سلسلة التعريف بالخزانات الخاصة بالمغرب: خزانة مؤسسة علال الفاسي
خزانة مؤسسة علال الفاسي بمدينة الرباط:
التعريف بالعلامة علال الفاسي:
يعتبر العلامة المغربي الراحل علال الفاسي أحد أقطاب الفكر الإسلامي في القرن العشرين الذين شغلوا بهموم وقضايا الأمة العربية والإسلامية، وساهموا بفكرهم وكتاباتهم في وضع معالم الطريق من أجل التحرر من الاستعمار الغاشم والتبعية الثقافية، ووضعوا مشروعات إصلاحية لإنجاز النهضة المنشودة في كافة الميادين .
جمع إلى جانب العمل السياسي والجهاد الوطني زعامة الفكر، وأصالة الرأي، والقدرة على الكتابة والتأليف والمعرفة الواسعة بالإسلام، وقد ناضل باستماتة ضد الاحتلال الفرنسي للمغرب وأقطار المغرب العربي ، وعاش في السجون والمنافي لسنوات طوال بسبب دفاعه عن قضايا الأمة وحقها المشروع في نيل استقلالها وتقرير مصيرها. ألف العديد من الكتب في جميع المجالات والعلوم والمعارف، في الفقه والحديث والقانون والفلسفة والسياسة والأدب والاجتماع واللغة. وإلى جانب انشغاله بالقضايا السياسية والاجتماعية ،وعلى رأسها الاستعمار وقضية فلسطين التي كانت من أولويات انشغالاته، كان للمفكر الراحل اهتمام كبير بالأدب والشعر، بل يعد أحد رواد القصيدة المغربية الحديثة ، وقد خلف في ذلك ديوانا ضخما في ثلاثة مجلدات ضمنها شعره الذي نظم ثلثيه في المنافي وديار الغربة ، يدور كله حول القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية والتعليمية.
المولد والنشأة
ولد علال الفاسي في مدينة فاس في يناير سنة 1910 من أسرة عربية مسلمة ، تعتز بعروبتها وإسلامها وجهادها في سبيل الله ، هاجرت من الأندلس إلى المغرب، واستقرت في مدينة فاس ، وهي أسرة علم وفضل ودين، فأبوه عبد الواحد كان من كبار علماء المغرب ، وكان مدرساً في جامعة القرويين، وكان قاضياً ، ومفتياً ، وكذلك كان أجداده من العلماء والقضاة والمجاهدين. التحق علال الفاسي وهو دون السادسة من عمره بالكُتّاب، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم درس في القرويين إلى أن نال شهادة العالمية عام 1932 ، وكان فيها من المتفوقين ، ولم يكتف بالكتب المقررة ، على أهميتها وكثرتها، بل أضاف إلى المقرر ما كان يجده في مكتبة أبيه العامرة بالكتب فيدرسها بعمق ، حتى تحصلت لديه ملكة علمية قادته إلى التضلع بعدد من العلوم العربية والتاريخية والشرعية والفلسفية ، فجاءت أبحاثه غنيةً ودقيقةً ، مما أهله ليكون من كبار المفكرين الإسلاميين .
البيئة الاجتماعية التي ساهمت في تكوين شخصيته
علال الفاسي ابن (القرويين) وسليل أسرة علمية تعتز بإيمانها وإسلامها وعروبتها ، وطالما كافح أبناؤها العلماء للحفاظ على عقيدة الأمة ، ونشر الإسلام بمبادئه ومكارم أخلاقه. هذه البيئة التي جعلت عشقه للحرية عشقاً شاعرياً ، وعقلانياً ، وكارهاً للاستبداد والمستبدين وحكم الحزب الواحد ، والاستئثار بالحكم دون شورى وبرلمان وانتخابات. وكان لجمال الدين الأفغاني دور كبير في تبلور شخصية المجاهد علال ، وذلك من خلال التعاليم والأفكار التي نادى بها الأفغاني ، وكلها أفكار ثائرة ضد الاستبداد والتخلف والجمود والرضوخ للإقطاع والحكام الطغاة. كما اطلع على الدعوة السلفية في المشرق ، وأفاد منها في الحرب التي شنتها على الخرافات والبدع وكل ما ليس له صلة بهذا الإسلام الحنيف.
علال الفاسي الزعيم والقائد المجاهد
كان العدو الغاصب الذي كان لا يمل من التفكير في وضع خطة ماكرة يسيطر بها على البلاد، ويحكم قبضته عليها، فأصدر قرارا عرف بالظهير البربري كان يهدف إلى فصل الأمة إلى فريقين، فجعل البربر غير خاضعين للقانون الإسلامي في نظام الأسرة والميراث، ودعا إلى إقصاء اللغة العربية من مدارس البربر، وأن تكون البربرية والفرنسية هما أداة التعليم، وكان الهدف من وراء ذلك فَرْنسة المغرب لغويا وسياسيا، وتعليم البربر كل شيء إلا الإسلام.
ولم يقف علال الفاسي مكتوف اليد إزاء هذه التدابير الماكرة، فقام بإلقاء الخطب والدروس يعرّف أهل وطنه بحقيقة ما يدبر لهم بالخفاء، وكان لصدق لهجته أثر كبير في استجابة الناس له، وخرجت المظاهرات الحاشدة تندد بهذه السياسة الخبيثة. وقابل المحتل الفرنسي هذه المظاهرات بعنف بالغ، واعتقل كثيرا من المتظاهرين، وكان من بينهم علال الفاسي، غير أن المظاهرات زادت حدة وضراوة، واحتج البربر أنفسهم على هذه السياسة وقاوموها بشدة، ولم يجد الحاكم الفرنسي بدا من الإفراج عنه والتخلي عن الإجراءات التي أعلنت بخصوص البربر.
وبعد خروج علال الفاسي من السجن بدأ رحلة جديدة لتوعية الناس بإلقاء الدروس والمحاضرات. وقد جذبت هذه الدروس اهتمام المغاربة من الرجال والنساء، ولم يكتف بهذا، فاختار نخبة من زملائه وأوفدهم إلى شتى القرى لنشر الوعي والأفكار الصحيحة وتأجيج الشعور الوطني. وعلى إثر ذلك أصدر المحتل الفرنسي قرارا باعتقال علال الفاسي. حمل في (28 من شعبان 1356هـ/ 3 من نوفمبر 1937م) في طائرة خاصة إلى منفاه بالغابون في إفريقيا الإستوائية، وظل في منفاه تسع سوات .
وبعد نيل المغرب استقلاله سنة (1375هـ/ 1955م) ورجوع الملك محمد الخامس إلى عرشه عاد علال الفاسي إلى وطنه بعد غياب عشر سنوات قضاها في القاهرة، وعاود نشاطه القديم فتولى رئاسة حزب الاستقلال الذي أنشئ من قبل، واختير عضوا رئيسيا في مجلس الدستور لوضع دستور البلاد، ثم انتخب رئيسا له، وقدم مشروع القانون الأساسي، وشارك في وضع الأسس الأولى لدستور سنة 1962م، ودخل الانتخابات التي أجريت سنة (1383هـ/1963م) ودخل الوزارة، وإليه يرجع الفضل في إنشاء مشروع وزارة للدولة مكلفة بالشؤون الإسلامية. وإلى جانب ذلك انتخب عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة.
إنتاجه الأدبي والفكري
كان إنتاجه الأدبي وبحثه العلمي كثيرا، فقد أخرج علال الفاسي أكثر من عشرين كتابا في ميادين الثقافة المختلفة، فألف في التاريخ كتابه: "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" بناء على تكليف من جامعة الدول العربية، وهو عرض لخلاصة الحالة في المغرب العربي في صورها المختلفة، وكتابه: "المغرب العربي منذ الحرب العالمية الأولى" وأصله محاضرات ألقاها سنة 1955م على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية في معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية.
وفي مجال الشريعة الإسلامية وضع كتابه المعروف: "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" وهو في أصله محاضرات ألقاها على طلبة الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط وطلبة كلية الحقوق بفاس والشريعة بجامعة القرويين، وكتاب: "دفاع عن الشريعة" الذي ألفه بهدف بيان حقيقة الشريعة وما فيها من محاسن وما لها من مميزات وكونها شريعة صالحة لكل زمان ومكان مع بيان مقاصد القوانين الاستعمارية الغاشمة .
وله أيضا كتابان آخران يتصلان بهذه الموضوعات، هما: "المدخل للفقه الإسلامي"، و"تاريخ التشريع الإسلامي"، وقد أوضح فيهما بأدلة قاطعة أن القوانين الغربية وحتى الفقه الروماني في صورته الموجودة اليوم تأثرت بالفقه الإسلامي واستمدت منه عن طريق الشراح والمفسرين الذين أخرجتهم مدرسة بولونيا الإيطالية وغيرها من المدارس الأوربية، وهؤلاء تأثروا بالثقافة العربية التي وصلتهم عن طريق الأندلس.
ومن أهم كتبه: "النقد الذاتي" الذي تضمن معظم آرائه وتوجهاته الإصلاحية، وقد كتبه سنة 1949م عندما كان مقيما في القاهرة، وحدد فيه المنهج الفكري لبناء المغرب المستقل، متخذا من الحرية والفكر أساسا لكل نجاح، وداعيا إلى نشر حرية التفكير حتى لا يظل وقفا على طبقة معينة أو حكرا على فئة خاصة.
وألف في ميدان الاقتصاد والاجتماع والوحدة والتضامن عدة كتب، منها: "معركة اليوم والغد"، و"دائما مع الشعب"، و"عقيدة وجهاد" .
وفاته
وشاء الله أن توافي علال الفاسي منيته وهو في ميدان العمل والجهاد، حيث توفي في بوخارست عاصمة رومانيا، وهو يعرض على رئيسها انطباعاته عن زيارته التي قام بها وفد حزب الاستقلال المغربي برئاسته، ويشرح قضية المغرب وصحراء المغرب، ونضال الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حريته وأرضه، وخرجت روحه الطاهرة بعد ظهر يوم الإثنين (20 من ربيع الآخر 1394هـ/ 13 من مايو 1974م).
خزانة مؤسسة علال الفاسي:
تشتمل المؤسسة حالياً على خزانة كبرى هي الخزانة الخاصة بالمرحوم علال الفاسي ، وقد أضيفت إليها فيما بعد مكتبات أخرى أهداها أصحابُها إلى المؤسسة .
أما خزانة علال الفاسي الأم فهي وحدها تعتبر من أهم خزائن الكتب بالمغرب إذ تحتوي ـ فضلاً عن مؤلفاته الشخصية وإنتاجه العلمي والأدبي المتنوع ـ على مجموعة كبرى من كتب التراث الإسلامي والعربي والمغربي منه على الخصوص . وكان بعضُ محتويات هذه الخزانة العلمية قد أل إليه من خزانة والده العلامة المرحوم عبد الواحد الفاسي أحد علماء القرويين المشهورين ، أما جلُّه فكان مما عمل رحمه الله ، منذ حداثة سنه وإلى آخر أيام حياته ، على تحصيله واقتنائه ، باذلاً في ذلك كل غالٍ ونفيس . وهكذا فإن محتويات هذه المكتبة تنقسم إلى :
1 ـ مؤلفات علال الفاسي وبحوثه ومقالاته ورسائله وإنتاجه الذي طبع جزء كبير منه في كتب ، وما يزال بعضه مخطوطاً في دفاتره وكناشاته وأوراقه الخاصة ، وبعضُ آخر مبثوث في ثنايا الصحف والمجلات المغربية وغيرها .
2 ـ قسم المخطوطات : ويحتوي على أكثر من 800 مجلد ، منها 242 مجلداً يحتوي كل منها على أكثر من مؤلَّف . وبذلك يصل عدد المؤلفات المخطوطة في هذه المكتبة إلى أكثر من 2400 عنوان . ويوجد لهذه المخطوطات فهرس مطبوع في أربعة مجلدات أعده المرحوم عبد الرحمان بن العربي الحريشي المدير السابق للمؤسسة .
3 ـ المطبوعات الحجرية : وهي ذات قيمة خاصة ترقى إلى مستوى المخطوطات لأهميتها وندرتها ، ويبلغ عددها في هذه الخزانة 171 كتاباً .
4 ـ المطبوعات العادية : أما باقي المطبوعات فيفوق عددها ستة آلاف كتاب ، بما فيها 52 من المصاحف الشريفة في مختلف طبعاتها .
5 ـ المجلات والدوريات : ويبلغ عددا بالمؤسسة أكثر من 200 مجلة وصحيفة .
6 ـ الكتب الأجنبية : وهي للكتب والمجلات المكتوبة بغير العربية من الفرنسية والإنجليزية وغيرهما ، ويبلغ عددها زهاء ألفي مجلد .
7 ـ الوثائق : تشتمل خزانة علال الفاسي على كم هائل من الوثائق المتعلقة بتاريخ الحركة الوطنية المغربية والمغاربية بما فيها الرسائل المتبادلة بين صاحب الخزانة وعدد من الشخصيات المغربية والعربية والإسلامية والأجنبية .
8 ـ مجموعة من الصور الفوتوغرافية للزعيم المرحوم علال الفاسي وشخصيات أخرى وطنية وعربية ودولية لها قيمة خاصة في تاريخ المغرب الحديث .
المكتبات الملحقة :
بالإضافة إلى خزانة علال الفاسي الأصلية ، أو المكتبة الأم ، ألحقت بالمؤسسة خلال السنوات القليلة الماضية ، مكتبات قام أصحابها ـ أو ورثتُهم ـ بإهدائها إليها تقديراً منهم لمكانة الزعيم علال الفاسي العلميةوالوطنية وإسهاماً في تعزيز رصيد مؤسسته ومدِّ إشعاعها الثقافي وخدمة المثقفين والباحثين الذين يرتادونها باستمرار . والمكتبات التي تمَّ إلحقاقُها بالمؤسسة لحد الآن هي :
ـ مكتبة المرحوم الأديب الحاج أحمد بناني، وهي مكتبة غنية تحتوي على حوالي 3500 عنوان بالعربية وعدد من المطبوعات الحجرية ، وأكثر من 1500 عنوان بالفرنسية فضلا عن عدد آخر من المجلات والوثائق المهمة الخاصة بتاريخ الحركة الوطنية بالمغرب.
ـ مكتبة الأستاذة الأديبة الحاجة خناثة بنونة وتحتوي على 1408 عنوان وعدد آخر من المجلات والدوريات .
ـ مجموعة المرحوم عبد الهادي الديوري ( وتحتوي على 398 عنوان بالعربية والفرنشسية ، وعدد من المصاحف القرآنية المسجلة على الأسطوانات المعناطيسية )
ـ مكتبة السفير الأديب المرحوم محمد التازي ، وتحتوي على أكثر من 400 عنوان فضلا عن المجلات والدوريات .
ـ مكتبة المرحوم أحمد السلمي
ـ مجموعات أخرى صغيرة من الكتب مهداة من المرحومين محمد اليزيدي ومحمد بن شقرون .
عبد الرحمان بن العربي الحريشي : الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي– منشورات مؤسسة علال الفاسي – الرباط – 1992 (4 ج)
الموقع الالكتروني لمؤسسة علال الفاسي:
www.allalelfassi.ma
رد: سلسلة التعريف بالخزانات الخاصة بالمغرب: خزانة مؤسسة علال الفاسي
هل أجد فهرس مخطوطات علال الفاسي رحمه الله مصورا على الشبكة وجزاكم الله خيرا.