-
طالب العلم والإخلاص
الحمد لله الذي جعل العلم سُلّّما للعمل يرتقي على درجاته عباد الله الموفّقون، ونصب العمل غاية يتطلع إلى تحقيقها طُلاب العلم المخلصون، ولقد رام قومٌ تسلّقَ هذه الغاية من غير سُلّمٍ فضلّوا الطريق، وغفل عنها آخرون لاشتغالهم بالوسيلة فنالهم من غضب الله ما أهواهم في مكان سحيق، وخلُص من بين أولاء وأولئك قوم ميّزوا بين المقصد والسّبيل، فجاهدوا أنفسهم ـ طاعة لله والرسول ـ فحقّقوا العمل واتّخذوا العلم له طريقا، فساروا ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء 69]
فليكن مقصدك ـ يا طالب العلم ـ العملَ بما علمت، ولزومَ ما تحققت منه وفهمت، وإيّاك أن يكون مرادُك من التّعلم المراءَ والجدلَ ؛ فإنه بلاء يُفسِد النيّةَ كما يُفسِد الخلُّ العسل، ولقد حذّرك نبيك صلى الله عليه وسلم من هذه الدّسيسة الخسيسة فقال : "من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء ، أو ليصرف به وجوه النّاس إليه فهو في النّار" ["صحيح الجامع": 6382]، فاللهَ اللهَ في النيات ، فإنّها الميزان العدل الّذي ترجُح فيه عاداتُ أقوامٍ فتصير قربات، وتُحبط فيه عبادات آخرين فتحال آثاماً وخطيئات .
فاعلم يا طالب العلم ـ علمت الخير ـ أنّ التّعلم من أجل المراء والجدل خَلّةٌ فاسدة, وسلعةٌ في سوق المتسابقين إلى الجنّات كاسدة, متى ما اشتمل عليها قلب امرئ أهلكته، وحيثما تمكّن داؤها من فؤاد متعلم أعطبته ثم أردته، فاسع – رحمك الله- في مداواة نفسِك، وللسانك عن المراءِ والجدال أمسِك ،وعالج نيّتك من كل داء دخيل فإن علاجها شفاء للقلب العليل .