منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (149)
صـ 482 إلى صـ 488
**[الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول]
**[فصل كلام ابن المطهر على مذهب أهل السنة في الصفات والرد عليه]
(فصل) (1) ثم قال هذا الإمامي: (2) " أما باقي المسلمين فقد ذهبوا كل مذهب، فقال بعضهم - وهم جماعة الأشاعرة - إن القدماء كثيرون (3) مع الله تعالى: هي المعاني يثبتونها (4) موجودة في الخارج كالقدرة والعلم وغير ذلك، فجعلوه تعالى مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى هو العلم، وفي كونه قادرا إلى ثبوت معنى هو القدرة وغير ذلك، ولم يجعلوه قادرا لذاته [ولا عالما لذاته] (5) ، ولا حيا لذاته (6) ، بل لمعان قديمة يفتقر في هذه الصفات إليها، فجعلوه محتاجا ناقصا في ذاته (7) ، كاملا بغيره، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا! [ولا (8) يقولون: هذه الصفات ذاتية (9) ] . واعترض شيخهم فخر الدين الرازي عليهم بأن قال: إن النصارى كفروا بأن قالوا (10) : القدماء ثلاثة، والأشاعرة أثبتوا قدماء تسعة ".
**_________
(1) فصل: ساقطة من (ع) .
(2) الكلام التالي في (ك) 1/83 (م) . وفي (ع) : الإمامي الرافضي.
(3) ن، م: كثيرة.
(4) ك: المعاني التي يثبتونها.
(5) ولا عالما لذاته: ساقطة من (ن) ، (م) .
(6) ك: ولا حيا لذاته ولا مدركا لذاته.
(7) ك: بذاته.
(8) ك: فلا.
(9) عبارة " ولا يقولون: هذه الصفات ذاتية ": في (ب) ، (ك) فقط.
(10) ك: لأنهم قالوا
**********************
فيقال: الكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أن هذا كذب على الأشعرية: ليس فيهم من يقول: إن الله [ناقص بذاته] (1) كامل بغيره، ولا قال الرازي ما ذكرته (2) من الاعتراض عليهم، بل هذا الاعتراض ذكره الرازي عمن اعترض به، [واستهجن] (3) الرازي ذكره (4) .
**_________
(1) ناقص بذاته: في (ع) فقط.
(2) ب (فقط) : ما ذكره.
(3) واستهجن: ساقطة من (ن) ، (م) . وفي (أ) : واستهجر.
(4) أورد الرازي في كتابه " الأربعين في أصول الدين " ص 159 (ط. حيدر آباد، 3531) عند كلامه عن المسألة الخامسة عشر شبه المعتزلة في ردهم على مثبتة الصفات وقال: ". . . الشبهة السادسة: أن الله تعالى كفر النصارى في قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) فلا يخلو إما أن يقال: إنه تعالى كفرهم لأنهم أثبتوا ذواتا ثلاثة قديمة قائمة بأنفسها. أو لأنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات متباينة. والأول باطل لأن النصارى لا يثبتون ذواتا ثلاثة قديمة قائمة بأنفسها، ولما لم يقولوا بذلك استحال أن يكفرهم الله بسبب ذلك، ولما بطل القسم الأول ثبت القسم الثاني، وهو أنه تعالى إنما كفرهم لأنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات متباينة، ولما كفر النصارى لأجل أنهم أثبتوا صفات ثلاثة، فمن أثبت الذات مع الصفات الثمانية فقد أثبت تسعة أشياء وكان كفره أعظم من كفر النصارى بثلاث مرات. فهذا مجموع شبه المعتزلة في نفي مطلق الصفات ". وقد رد الرازي على شبه المعتزلة بعد ذلك، ورد على هذه الشبهة السادسة، ص [0 - 9] 65 فقال: " والجواب عن شبهتهم السادسة: أن الله تعالى إنما كفر النصارى لأنهم أثبتوا صفات ثلاثة هي في الحقيقة ذوات، ألا ترى أنهم جوزوا انتقال أقنوم الكلمة من ذات الله إلى بدن عيسى عليه السلام، والشيء الذي يكون مستقلا بالانتقال من ذات إلى ذات أخرى يكون مستقلا بنفسه قائما بذاته. فهم وإن سموها صفات إلا أنهم قائلون في الحقيقة بكونها ذواتا، ومن أثبت كثرة في الذوات المستقلة بأنفسها فلا شك في كفره. فلم قلتم: إن من أثبت الكثرة في الصفات لزمه الكفر؟ ! "
******************************
وهو اعتراض قديم من اعتراضات نفاة الصفات، حتى ذكره الإمام أحمد (1) [في " الرد على الجهمية " فقال (2) : " قالت الجهمية لما وصفنا الله بهذه الصفات (3) : (4 إن زعمتم أن الله لم يزل ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى 4) (4) حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته.
قلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره (5) ، ولكن نقول: لم يزل الله بقدرته ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر.
فقالوا (6) : لا تكونون موحدين أبدا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء.
فقلنا: نحن نقول قد كان ولا شيء. ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته.
وضربنا لهم في ذلك مثلا، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة: أليس لها
**_________
(1) بعد عبارة " الإمام أحمد " يوجد سقط طويل في (ن) ، (م) سأشير إلى نهايته بإذن الله.
(2) الكلام التالي في رسالة " الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله " للإمام أحمد بن حنبل، وقد نشرت عدة مرات وسنقابل النص التالي على نشرة الشيخ محمد حامد الفقي في مجموعة " شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين "، القاهرة 1375/1956، ويوجد هذا النص في ص [0 - 9] 2 من هذه الرسالة وسنرمز لها بكلمة (الرد) . وقد سقط هذا الكلام بأكمله من (ن) إذ جاء فيها: ". . . حتى ذكره الإمام أحمد. الثاني: أن يقال: هذا القول. . إلخ ".
(3) الرد: فقال الجهمي لنا لما وصفنا الله عن الله هذه الصفات.
(4) : (4 - 4) ساقط من (ع) .
(5) ع: إن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته.
(6) ب (فقط) : فقال، وهو تحريف
******************************
جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار (1) واسمها اسم واحد (2) وسميت نخلة بجميع صفاتها؟ فكذلك الله - وله المثل الأعلى (3) - بجميع صفاته إله واحد. لا نقول: إنه كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق قدرة (4) والذي ليس له قدرة هو عاجز. ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق لنفسه علما (5) والذي لا يعلم هو جاهل. ولكن نقول: لم يزل الله عالما قادرا مالكا لا متى ولا كيف. وقد سمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذرني ومن خلقت وحيدا} (6) [سورة المدثر: 11] وقد كان هذا الذي سماه وحيدا له عينان وأذنان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة فقد سماه الله وحيدا بجميع صفاته، فكذلك الله - وله المثل الأعلى - هو (7) بجميع صفاته إله واحد ".
وهذا الذي ذكره الإمام أحمد يتضمن أسرار هذه المسائل، وبيان
**_________
(1) في اللسان: " وكرب النخل: أصول السعف. وفي المحكم: الكرب: أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكتف، واحدتها كربة ". وفيه: " والجمار معروف: شحم النخل، واحدته جمارة. وجمارة النخل: شحمته التي في قمة رأسه تقطع قمته ثم تكشط عن جمارة في جوفها بيضاء كأنها قطعة سنام ضخمة، وهي رخصة تؤكل بالعسل ".
(2) ع: واسمها واحد ; الرد: واسمها اسم شيء واحد.
(3) ع: فكذلك لله المثل الأعلى.
(4) ع: ولا يقدر حتى يخلق لنفسه قدرة ; الرد: ولا قدرة له حتى خلق قدرة ; ب: لا يقدر. . إلخ.
(5) الرد: ولا يعلم حتى خلق العلم.
(6) الرد: وجعلت له مالا ممدودا.
(7) ب، ا: وهو
****************************** ***
الفرق بين ما جاءت به الرسل من الإثبات الموافق لصريح العقل، وبين ما تقوله الجهمية، وبين أن صفاته داخلة في مسمى أسمائه] .
الثاني أن يقال: هذا القول المذكور ليس هو قول الأشعري ولا جمهور موافقيه، إنما هو قول مثبتي الحال [منهم] (1) الذين يقولون إن العالمية حال (2) معللة بالعلم، فيجعلون العلم يوجبه حال آخر (3) ليس هو العلم بل هو (4) كونه عالما. وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب والقاضي أبي يعلى وأول قول أبي المعالي (5) .
وأما جمهور مثبتة الصفات فيقولون (6) : إن العلم هو كونه عالما، ويقولون: لا يكون عالما إلا بعلم ولا قادرا إلا بقدرة، أي يمتنع أن يكون عالما من لا علم له، وأن يكون قادرا من لا قدرة له، وأن يكون حيا من لا حياة له.
[وعندهم علمه هو كونه عالما، وقدرته هو كونه قادرا، وحياته هو كونه حيا، وهذا في الحقيقة قول أبي الحسين البصري وغيره من حذاق المعتزلة] (7) .
ولا ريب أن هذا معلوم ضرورة، فإن وجود اسم الفاعل بدون مسمى
**_________
(1) منهم: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) حال: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(3) ع، ن، م: يوجب حالا آخر.
(4) هو: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(5) انظر ما سبق أن أورده ابن تيمية عن الأحوال في هذا الجزء، ص [0 - 9] 24، 125، وانظر التعليقات في هاتين الصفحتين.
(6) ن: وأما قول جمهور مثبتة الصفات فيقول ; ع: وأما جمهور مثبتي الصفات فيقولون.
(7) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط
****************************** ***
المصدر ممتنع، وهذا كما لو قيل: مصل بلا صلاة، وصائم بلا صيام، وناطق بلا نطق.
فإذا قيل: لا يكون ناطق إلا بنطق (1) ، ولا مصل إلا بصلاة، لم يكن المراد أن هنا شيئين (2) : أحدهما الصلاة، والثاني حال معلل بالصلاة، بل المصلي لا بد أن يكون له صلاة.
وهم أنكروا قول نفاة الصفات الذين يقولون: هو حي لا حياة له، وعالم لا علم له، وقادر لا قدرة له.
فمن قال: هو حي عليم قدير بذاته، وأراد بذلك أن ذاته مستلزمة لحياته وعلمه وقدرته لا يحتاج في ذلك إلى غيره، فهذا قول مثبتة الصفات، (3 وإن أراد بذلك أن ذاته مجردة ليس لها حياة ولا علم ولا قدرة فهذا هو القول 3) (3) المنكر من (4) أقوال نفاة الصفات.
وهذا الكلام الذي قاله هذا قد (5) سبقه إليه المعتزلة، وهذا اللفظ وجدته في كلام أبي الحسين (6) البصري، ومع هذا من تدبر كلام أبي الحسين (7) وأمثاله وجده مضطرا إلى إثبات الصفات، وأنه لا يمكنه أن يفرق بين قوله وبين قول المثبتين بفرق محقق، فإنه يثبت كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا، ولا يجعل هذا هو هذا، ولا هذا هو هذا، ولا هذه الأمور
**_________
(1) ع، ن، ا: لا يكون ناطقا إلا بنطق، والصواب ما في (ب) .
(2) ع، م: شيئان، وهو خطأ.
(3) (3 - 3) ساقط من (ب) ، (أ) .
(4) ب (فقط) : المنكرين.
(5) عبارة " هذا قد " ساقطة من (ب) ، (أ) .
(6) ع، ن، م: أبي الحسن، وهو خطأ.
(7) ع، ن، م: أبي الحسن، وهو خطأ
******************************
هي الذات (1) ، فقد أثبت هذه المعاني الزائدة على الذات المجردة، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
الوجه الثالث: أن يقال: أصل هذا القول هو قول مثبتة الصفات، وهذا لا تختص به الأشعرية، بل هو قول جميع طوائف المسلمين إلا الجهمية كالمعتزلة (2) ومن وافقهم من الشيعة، وقد قدمنا أن هذا القول هو قول قدماء الإمامية، فإن كان خطأ فأئمة الإمامية أخطأوا، وإن كان صوابا فمتأخروهم أخطأوا (3) .
الوجه الرابع: أن يقال: قول القائل: إنهم أثبتوا قدماء كثيرين، لفظ مجمل موهم [القول] أنهم (4) أثبتوا آلهة غير الله في القدم، أو أثبتوا (5) موجودات منفصلة قديمة مع الله، [أم أثبتوا (6) لله صفات الكمال القائمة به كالحياة والعلم والقدرة.
فإن قلت: أثبتوا آلهة غير الله، أو موجودات قديمة منفصلة عن الله،]
**_________
(1) ولا يجعل هذا. . هي الذات: كذا في (ن) ; وفي (ب) ، (أ) : ولا يجعل هذا. . . ولا هذه هي الذات ; وفي (ع) ، (م) : ولا يجعل هذا هو هذا، ولا هذه الأمور هي الذات.
(2) ن، م: الجهمية والمعتزلة.
(3) كتب مستجي زاده تعليقا على هذا الكلام ما يلي: " قلت: وهذا الكلام من المصنف إلزام حسن للروافض إذ قدماؤهم مثل هشام بن الحكم وغيره كانوا من الصفاتية، فلما مالت الروافض إلى مذهب المعتزلة في عهد الديالمة كانوا مثل المعتزلة في نفي الصفات وقالوا بمقالتهم ".
(4) ب، ا: يوهم أنهم.
(5) ب، ا، ن، م: وأثبتوا.
(6) ب، ا: وأثبتوا. وفي (ن) سقط الكلام من أول هذه الكلمة حتى قوله: كان هذا بهتانا. . . إلخ
***************************