خطورة قول: [طريقةُ السَّلف أسلمُ، وطريقةُ الخلف أعلمُ وأحكم] وبيان لوازمها الفاسدة.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ :
وقد اشتبهت المسألة على بعض الناس وقال تلك العبارة الصادقة الكاذبة :
[طريقةُ السَّلف أسلم ، وطريقةُ الخلف أعلمُ وأحكم]
فهذه العبارةُ صادقةٌ كاذبةٌ ، صادقةٌ في الجملة الأولى ، وكاذبةٌ في الجملة الثانية ، فطريقةُ السلف أسلمُ بلا شكٍّ .
أما أن تكون طريقة الخلف أعلم وأحكم ، فهذا مِنْ أكذب ما يكون مِنَ الكلام :
فـ (أولاً) : هذه الكلمة مُتناقضة ، فكيف يُقال : هذه أسلم والثانية أعلم وأحكم؟ فإنه إذا كانت السَّلامة كان العلم والحكمة ، فالجاهلُ لا يَسلمُ أبدًا ، والسَّفيه لا يسلمُ أبدًا ، فالجاهلُ لا يُمكن أن يكون أسلم من العالم ، ولا السفيه أسلم من الحكيم .
فإذا قررتَ بأنّ طريقة السلف أسلم ؛ لزمك أن تُقرَّ بأنَّ طريقة السلف أعلمُ وأحكم .
(ثانيًا) : بأيِّ وجهٍ يقولون : إنَّ طريقةَ السلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ؟! فالسَّلف هم : الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والخلفاء الراشدون ـ والصحابة ، والتابعون لهم بإحسانٍ من أئمة الهدى والحقّ ، فهل تكون طريقة الخلف أعلم وأحكم من هؤلاء ؟
وهل تكون طريقة المعتزلة والنظّار أعلم وأحكم من طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ؟ هذا غيرُ معقولٍ أبدًا ، ولو أنَّ إنسانًا ثبتَ على هذا لأخرجناه من الإسلام ؛ لأنّ هذا من أعظم القدح في رسول الله وفي أصحابه .
كما قال شيخ الإسلام : ((أن يأتي أفراخ الصابئة والمشركين واليهود والنصاري ، ثم يُقال : هم أعلم وأحكم من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فيما يتعلّق بأسماء الله وصفاته ، فهذا شيء مُستحيلٌ )) انتهى كلامُ شيخ الإسلام.
وقد يُطلِق مثل هذه العبارة علماء أجلاء في أعيننا وأعينكم ، وهم لو علموا مقتضى هذه العبارة ومُستلزماتها لما قالوها أبدًا ، لكن قد تندرج على ألسنتهم من غير تروٍ وتمهّل ، ويأخذها آخر عن أول ، وإلا فلو تأملوا لوجدوها متناقضة باطلة يلزم عليها لوازم فاسدة.
ونحن نرميهم بدائهم ، فإنّ زعماءهم ورؤساءهم كان منتهى أمرهم إلى الحيرة والقلق والشكّ.
قال بعضُ العلماء [وهو أبو حامد الغزالي] : " أكثرُ الناس شكًّا عند الموت أهلُ الكلام" ، وهؤلاء هم الذين يدّعون أنهم أعلم وأحكم .
وقال الرّزاي وهو من رؤسائهم :
"لقد تأمّلتُ الطّرقَ الكلامية والمناهجَ الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيتُ أقرب الطّرق طريقة القرآن" اهـ كلام الرزاي .
وهذا كلامٌ جيّدٌ ، ودليلٌ واضحٌ على أنّ أهل الكلام لا ينتفعون بكلامٍ لا يشفي عليلا ، ولا يروي غليلاً ] اهـ
(من شرح القواعد المثلى للشيخ العثيمين بتصرف يسير) .
رد: خطورة قول: [طريقةُ السَّلف أسلمُ، وطريقةُ الخلف أعلمُ وأحكم] وبيان لوازمها الفاسد
جزاكم الله خيرًا، ورحم الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، وأثابه عنا خيرا.