عرض كتاب (التجديد في الفكر الإسلامي)


مركز جنات للدراسات


إن الناظر في واقع المسلمين الآن يقع نظره،
وتقف مسامعه على العديد من المستجدات والمتغيرات التي تشكل كثيرًا من الخلفية الثقافية الدينية في الواقع المعاصر، ومنها ما هو ظاهر في التجدد، ومنها ما المتجدد فيه الثوب الذي غُلف به ليتواكب مع متطلبات العصر والذي من أخطر سماته الانفتاح على الثقافات والمجتمعات غير الإسلامية التي بات تأثيرها على الدعوة والفكر الإسلامي من المسلمات.

وصار من المقرر عند المتابع لأحوال تأثر المسلمين بغيرهم، أن دعوات متعددة بدأ نجمها يبزغ في سماء الفكر الإسلامي، ومن هذه الدعوات ما له أصل في التاريخ الدعوي ولكن عاود الظهور بشكل مختلف عما كان عليه في سابق عهده.

وفي ظل هذه الطوارئ على الفكر الإسلامي الذي تقررت أصوله وأسسه على مر التاريخ بما لا يفسح مجالا لأحد لطرح نوع من العبث بها إلا طريقة التواصل الخاضعة للمتغيرات البيئية والزمانية والمكانية والثقافية للمتلقي، ففي ظل هذا تأتي إحدى الدعوات المعاصرة التي ظاهرها الإجمال ثم يتبين وجهها الحقيقي عندما تضاف للمتكلم بها والمنافح عن منهجها، وهذه الدعوة تندرج تحت عنصر عام وهو عنصر المفاهيم.

فمن الدعوات المعاصرة التي تتجاذب أطرافها مختلف الأفكار والطوائف والخلفيات الثقافية دعوة «التجديد في الفكر الإسلامي» وعلى إثر هذه الدعوة صار التجديد من المفاهيم التي باتت كثيرة التردد في مجتمعنا وتحتاج لتحرير وتوضيح وتنقيح وإبراز للمعالم والمقاصد والأهداف بما يكون جليًا لعامة المسلمين ليتميز الخير فيها عن غيره.

لذلك، قام الباحث الدكتور عدنان محمد أمامة بدراسة هذا المفهوم في رسالته العلمية التي حصل بها على درجة الدكتوراه من كلية الإمام الأوزاعي ببيروت والتي أصدرتها دار ابن الجوزي ضمن مطبوعاتها لعام 1242ﻫ.

وقد أثار الخلافُ في ضوابط هذا المفهوم بين قوى الخير والشر الباحثَ فحمل ذلك الهم الذي دفعه لجعل هذه المسألة محور بحثه العلمي الذي أتى فيه بكثير من العناصر التي تدور حول دعوة التجديد.

فالباحث - حفظه الله وسدده - قد عرض في بداية الرسالة العلمية الدافع وراء انتقاء هذا المفهوم في هذه الدراسة، والقارئ للكتاب يجد أن الباحث قد جعل الكتاب على قسمين؛ القسم الإيجابي للتجديد والقسم السلبي، وهذا كما يلي:
القسم الأول: تناول فيه الباحث الجانب الإيجابي حول مفهوم التجديد وهذا يتضح من خلال النقاط التالية:
1- تعرض الباحث إلى التجديد من الناحية اللغوية ثم حدّه بتعريف بعد استقرائه لتعريفات مَن تناول الكلام في هذا المفهوم فجعل التجديد «إحياء وبعث ما اندرس منه، وتخليصه من البدع والمحدثات، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها» ثم أردف الباحث هذا الفصل بعدد من المباحث التي توضح كثيرًا من المتعلقات بمفهوم التجديد، فتكلم عن أسباب الحاجة إلى التجديد وبيّن أن التجديد من الأمور التي ترتبط بخصائص الشريعة الإسلامية من بقاء وخلود وشمول يجعلها صالحة لكل مكان وزمان، وانتقل الباحث إلى الكلام على الأسس التي يقوم عليها التجديد وأصول تفعيله في حياة المسلمين، من حيث اتصافه بالمرونة والثبات واتصافه بمراعاة الظروف والاستثناءات والعادات والأعراف، بالإضافة إلى تعليل الأحكام كمنطلقات لتطبيق التجديد بصورته التي بيّنها الباحث.

ولما قعّد الباحث ما سبق من المباحث انتقل إلى بيان المجالات التي يدخلها التجديد من المسائل والأصول الشرعية، وكذلك علاقة التجديد بالاجتهاد وعلاقته بالبدعة، ثم السمات التي يكون عليها المجدِد في مسائل التجديد، فجعل الباحث صفاء العقيدة والاجتهاد وعموم النفع من الصفات التي يجب تحققها في المجدِد.

ثم انتقل الباحث إلى ذكر المستند الشرعي لوقوع التجديد في الإسلام على مختلف العصور، فناقش حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وذكر بعض الأحاديث المؤيدة لفكرة حديث الباب، وكانت مناقشته للحديث مشتملة على تخريجه وذكر الفوائد المستنبطة من الحديث وأقوال العلماء في الحديث ومعناه، ثم ذكر جملة من الفوائد حول وقوع التعدد في المجددين في القرن الواحد، وكلام العلماء في حصر العلماء المجددين، والإشارة إليهم بأعيانهم، ثم ذكر أن المجدَد هو علاقة الأمة بدينها لا نفس الدين، وأشار إلى أن دور المجدد هو إعادة الناس إلى المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه في علاقتهم مع الدين.

وانتقل الباحث بعد ذلك إلى ذكر نماذج من المجددين في التاريخ الإسلامي؛ فذكر أربعة من العلماء المجددين في تاريخ الإسلام مع الإشارة إلى عناصر التجديد في حياة هذا العالم وأثره على العصر الذي وجد فيه.

ولما كانت الشريعة متعددة المباحث والمجالات فقد تعرض الباحث إلى التجديد الواقع في مختلف علوم الشريعة وانتهج في ذلك منهجًا، وهو:
أ- عرض المسيرة والتطور التاريخي للمجال الذي يدخله التجديد وذكر السلبيات والإيجابيات في هذه المسيرة.
ب- ذكر كيفية التجديد المتعلق بذلك المبحث في واقعنا الإسلامي المعاصر.

فالباحث ذكر التجديد في مختلف مجالات الشريعة؛ فمن ذلك:
1- التجديد في علم العقيدة؛ وجعله على عدة محاور تشمل تخليص العقيدة من الآثار السلبية لعلم الكلام والتركيز على الجانب الإيجابي المؤثر في السلوك بالإضافة إلى الربط بين العلم العقدي والعمل إلى غير ذلك.
2- التجديد في علم أصول الفقه، وذكر فيه تاريخ أصول الفقه وتعرض للكلام على علم المقاصد ونشأته، ثم انتقل إلى الكلام على مظاهر التجديد في علم أصول الفقه، فذكر من ذلك تنقية علم الأصول من المباحث الكلامية والمنطقية غير المفيدة بالإضافة إلى دعم القواعد الأصولية بالأدلة الشرعية إلى غير ذلك من سمات تجديد ذلك العلم.
3- التجديد في علم الفقه؛ فذكر تاريخه ومسيرته وما طرأ عليه من تغييرات وانحرافات، ثم أشار إلى سمات التجديد من خلال فتح باب الاجتهاد، وتيسير شروطه، والوصول إلى الحق لا البحث عن الترخص، ومسايرة أهواء الناس، بالإضافة إلى إصلاح منهجية تعليم الفقه.
4- التجديد في علوم السنة؛ فذكر تاريخ السنة وتدوينها، وأشار إلى أن التجديد في السنة يكون بتنقية كتب التراث من مردود الآثار، بالإضافة إلى تفعيل التطبيق لعلوم الحديث مع إلزام أهل الدعوة بالصحيح من الآثار والتنبيه على درجة الأحاديث في دروسهم ووعظهم.
5- التجديد في علم التفسير؛ فذكر منهج التفاسير ومناهج أهله، ثم أشار إلى مظاهر التجديد من خلال تصفية التفاسير من الخرافات والإسرائيليات والاهتمام بضوابط التفسير بالرأي من علم باللغة، واستصحاب المأثور، ومعرفة أسباب النزول، والتزام قواعد الفهم السليم، إلى غير ذلك مما أشار إليه.
6- التجديد في علم التزكية والسلوك، وتعرض فيه الباحث إلى بيان مكانة الأخلاق في الإسلام، ثم ذكر أوجه الانحراف في تاريخ السلوك من خلال شطحات التصوف وأسس ذهابه عن المنهج الإسلامي القويم، ثم أشار إلى كيفية التجديد من خلال تنقية علم السلوك من آثار التصوف وتخاريفه، واستبداله بالسلوك النابع من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة رضي الله عنهم وتقديم الدراسات الجديدة في علم السلوك التي تتمتع بهذه المزايا.
7- التجديد في السيرة والتاريخ الإسلامي، فذكر أوجه الخلل التي دخلت فيهما ثم بيّن كيفية التجديد من خلال تقديم التاريخ وفق التصور الإسلامي وعدم إقحام الرؤية الخاصة في تفسير الأحداث التاريخية بالإضافة إلى الاهتمام بتوثيق الآثار التاريخية.

ولما كان التجديد يخضع لعوامل بناء الثقافة الإسلامية الشرعية بفروعها المتنوعة، وأصول الاستدلال عليها، فقد عقد الباحث بابًا تناول فيه علاقة التجديد ببعض مصادر الاستدلال مما يعد مبحثًا أصوليًا خالصًا بيّن الباحث فيه كيفية اعتماد هذه الآليات الاستنباطية في بناء عملية التجديد المعاصرة، فتعرض الباحث لفهم السلف كقاعدة للتأصيل الشرعي لفهم المسائل وتناول الموقف الشرعي من العقل وحدوده، وكذلك الإجماع وخبر الآحاد واعتبار المصالح والمفاسد والنظر في المآلات من خلال مفاهيم الضرورة والعرف وتعليل الأحكام الشرعية مع التعرض لكثير من المناقشات التي تميز بها هذا المبحث والتي خُتم بها القسم الإيجابي من مفهوم التجديد.

القسم الثاني: تناول فيه الباحث الجانب السلبي حول مفهوم التجديدالذي قدّم له بمقدمة قال فيها:
«فكل تجديد ينطلق من أصول السلف ويعتمد منهجهم وأساليبهم ومنطلقهم في التجديد ويستوعب نظراتهم ومقاصدهم ليضيف إليها ما يتفق وتحديات عصره هو تجديد صحيح. وأما التجديد الذي يتنكر لأصول السلف وقواعدهم في الفهم ويخترع أصولا ما أنزل الله بها من سلطان ويعتمد منهجا وفلسفات فاسدة بديلا عن منهج الوحي المعصوم، فهو تجديد باطل منحرف محكوم عليه وعلى أصحابه بالضلال والنار».

وعلى إثرها ذكر الباحث أبرز مدارس التجديد المنحرف، وتعرض لأفكارهم ومصادر التلقي عندهم، وذكر رموزهم وأشار إلى كثير من أفكارهم وأقوالهم التي صرحوا بها وشهدت بها كتبهم، وذكر كثيرًا من أسمائهم وجملة ذلك أنه أدرجهم تحت عنوان المدرسة العقلية فأشار للشق القديم منها متمثلا في المعتزلة ثم عرّج على الشق المعاصر منها متمثلا في «مدرسة الإحياء والتجديد» التي يقوم فكرها على العلمانية بمفهومها وهيكلها الغربي وتنحية الشريعة وتعطيلها وإحلال القوانين وإفساد العقائد الإسلامية وإفساد النظام التربوي بالدعوة إلى الاختلاط وبث الانتماءات الوطنية والقومية والحزبية والإلحادية وغير ذلك من دعوات الجاهلية الخبيثة المعادية للإسلام والمسلمين.

وكما ذكر الباحث مجالات التجديد الصحيح وسماته، نجده ذكر هنا مجالات التجديد المنحرف وسماته وأهداف سدنته، فذكر من ذلك:
1- مجال العقائد، وأنهم يقصدون إلى نسف الدين عقيدةً وسلوكًا، وتقديم العقل وإنكار الغيبيات والدعوة إلى إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر تحت مسمى وحدة الأديان وحوار الحضارات والتساهل مع المنحرفين والفرق الضالة، وذكر من المنتسبين إلى هذا الاتجاه جملة من الأسماء التي يجب على المسلم الحذر منها؛ مثل: حسن حنفي، ومحمد أركون، وفتحي عثمان، ومحمد إقبال وغيرهم كثير.
2- مجال أصول الفقه، ومثل ذلك من خلال الاعتماد على المقاصد العامة دون الجزئيات الفرعية والاعتماد على الاستفتاء الشعبي دون الإجماع وتقديم المصلحة على النص إلى غير ذلك، مما يتولى كبره: حسن الترابي، ومحمود أبو رية، ومحمود شلتوت، والغنوشي، وفهمي هويدي وغيرهم.
3- مجال السنة، وشمل طعنهم في المحدثين والفقهاء والنصوص والمتون والأسانيد بما يؤول إلى هدم ثاني مصدر تشريعي إسلامي ومحاكمته بالعقل القاصر وضرب السنة بالقرآن، ومن زعماء هذا الاتجاه: أحمد أمين، وأبو رية، ومحمد سعيد عشماوي، ومحمد عمارة، ومحمد الغزالي وغيرهم.
4- التجديد في ميدان الفقه، باتخاذ موقف سيء من أسلافنا الفقهاء واتخاذ موقف المنكر الجاحد لتراثنا الفقهي العظيم مع إيجاد آلية ترجيح حادثة قائمة على اعتبار المصالح والأهواء ورغبات الناس والمجتمعات والعمل على تعطيل الحدود الشرعية وجعلها قاصرة على مرحلة معينة أو ظروف خاصة أو قابلة للتأويل، بالإضافة إلى تجويز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى والدعوة إلى الديمقراطية والنيل من أعظم العبادات والشعائر الإسلامية وهو الجهاد وتقويضه إلى الجهاد الدفاعي دون الفتح الإسلامي وكذلك دعم الانحرافات في كثير من القضايا التي تتعلق بالمرأة والصور والتماثيل والربا، ومن رؤوس هذا المنحى الذين شاركوا فيه بوجه عام: فتحي عثمان، والسنهوري، والغزالي، وعبد الله العلايلي، وفهمي هويدي وغيرهم.

وعلى إثر ذلك العرض ختم الباحث رسالته العلمية بشأن التجديد وأقسامه بجملة من التوصيات كالتصدي للتجديد المنحرف وتعضيد التجديد الصحيح ومنهجه القويم.