الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :
" وأما " البِدَع " : فهو جمع بدعة، وهي كل شيء ليس له مثال تقدّم، فيشمل لغةً ما يُحْمد، ويذمّ، ويختص في عُرفِ أهل الشرع بما يُذمّ، وإن وردت في المحمود : فعلى معناها اللغوي "
وقال في موضع آخر :
" فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أُحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً، أو مذموماً "
فتح الباري
رد: الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
عليك بالنظر في السياق ، والتركيز في كلام الإمام ، وترك الخطوط وتلوين الجُمَل ، فالعبارة التي تريدها لا تستقيم إلاَّ بما قبلها ، والكلام مترابط .
وهو رحمه الله يقصد بأنَّ البدعةَ في العُرف الشرعي : كل ما ليس له مثالٌ تقدم ممَّا يُذم . أمَّا في اللغة : كل ما ليس له مثالٌ تقدم ، سواءً كان مذمومًا أم محمودًا ..
وله رحمه الله أيضًا كلام في ضابط البدعة :
( وَالْبِدْعَة أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْر مِثَالٍ سَابِقٍ ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْع فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْت مُسْتَحْسَنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ ... ) .
وقولهُ : (إن كانت مما تندرج تحت مستحسنٍ في الشرع...) يقصد إن كان لها أصلٌ مستحسنٌ في الدين ، وما كان له أصلٌ مستقبحٌ في الدين يرجعُ إليه ، أو لم يكن له أصلٌ في الدين بالكلية فهو البدعة المذمومة ، وعلى هذا كثيرٌ مِن المحققين ، وكلام الإمام الحافظ ابن حجر واضح لمن تأملهُ .
والله أعلم ،
رد: الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله نقل تقسيم العز اِبْن عَبْد السَّلَام : فِي أَوَاخِر " الْقَوَاعِد " الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام ...
إذاً فالذي يندرج تحت مستحسن في الشرع هو ماندرج تحت القواعد الشرعية المتفق عليها كقاعدة مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .. ويؤكد ذلك الأمثلة التي ضربوها فهي من ما لايختلف فيه
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
( في باب ما يكره من التعمق والتنازع) وَأَمَّا " الْبِدَع " فَهُوَ جَمْع بِدْعَة وَهِيَ كُلّ شَيْء لَيْسَ لَهُ مِثَال تَقَدَّمَ فَيَشْمَل لُغَة مَا يُحْمَد وَيُذَمّ ، وَيَخْتَصّ فِي عُرْف أَهْل الشَّرْع بِمَا يُذَمّ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُود فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ." فتح الباري
وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله: «قوله: «كلَّ بدعة ضلالة(قاعدة شرعيَّة كليَّة بمنطوقها ومفهومها، أمَّا منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، فلا تكن من الشَّرع؛ لأنّ الشَّرعَ كلَّه هدى، فإن ثبت أنَّ الحكم المذكور بدعة صحَّت المقدِّمتان، وأنتجتا المطلوب) أهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(... والأصل الاتباع والخصائص لا تثبت إلاَّ بدليل ..) كتاب الصلاة /خطبة الإمام في الكسوف
قال الحافظ ابن حجر ( أجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجوراً بأن لم ندع استلامها هجراً للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكن نتبع السنة فعلاً أو تركاً..)فتح الباري(4/220).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند قوله في ذكر النوم (وبرسولك الذي أرسلت لا وبنبيك الذي أرسلت) وأولى ماقيل في الحكمة في رده على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا اختيار المارزي قال: فيفتقر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها) الفتح (11/كتاب الدعوات /باب من بات طاهراً)
وقال الحافظ أيضاً(....ولا سيما في ألفاظ الأذكار فإنها تجيىء خارجة عن القياس غالباً) (11/كتاب الدعوات /باب الصلاة على النبي )
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني(قوله: يف نسلم عليك .. والحامل لهم في ذلك ان السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهو منه أن الصلاة أيضاً تقع بلفظ مخصوص وعلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الأذكار فإنها تجيء خارجة عن القياس غالباً..) (11/كتاب الدعوات/باب الصلاة على النبي )
عن زيد بن ثابت قال:(أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبر أربعاً وثلاثين فأتى رجل في منامه فقيل له:أمركم محمد أن تسبحوا ..فذكره قال نعم قال اجعلوها خمساً وعشرين وجعلوا منها التهليل فلما أصبح أتى النبي واخبره فقال فافعلوه)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند هذا الحديث(واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص من الأكار معتبر وإلاَّ لكان يمكن أن يقال لهم:اضيفوا لها التهليل ثلاثاً وثلاثين وقد كان بعض العلماء يقول:إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي:وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على التيان به فحصل له الثواب بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله)اه ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الإنتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم التي بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب على عشرة مثلاً فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعاً لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئاً أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئاً للأدب)اهاه وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلاً فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الأنتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل في السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الأنتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الأتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمةوخاصة تفوت بفواتها والله أعلم) الفتح كتاب الأذان/باب الذكر بعدالصلاة(2/330)
قال ابن حجر (.. نقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزىء لكن ماكان أكثر ثناء أفضل بشرط أن يكون مأثوراً) الفتح (11/كتاب الأدب/باب الحمد للعاطس
وهذا مالايقوله المبتدعة الذين أخذوا منه ألفاظ التقسيم ولم يأخذوا بالمعاني والحقائق الذي يريدها والله أعلم.
ولايلزم من هذا عدم وجود أفراد من المسائل خالفوا فيها الحق فالخطأ في التطبيق لايسلم منه أحد إلا المعصوم.
رد: الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
وهذا العز بن عبد السلام وهو من أشهر من قال بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يقول في كتابه "الفتاوى" (ص392) : ( ولا يستحب رفع اليد في القنوت كما لا ترفع في دعاء الفاتحة، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولم يصح في ذلك حديث، وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد؛ ولا يستحب رفع اليدين في الدعاء إلا في المواطن التي رفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل، ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت، ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله في القنوت بشيء ولا ينقص) اهـ.
وقال في"الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة"(ص7- 8) : ( فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها.
فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه؛فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربةً، إذا لم يكن لها سبب صحيح.
وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون) اهـ.
وقال أيضاً العز بن عبد السلام كما في "فتاوى العز بن عبد السلام" (ص289) : ( ومن فعل طـاعة لله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي؛ أو ميت لم ينتقل ثوابها إليه إذ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) ]النجم:39[ فإن شرع في الطاعة ناوياً أن يقع عن ميت لم يقع عنه إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة:والصوم، والحج) انتهى كلامه، ومعروف أن كثيراً من العلماء قالوا بجواز إهداء كثير من الطاعات للأموات وإن لم يرد دليل على ذلك وإنما قياساً على
ما ورد!.
وقال أيضاً في (ص197- 199) : ( أما مسألة الدعاء فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله rعَلم بعض الناس الدعاء فقال في أوله: ( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ) وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته) انتهى كلامه رحمه الله
وهذا مالايقوله المبتدعة الذين أخذوا منه ألفاظ التقسيم ولم يأخذوا بالمعاني والحقائق الذي يريدها والله أعلم.
رد: الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
أحسن الله إليكم .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاثر
ولايلزم من هذا عدم وجود أفراد من المسائل خالفوا فيها الحق فالخطأ في التطبيق لايسلم منه أحد إلا المعصوم.
ولذلك كان مذهب أهل الحديث أسلم وأحكم وأعلم في باب البدع وذرائع الشرك, فإذا لم يسلم علماء بقامة العز وابن حجر رحمهم الله فكيف بعوام الناس الذين يتهافتون في الوقوع في البدع كتهافت الفراش في الوقوع في النار.
رد: الحافظ ابن حجر العسقلاني : البدعة في عُرف أهل الشرع مختصّة بما يُذمّ ..!!
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالح الجبرين
وقولهُ : (إن كانت مما تندرج تحت مستحسنٍ في الشرع...)
لا يُسلّم بهذا على إطلاقه, والحق أن العبادات لا استحسان فيها ولا قياس, وإنما يدخلها الاستحسان والقياس من جهة وسائلها, في حدود المصالح المرسلة متى تحقق شرطها, أو من جهة إيقاع العبادات المطلقة, التي لم يخصصها الشارع بصفة مخصوصة, كالذكر المطلق ونحوه. والله تعالى أعلم