تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم على من سبَّ الصحابة رضي الله عنهم
[align=justify]الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فقد ورد للموقع سؤال عن حكم من سبَّ الصحابة رضي الله عنهم، وكان جوابه ماوقفت عليه من تفصيل استحسنته لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سأورده نشرًا للفائدة، نفعنا الله بما علمنا.
السؤال:
ما حكم سب الصحابة؟
وهل يجوز تكفير من يسبهم، مع العلم أنهم يكفِّرون أهل السنة والجماعة، فلو كان الجواب بـ"نعم"، فلماذا لا نصرح بكفرهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمسألة سبِّ الصحابة رضي الله تعالى عنهم من المسائل التي فيها تفصيل طويل؛ لأن السَّابَّ قد يسبُّ واحداً بعينه بسبب خصومة دنيوية بينهما – وهذا في عصره كما هو ظاهر – وقد يسبُّ عدداً من الصحابة بسبب أنه لُبِّس عليه بأنهم ارتدُّوا، أو عملوا أعمالاً يتعاظمها، وقد يسبُّهم لأنهم هم الذين نصروا هذا الدين الذي يتظاهر بالانتساب إليه، وهو في باطنه ليس كذلك، وهكذا.
ومِنْ أحسن مَنْ فصَّل في هذه القضيَّة، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (3/1055-1113)؛ حيث قال: (( فأما من سب أحداً من أصحاب رسول الله (ص) -من أهل بيته وغيرهم-: فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُضْرَب ضربًا نكالاً، وتَوَقَّفَ عن كفره وقتله.
قال أبو طالب: "سألت أحمد عمَّن شتم أصحاب النبي (ص) ؟ قال: "القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربه ضربًا نكالاً".
وقال عبد الله: "سألت أبي عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي (ص) ؟ قال: "أرى أن يُضْرب، قلت له: حَدّاً؟ فلم يقف على الحدِّ؛ إلا أنه قال: يُضرب، وقال: ما أراه على الإسلام".
وقال في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري وغيره: "وخير الأمة بعد النبي (ص): أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله (ص) بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قُبِلَ منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة، وخلَّده الحبس حتى يموت أو يراجع".
وحكى الإمام أحمد هذا عمَّن أدركه من أهل العلم، وحكاه الكِرْمَاني عنه، وعن إسحاق، والحُمَيْدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم.
وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: "ما لهم ولمعاوية؟! نسأل الله العافية". وقال لي: "يا أبا الحسن، إذا رأيت أحدًا يذكر أصحاب رسول الله (ص) بسوء، فاتَّهِمْهُ على الإسلام".
فقد نصَّ رضي الله عنه على "وجوب تعزيره بالجلد، واستتابته حتى يرجع، وإن لم يَنْتَهِ، حُبس حتى يموت أو يراجع"، وقال: "ما أراه على الإسلام، وأَتَّهِمُهُ على الإسلام"، وقال "أَجْبُنُ عن قتله".
وقال إسحاق بن راهَوَيه: "من شتم أصحاب النبي (ص) يعاقب ويحبس"، وهذا قول كثير من أصحابنا، منهم: ابن أبي موسى، قال: "ومن سب السلف من الروافض فليس بكفء ولا يزوج، ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برَّأها الله منه، فقد مَرَقَ من الدين، ولم ينعقد له نكاحٌ على مسلمة؛ إلا أن يتوب ويُظهِر توبتَه".
وهذا في الجملة قول عمر بن عبد العزيز، وعاصم الأحول، وغيرهما من التابعين.
قال الحارث بن عتبة: "إن عمر بن عبد العزيز أُتي برجل سبَّ عثمان، فقال: ما حملك على أن سببته؟ قال: أُبْغِضُه، قال: وإن أبغضت رجلاً سببته؟! قال: فأمر به فجُلد ثلاثين سوطًا".
وقال إبراهيم بن ميسرة: "ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط، إلا إنسانًا شتم معاوية، فضربه أسواطًا"؛ رواهما اللالكائي.
وقد تقدم أنه كتب في رجل سَبَّه: "لا يُقتل إلا من سب النبي (ص) ولكن اجلده فوق رأسه أسواطًا، ولولا أني رجوت أن ذلك خيرٌ له لم أفعل".
وروى الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عاصم الأحول، قال: "أُتيت برجل قد سب عثمان، قال: فضربته عشرة أسواط، قال: ثم عاد لِما قال، فضربته عشرة أُخرى، قال: فلم يزل يسبُّه حتى ضربته سبعين سوطًا".
وهذا هو المشهور من مذهب مالك، قال مالك: "من شتم النبي قُتل، ومن شتم أصحابه أُدِّب".
وقال عبد الملك بن حبيب: "من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان، والبراءة منه، أُدِّب أدباً شديدًا، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر، فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن المنذر: "لا أعلم أحداً يُوجِب قتل مَنْ سب مَنْ بَعد النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال القاضي أبو يعلى: "الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة: إن كان مُسْتَحِلاًّ لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاًّ فسق ولم يكفر، سواء كفَّرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم".
وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة و غيرهم بـ"قتل من سب الصحابة، وكُفر الرافضة".
قال محمد بن يوسف الفريابي - وسُئل عمن شتم أبا بكر – قال: "كافرٌ، قيل: فيُصلَّى عليه؟ قال: لا، وسأله: كيف يُصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسُّوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته".
وقال أحمد بن يونس: "لو أن يهوديًّا ذبح شاة وذبح رافضي، لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لأنه مُرْتَدٌّ عن الإسلام".
وكذلك قال أبو بكر بن هانئ: "لا تؤكل ذبيحة الروافض والقدرية؛ كما لا تؤكل ذبيحة المرتد، مع أنه تؤكل ذبيحة الكتابي؛ لأن هؤلاء يُقامون مقامَ المرتد، وأهل الذمة يُقَرُّون على دينهم، وتؤخذ منهم الجزية".
وكذلك قال عبد الله بن إدريس، من أعيان أئمة الكوفة: "ليس لرافضيٍّ شُفْعةٌ؛ لأنه لا شفعة إلا لمسلم".
وقال فُضَيْل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن - يعني: ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما - يقول لرجل من الرافضة: "والله، إنَّ قَتْلَك لَقُرْبَةٌ إلى الله، وما أمتنع من ذلك إلا بالجوار".
وفي رواية قال: رحمك الله، قد عرفت أنما تقول هذا تمزح، قال: "لا والله ما هو بالمزح، ولكنه الجد". قال: وسمعته يقول: "لئن أمكننا الله منكم لنُقَطِّعَنَّ أيديكم وأرجلكم".
وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من علي وعثمان، وبكفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة، الذين كفَّروا الصحابة، وفسَّقوهم، وسبُّوهم.
وقال أبو بكر عبد العزيز في "المقنع": "وأما الرافضي: فإن كان يسب، فقد كفر، فلا يُزَوَّج".
ولفظ بعضهم - وهو الذي نصره القاضي أبو يعلى -: "أنه إن سبَّهم سبّاً يقدح في دينهم أو عدالتهم، كفر بذلك، وإن كان سبّاً لا يقدح - مثل أن يسب أبا أحدهم، أو يسبَّه سبًّا يقصد به غيظه ونحو ذلك - لم يكفر".
قال أحمد في رواية أبي طالب - في الرجل يشتم عثمان -: "هذه زندقة".
وقال في رواية المرُّوذي: "من شتم أبا بكر، وعمر، وعائشة، ما أراه على الإسلام".
وقال في رواية حنبل: "من شتم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما أراه على الإسلام".
قال القاضي أبو يعلى: "فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبِّه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره"، قال: "فيحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" إذا استحلَّ سبَّهم، بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحلَّ ذلك، بل فعله مع اعتقاده لتحريمه، كمن يأتي المعاصي". قال: "ويحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" على سبٍّ يطعن في عدالتهم؛ نحو قوله: "ظلموا وفسقوا بعد النبي وأخذوا الأمر بغير حق"، ويحمل قوله "في إسقاط القتل" على سب لا يطعن في دينهم؛ نحو قوله: "كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شحٌّ، ومحبة للدنيا، ونحو ذلك". قال: "ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره، فتكون في سابِّهم روايتان، إحداهما: يكفر، والثانية: يفسق، وعلى هذا استقر قول القاضي وغيره؛ حكوا في تكفيرهم روايتين".
قال القاضي: "ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برَّأها الله منه كفر بلا خلاف".
ونحن نرتب الكلام في فصلين؛ أحدهما: في حكم سبهم مطلقاً، والثاني: في تفصيل أحكام السبِّ.
أما الأوَّل: فسبُّ أصحاب رسول الله حرامٌ بالكتاب والسنة... ))، ثم أخذ شيخ الإسلام في سرد الأدلَّة من الكتاب والسنة في ذلك، وبيَّن دلالاتها، وأطال، ثم قال:
(( فصل في تفاصيل القول فيهم:
أما من اقترن بسبِّه دعوى: أن عليًّا إله، أو أنه كان هو النبي، وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لاشك في كفره، بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره. وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكُتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك، وهؤلاء يُسَمَّون "القرامطة والباطنية"، ومنهم "التناسخية"، وهؤلاء لا خلاف في كفرهم.
وأما من سبَّهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم، ولا في دينهم؛ مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلَّة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك: فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يُحمل كلام من لم يكفِّرهم من العلماء.
وأما من لعن وقبَّح مطلقًا: فهذا محل الخلاف فيهم؛ لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلاً، لا يبلغون بضع عشرة نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضًا في كفره، فإنه مكذِّب لما نصه القرآن في غير موضع؛ من الرضا عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا؟! فإن كفره متعيِّن؛ فإن مضمون هذه المقالة: أن نَقَلَة الكتاب والسنة كفار أو فُسَّاق، وأن هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس - وخيرها هو القرن الأوَّل - كان عامتهم كفارًا أو فساقًا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام؛ ولهذا تجد عامة من ظهر عنه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مَثُلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تُمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في "النهي عن سب الأصحاب، وما جاء فيه من الإثم والعقاب".
وبالجملة: فمن أصناف السابَّة من لا ريب في كفره، ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من يُتردد فيه، وليس هذا موضع الاستقصاء في ذلك، وإنما ذكرنا هذه المسائل لأنها في تمام الكلام في المسألة التي قصدنا لها.
فهذا ما تيسر من الكلام في هذا الباب، ذكرنا ما يسَّره الله، واقتضاه الوقت، والله سبحانه يجعله لوجهه خالصًا، وينفع به، ويستعملنا فيما يرضاه من القول والعمل.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا إلى يوم الدين،، والله أعلم )).انتهى كلامه رحمه الله.
رابط صفحتي الشخصية في موقع جامعة الملك سعود: http://faculty.ksu.edu.sa/homayed/default.aspx
رد: تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم على من سبَّ الصحابة رضي الله عنهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم , لدي تساؤل أتمنى من الأخ زين العابدين أو ممن له علم أن يفيدني فيه
اقتباس:
الأمر الخامس : أنه حكم بصحة الصلاة خلف الإمام الرافضي , فلو كان الرافضي كافرا عنده لقال ببطلان الصلاة خلفه , لأن الصلاة خلف الإمام الكافر لا تصح كما هو معلوم , وفي هذا يقول :" والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة , فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته
فإذا علمت أو تأكدت من خلال علاقتي بالشيعة أنهم - أو أن الإمام لا يقرأ - بالفاتحة إلا في الركعتين الأوليين من الصلاة وفيما بعدها يقرأ بتسبيح الزهراء _ فهل يجوز لي الصلاة خلفه ؟ وهل تجزئ صلاتي ؟
وفقكم الله وجزاكم خير الجزاء .
رد: تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم على من سبَّ الصحابة رضي الله عنهم
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشاعر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم , لدي تساؤل أتمنى من الأخ زين العابدين أو ممن له علم أن يفيدني فيه
فإذا علمت أو تأكدت من خلال علاقتي بالشيعة أنهم - أو أن الإمام لا يقرأ - بالفاتحة إلا في الركعتين الأوليين من الصلاة وفيما بعدها يقرأ بتسبيح الزهراء _ فهل يجوز لي الصلاة خلفه ؟ وهل تجزئ صلاتي ؟
وفقكم الله وجزاكم خير الجزاء .
يا اخي شيعة زماننا كلهم كفار فكيف تصلي خلف كافر ؟؟؟
اما تسبيح الزهراء فالمراد به ما نفعله نحن اهل السنه بعد الصلاة من تسبيح الله 33 وحمد الله 33 وقو ل الله اكبر34 او 33 وختم ذلك بلا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وهم يفعلونه بعد الصلاة لا في الصلاة فلعلك تصحح معلوماتك عنهم . وفقك الله لكل خير
رد: تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم على من سبَّ الصحابة رضي الله عنهم
بارك الله فيكم شيخنا الجليل