نصائح للزوجين للشيخ صلاح البدير
نصائح للزوجين للشيخ صلاح البدير
خطبة المسجد النبوي في 3 ربيع ثاني 1431 هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله .. الحمد لله الذي لم يزل في قدره عليّا ، ولم يك قط له سميّا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله .. صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..
فياأيها المسلمون اتقوا الله وأطيعوه ؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب : يَا أَيُّهَا لَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران 102.
أيها المسلمون .. إن الله - تعالى - بلطيف حكمته وما أودعه في إبداع العالم من عجائب قدرته خلق الإنسان مجبولاً إلى السكن والاستقرار ، وطبعه في أصل خلقته على الحاجة لذلك والاضطرار ، ويسَّر له - برحمته وفضله - زوجاً من نفسه ليسكن إليها ويرتبط بها : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم 21 .
أيها المسلمون : الرابطة الزوجية رابطة عظمى صدرت عن رغبةٍ واختيار وانعقدت عن خبرةٍ وسؤال وإيثار ، عقدها مأمورٌ به شرعاً مستحسنٌ وضعا وطبعا ..
والأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمعات .. وبصلاحها تصلح الأوضاع وبفسادها تفسد الأخلاق والطباع ، ركناها وقائداها زوج وزوجة يجمع بينهما ولاءٌ ووفاء ، ومودةٌ وصفاء ، وتعاطفٌ وتلاطف ، ووفاقٌ واتفاق ، وآدابٌ وحسن أخلاق تحت سقف واحد في عيشةٍ هنية ومعاشرة مرضية ..
وفي كتاب الله وسنة رسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من الإصلاح التام والعدل العام ما يؤيد قواعد هذه الرابطة فلا تنفلم ويؤكد عقائدها فلا تنخرم .
أيها المسلمون .. إن سبب كثرة المشكلات وتفاقم الخلافات وظهور المنازعات وشيوع الطلاق والفراق لأسبابٍ تافهة إنما هو التقصير في معرفة الأحكام الشرعية وآداب الحياة الزوجية وما تقتضيه المسئولية الأسرية ؛ إذ كيف تكون الأسرة في هناء وصفاء والزوج ذو بذاء وجفاء .. إذا غضب نفط ونفث واكفهر وازمجر ، فيه حب الأنا والذات .. خيرُه مقفل وشره مرسل ..كفٌّ يابس ووجه عابس ومعاملةٌ فاسدة وأقوال سافلة تورث كلما لا يندمل وصدعا لا ينشعب ، وتُتْرك المرأةُ حسيرةً كسيرة حائرة بين مُرين : طلب تطليقها أو الصبر على تعليقها ..
وإن من الأزواج من إذا أبغض المرأة كدها وهدها وكهرها وظلمها وأكل مالها ومنعها حقها وقطع نفقتها .. وربما أخذ ولدها - وهو تحت حضانتها ورعايتها - وتركها أسيرة الأحزان تعاني كرب الأشجان ..
فأين الإحسان ؟ أين الإحسان يا أهل القرآن ؟
أيها المسلمون .. وكيف يكون للأسرة هناء وصفاء والزوجة ولَّاجة خراجة ثَرثارة مِهْذارة طعانة لعانة ، لا تجيب إلى إنصاف ولا ترضى بعيش كفاف ، تئن عند طلبها كسلا وتبارضا ولا ترضى لأمرها معارضاً ، مقصرة مفرطة ومسرفة مفرطة كثيرة النوم واللوم ، مرهاء ملداء لا كحل ولا حناء ، شوهاء فوهاء تبطل الحق بالبكاء ، تنسى الفضل وتنكر الجميل وتكثر على ذلك التعليل والتدليل ..
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أَرأيتَ النار ؟ قال : رأيتُ النار .. فإذا أكثرُ أهلهِا النساء يكفُرن ، قيل : أيكفُرْنَ بالله ؟ قال : يَكفُرْنَ العَشِير ويكْفُرْن الإحسان ، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدَّهرَ ثمَّ رأتْ منكَ شيئا قالت : ما رأيتُ منكَ خيرًا قطُّ " متفق عليه .
أيها الزوجان الكريمان .. اتقيا الله في حياتكما الزوجية .. بُلَّاها بالحقوق ولا تدمِّراها بالعقوق ، وليقم كل واحد منكما بما أوجب الله عليه تجاه رفيق عمره وشريك حياته ، واخضعا لنصوص النقل ومنطق العقل قبل أن يستبد بكما الشقاق ويحصل الطلاق والفراق ، ويأكل أحدكما من الندم كفيه ويعض على يديه ويقد شعره ويمضغ شفتيه ، واحتكما لقول المولى - جل وعلا - : .. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ .. البقرة 228 ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم : " ألا إنَّ لكُمْ مِنْ نسائكُمْ حقّا ، ولِنسائِكُمْ عليكم حقّا " أخرجه الترمذي .
أيها المسلمون .. إن من رام شريكاً للحياة بريئا من الهفوات سليما من الزلات فقد رام أمراً معوِزا وطلب وصفاً معجزاً ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمِنة .. إنْ كرِهَ منها خُلُقًا رَضِي منها آخر " أخرجه مسلم ، ويقول - بأبي هو وأمي .. صلوات الله وسلامه عليه - : " أيمُّا امرأةٍ سألتْ زوجَهَا الطلاقَ منْ غيرِ بأسٍ فَحرَامٌ عليها رائحةُ الجنة " أخرجه أحمد .
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً .
أيتها المرأة المسلمة والزوجة المؤمنة كوني لبعلك أرضاً يكُنْ لكِ سماءً ، وكوني له مِهاداً يكن لكي عماداً ، وكوني له أَمَةً يكن لكِ عبداً ، تعهدي وقت طعامه والزمي الهدوء عند منامه ؛ فإن مرارة الجوع مَلْهبةٌ وتنغيصَ النومِ مغضبةٌ ..
اسحبيه بالقناعة ، وعاشريه بحسن السمع والطاعة ، ولا تفشي له سرا ولا تعصي له أمرا ، واحذري أنواع التقصير واجتنبي أسباب التكدير .
ولا تصومي صيامَ تطوُّعٍ وزوجك شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذني في بيته لمن يكره إلا بإذنه ، واعلمي أنك أشدُّ ما تكونين له إعظاماً أشد ما يكون لكِ إكراماً ، ولا تلحفي به فيقلاك ولا تتباعدي عنه فينساك ، واجتهدي على نفسك بما هو أدعى لرغبته وأملأ لعينه ، وليكن ذلك وَفقَ القيود الشرعية والآداب المرعية ..
وإذا دعاكِ لحاجته فحققي رغبته وأجيبي دعوته ، وقومي بخدمته بنفس راضية ؛ فإن في خدمته تقويةَ مودة وإرساءَ محبة ..
وحسب المرأة طوبى وبشرى قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذَا صَلَّتِ المرأةُ خمسَها ، وصامتْ شهرَها ، وحفظَتْ فرْجَها وأطاعتْ زوجَهَا ، قِيلَ لها : ادْخُلي الجنةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ " أخرجه ابن حبان .
أيها الزوج الكريم : اتق الله في زوجك .. لا تكلفها ما لا تطيق ، وأعنها عند الضيق ، وأشفق عليها إذا تعبت ، وداوها إذا مرضت ، وراعها عند ظرف حملها ونفاسها ورضاعها ، وأجزل لها الشكر وتلقاها ببر وبِشْر ، واعلم أن قِوامتك لا تعني القهر والغلبة والاستبداد والاحتقار ، بل هي قوامة تحفظ لها كرامتها ، وتستوجب تعليمها وتأديبها وإعفافها ، ولا يكن جُلُّ همك مراقبةَ أخطائها وإحصاءَ زلاتها ، ولا تبالغْ في إساءة ظن بلا رَيْبة ، ولا تتغاضى عما يخل بالدين والمروءة واحذر شكاً قاتلا ، واحذر شكاً قاتلا وظناً مدمراً .. يقول نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : " غَيْرَتان إحدَاهُما يحبُّها الله والأخْرى يبغضُها الله : الغيرةُ في الريبةِ يحبُّها الله ، والغيرةُ في غيرِه يبغضُها الله " أخرجه أحمد .
وإياك والمعاتبةَ الكثيرة ؛ فإنها تورث الضغينة ، ولا تمنع أهلك رِفْدك فيملوا قربك ويكرهوا حياتك ويستبطئوا وفاتك ..كن جواداً كريما ؛ فمن جاد ساد ومن أضعف ازداد ، ولا خير في السَّرف ولا سَرَفَ في الخير ..
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أنفقَ الرَّجلُ على أهلهِ نفقة يحتسبُها فهي لهُ صدقَة " متفق عليه ، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِهِ ، وأنا خيرُكمْ لأهلِي " ، ويقول بأبي هو وأمي - صلوات الله وسلامه عليه - : "أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهمْ خُلقاً ، وخيارُكمْ خياركم لنسائهِمْ خُلُقا " أخرجه أحمد والترمذي .
أيها المسلمون .. ألا فلْتذهبِ المرأة مربية أجيال برقة طبع ولطافة حس وذكاء عاطفة ، وليذهبِ الرجل قوَّاماً وقائداً بقوة بأس وجزالة فكر وسلامة تقدير وتدبير ، وليذهبِ الاثنان إلى حياة كريمة في ظل تمسك بالدين وفعل للواجبات واجتناب للمحرمات
وتعاونٍ على البر والتقوى .. ورحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء .. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ الطور 21 .
ثم صلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى نبي الهدى نبينا وسيدنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ..
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ ، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنة المتبعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين , اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم إن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا .. اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم ، وألقِ الرعبَ في قلوبهم ، واجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين ، اللهم لا ترفع لهم راية . اللهم لا ترفع لهم راية ، ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية يارب العالمين .
اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم اشفِ مرضانا . اللهم اشفِ مرضانا . اللهم اشف مرضانا ، وعافِ مبتلانا . وعاف مبتلانا . وعاف مبتلانا ، وفُكَّ أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ، اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا ، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا خلق من خلقك . اللهم إنا خلق من خلقك ، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يافَالِقَ الحَبِّ والنَّوى يامُغيثَ العباد بعد اللهف والظما . يا فالق الحب والنوى .. يامغيث العباد بعد اللهف والظما ، اللهم سُقْيا رحمة . اللهم سقيا رحمة ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاءٍ ولا غرق ولا هدم ياأرحم الراحمين .
عباد الله .. إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل – 90 ..
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .