الشاعر العربي ابراهيم اليازجي بقلم فالح الحجية
إبراهيم اليازجي
بقلم فالح الحجية الكيلاني
إبراهيم بن ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، ولد في بيروت في الثاني من شهر آذار سنة 1847 في بيت هو موئل اللغة والأدب.
تخرج إبراهيم اليازجي في مبادئ اللغة على يد أبيه الشاعر المعروف ناصيف اليازجي، ثم درس لنفسه كثيرا ، فنال بجده واجتهاده وحبه للادب واللغة وذكائه المفرط مراده المنشود ، فاصبح عالما من اعلام اللغة العربية وشاعر مجيد ا وقد نظم الشعر في صباه و ريعان شبابه وكان يوليه من الإتقان والعناية ما يولي كل أعماله الادبية واللغوية فجاء شعره غاية في الإبداع الشعري وقمة في الخيال الذي تاثر فيه بأ بيه، فرق أدبه وصفا خاطره وانتشرت شهرته في جودة النظم في مجتمعه وبقية الدول العربية فكان ان فاحتكم إليه فريق كبير من الأدباء وورد عليه من رسائل الشعراء الشيء الكثير حتى أصبح مجلسه لا يخلو من بحث شعري أو أدبي، الا انه رغب في دراسة العربية كلغة من نحو وصرف وبلاغة فرأى في ذلك ما يشغله عن سواه، فقرر هجر النظم وعكف على المطالعة والمدارسة كما انه درس العلوم الاسلامية وخاصة الفقه الحنفي على يد المرحوم الشيخ محي الدين اليافي أحد الأئمة الاعلام في ذلك الحين، فنال حظاً وافراً. من التعلم الفقهي على مذهب ابي حنيفة النعمان رحمه الله
التزم اليازجي القومية العربية وعمل في سبيل إحيائها وإذكائها في قلوب الناشئة العرب وبث الروح العربية المتوثبة في الشباب المثقف المتعطش الى الحرية ، وكان يعمل على استقلال البلاد العربية ويطمح لجعلها متمتعة باستقلال تام عن الدولة العثمانية، ولهذا عندما تاسست الجمعية العلمية السورية التي أنشأت في بيروت سنة 1868 انتسب اليها وراح يبث افكاره بين اعضائها فكانت تتلى في اجتماعاتها قصائد عامرة ومقاطع شعرية مثيرة تتحدث بأمجاد العرب، أشهرها القصيدة التي أنشأها اليازجي والتي تجاوب صداها في البلاد العربية عامة..والتي مطلعها
:
تنبهوا واســتفيقوا أيها العرب
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
وفي سنة 1872 عُهد إليه تحرير جريدة (النجاح) فكتب فيها مقالات رائعة وبحوث مفيدة أظهرت مدى اقتداره اللغوي والادبي ومقدرته الشعرية فطارت معه شهرته،
عمد الآباء اليسوعيون إلى ترجمة الكتاب المقدس استعانوا باليازجي وفوضوا إليه تنقيح العبارة من حيث الإنشاء والسبك وانتخاب الألفاظ للمعنى المراد، فكان ذلك سبباً في دراسته اللغة العبرية والسريانية ليلبس عبارة الترجمة المعنى الأصيل بصدق وأمانة، فاستغرق عمله في ترجمة الكتاب المقدس للعربية نحو تسع سنوات حتى أخرجه بحلة أنيقة على أفضل ما يرجى بلاغة وصياغةً وفصاحة مفردات.
بعد أن فرغ اليازجي من تنقيح الكتاب المقدس، انصرف إلى تدريس اللغة العربية وآدابها في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك في بيروت، وفي هذه الأثناء اختصر ونقح كتب أبيه الشيخ ناصيف اليازجي ، حيث كان مفاخراً بأدبه وعلمه، يؤلمه أن ينال أحد منه، فقد نظر في كتبه وأصلح الخطأ منها وقال أنه اختصرها، وقام بشرح ديوان أبي الطيب المتنبي ونسبه إلى أبيه لأن اباه كان قد بدأ العمل بشرحه ولم ينجزه
في عام 1884، اتفق مع الدكتور بشارة زلزل والدكتور خليل سعادة فأصدروا مجلة (الطبيب) فنشر فيها مترجما المقالات اللغوية والأدبية مما اثبت مقدرته في النشر والابداع ، ولم يطل زمن الاتفاق أكثر من عام واحد.
وقيل آنسته مبادئ (الماسونية) وكانت حديثة العهد والثقافة فانخرط في سلك أعضائها وأعجب الناس بجرأته الأدبية ونزوعه إلى المبادئ الحرة والأخذ بكل جديد عن عقل وفهم وإدراك.
كان ابراهيم اليازجي كلما أرهقه تعب الكتابة والتأليف مال إلى الراحة وصرف أوقات فراغه في الرسم والحفر والموسيقى، وقيل أنه كان دون الرابعة عشرة من عمره حين وضع أول تقويم عربي. وكان له علم ثر وقدم راسخة في اللغة وادابها . عارفاً بموارد الكلام ومصادره، وبصيراً بجيده وسفسافه، طويل النفس في بحوثه اللغوية، بعيد غور الحجة. متمكن فيها
ولما لم يجد ابراهيم اليازجي مجالاً لأفكاره وآرائه الحرة في لبنان، تركه وتوجه إلى مصر حيث الآداب العربية وحرية الأقلام تنشد كاتباً مثله. وفي عام 1897 أصدر بالاشتراك مع الدكتور بشارة زلزل مجلة (البيان) وأعد لها الآلات اللازمة وكل احياجاتها مماجعله يسافر الى أوروبا، فجاءت المجلة والمطبعة مثالاً للإتقان، وما لبثت المجلة أن احتجبت وافترق الشريكان. وهذا ديدن الثقافة والعلم في البلاد العربية
وفي سنة 1898 استقل الشيخ إبراهيم بإنشاء مجلة (الضياء) التي اشتهرت بفصاحة العبارة ومتانة الأسلوب، وبقي يصدرها مدة ثمانية أعوام حتى حال الداء دونه ودون متابعة الكتابة.. فمرض في القاهرة
. وفاضت روحه في القاهرة في مصر سنة 1906 ونقل رفاته إلى بيروت وأودع جدث الرحمة في محلة الزيتونة في مقبرة الروم الكاثوليك.
خدم اليازجي العربية باصطناع حروف الطباعة فيها ببيروت وكانت الحروف المستعملة حروف المغرب والأستانة، وانتقى كثيراً من الكلمات العربية لتسمية المخترعات.الجدي ة
بجانب الأبحاث والمقالات العلمية التي كتبها في المجلات و بخاصة مجلته( الضياء)،
انتشرت شهرته واسعة في طول البلاد وعرضها، واتصلت شهرته ببلاد الغرب فمنحه الملك أوسكار ملك أسوج ونروج وسام العلوم والفنون، وعُين عضواً في الجمعية الفلكية في باريس وأنفرس والسلفادور، وله مباحثات شهيرة مع الفلكي الفرنسي المشهور فلاماريون، وطُبع ماعرضه على الجمعية الفلكية في باريس في مجلة أعمالها وفي مجلة (الكوزمس) الشهيرة.
قال الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي في إبراهيم اليازجي: (هو أكبر عالم لغوي في العصر الحاضر واتفق له مالا يتيسر إلا القليل من اللغويين من قوة البيان وبراعة الإنشاء، فهو فخر سوريا خاصة والعرب عامة، ولو أن الله أبقاه للغة العربية لنالت فوق ما نالت على يده خيراً كثيراً).
قدرت الجالية اللبنانية والسورية في البرازيل مكانة و قدر الشيخ إبراهيم اليازجي، فأقرت أن تجمع مبلغاً من المال تبذله في سبيل إقامة تمثال من البرونز له في بيروت، فأتم ما ارتأت عام 1924، ورأت بلدية بيروت أن خير مكان لإقامة ذلك النصب هو الطريق التي كان يسلكها الشيخ في حياته، الطريق المؤدية من منطقة البرج إلى الكلية البطريركية حيث كان يعلم.
وفي سنة 1956 نقل تمثاله إلى قصر اليونسكو في بيروت بحفلة اشتركت فيها الحكومة اللبنانية وجمهرة من كبار الأدباء والشعراء تخليداً لذكراه وأدبه وعلمه. ومن اثاره في اللغة والاب والشعر مايلي
ـ كتب مقالات رائعة وبحوث مفيدة في جريدة النجاح، ومجلات الطبيب،و البيان،و الضياء.
ـ ومن مؤلفاته
1- (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب )، كان قد بدأ والده به، فأتمه اليازجي.
2-ـ اختصر كتابي والده (نار القرى في شرح جوف الفرا) في النحو، (الجمانة في شرح الخزانة) في الصرف.
3ـ اختصر كتاب (الجوهر الفرد) وشرحه بكتاب سماه (مطالع السعد لمطالع الجوهر الفرد).
4ـ له تنقيح الكتاب المقدس للآباء اليسوعيين.
5ـ تنقيح (تاريخ بابل وآشور) لجميل نخلة المدور.
6ـ تنقيح (كتاب عقود الدرر في شرح شواهد المختصر) لشاهين عطية.
7ـ تنقيح (دليل الهائم في صناعة الناثر والناظم) جمعه شاكر البتلوني وبوبه بأسلوب مدرسي.
8ـ تنقيح (نفح الأزهار في منتخبات الأشعار) جمعه شاكر البتلوني بإرشاده.
9ـ ألف كتاب (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) في ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها.
10ـ ألف كتاب (الفرائد الحسان من قلائد اللسان) لا يزال مخطوطاً.
11ـ ديوان شعر أسماه (العقد) بعض رسائله المكتوبة بخطه الفارسي الجميل معظمها محفور على الزنك وبعضها بحروف مطبعية.
12ـ له كتاب (شرح المقامة البدوية) من كتاب مجمع البحرين.
13ـ كتاب (تنبيهات اليازجي على محيط البستاني).
14ـ كتاب (تنبيهات على لغة الجرائد).
ومن قصائده الرائعة نختار هذه القصيدة التي تعتبر من روائع الشعر العربي
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ
فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم
وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القََنَـا سُلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ
شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُ مُ التُّـرَبُ
كَمْ تُظْلَمُونَ وَلَسْتُمْ تَشْتَكُونَ وَكَمْ
تُسْتَغْضَبُونَ فَلا يَبْدُو لَكُمْ غَضَـبُ
أَلِفْتُمُ الْهَوْنَ حَتَّى صَارَ عِنْدَكُمُ طَبْعَاً
وَبَعْـضُ طِبَـاعِ الْمَرْءِ مُكْتَسَـبُ
وَفَارَقَتْكُمْ لِطُولِ الذُّلِّ نَخْوَتُـكُمْ
فَلَيْسَ يُؤْلِمُكُمْ خَسْفٌ وَلا عَطَـبُ
لِلّهِ صَبْـرُكُمُ لَـوْ أَنَّ صَبْرَكُـمُ
فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ حِينَ الْخَيْلُ تَضْطَرِبُ
كَمْ بَيْنَ صَبْرٍ غَدَا لِلـذُّلِّ مُجْتَلِبَـاً
وَبَيْنَ صَبْـرٍ غَدَا لِلعِـزِّ يَجْتَلِـبُ
فَشَمِّـرُوا وَانْهَضُوا لِلأَمْـرِ وَابْتَدِرُوا
مِنْ دَهْرِكُمْ فُرْصَةً ضَنَّتْ بِهَا الحِقَـبُ
لا تَبْتَغُوا بِالْمُنَى فَـوْزَاً لأَنْفُسِـكُمْ
لا يُصْدَقُ الفَوْزُ مَا لَمْ يُصْدَقُ الطَّلَبُ
خَلُّوا التَّعَصُّبَ عَنْكُمْ وَاسْتَوُوا عُصَبَاً
عَلَى الوِئَـامِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ تَعْتَصِبُ
لأَنْتُمُ الفِئَـةَُ الكُثْـرَى وَكَمْ فِئَـةٍ
قَلِيلَـةٍ تَمَّ إِذْ ضَمَّتْ لَهَا الغَلَـبُ
هَذَا الذِي قَد رَمَى بِالضَّعْفِ قُوَّتَـكُمْ
وَغَادَرَ الشَّمْلَ مِنْكُمْ وَهْوَ مُنْشَعِـبُ
وَسَلَّـطَ الجَوْرَ فِي أَقْطَارِكُمْ فَغَدَتْ
وَأَرْضُهَا دُونَ أَقْطَـارِ الْمَلا خِـرَبُ
وَحُكِّـمَ العِلْـجُ فِيكُمْ مَعْ مَهَانَتِـهِ
يَقْتَـادُكُمْ لِهَـوَاهُ حَيْـثُ يَنْقَلِـبُ
مِنْ كُلِّ وَغْدٍ زَنِيمٍ مَا لَـهُ نَسَـبٌ
يُدْرَى، وَلَيْسَ لَـهُ دِيـنٌ وَلا أَدَبُ
وَكُلِّ ذِي خَنَثٍ فِي الفَحْشِ مُنْغَمِسٍ
يَزْدَادُ بِالْحَـكِّ فِي وَجْعَائِـهِ الجَرَبُ
سِلاحُهُمْ فِي وُجُوهِ الخَصْمِ مَكْرُهُمُ
وَخَيْرُ جُنْدهُمُ التَّدْلِيـسُ وَالْكَـذِبُ
لا يَسْتَقِيـم لَهُمْ عَهْـدٌ إِذَا عَقَـدُوا
وَلا يَصِـحَّ لَهُمْ وَعْدٌ إِذَا ضَرَبُوا
إِذَا طَلَبْـتَ إِلَى وُدٍّ لَهُـمْ سَبَبَـاً
فَمَا إِلَى وُدِّهِمْ غَيْر الْخُنَـى سَبَبُ
وَالْحَقُّ وَالبُطْـلُ فِي مِيزَانِهِمْ شُـرَعٌ
فَلا يَمِيل سِوَى مَا مَيَّـلَ الذَّهَبُ
أَعْنَاقُـكُمْ لَهُـمْ رِقٌّ وَمَالُكُـمُ
بَيْنَ الدُّمَـى وَالطِّـلا وَالنَّرْدِ مُنْتَهَبُ
بَاتَتْ سِمَانُ نِعَـاجٍ بَيْنَ أَذْرُعِـكُمْ
وَبَاتَ غَيْرُكُـمُ لِلدَرِّ يَحْتَلِـبُ
فَصَاحِبُ الأَرْضِ مِنْكُمْ ضِمْنَ ضَيْعَتِهِ
مُسْتَخْـدَمٌ وَرَبِيبُ الدَّارِ مُغْتَـرِبُ
وَمَا دِمَاؤُكُمُ أَغْلَى إِذَا سُفِكَـتْ
مِنْ مَاءِ وَجْهٍ لَهُمْ فِي الفَحْشِ يَنْسَكِبُ
وَلَيْسَ أَعْرَاضُكُمْ أَغْلَى إِذَا انْتُهِكَتْ
مِنْ عرْضِ مَمْلُوكِهِمْ بِالفِلْسِ يُجْتَلَبُ
بِاللهِ يَا قَوْمَنَـا هُبُّـوا لِشَأْنِـكُمُ
فَكَمْ تُنَادِيكُمُ الأَشْعَـارُ وَالْخُطَـبُ
أَلَسْتُمُ مَنْ سَطَوا في الأَرْضِ وَافْتَتَحُوا
شَرْقَـاً وَغَرْبَـاً وَعَـزّوا أَيْنَمَا ذَهَبُوا
وَمَنْ أَذّلُّوا الْمُلُوكَ الصِّيدَ فَارْتَعَـدَتْ
وَزَلْـزَلَ الأَرْضَ مِمَّا تَحْتَهَا الرَّهَـبُ
وَمَنْ بَنوا لِصُـرُوحِ العِـزِّ أَعْمِـدَةً
تَهْوِي الصَّوَاعِـقُ عَنْها وَهْيَ تَنْقَلِـبُ
فَمَا لَكُم وَيْحَكُم أَصْبَحْتُـمُ هَمَلاً
وَوَجْـهُ عِزِّكُمُ بِالْهَـوْنِ مُنْتَقِـبُ
لا دَوْلَـةٌ لَكُمُ يَشْتَـدُّ أَزْرَكُـمُ
بِهَا، وَلا نَاصِرٌ لِلْخَطِـبِ يُنْتَـدَبُ
وَلَيْسَ مِنْ حُرْمَـةٍ أَوْ رَحْمَةٍ لَكُمُ
تَحْنُـو عَلَيْكُم إِذَا عَضَّتْـكُمْ النُّـوَبُ
أَقْدَاركُم في عُيُـونِ التُّـرْكِ نَازِلَـةٌ
وَحَقُّـكُم بَيْنَ أَيْدِي التُّرْكِ مُغتَصَبُ
فَلَيْسَ يُدْرَى لَكُمْ شَأْنٌ وَلا شَـرَفٌ
وَلا وُجُـودٌ وَلا اسْـمٌ وَلا لَقَـبُ
فَيَا لِقَوْمِي وَمَا قَوْمِـي سِوَى عَرَب
وَلَنْ يُضَيَّـعَ فِيْهُم ذَلِكَ النَّسَـبُ
هبْ أَنَّـهُ لَيْسَ فِيكُم أَهْلُ مَنْزِلَـةٍ
يُقَلَّـد الأَمْـرَ أَوْ تُعْطَى لَهُ الرُّتَبُ
وَلَيْسَ فِيكُمْ أَخُو حَـزْمٍ وَمَخْبَـرَةٍ
لِلْعَقْـدِ وَالْحَـلِّ في الأَحْكَامِ يُنْتَخَبُ
وَلَيْسَ فِيكُمْ أَخُو عِلْـمٍ يُحَكَّـمُ في
فَصْلِ القَضَاءِ وَمِنْكُـمْ جَاءَتِ الكُتُبُ
وَلَيْسَ فِيكُمْ فِيكُم دَمٌ يَهْتَاجُهُ أَنَـفٌ
يَوْمَـاً فَيَدْفَـعَ هَذَا العَـارَ إذْ يَثِبُ
فَاسْمِعُوني صَلِيـلَ البِيـضِ بَارِقَـةً
في النَّقْـعِ إِنِّي إلِى رَنَّاتِـهَا طَـرِبُ
وَأَسْمِعُونِي صَـدَى البَارُودِ مُنْطَلِقَـاً
يُدَوِّي بِـهِ كُلُّ قَـاعٍ حِينَ يَصْطَخِبُ
لَمْ يَبْقَ عِنْدَكُـمُ شَيءٌ يُضَـنُّ بِـهِ
غَيرَ النُّفُـوسِ عَلَيْهَا الذُّلُّ يَنْسَحِـبُ
فَبَادِرُوا الْمَوْتَ وَاسْتَغْنُوا بِرَاحَتِـهِ
عَنْ عَيْشِ مَنْ مَاتَ مَوْتَاً مُلْـؤُهُ تَعَبُ
صَبْرَاً هَيَا أُمَّـةَ التُـرْكِ التِي ظَلَمَتْ
دَهْـرَاً فَعَمَّا قَليِـلٍ تُرْفَـعُ الحُجُـبُ
لنَطْلُبـنّ بِحَـدِّ السَّيْـفِ مَأْرَبَنَـا
فَلَـنْ يَخِيـبَ لَنَـا فِي جَنْبِـهِ أَرَبُ
وَنَتْرُكَـنَّ عُلُوجَ التُّـرْكِ تَنْـدُبُ مَا
قَـدْ قَدَّمَتـْهُ أَيَادِيهَـا وَتَنْتَحِـبُ
وَمَنْ يَعِـشْ يَرَ وَالأَيَّـامُ مُقْبِلَـة
يَلُـوحُ لِلْمَـرْءِ فِي أَحْدَاثِهَا العَجَبُ
* * *
---------------------------------------------------
رد: الشاعر العربي ابراهيم اليازجي بقلم فالح الحجية
جزاك الله خيرا وبرّا فأنا في شوق لمعرفة الكثير عن هذا الرجل الذي نعته الرافعي -رحمه الله- بأنه (( أديب هذه الملة [أي النصرانية] وبليغها الشيخ إبراهيم اليازجي الشهير, وهو أبلغ كاتب أخرجته المسيحية )) كما في مقدمة كتابه إعجاز القرآن أثناء تعليقه على تقديم الشيخ رشيد رضا .
واليازجي صرَّحَ للرافعي بإعجاز نظم القرآن كما صرح شاعر القوم خليل مطران, وجبر ضومط وغيرهم من النصارى.
رد: الشاعر العربي ابراهيم اليازجي بقلم فالح الحجية
فائدة حول والد إبراهيم اليازجي ألا وهو ناصيف اليازجي.
قال الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه (في شرف العربيـــــــــ ـــة) الصادر عن سلسلة كتاب الأمة:
(( نقف في أدب الشيخ ناصيف اليازجي في كتابه في (المقامات) التي وسمها بـ"مجمع البحرين" على عربية هي في الذروة من الفصاحة. لقد حفلت بأوابد الكلم في القديم، جاهلية وإسلامية، كما حفلت بجمهرة من نوادر الأمثال، وإشارات كثيرة إلى (نوابغ الكلم) من مشهور مجازات العربية واستعاراتها. وإنك لتجد في كل "مقامة" من هذه المقامات أدباً جماً ولغة عالية سليمة، عربية النجاد. تغرس أصولها بعيدة في بيئة ضاربة في مجتمع بدوي قديم، ولو لا أنك تقرأ أن قائلها (يازجي) عاش في جبل لبنان لما شككت أن صاحبها أعرابي لم "تعجبه الحضارة"، ولا عرف لينها، ولا نعم بخيرها، وملاذها.
ولم يقتصر الأمر على هذا، فإنك لتجد فيها إلى جانب هذه الأشتات البدوية، إسلاما ناصعاً يتمثل في شيء من كرائم الآيات، وتعابير لا نجدها إلا في لغة التنزيل العزيز، ولو لا أنك تقرأ في فاتحة هذه المقامات أن "اليازجي" هذا الذي تزيّ بزيّ البدوي الصميم هو من "الأمة العيسوية" لما خامرك شك في أنه مسلم شرح الله قلبه للإسلام.
فكيف لنا أن نفسر هذه الظاهرة؟
ألنا أن نقول : إن "المقامات" موضوع إسلامي يفرض على صاحبه أن يتزود بمواد الإسلام من الآي الكريم والأثر الشريف!!
لا، ليس لنا أن نقول ذلك، فالمقامات في الذي كانت ترمي إليه، علم لغوي يختزن الأوابد والفرائد والشعر والرجز، مما يشتمل على قول مأثور، ومثل سائر، ومواد أخرى من أعلاق العربية الغالية.
فكيف نقول إذن؟
ليس لنا أن نقول إلا أن يكون اليازجي قد آمن قلبه بالإسلام، وانتهى إلى أن أدب العربية لا بد له أن ينعش بهذا الفيض العلوي الإسلامي، ولو لا أن الانقلاب من النصرانية إلى الإسلام من شأنه أن يثير أمامه المشكلات والصعاب في عصر ما زال فيه للسلطان الديني النصراني قوة، لكان له أن يستجيب لهذا الداعي في دخيلته، وما أظن أن رجال العلم من النصارى في عصره لم يبتئسوا مما فرط فيه اليازجي في حق دينهم حين كتب هذه "المقامات" التي عمرت بالطابع الإسلامي.
وقد يكون مفيداً جدًّا أن نستقري هذه الآثار الإسلامية في "مجمع البحرين" ليكون القارئ على ثقة مما حملته إليه من دعوى، قد يظنها عريضة مدّعاة لا تخلو من إغراق. وإني لواثق أن القارئ لن يحملني على التعصب للإسلام وأنا أفجؤه بهذا الذي ذكرت، ودونك هذه الآثار:
1 - جاء في المقامة الأولى لمعروفة بـ "البدوية" في الصفحة 5:
. . . . . . حتى إذا أشرفنا على فريق يناوح الطريق، عرض لنا لصوص قد أطلقوا الأعنة، وأشرعوا الأسنة، فأخذ الشيخ القلق، وقال: أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق.
أقول: وفي هذا اقتباس من سورة الفلق وهو قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق )(الفلق:1-2).
2 - وجاء فيها أيضاً قول المؤلف:
. . . .ولما التقت العين بالعين، على أدنى من قاب قوسين، قال : يا قوم هل أدلُّكُمْ على تجارة. . . .
أقول: وفي هذا اقتباس من قوله - تعالى- : (فكان قاب قوسين أو أدنى )(النجم:9)
وفي اقتباس آخر من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تُنجيكم من عذاب... )(الصف:10)
3 - وجاء فيها أيضاً قوله : . . . . . حتى إذا أثخنوهم، شدّوا الوثاق، وقد كادت أرواحهم تبلغ التراق. . . ثم أدخلونا إلى بيت طويل الدعائم في صدره شيخ. . . . . فقال: أحسنت أيها النذير فسنوفي لك الكيل.. أقول : وفي هذا اقتباس أو إيماء لقوله تعالى : (حتى إذا أثخنتُموهم فشُدّوا الوثاق )(محمد:4). وكذلك لقوله تعالى: (كلاّ إذا بلغت التراقي )(القيامة:26) .
وليس بعيداً أن يكون المؤلف قد نظر إلى قوله تعالى: (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط )(الأنعام: 152).
4- وجاء فيها في الصفحة 6 قول المؤلف: . . . . وقال: (يا قوم اتّبعوا من لا يسألكم أجرا ً).
أقول: وفي هذا إيماء لقوله تعالى: (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ً)(هود:51) أو إنه إيماء لقوله تعالى: (يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا ً)(يس:20-21).
5- وجاء في الصفحة 7 من هذه المقامة:
. . . . .وأخذ يتخطى ويتمطى ذات اليمين وذات الشّمال. . . .
أقول: لعلّ في هذا شيئاً نظره المؤلف في قوله تعالى: (. . . ونُقلبهم ذات اليمين وذات الشمال )(الكهف:18).
6 - وجاء فيها أيضاً قول المؤلف:
. . . . . . وقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله. . . . .
أقول: وهذه من العبارات التي يرددها المسلمون في اتكالهم على الله ذي الحول والطول.
7 - وجاء في المقامة الثالثة المعروفة "العقيقية" في الصفحة 13:
ولما فرغ من "أبياته" زفر زفرة الضرام وقال: ":كُلُّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام".
أقول: وهذا الذي ذكره المؤلف هو الآية السادسة والعشرون من سورة الرحمن، غير أن المؤلف أدرج الآية في كلامه ولم يُشر ولم يومئ إلى أنها آية كريمة.
8 - وجاء في الصفحة 14 منها قوله:
. . . . وقال: اركبي باسم الله مجراها. . . .
أقول: وليس من شكّ أن المؤلف نظر إلى قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها )(هود:41)
9 - وجاء فيها قوله أيضاً:
. . . . . فقلت : إن الشيخ قد أتى بقلب سليم: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. . . . .
أقول: إن الشق الأول من قول المؤلف مأخوذ من قوله تعالى: (يوم لا ينفع مالُ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )(الشعراء:89). وأما الشق الثاني فهو من الآية 213 من سورة البقرة، وكلاهما مندرج في كلامه، وليس من إشارة إلى أنه شيء من لغة التنزيل العزيز.
10 - وجاء في المقامة الرابعة المعروفة بـ "الشامية" في الصفحة 18 قوله:
. . . . وسأستغفر الله لي ولهم إذا وقفنا على الصراط . . . .
أقول: والاستغفار للنفس، للمتكلم، وللمخاطبين أو المتحدث عنهم، من دعاء المسلمين، وهو شيء من بعض الدعاء الذي يتوجه به خطيب الجمعة في خطبته. وأما الصراط فهو أدب سلامي، وقد عمرت اللغة الشريفة بذكر "الصراط" وفيه للمسلمين عظة وعبرة وذكرى.
11 - ثم نقف على قول المؤلف في هذه "المقامة" في الصفحة 19:
. . . . لو رمى الله بك أصحاب الفيل، أغنيت عن الطير الأبابيل. . . .
أقول: وليس من شك أن في "أصحاب الفيل" إشارة أو لمحةً لما ورد من "أصحاب الفيل" في قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل )(الفيل:1). وليس قوله: "عن الطير الأبابيل" إلا شيئاً من قوله 0 تعالى: (وأرسل عليهم طيراً أبابيل )(الفيل:3).
12 - وجاء في "المقامة" الخامسة المعروفة قوله:
. . . . وما أدراك ما هيه، قال: هي فرية وسوس بها إليها الشيطان، ومرية ما أنزل الله بها من سلطان. قال: فادفع عن نفسك بالتي هي أحسن، ولا تجادل في أشياء إن تبد لك تسؤك فتحزن. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. . . .
أقول : وجملة هذا الذي دبّجه اليازجيّ في "مقامته"، اقتباس من آيات محكمات يقرؤها المسلم فيقف على مكانها من لغة التنزيل العزيز.
وقوله: "وما أدراك ما هيَهْ" هو الآية العاشرة من سورة القارعة. وقولة "هي فرية وسْوسَ بها إليها الشيطان"، فشيء غير بعيد من قوله تعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُوري عنهما )(الأعراف:20)
وقوله: (ومرية ما أنزل الله بها من سلطان) هو بعض من الآية الأربعين من سورة يوسف: (ما تعبدون من دون الله إلا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)، وقوله: "فادفع عن نفسك بالتي هي أحسن) مأخوذ من قوله تعالى: (ادفعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )-(فصلت:34). وقوله: "ولا تجادلي أشياء. . . . ." مأخوذ من قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسُؤْكم )(المائدة:101). ثم ختم قوله بقوله: (لا حول ولا قوة. . . .) وقد كنا أشرنا إلى ذلك.
13 - وجاء في الصفحة 22 قوله:
. . . . .وقالوا لها: "أنفقي مما رزقكِ الله حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده. .
أقول: وقوله: "أنفقي ممّا………" يشعر بآيات عدة ورد فيها الأمر بالإنفاق ومنها: (وأنفقوا مما رزقناكم. .)(البقرة:254)
وقوله: "حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده" يومئ إلى قول تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده )(المائدة:52).
14 - وجاء فيها أيضاً قوله:
. . . .. قال: قد رأيتم في الكتاب رأي العين، أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن أحسنتم فإليكم، وإلا فكتاب الله عليكم. قالوا: قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقد أحسنت وما جزاء الإحسان إلا الإحسان. . . .
أقول: وفي جملة هذا إشارات وإيماءات إلى آيات عدة، غير أن المؤلف قد أوتي من البراعة في أنه أدرج ما اقتبس من غير إيذان مما قد يغفل عنه القارئ الذي لم يتمثل كلام الله جل وعلا.
فقوله: "أن للذكر مثل حظ الأنثيين" فآية معروفة هي الحادية عشرة من سورة النساء، وهي من قواعد الميراث المهمة في الفقه الإسلامي.
وقوله: "فإن أحسنتم فإليكم" غير بعيد من الآية الكريمة (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم )(الإسراء:7).
وقوله : "وإلا فكتاب الله عليكم" يومئ إلى أن المؤلف قد نظر إلى قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم )(النساء:24).
وقوله: "قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان" فهو الآية 41 من سورة يوسف.
وقوله: "ما جزاء الإحسان إلا الإحسان" فهو من الآية 60 من سورة يوسف وهي: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ).
15 - وجاء فيها في الصفحة 23 قوله:
. . . . قلت: ليس معي إلا دينار واحد فاقتسماه، وإلا فنظرةُ إلى ميسًرة من رزق الله.
أقول : وهل يخفى ونحن نقرأ هذا أن نتذكر في الحال قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميْسرة )(البقرة 280)
16 - وجاء في "المقامة" السادسة المعروفة بـ "الخزرجية" قوله في الصفحة 27: . . . . ولكن خُلق الإنسان من عَجَل. . . .
أقول: وهذا من قوله تعالى: (خُلقَ الإنسان من عجل )(الأنبياء:37).
17 - وجاء في الصفحة نفسها قوله:
. . . . قد علمتم يا قوم أن الخير معقود بنواصي الخيل. . . .
أقول: وهذا من الحديث الشريف: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والغنيمة". ولكن المؤلف قد غيَّر من رواية الحديث فقدم وأخّر، والحديث هو هو.
18 - وجاء فيها أيضاً قوله:
. . . فإن تمسّكتم بالعروة الوثقى، وإلا فالله خير وأبقى. . .
أقول : قوله: "فإن تمسّكتم بالعروة الوُثقى" يومئ إلى قوله جل وعلا: (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها... ) (البقرة:256).
وقوله: (وإلا فالله خير...) هو من قوله تعالى: (والله خيرُ وأبقى )(طه:73).
19 - وجاء في الصفحة 28 من هذه "المقام" أيضاً: وقال ربِّ ثبِّتْ قدمي واشدُد عصاي التي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غَنمي. . .
أقول: وهذا كله يومئ إلى قوله تعالى: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي )(طه:18).
20 - وجاء في الصفحة نفسها قوله:
. . . وقلتُ له: هنيًّا مرياًّ ، لقد جئت شيئاً فرياً...
أقول: قوله: "لقد جئت. . ." يومئ إلى قوله تعالى: (فأتت به قومها تحمله، قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريا ً)(مريم:27).
21 - وجاء في "المقامة" السابعة المعروفة بـ "اليمنية" في الصفحة 32 قوله: . . . فخذه وسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. . .
أقول: وهذا من قوله تعالى: (فسبّح بحمد ربِّك. . . )(النصر:3).
22 - وجاء فيها أيضاً قوله:
فقال القاضي: إنني بحكمك راضً فاقض ما أنت قاض . . .
والقاضي يقول: إن الله لا يضيع أجر المصلحين. . .
أقول: وقوله: "فاقض ما أنت قاض" هو الآية الثانية والسبعين من سورة طه. وقوله: (إن الله لا يُضيع أجر المصلحين يومئ إلى الآية: (إن الله لا يُضيع أجر المحسنين )(التوبة:120).
23 - وجاء في "المقامة" الثامنة المعروفة بـ "البغدادية" قوله في الصفحة 34: . . . أو لم تيأسوا أن الكتاب قد أقام له وزناً. . .
أقول: والفعل "تيأسوا" هنا بمعنى "تعلموا" وهو من قوله تعالى: (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ) (الرعد:31).
و (ييأس) بمعنى يعلم، وهذا مما استشهد عليه النحاة واللغويون.
يقول الشاعر القديم:
أقول لهم بالشِّعب إذ يأسروني ألم تيأسوا إني ابن فارس زهدم
24- وجاء في الصفحة 35 منها قول: . . . سبحان من علم آدم الأسماء. . . وهذا يومئ إلى الآية (وعلَّمَ آدم الأسماء كلها... )(البقرة:31).
25- وجاء فيها أيضاً:
وقال: يا أولي الألباب، إن الله يرزُق من يشاء بغير حساب...
أقول: وقوله: (إن الله يرزُق...) هو الآية السابعة والثلاثين من سورة آل عمران.
26 - وجاء في (المقامة) الستين المعروفة بـ "القُدسية" في الصفحة 266 قوله: . . . الحمد لله الذي جعل حرمه أمناً للعباد، ومُقاماً للعبّاد، وهو الذي خَلق فسوّى، وقدّر فهدى، وأضحك وأبكى، وأمات وأحيى، والذي جعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً، وبنى فوقكم سبعاً شداداً، والذي مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، وهو كل يوم في شأن، لا إله إلا هو الفرد الصمد الذي لا يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفواً أحد..
أقول: وجملة هذا من الكلم الشريف الذي تضمنته آيات عدة في سور مختلفات لا تخفى على كل مسلم وعى كتاب الله -سبحانه-.
خــاتـمــــة
وبعدُ. . فلا بد لي في هذه "الخاتمة" أن أعود إلى " مجمع البحرين" فأقول: إنه كتاب في "المقامات " اشتمل على ستين "مقامة"، عُرف كلُ منها باسم منسوب إلى بلد من البلدان العربية في الغالب، وقد يكون فيها ما نُسب إلى غير ذلك.
و "المقامة" كما هو معروف، ضرب من الكتابة العربية القديمة ابتدعها أصحابها في العصر العباسي، وألبسوها لوناً من الحكاية، وقد اختار كلُّ واحد من أصحاب المقامات راوياً متحدثاً يحدث عن نفسه وعن غيره. وكان الغرض من "المقامات" أن يعرض صاحبها في كل منها "لمجموع لفيف" من اللغة وأوابدها، وفرائدها، وطائفة من أمثالها، وما جاء في أسرار ألفاظها، وكيف كان من أصولها، ولا تعدم أن تجد إشارات نحوية، وصرفية، وبلاغية، وعروضية، ونحو ذلك من المعارف اللغوية والتاريخية وغيرها.
وصاحب المقامة يحكم العرض لهذه المسائل، وإنك لتقرؤها فلا تراه متعسفاً محمولاً على ما يريد بقسوة وشدة، وهذا يعني أن المواد اللغوية وما يتصل بالمعارف الأخرى تأتي وكأنها غير مقصودة لذواتها. والقارئ يقبل عليها ولا يمل مما حفلت به من أسجاع وفواصل، هي خصيصة من خصائص هذا الفن القديم.
ولنرجع إلى "مجمع البحرين" الذي أراد له صاحبه اليازجي أن يكون وعاءً لجملة هذه المعارف اللغوية القديمة، وكان في طوقه أن يكتب مقاماته على نحو ما كتب المتقدمون من أصحاب المقامات.
غير أن اليازجي ربما آمن أن "المقامة" محتاجة إلى نمط من الكلام البليغ، مع التزامه بالتقسيم القائم على الفواصل المنظومة، في تناسبها وأسجاعها. وهذا النمط من بليغ الكلام، لا يؤديه المثل القديم، والعبارة المأثورة المسجوعة، والرجز المحبب ذو النغم الراقص، ولكنه محتاج، بل مفتقر، إلى هذا العذب النمير الذي ينساب من الكلم الشريف، مما يعمر به كتاب الله وسنة نبيه الكريم. ومن أجل ذلك سعى اليازجي إلى الإفادة من لغة التنزيل العزيز، عارفاً وجه الإفادة، مهتدياً إلى الطريق إليها، فكان له ما أراد.
وقد التزم بهذا، وقد كان له أن يأتي بمقاماته من غير أن يكون منه هذا الالتزام بالكلم الشريف، ولعل هذا يدعوني إلى أن أفترض افتراضاً مفتقراً إلى أن يكون شيئاً مقرّراً مؤيداً، وهو أن اليازجي قد أحب هذا الأدب السماوي، بل آمن به، ولولا (عيسوية) وصف بها نفسه في "فاتحة مجمع البحرين"، لكان غير اليازجي اللبناني، ولقلت أسلم قلباً ، وتنصر ظاهراً، بسبب ما كان من ظروف قاهرات.
قد يكون شيء من هذا!!
وأنا أخلص من هذا العرض إلى أن العربية مقترنة بالإسلام، وليس لعربية أخرى من وجود أدبي تاريخي فني، إذا انسلخت من هذا الذي طُبعت عليه، فكان منها قلباً وقالباً.))
الرابط: من هنـــــا
رد: الشاعر العربي ابراهيم اليازجي بقلم فالح الحجية
الاستاذ الغالي ابو الازهر \ تحية وسلاما
الشكرالجزيل على ما اتحفت الموضوع بهذه المعلوما ت القيمة ومتعتنا بها فقد تفتحت لها القلوب والافكار واسمح لي بان اضيف عليها مايلي عسى ان تكون فيها فائدة مرجوة ودمتم نبراسا للمعرفة والادب واللغة العربية
الشاعر ناصيف اليازجي
هو ناصيف بن عبد الله بن جنبلاط بن سعد اليازجي اللبناني المولد السوري الحمصيّ الأصل . ولد في قرية كفر شيما من قرى الساحل اللبناني في 25 آذار سنة 1800 م في أسرة اليازجي التيكانت تسكن سوريا وفي مدينة حمص منها هاجرت الى لبنان وسكنت السهل الساحلي وقد نبغ من هذه العائلة كثير من أفرادها في الفكر والأدب. والثقافة والعلوم
نشأ ناصيف ميالاً إلى الأدب والشعر ، وأقبل على الدرس والمطالعة بنفسه ، وتصفح ما تصل إليه يده من كتب في النحو واللغة ودواوين الشعراء ،وقد نظم الشعر وهو في العاشرة من عمره ، ولم تكن الكتب المطبوعة ميسّرة في عصره فكان اكثر اعتماده على كتب يستعيرها من المكتبات الخاصة ، فمنها ما يقرأها مرة فيحفظ مضمونها ومنها ما ينسخها بخط يده. ويحتفظ بها منسوخة
و بعد اكتمال شخصيته الثقافية اتصل بالأمير بشير الشهابي الكبير ، أمير لبنان ، فقرّبه إليه وجعله كاتباً له ، فلبث في خدمته اثنتي عشرة سنة ، وفي سنة 1840 م نفي الامير بشير خارج البلاد فخرج الأمير بشير من لبنان إلى منفاه وعلى اثر خروج الامير من لبنان انتقل الشاعر ناصيف اليازجي بأهل بيته إلى بيروت فأقام بها وتفرغ للمطالعة والتأليف والتدريس ونظم الشعر ومراسلة الأدباء فذاع صيته وأشتهر ذكره.
اتصل بالمرسلين الأميركيين يصحح مطبوعاتهم ، ودعي للتعليم في المدرسة الوطنية التي كان قد أسسها المعلم بطرس البستاني وذلك عام 1863 ، واشتغل معه بتصحيح الجزء الأول من معجمه " محيط المحيط " ، وشارك في أول ترجمة عربية للكتاب المقدس في العصر الحديث ، وهي الترجمة التي قام بها الأمريكان
عمل في مدرسة الأمريكان في بيروت( الجامعة الأمريكية ) فيما بعد ، وصنف مجموعة من المؤلفات اللغوية التعليمية تعد بدء بعث اللغة العربية الفصحى* في العصر الحديث .
أ صيب بمرض عضال سنة 1869م وأصيب بشلل نصفي فلزم داره على اثر ذلك، وفي أثناء مرضه فجع بفقد ابنه البكر الشيخ حبيب وهو في شرخ شبابه فوقع عليه ذلك الحادث وقوع الصاعقة ولم يعش بعد ذلك إلا أربعين يوماً وكانت وفاته في 8 شباط (فبراير) سنة 1871 م.
عرف اليازجي بشعره ذي النفحة الوطنية التي تنبعث من اعماق قلبه وثابة في شعره وقصائده الوطينية تمتاز بكونها افضل قصائد واسماها
مؤلفاته:
ترك ناصيف اليازجي مؤلفات متعددة شملت الصرف والنحو والبيان واللغة والمنطق والطب والتاريخ ، كما ترك ديواناً شعرياً متنوع الموضوعات ، ومراسلات شعرية ونثرية ، وأهم هذه المؤلفات:
1- « نار القرى في شرح جوف الفرا » ، في الصرف والنحو.
2- « فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب » ، وهي رسالة في التوجيهات النحوية.
3- « عقد الجمان في علم البيان ».
4- « مجمع البحرين » ، وهو يشتمل على ستين مقامة على غرار مقامات الحريري وبديع الزمان الهمداني.
5- « ديوان ناصيف اليازجي ». ومؤلف من ثلاث مجاميع شعرية هي النبذة الاولى ونفحة الريحان و ثالث القمرين
6- العرف الطيب في شرح ديوان ابي الطيب
7- فصل الخطاب في قواعد اللغة العربية
8- الجوهر الفرد في فن الصرف
ومن جميل شعره اخترت هذه القصيدة الرائعة
(دع يوم امس )
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
واعدِدْ لِنفسِك فيهِ أفضَلَ العُدَدِ
واقنَعْ بِما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا
تَبسُطْ يَديَـكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ
والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَتْ
حتى تُحَاكَ لـكَ الأُخرى من البُرَدِ
ودُرْ مَعَ الدَّهْرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ
حِذارَ أن تُبتَلـى عَيناكَ بالرَّمَـدِ
مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِـهِ
فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ
واعلَمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُـهُ
من عَضَّةِ الكلْبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ
لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَتْ
فَهْوَ الحريصُ على أثوابـهِ الجُدُدِ
واحرِصْ على الدُرِّ أن تُعطِي قلائدَهُ
مَن لا يُميِّـزُ بَيْنَ الدُرِّ والبَـرَدِ
أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن
طَلَبْتَـهُ في أوانِ الضِّيـقِ لم تَجِـدِ
وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ
عاقَدتَ قلبـاً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ
عليكَ بالشُّكرِ للمُعْطِي على هِبَـةٍ
ودَعْ حَسُودَكَ يَشوي فِلْذَة الكَبِدِ
لو كانَ يَفَعلُ في ذي نِعمةٍ حَسَـدٌ
لَمْ ينجُ ذو نعمةٍ من غائلِ الحَسَدِ
مَحَضْتُكَ النُّصْحَ عن خُبرٍ وتَجرِبـةٍ
واللهُ سُبحانَـهُ الهادي إلى الرَشَدِ
فاخَترْ لنفسِكَ غيري صاحباً فأنا
شُغِلْتُ عنكَ بِمَا قد جَدَّ في البَلَدِ
قد شَرَّفَ اليومَ إبراهيـمُ بلَدتَنـا
كأنَّهُ الرُوحُ قد فاضَتْ على الجَسَدِ
أهدَتْ إلينا ضَواحي مِصْرَ جَوْهَرةً
من مالِنا فهي قد جادَتْ ولَمْ تَجُدِ
ما زالتِ الشَّامُ تشكو طُولَ وَحْشتِهِ
كالأمِّ طالتْ عليها غُربـةُ الوَلَدِ
سُرَّتْ بزَوْرتِـهِ يومـاً ونَغَّصَهـا
خوفُ الفِراقِ فلم تَسلَمْ من الكَمَدِ
عليلةٌ من دواعي الشَّوقِ حينَ دَرَى
من لُطفِـهِ ما بِهَا وافَى كمُفتقِدِ
لئنْ يكُنْ من حِماها غيرَ مُقترِبٍ
فقلبُـهُ عن هَواها غيرُ مُبتعِـدِ
كريم نفسٍ يُراعي عهدَ صاحبهِ
فلا يُقصِّـرُهُ طُـولٌ منَ المُـدَدِ
مُهذَّبٌ ليسَ في أقوالِـهِ زَلَـلٌ
وليسَ في فِعلِـهِ عَيـبٌ لِمُنتَقـدِ
يقومُ بالأمـرِ بَيْنَ النَّاسِ مُنفـرِداً
والغيرُ قد كَلَّ عنهُ غيرَ مُنفـرِدِ
ويَحطِمُ المَنكِبَ الأعلى بِهمَّتِـهِ
من قُوَّةِ الرأي لا من قُوَّةِ العَضُدِ
منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهـم عَبَثٌ
وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ
مالي وما لنُجوم الليلِ أحسُبُهـا
إذا ظَفِرتُ بوجـهِ البَدرِ في الجَلَدِ
أهديتُهُ بِنْتَ فكرٍ قد فتحتُ لَهَا
من حُسنِ أوصافهِ كَنْزاً بلا رَصَدِ
تَمكَّنت بعدَ ضُعفٍ من نَفائسِهِ
حتَّى ابتَنَتْ كُلَّ بيتٍ شامخِ العُمُدِ
كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِهـا
ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ
وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَـهُ
وزْنَ العَروض فلم تَنْقُص ولَمْ تَزِدِ
****************************** *****