عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: أدّب ولدك بالأمثال

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي أدّب ولدك بالأمثال

    أدّب ولدك بالأمثال (1)

    – من سبل التأديب – تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة


    من وظيفة الوالدين التربية الإسلامية السليمة للأبناء وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة بتدريبهم على العبادات والأخذ بأيدهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات
    التربية هي صناعة الإنسان وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة
    الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نُقش ومائل لكل ما يمال به إليه
    الأسرة هي المحضن الأول للطفل؛ حيث تتكون فيها شخصيته، وتغرس فيها قيمه ومبادئه؛ لذا اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما كبيرا، وحمل الوالدين مسؤوليات خطيرة، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)
    وبيّـن لنا الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- السبيل لوقاية الأسرة من هذا الخطر الجسيم؛ فقال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «علِّموهم، وأدّبوهم»، وقال ابن عباس:» اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار».
    المهمة الجليلة
    وأكدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المهمة الجليلة فقال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (متفق عليه)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- أيضا:» إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» أخرجه النسائي.
    وظيفة الوالدين
    فمن وظيفة الوالدين تربية الأبناء التربية الإسلامية السليمة، وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة، بتعليمهم مبادئ الدين، وتدريبهم على العبادات، والأخذ بأيديهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات، وتحذيرهم من الموبقات والسيئات، وتهيئتهم ليعتمدوا على أنفسهم، ويستعدوا لتولي مهام أسرهم في المستقبل، فيحملوا الأمانة والمسؤولية كما حملها آباؤهم من قبل.
    صناعة الإنسان
    والتربية هي صناعة الإنسان، وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة؛ فالإنسان عرضة للمؤثرات باستمرار، مما يقتضي أن يكون المرء واعيا لما يعرض له من مغريات وملهيات، وأن يكون قادرا على تقييمها في ضوء مبادئه وقيمه، ليقبل منها ما كان نافعا، ويرد ما كان ضارا.
    ترسيخ المعيار الذاتي
    فترسيخ المعيار الذاتي لدى الإنسان ليزن به الأقوال والأفعال والأشخاص والمواقف من أهم ما ينعم به والد على ولده، فحياة الوالد مظنونة، ورعايته لأولاده محدودة، ولابد لهم من الاستقلال بحياتهم، والانفراد بشؤونهم؛ لذا فأعظم ما يورثه الوالد لذريته خلق قويم، وأدب رفيع، وتربية سوية. قال ابن عمر -رضي الله عنهما لرجل-: «أدّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه مسؤول عن برك وطواعيته لك». أخرجه البيهقي وقيلَ لابن الْمبارك: ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «غَرِيْزَةُ عَقْلٍ فِيْهِ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَدَبٌ حَسَنٌ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ» . قيل: فإن لم يكن؟ قال: «صَمْتٌ طَوِيْلٌ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «مَوْتٌ عَاجِلٌ». قال أبو حاتم: «أفضلُ ما ورَّث أبٌ ابنًا ثناء حسن، وأدب نافع».
    الصبي أمانة عند والديه
    ويقول الغزالي: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عّود الخير وعلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزرُ في رقبة القيِّم عليه، والوالي له، وقد قال الله -عز وجل-: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً} (التحريم:6)».
    مَن أهمل أولاده أضاعهم
    قال ابن القيم:» «فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغاراً» إلى أن قال: «وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة». فالتأديب والأدب هو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي، قال المناوي: «الأدب رياضة النفوس ومحاسن الأخلاق»، قال الأحنف بن قيس: «الأدب نور العقل كما أن النار نور البصر». وغرس الفضائل في نفوس الصغار أحرى لاستقرارها في ضمائرهم، وثباتها في عقولهم، فيسهل عليهم في مستقبل زمانهم تمييز الصواب من الخطأ، وقبول الحق ورد الباطل. قال أبو حاتم:» ومن استفاد الأدب في حداثتِه، انتفع به في كِبَره؛ لأن مَن غرس فَسِيلاً يوشك أن يأكل رُطَبها».
    من سبل التأديب وطرائق التهذيب
    ومن سبل التأديب، وطرائق التهذيب تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة؛ لما لها من أبلغ الأثر في ترسيخ المعاني الجميلة والآداب الرفيعة، والمفاهيم العالية والأخلاق السامية بألفاظ موجزة يسيرة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعجبه القول الطيب الموافق للشرع المطهر، فعن أبيّ بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشعر حكمة» أخرجه البخاري، قال ابن حجر: «هي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس».
    استحسان النبي - صلى الله عليه وسلم- للشعر
    وعن الشريد بن سويد الثقفي قال:» رَدِفْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقالَ: هلْ معكَ مِن شِعْرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيءٌ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: هِيهْ، فأنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، حتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. أخرجه مسلم. قال النووي: «ومقصود الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحسن شعر أمية، واستزاد من إنشاده؛ لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث»، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:» أصْدَقُ كَلِمَةٍ قالَها الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: «أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلٌ». متفق عليه وفي البيان والتبيين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ساكني الأمصار: «أما بعد فعلموا أولادكم العوم والفروسة، وروّوهم ما سار من المثل، وحسن من الشعر». وقال ابن المقفع:» إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث».
    الحاجة إِلَى الشَّاهِد والمثل
    قال أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال:» ثمَّ إِنِّي مَا رَأَيْت حَاجَة الشريف إِلَى شَيْء من أدب اللِّسَان بعد سَلَامَته من اللّحن كحاجته إِلَى الشَّاهِد والمثل والشذرة والكلمة السائرة؛ فَإِن ذَلِك يزِيد الْمنطق تفخيما، ويكسبه قبولاً، وَيجْعَل لَهُ قدرا فِي النُّفُوس، وحلاوةً فِي الصُّدُور، وَيَدْعُو الْقُلُوب إِلَى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة، والاستظهار بِهِ أَوَان المجادلة فِي ميادين المجادلة، والمصاولة فِي حلبات المقاولة». ومن أهم مراجع الأمثال العربية والإسلامية كتاب (مَجْمَعُ الأَمْثَالِ) لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، ويعد مرجعاً في الأمثال العربية القديمة، اشتمل على ثلاثين بابا، مليئة بأشعار العرب وأمثالها في الجاهلية وفي الإسلام.

    اعداد: د.وليد خالد الربيع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

    أدّب ولدك بالأمثال (2 )

    إن من فقهك رفقك في معيشتك


    غنى النفس يحصل بغنى القلب بأن يفتقر العبد إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه
    الفرق بين القناعة والقصد أن القصد ترك الإسراف والتقتير جميعا والقناعة الاقتصار على القليل
    إنما تنال مكارم الأخلاق وأشرف العادات بالعلم ثم العمل وقبل ذلك صدق الاستعانة بالله تعالى
    يشكو بعض الناس من غلاء الأسعار، وارتفاع كلفة المعيشة، وقلة الرواتب، مما له أثر سلبي على حياتهم الأسرية وتلبية طلبات أفرادها، وهو أمر واقع، وحقيقة لا جدل فيها، ومن الأمور التي ينصح بها هو الاقتصاد في المصروفات، والاستغناء عن بعض الكماليات إن أمكن.
    فمراجعة أولية لبعض موارد بعض الناس ومصروفاتهم، تجد أنه يمكن توفير بعض الأموال للمهمات إذا تنازلنا عن بعض الكماليات، فصرف الأموال على شراء الدخان مثلا، وبذل النقود لشراء الهواتف الجديدة، أو الاستغراق في مكالمات زائدة تستهلك رصيد الإنسان في أمور قليلة الأهمية، ونحو ذلك مما يخيل للمرء أهميته، وعند التأمل تجده قابلا للاستغناء عنه وتوفير قيمته لما هو أهم.
    القناعة كنز لا ينفد
    أخرج الإمام أحمد في الزهد عن يونس بن عبيد قال: «كان يقال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم، والاقتصاد في المعيشة يلقي عنك نصف المئونة». وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنَّ رَجُلًا رَقَى إِلَي أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ يَلْتَقِطُ حَبًّا، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَا فَقَالَ لَهُ: «ارْتَقِ أَوِ اصْعَدْ، إِنَّ مِنْ فِقْهِكَ رِفْقَكَ فِي مَعِيشَتِكَ»، قوله: «رفقك في معيشتك»: أي: تخفيفك في أسباب المعيشة، والاكتفاء بأقل ما تيسر منها. فالقناعة كنز لا ينفد، قال ابن الأثير: «لأن الإنفاق منها لا ينقطع، كلما تعذر شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي».
    القناعة صفة حميدة
    والقناعة صفة حميدة وخلق مرغوب؛ لأنها تدل على الرضى، يقال: قنع فلان بما قسم له: إذا رضي به واكتفى به. قال الجرجاني: «القناعة في اللغة: الرضا بالقسمة»، وقال الراغب: «القناعة: الرضا بما دون الكفاية». وقال العسكري في الفروق اللغوية: «الفرق بين القناعة والقصد، أن القصد ترك الإسراف والتقتير جميعا، والقناعة الاقتصار على القليل، ألا ترى أنه لا يقال: هو قنوع إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه، ومقتصد: لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها. وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنه نقيض الإسراف وهو من أعمال الجوارح، والقناعة من أعمال القلوب».
    حث الشرع على القناعة والرضى
    وقد حث الشرع المطهر على القناعة والرضى، فمن ذلك دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحياة الطيبة لمن حقق التوحيد ولزم القناعة، فعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طُوبى لمَنْ هُدي إلى الإسلام، وكان عيشُه كفافًا وقنِع». أخرجه الترمذي وصححه الألباني. قال المناوي: «طوبى: تأنيث أطيب، أي: راحة وطيب عيش حاصل»، وقوله: «وكان عيشه كفافا» أي: بقدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه».
    سبيل للفلاح والظفر بالمطلوب
    وبينّ أن الاتصاف بالقناعة سبيل للفلاح والظفر بالمطلوب، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه». أخرجه مسلم. قال المباركفوري:» قولهقد أفلح) أي: فاز وظفر بالمقصود، (من أسلم) أي: انقاد لربه (ورزق) أي: من الحلال (كفافا) أي: ما يكف من الحاجات ويدفع الضرورات (وقنعه الله) أي: جعله قانعا بما آتاه». ويوضح النووي معنى الكفاف بأنه: الكفاية بلا زيادة ولا نقص، قال: «وفيه فضيلة هذه الأوصاف».
    وصية النبي - صلى الله عليه وسلم
    وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بوصايا عظيمة النفع منها القناعة، فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:» يا أبا هريرةَ كن ورعًا تكن أعبدَ الناسِ، وكن قنعًا تكن أشكرَ الناسِ، وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسِك تكن مؤمنًا، وأحسِنْ جوارَ من جاورَك تكن مسلمًا، وأقِلَّ الضحكَ فإنَّ كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ». أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
    المفهوم الحقيقي للغنى والفقر
    ويصحح النبي - صلى الله عليه وسلم - مفهوم الغنى والفقر الحقيقي المتبادر لأذهان الناس فقال:» يا أبا ذَرٍّ أَتَرَى أنَّ كثرةَ المالِ هو الغِنَى؟ إنما الغِنَى غِنَى القلبِ، والفقرُ فقرُ القلبِ، مَن كان الغِنَى في قلبِه، فلا يَضُرُّه ما لَقِيَ من الدنيا، ومَن كان الفقرُ في قلبِه، فلا يُغْنِيهِ ما أُكْثِرَ له في الدنيا، وإنما يَضُرُّ نَفْسَه شُحُّها» أخرجه النسائي وصححه الألباني. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:» ليسَ الغنى عن كثرةِ العَرَضِ ولَكنَّ الغِنى غنى النَّفسِ» متفق عليه. قال النووي:» العَرَض: متاع الدنيا، ومعنى الحديث: «الغني المحمود غنى النفس، وشبعها، وقلة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، فليس له غنى». ويحمل ابن بطال الحديث على من طلب الزيادة بغض النظر عن مصدرها فقال: «معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه؛ فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني».
    الغنى النافع والممدوح
    ويوجه القرطبي الحديث إلى معنى آخر، وهو إنَّ الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، فقال:» وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفَّت عن المطامع، فعزَّت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة، والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال؛ لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل».
    سبب القناعة
    ويوضح ابن حجر أن سبب القناعة هو تصحيح الإيمان وقوة اليقين فقال:» غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله -تعالى-، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرص والطلب». وقال: «وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع، فيرضى بقضائه، ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غيره». وإنما تنال مكارم الأخلاق وأشرف العادات بالعلم ثم العمل، وقبل ذلك صدق الاستعانة بالله -تعالى-، ولهذا كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ».أخرجه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر. ومن كلام شيخ الإسلام:
    وجدت القناعة ثوب الغنى
    فصرت بأذيالها أمتسك
    فألبسني جاهها حلــــــــة
    يمر الزمان ولم تنتهك
    فصرت غنيا بلا درهــم
    أمر عزيزا كأني ملك


    اعداد: د.وليد خالد الربيع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,554

    افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

    بارك الله فيكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

    وفيك بارك
    جزاكم الله خيرا

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

    أدّب ولدك بالأمثال (3)

    النَّفْسُ عَزُوفٌ أَلُوفٌ


    على المسلم أن يتحرى الخير ويستكثر منه ويعود نفسه عليه حتى يصبح له عادة وتصبح نفسه له مطواعة
    الإنسان خلق من طين أرضي وروح سماوية ولكل طبيعة حاجاتها ومطالبها والموفق من وازن بينهما وأعطى كل ذي حق حقه
    الإنسان في الدنيا لا يخلو من عوائق ومؤثرات تصده عن سبيل الخير ولا سيما نفسه الأمارة بالسوء فهو بحاجة إلى توفيق من الله -تعالى- وإعانته

    هذا المثل ذكره الميداني في مجمع الأمثال، وهو يوضح حقيقة النفس الإنسانية، وما جبلت عليه من الانقياد لما تعوّد عليه من الخير أو الشر، فقال: «ومعنى المثل: أن النفس تعتاد ما عُوِّدّتْ؛ إنْ زَهَّدْتها في شيء زهِدَتْ، وإن رَغَّبْتها رَغِبَتْ».
    ويؤيد هذا ما أكده عمرو بن العاص بقوله: «المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن وضعها اتضعت»، ونقل عن بعض الحكماء قوله: «النفس عَرُوفٌ عَزُوفٌ، وَنَفُورٌ أَلُوفٌ، متى ردعتها ارتدعت، ومتى حملتها حملت، وإن أصلحتها صلحت، وإن أفسدتها فسدت». وصاغ البوصيري هذا المعنى في بردته بعبارات رشيقة، وأبيات عميقة فقال:
    والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
    حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
    فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
    إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ
    وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمةٌ
    وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم
    كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةٍ لِلْمَرءِ قاتِلَةً
    من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
    وهذا المثل السائر يشير إلى ما سبق إليه القرآن الكريم من حقائق أكيدة حول النفس البشرية في أصل خلقتها، وما تحمله من استعداد فطري للحق أو الباطل، وما فيها من ازدواجية الخلق والمقاصد؛ فالإنسان خلق من طين أرضي وروح سماوية، كما قال -تعالى-: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (ص:71-72)، ولكل طبيعة حاجاتها ومطالبها، والموفق من وازن بينهما، وأعطى كل ذي حق حقه.
    فمن الحقائق القرآنية المهمة:
    أولا: أصل البشرية من نفس واحدة
    قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النساء:1) والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم -عليه السلام. وفي حجة الوداع قال النبي -صلى الله عليه وسلم - في خطبته:» يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكمْ واحدٌ، وإنَّ أباكمْ واحدٌ، ألا لا فَضلَ لعربيٍّ على عَجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عَربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ». فلا مجال للفخر ولا العصبية.
    ثانيا: النفس البشرية قابلة للاختيار بين الحق والباطل
    فطر الله -تعالى- النفس البشرية على معرفة الحق والباطل، فقال -سبحانه-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس:7-8)، قال الطبري:» فبيـّن لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير أو شرّ، أو طاعة أو معصية، ونقل عن ابن عباس قوله: «يقول: بَيَّنَ الخيرَ والشرَّ». وفي رواية قال: «علَّمها الطاعة والمعصية». وقال -تعالى عن الإنسان-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10)، قال ابن مسعود وعلي وابن عباس وغيرهم في معنى النجدين: «الخير والشر». وقال القاسمي: «أي: أودعنا في فطرته التمييز بين الخير والشر». وقال -سبحانه-: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان: 3)، قال القرطبي: «أي: بيـّنا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعث الرسل، فآمن أو كفر». فليس لأحد أن يدعي العجز عن معرفة الخير والعمل به؛ إذ هو مغروس في أصل فطرته، وقد قامت عليه حجة الله -تعالى- ببعثة الرسل وإنزال الكتب.
    ثالثا: المسؤولية فردية عن تصرفات النفس الإنسانية
    يقرر القرآن الكريم في مواطن عديدة أن البعث حق، والجزاء ثابت، والمساءلة فردية، فكل امرئ مسؤول عن كسبه ومجازى عليه فقال -سبحانه-: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} (البقرة:48)، قال ابن كثير: «أي: لا يغني أحد عن أحد كما قال: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164)». وقال -سبحانه-: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (يونس:108)، قال ابن سعدي:» {فَمَنِ اهْتَدَى} بهدى الله بأن علم الحق وتفهمه، وآثره على غيره فلِنَفْسِهِ، والله -تعالى- غني عن عباده، وإنما ثمرة أعمالهم راجعة إليهم. {وَمَنْ ضَلَّ} عن الهدى بأن أعرض عن العلم بالحق، أو عن العمل به، {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} ولا يضر الله شيئًا، فلا يضر إلا نفسه». وهذا يؤكد أهمية العمل على الأخذ بأسباب النجاة من العلم النافع والعمل الصالح والاعتقاد الصحيح والخلق القويم والتخلي عن الرذائل في الاعتقاد والعبادات وفعل المحرمات.
    رابعا: الفلاح والنجاة في تزكية النفس الإنسانية
    قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (الشمس:9)، قال الطبري: «يقول: قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال». وقال -سبحانه-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} (الأعلى:14)، قال ابن كثير: «أي: طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة، وتابع ما أنزل الله على الرسول - صلى الله عليه وسلم ». وقال -تعالى-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات:40-41)، قال ابن سعدي:» أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} المشتملة على كل خير وسرور ونعيم {هِيَ الْمَأْوَى} لمن هذا وصفه».
    عوائق ومؤثرات
    والإنسان في الدنيا لا يخلو من عوائق ومؤثرات تصده عن سبيل الخير، ولا سيما نفسه الأمارة بالسوء، فهو بحاجة إلى توفيق من الله -تعالى- وإعانة، وإلى مجاهدة نفسه وأعدائه كما قال -سبحانه-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69)، قال ابن سعدي: «بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (أخرجه الترمذي).
    مجاهدة النفس أربع مراتب
    ومجاهدة النفس أربع مراتب ذكرها ابن القيم: إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
    الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
    الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
    الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
    فعلى المسلم أن يتحرى الخير، ويستكثر منه، ويعود نفسه عليه حتى يصبح لها عادة، وتصبح نفسه له مطواعة، فعن معاوية قال: «عَوِّدُوا أَنْفُسَكُمُ الْخَيْرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (أخرجه ابن ماجه).

    اعداد: د.وليد خالد الربيع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

    أدّب ولدك بالأمثال (4)

    المسألة آخر كسب الرجل


    المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ أو لذي غرم مُفظع أو لذي دم مُوجع
    الدين يحث على النفقة ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة
    لما كانت ظروف الناس متنوعة وأرزاقهم متباينة جاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال
    هذا المثل وصية الصحابي الجليل قيس بن عاصم -رضي الله عنه - لبنيه حين حضرته الوفاة، فقال لهم: «يا بَنيَّ احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم فتهونوا جميعا عليهم، وعليكم بحفظ المال؛ ففيه منبهة للكريم، ومغناة عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس! فإنها آخر كسب الرجل».
    ذكر الخطابي في غريب الحديث أن معناه أحد وجهين: أحدهما: اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي: ما دمتم تقدرون على معيشة وإن دقت، فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا.
    والآخر: أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها، كما ورد عن قيس بن عاصم أَنَّهُ قَالَ: إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه».
    أحاديث في الترهيب من المسألة
    وقد ورد في السنة ا لمطهرة أحاديث في الترهيب من المسألة -وهي طلب أموال الناس- وتحريمها مع الغنى، فعن ابن عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله -تعالى- وليس في وجهه مُزعةُ لَحمٍ». متفق عليه قال النووي: «قَوْلُهُ: (مُزْعَةُ لَحْمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ: قِطْعَةُ، قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: مَعْنَاهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْشَرُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَامَةً لَهُ بِذَنْبِهِ حِينَ طَلَبَ وَسَأَلَ بِوَجْهِهِ. وَهَذَا فِيمَنْ سَأَلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سُؤَالًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا». وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم، فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب». رواه البيهقي وحسنه الألباني. وعن عائذِ بن عَمروٍ: أن رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يسألُه، فأعطاه، فلما وضع رِجْله على أسْكُفَّةِ الباب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسألُه» رواه النسائي وحسنه الألباني. وعن ثوبان أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل مسأَلةً وهو عنها غني، كانتْ شَيناً في وجهه يومَ القيامة» رواه أحمد وصححه الألباني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأَل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستَقِلَّ أو ليستكثِرْ». رواه مسلم. قال النووي: «قال القاضي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ».
    العهد على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يسألوا الناس شيئا
    وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ العهد على أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا، فعن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم ؟ «-وكنا حديثي عهد ببيعة- فقلنا: قد بايعناك يا رسولَ الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسولَ الله؟ «فبسطنا أيديَنا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلامَ نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسَرَّ كلمةً خفية- ولا تسألوا الناس شيئاً». فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدِهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. رواه مسلم قال النووي: «فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا». وعن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تَكفَّلَ لي ألا يسأل الناس شيئاً، أتكفلُ له بالجنة» فقلت: أنا؛ فكان لا يسأَل أحداً شيئاً. رواه أحمد وصححه الألباني، وعند ابن ماجه قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه؛ حتى ينزل فيأْخذَه.
    ظروف الناس متنوعة
    وحيث إن ظروف الناس متنوعة، وأرزاقهم متباينة، فجاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال، فعن أنس أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: «إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع» رواه أبو داود وصححه الألباني. والفقر المدقع: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها. والغُرْم المفظع: هو الدين الشديد الشنيع. وذو الدم الموجع: هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.
    المسألة لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة
    عن قَبِيصة بنِ المخارقِ قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها». ثم قال: «يا قَبيصةُ، إن المسألةَ لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة: رجل تحمَّل حَمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك، ورجل أصابتْه جائحةٌ اجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَ قِوَاماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش، ورجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.فما سواهن من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ، يأكلُها صاحبُها سُحتاً».رواه مسلم
    أوجه جواز السؤال
    ومن أوجه جواز السؤال أن يسأل المرء السلطان عن حقه، فعن سَمُرَةَ بن جُندَبٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما المسائلُ كدوحٌ يَكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأَل ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُداً». رواه أبو داود وصححه الألباني، والكُدوح (بضم الكاف: آثار الخموش). وفي عون المعبود: «وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوِ الْخُمُسِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ. قوله: (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) أيْ: عِلَاجًا آخَرَ غَيْرَ السُّؤَالِ أَوْ لَا يُوجَدُ مِنَ السُّؤَالِ فِرَاقًا وَخَلَاصًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَابُدَّ عِنْدَهَا مِنَ السُّؤَالِ كَمَا فِي الْحَمَالَةِ وَالْجَائِحَةِ وَالْفَاقَةِ، بَلْ يَجِبُ حال الاضطرار في العري والجوع».
    الحث على النفقة
    فالدين يحث على النفقة، ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، والعليا هي المنفِقة، والسفلى هي السائلةُ». متفق عليه، وحث الدين على العمل ولو بحرفة متواضعة؛ فذلك خير من السؤال، فعن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلَه، فيأَتي بحزمةٍ من حطب على ظهره، فيبيعَها فيكفَّ بها وجهَه، خيرٌ له من أنْ يسأَلَ الناس، أعطَوْه أم منعوه».رواه البخاري، وقال عمر: «مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس».

    اعداد: د.وليد خالد الربيع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •