-
حديث أب لابن آت
وليدي المرتقب :
غدا سيتم الزمن دورته . ولأن لكل شئ ثمرة ، فستكون _ أنت _ ثمرة انتظارنا ، وبداية تشكُل الغد الآتي بكل أمديته .
وغدا ، عندما ستفتح عينيك وتكبر ، سترى الدنيا من حولك بشكل آخر . وستدرك أن ما صاغته أيامنا سيختلف عما ستصوغه أيامك من مفاهيم واطر وألوان حياتية آتية .
وساعتها ، ستتساءل _ كما تساءلت قبلك _ عن الثوابت في الذات الإنسانية التي صعب تغييرها أو اختلافها لرسوخها في النفس واستمرارها مع استمرار ( القيم الثابتة ) في دورة الحياة .
وقتئذ ستسمع عن ( العدل المطلق ) و (الحرية ) و (الصدق المطلق ).. وستتساءل عن معنى ذلك : بفضول أولا ، ثم لرغبة أكيدة في معرفة الأشياء حولك . فتحتار بين المناهج ( العلمية ) و (الطوباوية ) و (الواقعية ) و(الخيالية). وتضطرب وأنت تسمع بدين جديد ومذهب جديد بعد أن قتل إلهنا _ نحن أصحاب الغابر السالف _ !
ولساعات عدة ، إن لم تملك الحس الفطري الصادق ، ستصاب بالإحباط وبشئ كما الألم . فترتسم أيامك بالتفاهة ، وتتمنى لو لم تعرف سوى ماضيك الأول ، وقتما كنت تدرك الأشياء ببراءة وعفوية !
ووقتها ، ولإغراءات الحياة الجديدة ، ستعيش بين تيارين متضادين ، كلاهما يناديك لتأخذ حظك منه _ هذا إن رسمت خطواتك بشفافية مفرطة ، لا أرضاها لك _ فتجذبك دنيا (النفس ) و عوالم (الروح ). وتطلب _ في لحظة
صدق _ جمع الاثنين بطريقة ما ! فتبحث عن الطريق ، فتجد ألا جدوى _ إن أردت التعمُق في أحد الطرفين _ من إلغاء عناصر كثيرة من أحديهما ليتم التوازن والانسجام بينهما . وثق ، أنك لن تحصل على التوازن إلا إذا
أخذت الأمور ببساطة دونما تعقيد ، مع حرصك دائما ألا تغرق في يم الوهم الجميل ، أو تتمادى في حصر نقسك في زاوية واحدة .
انظر _ وليدي الآتي _ بكلتا العينين ، واستخدم كلا الساعدين ، وامشي بكلتا الرجلين . وافتح قلبك _ بكامل حواسك _ ليوم غد , وأنت تعيش أبعاد اليوم !
لك حبي يا وليدي ، وأراك هانئا أبدا إن شاء الله .
19/ 7 / 1984م