دليل العقلانية على وجود المهدي عند محمد باقر الصدر عرض ونقد.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثمّ أما بعد:
فيؤمن محمد باقر الصدر أنّ المهدي المنتظر قضية أساسية في عقيدة الإمامية، حيث صار الاعتقاد به من ضروريات الإسلام المتواترة، وأن صدق هذه القضية لا ينبغي أن يكون معه ريب ولا شك، فهو حقيقة موضوعية، واعتقاد راسخ موثوق.
أما مزاعم المشككين، وإشكالات المشوشين فمتفق عليه بين الخصوم لهذه العقيدة سواء المتقدمين منهم والمتأخرين.
من هنا رأى الصدر أن يبحث ويدرس هذه القضية وفق منهج علمي يرتكز على دعامتين:
الأولى: النقل الصحيح.
الثانية: الدليل العقلي السليم(موضوع المناقشة).
ويبدأ الصدر في بحثه بإثارة القضية من خلال تساؤلات وإشكالات طرحها المشككون حول المهدوية يسوقها سياق عقلي، ويستند في ردها إلى معطيات العلم والحضارة المعاصرة، ويقعد لهذه المسألة أطر تقوم على أساس العقلانية، والواقعية، والبرهانية.
يبدأ الصدر بالسؤال الأول: كيف تأتى للمهدي هذا العمر الطويل ؟([1]).
ويجيب الصدر عن هذا التساؤل: بمنطق الإمكان، سواء كان: الإمكان العملي، أوالعلمي، أوالمنطقي([2]).
ثم يتبع ذلك بالحديث عن المعجزة والعمر الطويل، وكيف يمكن أن يتعطل القانون وتنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الكونية، والتي قامت على أسس تجريبية استقرائية؟([3]).
يجيب: أنّ المعجزة فصلت أحدى الظاهرتين عن الأخرى، وبذلك تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطراد والتتابع([4]).
ثم يلي هذا: لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره ؟([5]).
يجيب الصدر: في ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى ومتطلبات اليوم الموعود([6]). ثم يستدل على ذلك بفتية أهل الكهف([7]).
ثم ينتقل المؤلف إلى سؤال آخر: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟([8]).
وفي ضوء: أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة مسبقة إليها([9])، يجيب الصدر عن هذا الإشكال، ويستدل بيحي عليه السلام، حيث أؤتي الحكم صبيّا([10]).
ثم يقول: كيف نؤمن بإنّ المهدي قد وجد؟([11]).
ومما أجاب به: أنّ فترة الغيبة الصغرى والتي استمرت سبعين سنة على وتيرة واحدة والوسطاء ينقلون عن المهدي بغير اختلاف فيما ينقل عنه؛ يدل على وجود المهدي في غيبته الكبرى([12]).
والسؤال المنطقي الذي يليه: لماذا لم يظهر القائد إذن؟([13]).
والجواب: أنّ عملية التغيير الاجتماعي يرتبط نجاحها بتوفر الشروط والظروف التي تحقق الهدف المنشود([14]).
وهل للفرد كل هذا الدور؟([15]).
فكانت إجابة الصدر: أنّ التأثير يكون من القطبين: الإنسان، والقوى المادية([16]).
وختاماً:ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟([17]). يقول([18]):
(وهناك افتراض أساسي واحد بلإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو افتراض ظهور المهدي في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة. وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أنّ تمتد وهذه النكسة تهيء الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله –سبحانه وتعالى- التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفىء النار ويقيم على الأرض عدل السماء)
وما تقدم بيانه إطلالة سريعة على كتاب الصدر: بحث حول المهدي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت-لبنان، ط 1412-1992، يقع في 94 صفحة.
وبعد؛ فإن بحثي هذا سيتناول: نقد المنهج العقلي عند محمد باقر الصدر من خلال كتابه: (بحث حول المهدي) وفق الخطة التالية:
المقدمة، وفيها مسألة تجسيد فكرة المهدي عند باقر الصدر، وخطة البحث؛تتكون من مبحثين:
المبحث الأول: عرض المنهج العقلي لباقر الصدر في إثبات وجود المهدي، وفيه مطالب:
المطلب الأول: العمر الطويل، والقوانين الطبيعية.
المطلب الثاني: الغيبة الطويلة، والحقائق المحسوسة.
المطلب الثاني: الإمامة المبكرة، والمدلول الحسي على التجربة.
المبحث الثاني: نقد المنهج العقلي لباقر الصدر في الاستدلال على وجود المهدي، وفيه مطالب:
المطلب الأول: نقد دليل العقلانية على وجود المهدي.
المطلب الثاني: نقد دليل الواقعية على وجود المهدي.
الخاتمة.
.............................. .........................
المبحث الأول: عرض المنهج العقلي لباقر الصدر في إثبات وجود المهدي، وفيه مطالب:
المطلب الأول: العمر الطويل، والقوانين الطبيعية.
المطلب الثاني: الغيبة الطويلة، والحقائق المحسوسة.
المطلب الثاني: الإمامة المبكرة، والمدلول الحسي على التجربة.
المطلب الأول: العمر الطويل، والقوانين الطبيعية:
يأتي الصدر بالتسأول الأول الذي يطرحه، فيقول: ( إذا كان المهدي(ع) يعبر عن إنسان حي عاصر كل تلك الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر امتداداتها، فكيف تأتى له هذا العمر الطويل؟، وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتم مروره بمرحلة الشيخوخة والهرم؟...، هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً متطاولة كما هو المفترض في المهدي (ع) الذي طوى من العمر أكثر من ألف و مئة و أربعين سنة )([19]).
يجيب عن هذه التساؤلات: بالإمكان من نواح ثلاث:
- الإمكان العملي.
- الإمكان العلمي.
- الإمكان المنطقي، أو الفلسفي.
ويقصد بالإمكان العملي إمكانية وقوع الشيء لي ولك،كالسفر عبر المحيط، أوالوصول إلى قاع البحر، فهذه ممكنة عقلاً([20])، بمعنى: أن الواقع النّوعي للإنسان متاح أن يعمر آلاف السنين عقلاً، وإن كانت التجربة تنحسر عن كشف ذلك.
ويقصد بالإمكان العلمي، عدم المعارضة العلمية في ممارسة هذه الأشياء، وإن لم يمكن تحقيقها عملياً لارتباطها بظروف خاصة تبرر لها وجودها، كصعود كوكب الزهره([21]).
فالإمكان العلمي – في نظره- لا مبرر لرفضه، إذ التجارب ما زالت في ازدياد نحو تعطيل قوانين الشيخوخة.
وأما الإمكان المنطقي، أو الفلسفي فلا ممانعة لدى العقل أن يدرك القوانين القبلية السابقة على التجربة، كدخول النار دون حدوث الاحتراق، ونحو ذلك من عدم الممانعة المنطقية القبلية([22]).
ويستدل على ذلك بجملة من الحجج، منها:
- أنّ تعمير المهدي سنين عددا نظير للاكتشافات العلمية للأمراض المستعصية (كالسرطان)، التي لا يزال الباحثون يدأبون في الكشف عن الدواء الشافي لها([23]).
- تسجيل القرآن الكريم لنظائرقضية المهدي كتعمير نوح عليه السلام، يقول تعالى:ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼالعنكبوت: ١٤([24]).
- تعطيل قوانين الكون الصارمة، حيث نجى الله إبراهيم الخليل عليه السلام من النار العظيمة بعد أن ألقي فيها، فما المانع أن يعمر المهدي وفق تعطيل القوانين والنواميس الكونية. ﭧ ﭨ ﭽ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼالأنبياء: ٦٩([25]). ولو قيل: لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمر المهدي إلى هذا الحد؟، لقيل: إنّما هي إرهاصات لتهيئة الشخص الذي ينضج في وقت يعيد العدل للأمة بأسرها.
ومحصل القول في الإمكانات الثلاث: "أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً، وممكن علميّاً، ولكنّه غير ممكن عمليّاً، إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل"([26]).
.............................. .............................. .
المطلب الثاني: الغيبة الطويلة، والحقائق المحسوسة:
ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة ؟ و ما هو المبرر لها ؟... هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل للقائد المدخر عاملاً من عوامل نجاحه في عملية التغيير المرتقب ؟([27]).
يجيب الصدر عن هذه التساؤلات: بأنّ الناس بحاجة إلى جواب ينطق به قانون الاجتماع على ضوء الحقائق المحسوسة، ووفق متطلبات التغيير التي تأتي لرفع ظلم الحضارة القائم وتقويضه، واستبداله بحضارة العدل والحق([28]).
ويبرر ذلك بقوله: " أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود، لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها، وكل ملابساتها التاريخية"([29]).
.............................. ..........................
المطلب الثاني: الإمامة المبكرة، والمدلول الحسي على التجربة.
هكذا يكتمل القائد المنتظر عند الصدر حيث يرى أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة عاشتها الأمة، حيث بلغت أوج ذروتها في مهديّه المنتظر، وأنّها لظاهريتها ووقعيّتها: ( تشكل مدلولاً حسياً عملياً عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بالإثبات لظاهرةٍ من الظواهر هي أوضح و أقوى من تجربة أمة)([30]).
ثم يورد بعض الحقائق التاريخية ليؤكد على بكوريّة هذه الظاهره، نافياً أن تكون وهماًوخيالاً لا يستند إلى دليل، فالأمثلة في القرآن تشهد بذلك كما في قصة يحي عليه السلام،ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼمريم: ١٢([31]).
.............................. .............................
المبحث الثاني: نقد المنهج العقلي لباقر الصدر في الاستدلال على وجود المهدي، وفيه مطالب فريد:
المطلب: نقد دليل العقلانية والواقعية على وجود المهدي.
نقد دليل العقلانية والواقعية على وجود المهدي:
يحسن تحت هذا المطلب التذكير بعمدة المؤلف في الاستدلال على وجود المهدي، حيث استدل بدليل: الإمكان العقلي على وجود القائد المنتظر.
والجواب على هذا الاستدلال يكون بمناقشة الدليل نفسه ومدى صحة الاستدلال به علي مسائل الغيب.
ينظرالفلاسفة إلى الوجود على أنّه مكون من ثلاثة أقسام:
واجب الوجود:
أو ممتنع الوجود:
أو ممكن الوجود: والممكن في الاصطلاح تساوي نسبة الوجود والعدم إلى الماهية([32]).
يقول الجرجاني في المعنى السابق: (عدم اقتضاء الذات الوجود والعدم)([33]) .
والإمكان المنطقي(العقلي) يعني: أنّ قوانين المنطق ليست كافية في الحكم على شيء أنّه موجود أو غير موجود([34]).
بمعنى لا بد من الدليل النقلي لإثبات ما غاب عن الحواس، إذ الغيب في اللغة : كل ما غاب عن الحواس([35])، و اصطلاحاً : ما أخبر الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم مما غاب عن حواس الإنسان من مغيبات.
فالوجود= كل متعلقات الأشياء: إما واجبة الوجود لذاتها، وإما ممتنعة الوجود لذاتها، وإما ممكنة الوجود والعدم([36]).
ولا يعنى أنّ كل ما قدرته الأذهان أن يكون له وجود في الخارج أو في حيّز الإمكان.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا المعنى:
(تقدير العقل لهذه الأقسام لا يقتضي وجودها في الخارج، ولا إمكان وجودها في الخارج، فإنّ هذا مثل أن يقال: الشيء إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون ممكناً، وإما أن يكون لا واجباً ولا ممكنا، والشيء إما أن يكون قديماً وإما أن يكون محدثاً، وإما أن يكون لا قديماً ولا محدثاً ... والشيء إما أن يكون موجوداً، وإما أن يكون معدوماً وإما أن يكون لا موجوداً ولا معدوماً.
فإن أمثال هذه التقديرات والتقسيمات لا تثبت إمكان الشيء ووجوده في الخارج، بل إمكان الشيء يعلم بوجوده، أو بوجود نظيره، أو وجود ما يكون الشيء أولى بالوجود من ذلك الذي علم وجوده، أو بنحو ذلك من الطرق.
والإمكان الخارجي يثبت بمثل هذه الطرق، وأما الإمكان الذهني فهو أن لا يعلم امتناع الشيء، ولكن عدم العلم بالإمتناع ليس علما بالإمكان) ([37]).
فحقيقة الامتناع الذهني= عدم العلم بالامتناع.
وعدم العلم بالامتناع= لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي، بمعنى: أنّ الشيء يبقى في الذهن غير معلوم الامتناع، ولا معلوم الإمكان الخارجي، حتى يأتي البيان من الله Y بما يدل على وجوده، أو وجود نظائره، أو وجود ما هو أولى بالوجود منه([38])، وهذا بعينه ما جاء في الاستدلال على البعث والنشور بالأقيسة العقلية القرآنية، كقوله تعالى: ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼالروم: ٢٧.
وﭧ ﭨ ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼيس: ٧٨.
وﭧ ﭨ ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼغافر: ٥٧.
وعليه؛ فإن عدم العلم بامتناع وجود المهدي المنتظر ليس علما بإمكان وجوده.
وهؤلاء الإمامية يتناسبون طردياً في تشبثهم بكل ما كان أبعد عن الفهم الصحيح، فهم أشد تعظيماً لما كان مجهولاً مبهماً، حالهم في ذلك حال الضلال من المتصوفة، مع أنّه (ليس لهم منه حس، ولا خبر، ولا وقعوا له على عين، ولا أثر) ([39]).
يقول ابن تيمية في هذا المعنى: (...والغالب عليهم عالم التوهم فتارة يتوهمون ماله حقيقة، وتارة يتوهمون مالا حقيقة له كتوهم إلهية البشر، وتوهم النصارى وتوهم المنتظر، وتوهم الغوث المقيم بمكة)([40]).
ودعوى وجود المهدي هي نفس دعوى من يقول: أنّ هنا جبلاً من يقوت، أو بحراً من زئبق، حيث يقال لصاحب الدعوى: أين هو، كيف هو، ما ميزته، وكذلك يقال لمدعي المهدوية: بماذا يعرف، كم عمره حين دخل السرداب، وما الحائل عن ظهوره للناس، ونحو ذلك من السؤلات التي تبيّن عدم وجود المسئول عنه([41]).
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:( ولهذا يقال ثلاثة أشياء مالها من أصل: باب النصيرية، ومنتظر الرافضة، وغوث الجهال،...وأما محمد بن الحسن المنتظر والغوث المقيم بمكة ونحو هذا فإنه باطل ليس له وجود) ([42]).
وطريقة الإنكار لما لا وجود له في القرآن مبثوثة ومسطورة، ومنها قوله تعالى:ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭼالأعراف: ١٩٥.
يقول الأمين الشنقيطي(...وما لا يسمع ولا يبصر لا يصح أن يكون ولياً لآخر، ويشهد لمعنى هذا القول قوله تعالى) ([43]): ثم ذكر الآية السابقة.
وﭧ ﭨ ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼالأنبياء: 43 .
يقول الأمين الشنقيطي:( والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعزّ حتى لا ينالهم عذابنا.
ثم بيّن أن آلهتهم التي يزعمون لا تستطيع نفع أنفسها ، فكيف تنفع غيرها بقوله : ﯖﯗﯘﯙ) ([44]).
وفي مثل هذا المعنى:
قوله تعالى:ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼالنساء:
٥٣.
وقوله تعالى: ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼالنجم: ١٩ – ٢٢.
يقول ابن تيمية في قضية إنكار وجود الشيء في الخارج:(وإذا كان المسئول عنه مما لا وجود له طولب بتمييزه وتعريفه حتى يبين له أنه لا وجود له وأنك تدعي ثبوت ما ليس بثابت)[45]).
وواقعية المجتمع البشري، بما تعنيه الواقعية من معنى عند الإمامية تفرض الحاجة الماسة إلى وجود حجة معصوم يلي الرسول صلى الله عليه وسلم في المرجعية التي تقطع الخلاف وترفع النزاع بين المكلفين.
ولمّا لم يتحقق لهم هذا الأمل المنشود كواقع موضوعي متمثل في وجوده بين المكلفين، لجؤا إلى صياغة الدليل صياغة جديدة يهدفون منها إلى فلسفة الإمام الغائب فلسفة عقلية قائمة على الإمكان العقلي، وهو الذي قرره محمد باقر الصدر في بحثه حول المهدي.
وهذا الزعم المشأوم المعول على رقائع واقعية ينقض في جملة من المرتكزات الأساسية:
الأولى منها: هل أصول الدين الإسلامي تقرر بهذه الأدلة العقلية المجردة عن الدليل النقلي، أم ماذا؟
والثانية: ما مدى مصلحة/مفسدة وجود المنتظر الغائب على الأمة في عقائدها؟.
أما جواب الأولى: فبالنظر إلى دلالة القرآن الكريم على التفريق بين أهل الحق، وأهل الباطل في الاستدلال على أصول الإيمان، وفي ذلك نجد: أنّ أهل الحق يقتفون أثر الآيات المحكمات ويتبعونها، بينما أهل الباطل يتشبثون بالمتشابهات ويؤصلونها، مع أنها تحتمل وجوهاً متعددة لا صراحة فيها على كبد الحقيقة، بل تفتقر إلى غيرها من الأدلة الأخرى في تفسيرها وتوضيح دلالتها.
ذلك التفريق بين منهج أهل الحق، وطريقة أهل الزيغ دلت عليه آية آل عمران في قوله تعالى:ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼآل عمران: ٧.
فهل الذي يحتج به محمد باقر الصدر على أصوليّة المهدوية من جنس المتشابهات، أم أنّه من المحكمات الواضحات البيّنات؟.
والجواب على هذا الاستفهام يبرز واضحاً جلياً عند مناقشة الدليل في نفسه قبل التطرق إلى دلالته على المراد لاسيما إذا قرر الأصوليون أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، وأنّ أصول الدين قد ثبتت بالتواتر القطعي.
وعليه؛ فلا حاجة لنا في مناقشة الأدلة غير المتواترة في دلالتها على الأصول، ولا تلك الأدلة التى تطرق لها الاحتمال وكان الاحتمال راجحاً أو مساوياً، وهذا في الأدلة النصيّة([46])، فكيف بتطبيق القاعده على دليل الإمكان العقلي الذي يصح فيه: أنّه دليل مجمل لا صلاحيّة في الاستدلال به منفرداً، إذ لا مُعين له خارج عنه، مع ما يحتف بدليل المهدوية من القرائن والاعتبارات المرجحة على أنه وهم وخيال وخرافة لا معجزة كما يزعم الصدر، حيث أن المعجزة ثبتت بالدليل الكافي، وهذا هو الفرق الجوهري بين المعجزة والخرافة!!.
وفي تأكيد المعنى السابق يقول الشاطبي: (إن الأصل – على كل تقدير - لا بد أن يكون مقطوعاً به لأنه إذا كان مظنوناً تطرق إليه احتمال الخلاف، ومثل هذا لا يجعل أصلاً في الدين، عملاً بالاستقراء)([47]).
ويقول طه الديلمي في تلخيص المعنى السابق: (إن أصول الدين وأساسياته وضرورياته لا بد أن يكون دليلها نصاً قرآنياً صريحاً لا يحتمل غير معنى صريح لا تحتاج معرفته الى تفسير بآراء العلماء أو رواياتهم) ([48]).
وفي المقصود بالأصول ما أشار إليه الشاطبي في موافقاته إذ يقول أنها:( القواعد الكلية كانت في أصول الدين، أو في قواعد الفقه أو غير ذلك من معاني الشريعة الكلية لا الجزئية، وعند ذلك لا نسلم أن التشابه وقع فيها البتة وإنما وقع في فروعها)([49]).
ثم يُقال: أنّ قواعد الدين وتأصيلاته قائمة على أساس اليقينية التي لا شك فيها بحال من الأحوال، حيث يأتي القرآن الكريم بالنص المحكم القاطع على تأسيس الأصول، ويدلل على هذه الأصولية بأدلة عقلية مباشرة صريحة لا تحتاج إلى استنباط يستخرج الحكم من ألفاظ الأدلة كما هو الحال في أدلة الوحدانية، والنبوّة، والإيمان بالرسل، والملائكة، والكتب، والقدر خيره وشره.
وهذا المنهج الذي سلكه القرآن يتبع في ذلك سبيلاً مطرداً في تأصيل تلك الأركان، يبدأ بالتنصيص عليها، ولا يكتفي بذلك فحسب بل يقيم البرهان العقلي على صحة الخبر، ثم يتبعه بتكرار الإخبار عن هذا الأصل بآيات متنوعات فتتظافر تلك النصوص بألفاظها المتنوعة وصراحتها في المقصود بما لا مجال لشاك أن يشك أو متأول يتأول([50]).
والحاصل أنها منظومة متتالية تكرس الإيمان بهذا الأصول بطرق شتى يمكن أن تسمى: إخبارية، وبرهانيّة، وقطعية.
فإذا أخذنا تلك الشروط طبقاً للمنهج القرآني وأردنا فحص المهدوية عند محمد باقر الصدر وهل هي أصل من أصول الإسلام ؟ نجد أن المهدوية فاقدة تحقيق الشروط الآنفة الذكر، لا قطعية، ولا برهانية، ولا وضوحية، ولا تكرارية.
فأين الاطراد المنهجي للقرآن في الدلالة على أصوليّة المهدوية؟!!
أقول: تبقى خرافة لا دليل يكفي في ثبوتها، إذ هي من الأمور غير المألوفة والمخالفة لسنة الله في خلقه، وكلما كان الأمر خارجاً عن العادة احتاج إلى دليل أقوى، وإذا انبنى عليها تكفير المخالف لاعتقاده بنقضها، فإنّها تحتاج إلى دليل قاطع يبيّن ثبوتها([51]).
وإذا قيل: أن الأساس في إثبات العقائد عند الإمامية -ومنهم باقر الصدر- إنما هو النظر العقلي وليس النصوص؟.
فالجواب: هم إذاً متناقضون، حيث أنهم يرهقون أنفسهم ويشغلونها في محاولة إثبات العقائد عن طريق الاحتجاج بالنصوص الدينية، فإما أن يكون النظر العقلي هو العمدة عندهم، أو أن النصوص الدينية هي المعتمد‘ فإذا كان الأول فما الداعي لإقحام النصوص الدينية في إثبات العقائد، وإن كان الثاني فلا يصح ما قرر من اعتماد النظر العقلي([52]).
وفي موضع المغالطة في النظرية المعرفية الإمامية في تحقيق الأصول يقول طه الديلمي:
(لقد حصرت النظرية المصادر المحتملة للمعرفة الأصولية في أمرين اثنين لا ثالث لهما:
(الأول) هو التقليد. وقد اعتبرته النظرية باطلاً لأنه اتباع للظن.
(والثاني) هو الاجتهاد العقلي المجرد عن النصوص الدينية.
وقد اعتبرته النظرية البديل الوحيد عن التقليد دون التعرض إلى كونه داخلاً في دائرة الظن أو اليقين.
وهذا نوع من الاحتيال الفكري يعتمد على كون الذهن البشري معتاداً بداهة على القفز من النقيض إلى النقيض المقابل كبديل عن نقيضه الذي تبين له بطلانه أو ضرره. بينما قد يُظهر التدبر والتفكر أن الحق أو النفع لا في هذا ولا ذاك، وإنما في نقطة الوسط)([53]).
وهذا يعني أنّ المصدر المعرفي عندهم قد انحصر في أمرين لا ثالث لهما:
إما التقليد، أو النظر العقلي، فإذا بطل الأول لم يبق إلا الثاني، بمعنى: تلازم إثبات النظر العقلي ببطلان التقليد.
وعليه؛ تتضح المغالطة في إخراج النص الديني من كونه معتمداً في الدلالة على الأصول الإمامية، والذي هو نقطة الوسط المغفلة عمداً لتعذر الدلالة فيها على المدلول عندهم، وهذه المغالطة هي نفسها التي سار عليها محمد باقر الصدر في عدم اكتراثه بالنصوص والروايات وإن كان قد أشار إليها في تعضيد دليل الإمكان العقلي، ولكنّه لا يعوّل عليها تعويله على دليل الإمكان العقلي في إثبات المهدوية.
وأما استدلالة بقصة الأنبياء: نوح وإبراهيم، ويحيي عليهم السلام وقصة أصحاب الكهف، ، فهذا تهافت منه في الاستدلال من ناحيتين:
الأولى: عدم تعويله على النص الديني في إثبات الأصول كما تقدم، وهذا تناقض.
الثانية: تلك أمة قد دل عليها القرآن بأدلة اليقينية القطعية التي لا تعتمد على إمكان عقلي، إذا جاء سيل الله بطل نهر معقل. ثم أين تلك الأدلة التي تثبت المهدي المنتظر من أدلة هؤلاء؟.
([1]) بحث حول المهدي، ص 17.
([2]) بحث حول المهدي، ص 19.
([3]) بحث حول المهدي، ص 35.
([4]) بحث حول المهدي، ص 36-37.
([5]) بحث حول المهدي، ص 39.
([6]) بحث حول المهدي، ص 41.
([7]) بحث حول المهدي، ص 46.
([8]) بحث حول المهدي، ص 49.
([9]) بحث حول المهدي، ص 51.
([10]) بحث حول المهدي، ص 59.
([11]) بحث حول المهدي، ص 61.
([12]) بحث حول المهدي، ص 67.
([13]) بحث حول المهدي، ص 73.
([14]) بحث حول المهدي، ص 75.
([15]) بحث حول المهدي، ص 83.
([16]) بحث حول المهدي، ص 85.
([17]) بحث حول المهدي، ص 87.
([18]) بحث حول المهدي، ص 90.
([19]) بحث حول المهدي، ص 13.
([20]) بحث حول المهدي، ص 19.
([21]) انظر: بحث حول المهدي، ص 19.
([22]) انظر: بحث حول المهدي، ص 21.
([23]) انظر: بحث حول المهدي، ص 27.
([24]) انظر: بحث حول المهدي، ص 30.
([25]) انظر: بحث حول المهدي، ص 33.
([26]) انظر: بحث حول المهدي، ص 26.
([27]) انظر: بحث حول المهدي، ص 41.
([28]) انظر: بحث حول المهدي، ص 43-44.
([29]) بحث حول المهدي، ص 47.
([30]) بحث حول المهدي، ص52.
([31]) انظر: بحث حول المهدي، ص 59.
([32]) انظر: المعجم الفلسفي، مراد وهبة،ص98.
([33]) التعريفات، 1/11.
([34]) التعريفات، 1/11. وانظر: مفتاح العلوم للسكاسي، 1/197، وانظر: محك النظر للغزالي، 1/9.
([35]) انظر: لسان العرب، وتاج العروس، مادة: غيب
([36]) انظر: التعريفات، 1/83.
([37]) منهاج السنة 2/215.
([38]) انظر: الفتاوى الكبرى، 1/447، وانظر: درء التعارض،6/284.
([39]) درء التعارض، 5/315.
([40]) الفتاوى، 2/58.
([41]) انظر: درء التعارض، 10/273.
([42]) الفتاوى، 27/99.
([43]) أضواء البيان، 2/284.
([44]) أضواء البيان، 4/229.
([45]) درء التارض، 10/273.
([46]) استدل بهذه القاعدة ابن تيمية والشاطبي والقرافي، ونصْ الزركشي في فساد القاعدة خارج عن سياق ما نحن بصدده، فهو يتحدث عن طرح الأدلة النصية، ففرق بين طرح الاحتمال، وطرح الاستدلال، ودليل الإمكان العقلي، انظر: البحر المحيط، 4/296. أقول: جريان هذه القاعدة على أدلة الصدر في المهدوية عين الصواب، وفي غير ذلك ليس على الإطلاق والإرسال، بل بالضوابط التي حررها أهل العلم.
([47]) الموافقات،1/11.
([48]) المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل، ص18.
([49]) الموافقات، 3/63.
([50]) للمزيد انظر:المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل، ص61، 70، 95 وما بعدها.
([51])انظر:المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل، ص63.
([52])انظر:المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل، ص24.
([53])المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل، ص.
رد: دليل العقلانية على وجود المهدي عند محمد باقر الصدر عرض ونقد.
ما آن للسرداب أن يلــد الذي ... صيرتمـوه بجهلكم إنســـانا
فعلى عقــــولكم العفـا ذا ... أنـكم ثلثتم العنقاء والغيـلانا