بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد:
هذا الحديث رواه ابن ماجه (2038) والدارقطني (4048) و (4340) في سننهما والسبكي في معجمه [ص:498] من طريق عمرو بن أبي سلمة أبو حفص التنيسي عن زهير -يعني ابن محمد- عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((إذا ادعت المرأة طلاق زوجها فجائت على ذلك بشاهد عدل استحلف زوجها ، فإن حلف بطلت شهادة الشاهد ، وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر ، وجاز طلاقه))قال البوصيري: ((هذا إسناد حسن رجاله ثقات)) [مصباح الزجاجة 2/125]وقال الشيخ الالباني في السلسلة الضعيفة [5/213 ح:2211]: ((ضعيف)) ثم قال: ((وعلته زهير بن محمد ، وهو الخراساني ; ضعيف من قبل حفظه ; كما تقدم مرارا))
قلت: بل هو منكر وليست علته هي زهير بن محمد فقط بل فيه علل أخرى منها :
1) عمرو بن ابي سلمة أبو حفص التنيسي الدمشقي صاحب الاوزاعي:متكلم فيه، وثقه ابن يونس [تاريخ دمشق ج46/ص66] وابن سعد [مقدمة الفتح ص430] وذكره ابن حبان في الثقات [ر:14556] وأثنى عليه الوليد بن بكر الاندلسي (ولا يعد هذا توثيقا) وتبعهم الذهبي وغيره من المتأخرين ، وقال الذهبي في السير: ((وقد ضعفه يحيى بن معين وحده)) قلت: كذا !! وهو يعلم بأنه قد ضعفه ابو حاتم وغيره !قال اسحاق بن منصور: قال ابن معين: ((عمرو بن أبي سلمة ضعيف)) [الجرح والتعديل 6/235]وقال ابو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)) [المصدر السابق] وقال الامام احمد: ((روى عن زهير أحاديث بواطل، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير)) [التهذيب 8/44] وقال الساجي: ((ضعيف)) [المصدر السابق] وقال ابو جعفر العقيلي: ((عمرو بن أبي سلمة التنيسي أبو حفص في حديثه وهم)) [الضعفاء الكبير 3/272] وذكره ابن الجوزي في الضعفاء [ر:2563] وقال الحافظ في التقريب [ر:5043] : ((صدوق له أوهام))يعني مقبول إذا توبع ولا يحتج به إذا انفرد ، والصواب فيه ما قاله ابو حاتم.
ويحتج بعض من يوثقه بإخراج البخاري ومسلم له وفي هذا نظر ، ومعلوم أنه ليس كل من أخرج لهم الشيخان ثقات ، وليس كل من كان حديثه مقبولا في الصحيحين يكون حديثه مقبولا خارجهما ! ولم يخرج الشيخان له شيئا إلا ما توبع عليه، وانظر [مقدمة الفتح ص431]
2) ولو قلنا أنه صدوق -تنزلاً- فإن حديثه عن زهير بن محمد -خاصةً- منكر أو أشدقال الامام احمد: ((روى -يعني أبا حفصٍ التنيسي- عن زهير أحاديث بواطيل، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير)) [التهذيب 39/8] وقال أبو بكر الأثرم: " سمعت أبا عبد الله، وذكر رواية الشاميين عن زهير بن محمد قال: (( يروون عنه أحاديث مناكير هؤلاء )) ، ثم قال لي: (( ترى هذا زهير بن محمد الذي يروون عنه أصحابنا )) ، ثم قال: (( أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة ، عبد الرحمن بن مهدي ، وأبو عامر ، أحاديث مستقيمة صحاح ، وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة )) ، أو نحو هذا ، فأما بواطيل فقد قاله " [تهذيب الكمال 417/9] وقال البخاري: ((روى عنه -يعني عن زهير- أهل الشام أحاديث مناكير)) [التاريخ الكبير 427/3] وله مناكير كثيرة عن زهير بن محمد منها ما جاء في العلل لابن ابي حاتم قال : ((وسألت أبي عن حديث ؛ رواه عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته. قال أبي: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد" )) [العلل م:588] وقال ابن ابي حاتم أيضا: ((وسألت أبي عن حديث ؛ رواه عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، عن زهير بن محمد ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها . فسمعت أبي يقول : "هو حديث منكر" )) [العلل م:895]وانظر أيضا في العلل لابن ابي حاتم [م:414] و [م:588] و [م:592] و [م:614] و [م:713] و [م:895] و[م:1299] و [م:1710] و [م:2375] وما أوردته هو يسير من كثير وغيض من فيض
3) زهير بن محمد التميمي العنبري المروزي أبو المنذر ، في توثيقه خلاف:-قال الامام احمد في رواية ابي داود عنه: ((لم يكن به بأس)) [سؤالاته ر:228] وقال في رواية الميموني: ((مقارب الحديث)) [الضعفاء الكبير للعقيلي 2/416] وفي رواية إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ((مستقيم الحديث)) [الجرح والتعديل 3/590] وفي رواية المروذي: ((ليس به بأس)) [تهذيب الكمال 9/416] وفي رواية حنبل بن اسحاق: ((ثقة)) [المصدر السابق] وفي رواية البخاري: ((كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر فقلب اسمه)) [التاريخ الكبير 3/427] يعني لكثرة المناكير ، وقال الترمذي عن احمد ايضا: ((كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ، ليس هو الذي يروى عنه بالعراق ، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه ، -يعني لما يروون عنه من المناكير-)) [سنن الترمذي ح:3291]-قال ابن معين في رواية الدوري: ((ثقة)) [تاريخ الدوري ر:4752] وكذلك في روايةٍ لابن ابي خيثمة [تاريخ دمشق 19/121] وفي رواية ابن محرز: ((ليس به بأس)) [تاريخه 1/90] وكذلك في رواية الدارمي [تاريخه ر:343] ورواية ابن الجنيد كذلك [سؤالاته ر:564] وفي روايةٍ لابن ابي خيثمة: ((صالح)) [تاريخ دمشق 19/121] وجاء في تهذيب الكمال عن ابن ابي خيثمة زيادة بعد قوله صالح وهي: ((لا بأس به)) ولم ينقل أحد ممن نقل كلام ابن ابي خيثمة هذه الزيادة فلعلها وهم، وقال ابن معين أيضا في رواية المفضل بن غسان عنه: ((ليس به بأس وليس بالقوي)) [تاريخ دمشق 19/121] وقال في رواية معاوية بن صالح: ((زهير بن محمد خراساني, ضعيف)) [الضعفاء الكبير للعقيلي 2/416]-قال البخاري: ((أنا أتقي هذا الشيخ كأن حديثه موضوع وليس هذا عندي زهير بن محمد وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ ينبغي أن يكون قلب اسمه أهل الشام يروون عن زهير بن محمد هذا مناكير)) [العلل الكبير ص148] وقال البخاري أيضا: ((أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد مقاربة مستقيمة ولكن الوليد بن مسلم وأبو حفص عمرو بن أبي سلمة وأهل الشام يروون عنه مناكير)) [المصر السابق ص157] وقال ايضا: ((ما روى أهل الشام عن زهير فإنه مناكير , ليس لها أصل , وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح الحديث)) [التاريخ الاوسط 4/1101]-وذكره ابو زرعة الرازي في الضعفاء [الضعفاء له ر:113] -وقال ابن ابي حاتم: ((سألت أبي عن زهير بن محمد، قال: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، وكان من أهل خراسان سكن المدينة وقدم الشام، فما حدث من كتبه فهو صالح، وما حدث من حفظه ففيه أغاليط))[الجرح والتعديل 590/3] وهذا تفصيل جيد
-وقال الامام يعقوب بن شيبة السدوسي: ((صدوق صالح الحديث)) [تاريخ دمشق 19/122] -وقال عثمان الدارمي: ((ثقة صدوق له أغاليط كثيرة)) [تاريخ دمشق 19/119] -وقال صالح جزرة: ((ثقة صدوق)) [تاريخ دمشق 19/123] -وقال موسى بن هارون: ((أرجو أنه صدوق، كثير الخطأ)) [المصدر السابق] -وقال النسائي: ((ليس بالقوي)) [الضعفاء ر:218] -وقال أبو عروبة الحراني: ((كأن أحاديثه فوائد)) [تهذيب الكمال 9/418] -وقال ابو احمد الحاكم: ((في حديثه بعض المناكير)) [تاريخ دمشق 19/119] -وقال ابن حبان: ((كان يهم في الاحايين)) [مشاهير علماء الامصار ر:1473] وذكره في الثقات وقال: ((يخطىء ويخالف)) [الثقات لابن حبان ر:8007] -وذكره العقيلي في الضعفاء وذكر له حديثا ثم قال: ((لا يتابع عليه الا من وجه فيه لين)) [الضعفاء الكبير له 2/417]-وذكره ابن الجوزي كذلك في ضعفائه [الضعفاء والمتروكين ر:1285] -وقال العجلي: ((جائز الحديث)) [تاريخه ر:503] -وقال ابن عدي: ((وهذه الأحاديث لزهير بن مُحَمد فيها بعض النكرة ، ورواية الشاميين (كذا !!) عنه أصح من رواية غيرهم ، وله غير هذه الأحاديث ولعل الشاميين حيث رووا عنه أخطأوا عليه ، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيمة وأرجو أنه لا بأس به)) [الكامل 4/187] وقوله: ((ورواية الشاميين عنه أصح...)) خطأٌ، ولعله قَصَد: ((ورواية العراقيين ...)) والله أعلم ، -وقال البيهقي: ((ليس بالقوي)) [معرفة السنن والآثار 2/135] -وقال ابن عبد البر: ((زهير بن محمد ضعيف عند الجميع)) !! [الميزان 2/85] وهذا كلام فيه مجازفة-وقال الذهبي في السير: ((وما هو بالقوي ولا بالمتقن، مع أن أرباب الكتب الستة خرجوا له)) [سير أعلام النبلاء 15/185] وقال أيضا: ((ذو مناكير)) [الميزان 2/311] وقال أيضا: ((ثقة يغرب ويأتي بما ينكر)) [الكاشف ر:1666] وقال في موضع آخر: ((له مناكير فَلْيُحْذَر منها)) [تاريخ الاسلام 10/197] -وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: ((وفصل الخطاب في حال رواياته أن أهل العراق يروون عنه أحاديث مستقيمة ، وما خرج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه وأهل الشام يروون عنه روايات منكرة ، وقد بلغ الإمام أحمد بروايات الشاميين عنه إلى أبلغ من الإنكار)) [شرح علل الترمذي ص:332] -وقال الحافظ ابن حجر: ((رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضُعِّفَ بسببها قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرا الذي يروي عنه الشاميون آخر وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه. من السابعة مات سنة اثنتين وستين ع )) [التقريب ر:2054] وقال في مقدمة الفتح: ((مختلف فيه)) [مقدمة فتح الباري ص:401] وقال أيضا: ((أخرج له الجماعة لكن له عند البخاري حديث واحد في كتاب المرضى قال فيه حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمرو وهو أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وعن أبي هريرة حديث ما يصيب المسلم من نصب الحديث وقد تابعه الوليد بن كثير عند مسلم وأخرج البخاري في الاستئذان بهذا الإسناد إلى زهير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد حديث إياكم والجلوس في الطرقات الحديث ولم ينسب زهيرا عنده فذكر المزي وغيره أنه زهير بن محمد وقد تابعه عليه حفص بن ميسرة عندهما والدراوردي عند مسلم وأبي داود كلاهما عن زيد بن أسلم به وليس له في البخاري غير هذا)) [المصدر السابق]قلت: وقد كثر الاختلاف فيه والصواب فيه -بإذن الله- أنه:[صدوق في حفظه لين فما حدث من كتبه فصحيح ، وما حدث من حفظه ففيه شيئ، وحديث الشاميين عن منكر] والله أعلم .
قال الشيخ الالباني: ((وقول البوصيري: "هذا إسناد حسن رجاله ثقات" فهو مردود ؛ لا سيما وفيه أيضا عنعنة ابن جريج ! )) [السلسلة الضعيفة 5/239]قلت: نعم كلام البوصيري مردود، لكن لا وجه لإِعْلَالِ الحديث بعنعنة ابن جريج، فعنعنته -وأمثاله- محمولة على السماع حتى يثبت عكس ذلك .
وقد ضعَّفَ هذا الحديثَ غير واحد أيضا ، وقال ابن ابي حاتم: ((سألت أبي ، عن حديث ، رواه عمرو بن أبي مسلمة عن زهير بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ادعت المرأة طلاق زوجها وشهد لها شاهدا استحلف فإن حلف بطلت شهادة الشاهد وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه" . قال أبي: [هذا حديث منكر] )) [العلل م: 1299]
والخلاصة أن هذا الحديث: منكر كما قال أبو حاتم وليس ضعيفٌ فقط
قوله: (( ... فإن نكل فنكوله ...))قال ابو حفص النسفي: ((النُّكُولُ فِي الِاسْتِحْلَافِ مِنْ بَابِ دَخَلَ أَصْلُهُ الْجُبْنُ يُقَالُ نَكَلَ عَنْ الْعَدُوِّ أَيْ جَبُنَ عَنْهُ فَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْيَمِينِ ) اهـ[طِلْبَةُ الطَّلَبَةِ فِي الاصْطِلاَحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ ص119]
والله أعلم .
وكتبه: أبو القاسم حمزة بن إدريس البيضاوي