بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
في ظل فتنة انتشار القلم وفشوه , وكثرة الجهل وازدياده والتي ذكرها صلى الله عليه وسلم حيث روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة و فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة و قطع الأرحام و شهادة الزور و كتمان شهادة الحق و ظهور القلم " .رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1049 ) و أحمد ( 1 / 407 ) بإسناد صحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن من أشراط الساعة أن يفيض المال و يكثر الجهل و تظهر الفتن و تفشو التجارة و يظهر العلم " .
ولما لفتنة الاعتماد على العقل في مواجهة الشبهات والمضلات , بحجة الثقة في النفس والاعتماد على الذات والاتكال على الذكاء ,من أثر كبير وبالغ على تأثر الشخص بها وافتتانه ببعضها مع تحذير النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لأحد الملهمين وهو عمر الفاروق رضي الله عنه من القراءة في كتب أهل الكتاب فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمررضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة وقال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخى موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " حسنه الألباني .
ولما يلقيه أهل الكلام اليوم من شبهات في المواقع والمنتديات والصحف والمجلات , كان هذا الموضوع الذي أوجهه إلى كل مسلم بشكل عام , وإلى كل مربي وداعية وعالم بشكل خاص .فأقول أيها الكرام ..
إننا أحوج ما نكون اليوم إلى التحصين الفكري , لأنفسنا ولأبناءنا وطلابنا , فمن يأمن على نفسه الفتنة إلا المغرور , ومن يضمن ألا تقع في قلبه شبهة إلا المعجب بذاته , المتكل على قدراته , ومن اتكل على غير الله ذل .. وضل .. وزل .
أيها العلماء والدعاة والمربون ...
من أوجب الواجبات اليوم العناية بتحصين الأفكار وتقوية العقيدة والإيمان .. فأهل الأهواء أطلوا بأهوائهم وأهل الشبهات حلوا بشبهاتهم في كل ركن من أركان الإعلام ..ولا حل إلا بالتحصين والعناية بالأفكار والمعتقدات ..لما قد يطرأ عليها من شبه مهلكة مضلة .
إن كثيرا من الشباب اليوم الذين نراهم يقعون في فتنة التنوير أو التكفير .. ما كان لهم أن يقعوا لو حصنوا بإذن الله ..فالوقاية خير من العلاج .. وأن نبين له ونحذره ونحصنه خير من أن نحاول استصلاحه وقد فسد عقله وضل الطريق ..
كم أستغرب حينما أرى شابا جالس العلماء وقرأ في كتب السلف الصالح وشارك في ميادين الدعوة والإصلاح ..ثم أراه يتحول فجأة بمجرد قراءة كتاب فيه شبهه أو مقال فيه مضلة ..في أحد الأيام قابلت شابا أعرفه على استقامة وصلاح .. قد غير من ظاهره وحلق لحيته !! فسألته عن السبب ..فوجته قرأ كتاب الجديع .. فتألمت كثيرا لحاله .. وناقشته ولم أتحدث عن مضمون الكتاب وما فيه من مغالطات وإنما قلت له : يابني لا أنقم عليك إلا سخافتك إذ كيف بمجرد قراءة كتاب تحلق لحيتك !! كيف إذا قرأت في كتب المبتدعة ما مصيرك حينها !! فخجل من نفسه وعاد يبحث في المسألة حتى جائني وقد زالت شبهته والحمد لله ..
هذا شاب قد تخرج من كلية شرعية !! فكيف بغيره ..
الحقيقة أني أتألم كثيرا عندما أرى هشاشة في حصانة شبابنا الفكرية .. وأرى أننا بحاجة إلى بناء فكري متزن .. وتحصين قوي في ظل أزمة الأفكار وكثرة العوارض اليوم !!
نحن بحاجة إلى غرس مفاهيم الإيمان في قلوب الأبناء حتى يخالط بشاشة القلوب فإن خالطها لم تزعزعه فتنة بإذن ربه ..
نحن بحاجة إلى تربية عميقة لا عقيمة , وإصلاح للداخل قبل الخارج , وتعهد لحلاوة الإيمان التي خبت في زمن الفتن والشهوات !!
نحن بحاجة إلى ربط الأبناء بكتاب الله ففيه المخرج من الفتن والحفظ من الضلال بإذن الله .
نحن بحاجة إلى البناء العلمي الشرعي , المرتبط بالعلماء الربانيين , ليعرف كل طالب قدره ومنزلته , فأكثر من تعالى على العلماء لم يثني ركبته عند عالم !!
نحن بحاجة إلى منهج دعوي مستنبط من كتاب ربنا وسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الحماس المُفرِط والتمييع والمُفَّرط الذي نشأ عليه البعض فأصبحنا نجني ثماره تلونا غريبا وعجيبا !!
نحن بحاجة إلى توعية شاملة وكشف للشبهات وتوضيح للأصول, وربط بالأمهات , لا بالمختصرات والكتيبات ..
إن من أجمل ما يمكننا عمله برامج عملية وعلمية تطبيقية لكل جانب من الجوانب فيكون لدينا برامج للتربية العلمية الشرعية وأخرى للجانب الفكري وغيرها للجانب الدعوي ورابعة للجانب الإيماني بصورة متكافئة تشكل شخصية متزنة واعية محصنة ..
ينبغي أن نراعي أهمية الوقاية قبل أن نتعنى في البحث عن العلاج , وصدق من قال درهم وقاية خير من قنطار علاج
حفظ الله شباب المسلمين من مضلات الفتن ورد من ضل إلى سبيل الحق المبين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
