فقه منخفض التكاليف..
فقه منخفض التكاليف
[روى الأصمعي عن يحيى بن خالد قال:
إذا تقرَّأَ الشريف: تواضع، فأفشى السلام، وصافح العوام، وأنصف الضعفاء، وجالس الفقراء، وعاد المرضى، وشيع الجنائز .
وإذا تقرَّأ الوضيع: أمر بالمعروف، ووعظ الشريف، وأخذ في الحسبة وأم أهل محلته، واحتدَّ على من رد عليه، ورأى أن له فضيلة على كل أحد، انتهى]
قلتُ : كذا نقلها أحد المشايخ الفضلاء في إحدى المجموعات البريدية مادحاً لها..
ولا شك أن للكلمة موضعاً حسناً يمكن أن يُحمل عليه ما يحتمل الفساد منها..
غير أني رأيتُ التنبيه على ما يحتمل الفساد منها؛لأن بعض الناس ربما طار بوجه الفساد هذا نفسه فعده صلاحاً..
فلا شك أن وضيع النفس والخلق والنشأة إذا تقرأ لم يكن له عون من محتد حسن يدفع عنه تلك الآفات التي تتسرب للنفوس مع ما يدخلها من العلم والفقه كالزرع الخبيث ينبت إلى جوار النبت النافع..
ولا شك أن من الفساد الذي يتسرب للنفس (الشريفة والوضيعة وهو في الوضيعة أكثر) إذا بلغت من العلم مبلغاً أن يحتد على الخلق ويزري عليهم ويرى أنه بلغ السها وحاز القمر..
لكن الذي يضرب الشك في أطنابه حتى يحيله تراباً هو ادعاء أن من فساد التفقه أن يأمر الرجل بالمعروف وأن يعظ الشريف وأن يحتسب على مناكر الناس..
لا والله ما كان ذلك أبداً آفة،بل هو والله من الزرع النافع يؤتي أكله كل حين،وما تركته أمة إلا خضعت وذلت،وإنما أهلك من كان قبلنا وعظ الضعيف وترك الشريف لا يؤخذ على يديه،وأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه..
ونعم.إن من وجوه الاستعلاء بالعلم التوسع في أبواب الأمر والنهي وظن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أنه هو حامل خاتم الثواب والعقاب(وهذا هو الوجه الذي يمكن أن يحمل عليه كلام يحيى) لكن من المغالطة جعل الأمر والنهي علامة لتفقه الوضيع وعدمه علامة لتفقه الشريف،بل تلك المغالطة على هذا الوجه لا يطلق عبارة تحتملها إلا من لم يكن من الفقهاء والعلماء كيحيى بن خالد البرمكي؛لذا لا تُستغرب منه،وأستبعد أن يكون الأصمعي رواها عنه؛لذا وجدتها في عدد من المصادر غير منسوبة إلى رواية الأصمعي،وهذا أشبه..
فالحاصل : وعظ الشريف والضعيف،والأمر بالمعروف،والإما مة،والنهي عن المنكر،والتواضع ،وإفشاء السلام،ومجالسة الضعفاء كل أولئك من سمت الفقيه حقاً..
وإذا كان ينقص من قدر الوضيع إذا تفقه أنه يستعلي بالأمر والنهي = فإنه ينقص من قدر الشريف إذا تفقه أن يظن أنه سيعد فقيهاً حقاً إذا ضيع الأمر والنهي ولم ينفع قومه بعلمه وإمامته ولم يعظ الشريف قبل الوضيع..
بل هو حينها واحد من العامة ولم يكتسب من الفقه إلا فقهاً منخفض التكاليف لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً..
والحمد لله وحده..