعم ، لقد شكك
في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات ، و قد ذكرت
لفظين منها آنفا . و لكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من
العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض ، و إنما علينا أن نأخذ
منها ما اتفق عليه الأكثر ، و إن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول : " اخرج " أصح
من الآخر " اخسأ " ، لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها ، و اللفظ
الآخر جاء في روايتين منها فقط ! على أني لا أرى بينهما خلافا كبيرا في المعنى
، فكلاهما يخاطب بهما شخص ، أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون ، و الآخر
يدل عليه ضمنا . و إن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي
سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة ، مع ما تقدم من
البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره . و لابد لي
قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام و لو مثالا واحد على
الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم ، و لو أنه فيما سلف كفاية للدلالة
على ذلك ! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له
رواية و لا دراية ، فقال ( ص 27 ) : " و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
يقول : " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه وراءهم . قالوا : اليهود و النصارى يا رسول الله ؟ قال : فمن ؟ " . أو
كما قال صلى الله عليه وسلم " ! و مجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جدا ، و
إنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله ( حذاء ) ، فإن هذا
تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة ، و الصواب ( حذو ) . و ليس هو
خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض ، فقد أعاده في مكان آخر . فقال ( ص 34
) مقرونا بخطأ آخر : " حذاء القذة بالقذة " ! كذا ضبطه بفتح القاف ! و إنما هو
بالضم <5> . و نحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله ( ص 240 ) : " يقول السلف
: ليس الخبر كالمعاينة " . و هذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن
ابن عباس مرفوعا ، و فيه قصة . و هو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " ( 5250 ) .
و من أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر ( ص 74 ) في زمرة التفاسير
المعتبرة " تفسير الكشاف " ، و " تفسير الفخر الرازي " ، فهل رأيت أو سمعت
أثريا يقول مثل هذا ، فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة ، متأثرا بهما و
يفسر آية الربا تفسيرا مجازيا ! و أما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه ( شبه
أمي ) فلا تكاد تحصى ، فهو يقول في أكثر من موضع : " تعالى معي " ! و قال ( ص
131 ) : " ثم تعالى لقوله تعالى " ، و ذكر آية . و في ( ص 129 ) : " فمن
المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان " ! و ( ص 130 ) . " أضف
إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان " ! فهو يرفع المنصوب مرارا و تكرارا . و في
الختام أقول : ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية ،
و الرد على من ينكرها . و لكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين
يستغلون هذه العقيدة ، و يتخذون استحضار الجن و مخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين
و المصابين بالصرع ، و يتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة
القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا
قتل المصاب ، كما وقع هنا في عمان ، و في مصر ، مما صار حديث الجرائد و المجالس
. لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى ،
فصاروا اليوم بالمئات ، و فيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه
وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة ، إلى أمور و وسائل أخرى لا يعرفها
الشرع و لا الطب معا ، فهي - عندي - نوع من الدجل و الوساوس يوحي بها الشيطان
إلى عدوه الإنسان *( و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم
إلى بعض زخرف القول غرورا )* ، و هو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها
المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : *( و أنه كان رجال من الإنس
يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا )* . فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا -
أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ مسلم أم كافر ؟ و صدقه
المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ، فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله
عليه وسلم : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على
محمد " ، و في حديث آخر : " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " <6> . فينبغي
الانتباه لهذا ، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن
هذه الحقيقة ، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على
قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اخرج عدو الله " ، مذكرا لهم بقوله تعالى *(
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )* . و الله
المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .

-----------------------------------------------------------
[1] و له شواهد كثيرة يزداد بها قوة ، قد ساقها المؤلف الآتي ذكره ، و سلم
بصحته في الجملة ، و لكنه ناقش في دلالته ، و يأتي الرد عليه .
[2] حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم ( 1887 و 2238 و 2253 ) .
[3] رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " ( 13 / 301 ) .
[4] قلت : و مثله كثير ، انظر بعض الأمثلة في آخرها هذا التخريج .
[5] و هو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة ( 3312 ) .
[6] رواه مسلم و غيره ، و هو مخرج في " غاية المرام " ( رقم 284 ) و رواه
الطبراني من طريق أخرى بقيد : " غير مصدق لم تقبل ... " ، و هو منكر بهذه
الزيادة ، و لذلك خرجته في " الضعيفة " ( 6555 ) . و الحديث الذي قبله صحيح
أيضا ، و هو مخرج في " الإرواء " برقم ( 2006 ) و في غيره . اهـ .