طبعة جديدة جيدة لكتاب الكفاية للخطيب
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فأزف إلى إخواني طلبة العلم عامة وطلبة علم الحديث خاصة بشرى قرب صدور كتاب "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى – (ت463هـ) ، بتحقيق شيخنا الدكتور ماهر بن ياسين بن فحل – وفقه الله تعالى – عن دار ابن الجوزي في المملكة العربية السعودية .
وقد كان كتاب "الكفاية" طبع فيما سبق عدة طبعات ، أجودها – فيما رأيتُ – الطبعة الهندية ، بدائرة المعارف العثمانية ، وقد قام على تصحيحها جماعة من العلماء منهم العلامة المتقن عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني – رحمه الله تعالى - ، على نسختين خطيتين ، وضبطوا الكتاب حسب ما تيسر لهم آنذاك ، لكن طبعتهم – على ما بذل بها من جهد – لم تسلم من الأخطاء ، ثم توالت الطبعات نقلا عن هذه الطبعة تصويرًا أو بإعادة تنضيدها – بإضافة إخطاءٍ وأغلاط لها بسبب إعادة التنضيد – حتى ظهرت طبعة دار الهدى تحقيق وتعليق أبي إسحاق إبراهيم الدمياطي ، وقد حققها على ست نسخ خطية ، وقد كان المأمول أنْ تكون هذه الطبعة أفضل الطبعات ، إلاّ أنَّ الواقع خالف ذلك ؛ فقد جاءت طبعةُ الدمياطي طبعةً مليئة بالأغلاط والتحريف والسقط ، حتى إنَّ الشيخ ماهرًا عمل في مقدمة تحقيقه جداولَ للأخطاء الصريحة والسقوطات الكثيرة التي حوتها طبعة الدمياطي فبلغت 352 تحريفًا وتصحيفًا وسقطًا في المتون والأسانيد ؛ مما حدا بشيخنا الدكتور ماهر أنْ يعيد تحقيق الكتاب .
أما ما تميزت به طبعة شيخنا ماهر فهو التالي :
1- الاعتناء بضبط النص غاية العناية ، مستعينًا بثلاث نسخ خطية ، زيادة على المطبوعة الهندية التي طبعت عن نسختين خطيتين غيرِ النسخ الثلاث التي اعتمدها الشيخ ماهر .
2- تخريج الأحاديث النبوية المرفوعة على طريقة استيعاب مصادرها الأصلية حسب الطاقة ، من غير تطويل ولا إخلال .
3- تخريج آثار الصحابة وأقوال أهل العلم حسب الإمكان .
4- التعليق على بعض المسائل اللغوية والفقهية والحديثية مما كان التعليق عليها نافعًا .
5- ترجمة الرواة الضعفاء في الأسانيد التي ساقها الخطيب تيسيرًا على القاريء وتسهيلا لمن رام الحكم على سند أثرٍ ما .
إلى غير ذلك مما تميز به التحقيق المذكور .
وقد كنتُ اطلعتُ على تحقيق شيخنا للكتاب أثناء تجارب الطبع النهائية فأعجبني حسن التحقيق والتعليق والدقة ، وقد كان شيخنا معتنيًا بالكتاب عناية خاصة تميزت عن باقي تحقيقاته ؛ فجزاه المولى عز وجل خيرًا .
فإنْ أتيتَ إلى ضبط النص ؛ فالشيخ معروف به ، فما بالُك إنْ أولى الكتابَ – زيادة عما عرف به من شدة اعتناءه بالنص – عنايةً خاصةً ؟
وإنْ طالعتَ التخريج والتعليق على المسائل الحديثية تجد ما يسركَ بإذنه تعالى .
وزيادة على ما ذكر تجد الاهتمام بباقي الفنون ظاهرًا في التعليق على النص ، فإنْ وجد الشيخُ بيتًا شعريًا مكسورًا أشار إليه ، وإنْ وجد لفظا غريبا فسّره ، وإنْ وجد ما يعسر فهمه أطال النَّفَس في شرح معناه ، وإنْ مرَّت نسبة تحتاج إلى ضبطِ حرفٍ ضبطها ، ذاكرًا المصادر ، ... وليس الخبرُ كالعيان.
وقد قال الشيخ – وفقه الله تعالى – في مقدمته للتحقيق : ((فإني أحمد الله أولاً وآخراً ، وظاهراً ، وباطناً أنْ مكنني من إنْهاء هذا السِفْر العظيم ، الذي مرّ عليَّ سنون في تحقيقه ؛ إذْ عاودت العمل فيه مرةً بعد مَرّة في مُددٍ
متباعدة ، حتى استكمل عندي نصاب المخطوطات ، ولما تجمعت لدي بنعمة الله الهمة للتعليق على كثيرٍ من قضاياه أخرج بهذا الشكل . وقدْ دفعت الكتاب إلى المطبعة وأنا راضٍ عما فيه ، فأسال الله أنْ يجعله في ميزان الحسنات ، يوم تقل الحسنات وتكثر الزفرات يوم الحسرات .
وكتابنا هذا (( الكفاية في معرفة أصول علم الرواية ))([1]) سِفْرٌ عظيم من أسفار المصطلح ، وسفينةٌ من الفوائد فيه أعظم قضايا هذا العلم ، بل هو أحد عُمَد هذا الفن ، وقد طُبع هذا الكتاب مِنْ قَبْلُ طبعاتٍ عدة لا تليق بنفاسة الكتاب ، ومكانة مؤلفه ، وهو ما دفعني إلى العمل لإعادة تحقيقه بَعْد أنْ شرّفني الله U بخدمة عددٍ من كتب المصطلح ، ولا سيما أنَّ كثيراً من الكتب التي تأخرت عن كتاب الخطيب قد اعتمدت عليه اعتماداً كبيراً ؛ فكتاب ابن الصلاح الذي دار في فلكه الناس في علم المصطلح معتمدٌ فيه مؤلفه على كتاب الخطيب (( الكفاية في معرفة أصول علم الرواية )) وعلى مؤلفات الخطيب الأخرى ، وكان هذا محفزاً لي لإعادة تحقيق الكتاب تحقيقاً يناسب المكانة التي تبوأها كتاب الخطيب . وأنا منذ عشر سنين أتطلع إلى تحقيقه ونشره لتعم فوائده وترتجى عوائده ولتقيد ما فيه من هنّات يسيرة ؛ حتى أتم الله عليَّ النعمة ، فتم الكتاب على الوجه الذي أراه مناسباً بعد أنْ بذلتُ فيه جهداً ليس باليسير .
والمؤلَّف رمزٌّ على المؤلِّف ؛ إذ قد ظهرتْ في هذا الكتاب شخصيةُ الخطيب كما ظهرت في بقية كتبه ، وكتابه هذا نال حظاً أوفر منْ بقية الكتب بعدَ التأريخ ، على أنَّ جميعها مؤلفات الخطيب امتازت بالجودة والأصالة والحداثة والجدة والفاعلية([2]) والتخصص في بحث موضوع بعينه في كل مصنف من مصنفاته ، بحيث لا يتناول الخطيب في ذلك المصنَّف غيره ، وبعد استكمال أدوات التخصص الدقيق فإنَّ الخطيب يحيط بذلكم المصنف أحاطة واسعة ، ويتشعب به حتى يشبعه بحثاً ويُحيط الباحث به إحاطةً واسعةً .
ثم لا يخفى على الباحثين الجادين ما للخطيب البغدادي من مكانة علمية ، فقد كان على قدر كبير من وفور العقل والاشتغال بما ينفعه مع الحرص الشديد على الوقت ، والحفاظ على أنفاس العمر بالعمل النافع ، وقد دلَّ على ذلك ما قدم للناس من عطاء علمي وافر .
والخطيب قد حباه الله بشخصية فذة جمعت بين الجد والتقى وحسن السيرة ، وقد كان مثالاً للشخصية العلمية النادرة ، ومن الأدلة على ذلك كتابه الذي بين أيدينا وهو القائل : (( من صنَّف فقد جعل عقله في طبق يعرضه على الناس ))([3])كل ذلك كان سبباً للعمل في هذا الكتاب نصحاً للأمة واحتراماً لتراثها ودفعاً لغوائل التشويه عما قدمه أفذاذها بانين بذلك عزها ومجدها ، ولم يكن جهدي منصباً على تحقيق النص ، فقد جهدت في تحرير المسائل والتعليق على ما يستحق التعليق من غير اختصار ولا تطويل ، وقد قدمتُ للكتاب بدراسة متوسطة دالة على سيرة الخطيب ، ثم الكلام على منهجه في كتابه (( الكفاية في معرفة أصول علم الرواية )) ثم وصف المطبوعات والنسخ مع بيان ما لها وما عليها ، ثم بيان منهجي الذي سرت عليه في تحقيق الكتاب ، وقد ضمنت الكتاب بالفهارس المتنوعة ؛ لتذلل للباحثين الرجوع إلى الفوائد والعوائد المرجوة من الكتاب ، وقد فرعتها على أنواع كثيرة ؛ لأهمية الكتاب ومكانته .
وبعد : فهذا كتاب (( الكفاية في معرفة أصول علم الرواية )) للحافظ المؤرخ الخطيب البغدادي أقدمه لمحبي المصطفى r السائرين على هديه الراجين شفاعته يوم القيامة . وقد خدمته الخدمة التي توازي تعلقي بسنة سيدنا النَّبيِّ r وبذلتُ فيه ما وسعني من جهد ومال ووقت ، ولم أبخل عليه بشيء منَ الوقت ، وكان الوقت الذي قضيته فيه كله مباركاً ، ولعل هذا العمل آخر عمل لي في خدمة كتب السنة النبوية ؛ إذ النية منصرفة إلى خدمة كتاب الله U.)) .
وقال في آخر مقدماته مبينا منهج التحقيق : ((منهج التحقيق
1- حاولت ضبط النص قدر المستطاع معتمداً على النسخ الخطية ، مستئنساً بالطبعات السابقة للكتاب ، مع مراجعة موارد المؤلف ومن استقى منه .
2. خرّجت الآيات الكريمات من مواطنها في المصحف ، مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية .
3. خرّجت الأحاديث النبوية الكريمة تخريجاً مستوعباً حسب الطاقة ، وبينت ما فيها من نكت حديثية ، ونبّهت على مواطن الضعف ، وكوامن العلل مستعيناً بما ألفته الأئمة الأعلام جهابذة الحديث ونقّاد الأثر في هذا المجال راجعاً في كثير من الأمور إلى كتابي (( الجامع في العلل والفوائد )) الذي ألفته تذكرة لنفسي وذخيرة ليوم رمسي .
4. خرّجت أكثر نقولاته عن العلماء وذلك بعزوها إلى كتبهم .
5. تتبّعت المصنف فيما يورده من المذاهب سواء أكانت لغوية أم فقهية أم غيرها ؟ ووثّقتها من المصادر التي تعنى بتلك العلوم .
6. لم يكن من وكدي أن أترجم للأعلام الذين يذكرهم المصنف رغم فائدتها التي
لا تخفى ، مقدماً دفع مفسدة تضخم الكتاب ، على مصلحة التعريف بهؤلاء
الأعلام ، على أن الكتاب لا يخلو من التعريف ببعضهم ، وقد أضطرني الحال إلى ترجمة بعض ممن حصل تصحيف أو تحريف في أسمائهم أو ألقابهم ، وعرفت بالرواة الضعفاء الذين كانوا سبب ضعف كثير من الآثار ، وكانت الترجمة معرفية ونقدية ؛ ليدرك من ذلك ضعف تلكم الأسانيد .
7. قدّمت للكتاب بدراسة أراها - حسب اعتقادي - كافية كمدخل للكتاب ، وانفردت عمن كتب عن الخطيب ببيان منهجه في كتاب الكفاية بياناً مشفوعاً بالإحالة إلى أرقام تلك المنهجية المؤخوذة من صنيع الخطيب .
8. لم أل جهداً في تقديم أي عمل يخدم الكتاب ، وهذا يتجلى في الفهارس المتنوعة التي ألحقتها بالكتاب ، بغية توفير الوقت والجهد على الباحث ويذلل المصاعب على الباحثين ، وتوسعت في ذكر شيوخ المصنف والرواة والمسانيد ؛ فالكتاب مع كونه كتاب مصطلح إلا أنه من كتب الحديث المسندة .
9. علّقت على المواطن التي أعتقد أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان ، خاصة استدراكاتي على المؤلف .
11. ذيّلت الكتاب بالمهم من نكت وتعليقات ، ممّا أغنى الكتاب وتمّم مقاصده.
13. خرجت جميع موارده من كتبه الأخرى وقارنتها مع الكتاب مقارنة تامة .
14. أجملت التخريج على الصحابي أو من يقوم مقامه ثم عقبت ذلك بالعزو إلى بعض المصادر التي تعين على تخريج الحديث ونقده .
15- ضبطت كثيراً من أسماء الرواة مستعيناً بكتب الرجال وكتب المشتبه .
16. رتبت التخريج على الوفيات مقدماً تخريج الخطيب من كتبه الأخرى .
17. حكمت على الأحاديث بما يليق بها من صحة أو ضعف مع بيان الدليل على ذلك ، أما الآثار فقد اكتفيت بترجمة الرواة الضعفاء الذين كانوا سبباً في ضعف تلكم الآثار ، وما سكت عنه فهو صحيح إلى من ورد الإسناد إليه .
وبعد هذا كلّه ، فلست من الذين يدّعون الكمال لأنفسهم أو أعمالهم ، وليتذكر من يقف على هفوة أو شطحة قلم أن يقدّم النظر بعين الرضا على الانتقاد بعين السخط ، وليضع قول الإمام الشافعي – رحمه الله – نصب عينيه إذ يقول :
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيْلَةٌ ولَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاويَا))
([1]) هكذا جاء عنوان الكتاب على طرة مخطوطة مركز المخطوطات الوطنية ببغداد وعلى طرة النسخة المصرية ، وهكذا سماه : ابن الجوزي في (( المنتظم )) 9/4714 والكتاني في (( الرسالة المستطرفة )) : 123 .
([2]) على أنَّ جهد البشر مهما بلغ فلا بد أن يشوبه نقصٌ ، وسيأتيك في دراستي لمنهج الخطيب نقداتٌ علمية ينجر بعضها إلى بقية كتبه كاستشهاده بالأحاديث الواهية والموضوعة .
([3]) (( تذكرة الحفاظ )) 3/1141
رد: طبعة جديدة جيدة لكتاب الكفاية للخطيب
بارك الله فيك
بانتظار صدور الكتاب
وقد بلغني أن للشيخ المحقق بدر بدر عمل على الكفاية لا أدري الى أين وصل فيه
رد: طبعة جديدة جيدة لكتاب الكفاية للخطيب
الشيخ بدر البدر
توقف عن العمل في كتاب الخطيب الكفاية في علم الرواية منذ سنوات
كما أخبرني هو بنفسه عن هذا وقال ان العمل في هذا الكتاب اتعبه
واشغله كثيرا علما انه فرغ من ثلث الكتاب تقريبا ثم توقف
والله اعلم
رد: طبعة جديدة جيدة لكتاب الكفاية للخطيب
رد: طبعة جديدة جيدة لكتاب الكفاية للخطيب
الكتاب في دار ابن الجوزي السعودية من قبل رمضان ، عسى الله أن ييسر نزول الكتاب قريباً إن شاء الله تعالى .