فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه والمتبعين لهم بإحسان .
ما زالت مذ عرفت النحو معنيًّا بكتب ابن هشام ، حريصاً عليها ، كَلِفاً بها ، ترغّبني فيها أشياء لم أكن أتبيّنها على التفصيل أول الأمر ، ثم عرفتها ، وتبيّنت أن أظهرها شيئان : التفنّن في النظام ، والعناية بالاستشهاد بالقرآن الكريم .
أما الأول فحقه أن تُفرد له كلمة تشرح معالمه وطرائقه ، وأما الآخِر فأنواع ، أشرح منها في هذه الكلمة نوعاً واحداً ، هو التفنّن في إيراد الشواهد القرآنية .
فقد كان ابن هشام - رحمه الله - كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم إكثاراً مُعْجِباً ، لا يكاد يترك الشاهد القرآني إلى غيره من الأمثلة الموضوعة من زيد وعمرو والضرب والإكرام ونحوها . ولا شك أن هذا يثبّت المسألة بشاهدها في الذهن ، ويصدّق القاعدة ويؤكدها ، ويرغّب في دراسة النحو وتذوقه ، ويزيد المعرفة بمعاني القرآن وإعرابه .
(1) تفريع
وهذه الكلمة شرح لافتنانه في سَوْق الشواهد القرآنية ، بإيرادها على وجوه من الخصوصية والتناسق الفني يتجاوز الاستشهاد المألوف إلى شيء آخر ، هو ما سميته : فن الاستشهاد .
ومن هذا الفن أن يستشهد لأكثر من فرع من المسألة بموضع واحد من القرآن ، أو بأكثر من موضع بينها اتصال .
· فرعان في موضع :
فالنوع الأول - وهو أن يأتي بالشاهد فيه أكثر من فرع من المسألة التي يتكلم عليها - قسمان : ما فيه فرعان ، وما فيه فروع .
وما فيه فرعان قسمان : قسم يكون في أكثر من كلمة في الموضع ، وقسم يكون في كلمة واحدة .
- فما فيه فرعان في أكثر من كلمة من الموضع له أمثلة كثيرة ، منها :
1- اجتماع ( إن ) الشرطية و( إن ) النافية في قوله - تعالى - : ) ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ( ([1]) .
2- واجتماع لحاق ( ما ) الكافة بـ ( إنّ ) المكسورة ولحاقها بـ ( أنّ ) المفتوحة في قوله - تعالى - : ) قل : إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد ( . وفيه أيضاً أن الأولى لقصر الصفة على الموصوف ، والآخرة لقصر الموصوف على الصفة ([2]) .
3- واجتماع ( إذا ) الفجائية و( إذا ) الظرفية في قوله - تعالى - : ) ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون( ، وقوله : ) فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون( ([3]) .
4- واجتماع مجيء ( في ) للظرفية المكانية ومجيئها للظرفية الزمانية في قوله - تعالى - : ) غُلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين( ([4]) .
5- واجتماع مجيء كاف الخطاب في محل نصب ومجيئها في محل جر في قوله - تعالى - : ) ما ودَّعك ربك( ، وكذا ياء المتكلم في قوله تعالى : ) ربي أكرمني( ([5]).
6- واجتماع إسكان لام الأمر بعد الفاء وإسكانها بعد الواو في قوله - تعالى - : ) فلْيستجيبوا لي ولْيؤمنوا بي( ([6]) .
7- واجتماع زيادة ( مِنْ ) في المنصوب وزيادتها في المرفوع في قوله - تعالى - : ) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ( ([7]) .
8- واجتماع العطف على السابق والعطف على اللاحق في قوله - تعالى - : ) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ( ([8]) ، ومثله : ) وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ( ، فهذا على الترتيب ، ثم عطف بعكس الترتيب فقال : ) وعيسى وأيوب ( ([9]) .
9- واجتماع حذف المبتدأ وحذف الخبر في قوله - تعالى - : ) سلام ، قوم منكرون ( ؛ أي : سلام عليكم ، أنتم قوم منكرون ([10]) .
10- واجتماع الاعتراض بين القسم وجوابه ، والاعتراض بين الموصوف وصفته في قوله - تعالى - : ) فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم ، إنه لقرآن كريم ( ([11]) .
11- واجتماع تعلق الظرف بالفعل وتعلقه بما فيه معنى الفعل في قوله - تعالى - : ) أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم( ([12]) .
12- واجتماع مجيء الجار والمجرور صلة ومجيء الظرف كذلك في قوله - تعالى - : ) وله مَنْ في السموات والأرض ومَنْ عنده لا يستكبرون ( ([13]) .
13- واجتماع حذف عامل الفاعل وحذف عامل نائب الفاعل وجوباً في قوله - تعالى - : ) إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحُقّت ، وإذا الأرض مُدَّت ( ([14]) .
14- واجتماع الماضي والمضارع من ( زال ) التامة في قوله - تعالى - : ) إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ، ولئن زالتا ( ([15]) .
15- واجتماع الفاصل الملفوظ والفاصل المقدر بين الفعل ونون التوكيد في قوله - تعالى - : ) لتُبْلوُنَّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعُنّ ( ([16]) .
16- واجتماع زيادة ( مِنْ ) مع النكرة المنفية وزيادتها مع النكرة المستفهم عنها في قوله - تعالى - : ) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ؟ ( ([17]) .
17- واجتماع مجيء ( أولو ) بالواو للرفع ، ومجيئها بالياء للنصب في قوله - تعالى - : ) ولا يَأتَلِ أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ( ([18]) .
18- واجتماع ذكر الضمير الرابط للصلة وحذفه وهو في موضع جر في قوله - تعالى - : ) يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ( ([19]) .
19- واجتماع مجيء ( عند ) للقرب المعنوي ومجيئها للقرب الحسي في قوله - تعالى - : ) قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك ، فلما رآه مستقرّاً عنده ( ([20]) .
20- واجتماع تمام ( أصبح ) وتمام ( أمسى ) في قوله - تعالى - : ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( ([21]) .
21- واجتماع اتحاد الفاعل واختلافه في المفعول له وعاملِه في قوله - تعالى - : ) لِتركبوها وزينة ( ؛ ولهذا جُرّ ما تخلف فيه شرط الاتحاد باللام ([22]) .
22- واجتماع الفصل بالضمير المنفصل وبـ ( لا ) في العطف على الضمير المتصل المرفوع المحل في قوله - تعالى - : ) ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم( ([23]) .
23- واجتماع مجيء ( رأى ) للرجحان ومجيئها لليقين في قوله - تعالى - : ) إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً( ([24]) .
24- واجتماع جرّ الحرف للظاهر وجره للمضمر في قوله تعالى : ) ومنك ومن نوح ( ، ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( ([25]) ، ) قل : الله ينجيكم منها ومن كل كرب( ، ) فقال لها وللأرض ( ([26]) .
25- واجتماع الطلب والنفي قبل فاء السببية التي يُنصب بعدها المضارع في قوله - تعالى - : ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ، فتطردهم ، فتكون من الظالمين ( ([27]) ؛ لأن ) فتطردهم ( جواب النفي ، وهو : ) ما عليك ( وما عطف عليه ، و) فتكون ( جواب النهي ، وهو : ) ولا تطرد ( . ويجوز أن يكون ) فتكون( معطوفاً على ) فتطردهم ( .
26- واجتماع التذكير والتأنيث في العدد في قوله - تعالى - : ) سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام( ([28]) .
27- ومن أطرف ذلك اجتماع فرعين ، ثم فرعين على فرع ، وذلك اجتماع مجيء الهاء في موضع نصب ومجيئها في موضع جر ، ثم مجيئها في موضع جر بالحرف ، وفي موضع جر بالإضافة ، وذلك في قوله تعالى : ) قال له صاحبه وهو يحاوره ( ([29]) .
- وما فيه فرعان في كلمة واحدة من أمثلته :
1 - اجتماع التأخر والفرعية في العامل - وهما سبب زيادة لام التقوية - في قوله - تعالى - : ) وكُنَّا لحكمهم شاهدين ( ([30]) .
2- واجتماع الإنشائية والجمود في جواب الشرط في قوله تعالى : ) إن تبدوا الصدقات فنِعمَّا هي ( ، ) ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً ( ([31]) .
3- واجتماع انتفاء الاتحاد في الفاعل وانتفاء الاتحاد في الزمن في المفعول له وعاملِه في قوله تعالى : ) أقم الصلاة لدلوك الشمس( ([32]) .
4- واجتماع الاسمية والطلبية في جملة جواب الشرط ـ ولذا ارتبطت بالفاء ـ في قوله تعالى : ) وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ؟ ( ([33]) .
· فروع في موضع :
ويترقّى في الافتنان فيأتي بالشاهد فيه ثلاثة فروع للمسألة ، من ذلك :
1- أن ( إذْ ) تلزم الإضافة إلى جملة اسمية ، أو فعلية فعلها ماضٍ ، أو فعلية فعلها مضارع لفظاً ماضٍ معنى ، واجتمعت الثلاث في قوله - تعالى - : ) إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه : لا تحزن ؛ إن الله معنا( ([34]) .
2- وأن الضمير ( نا ) مشترك بين مواضع الرفع والنصب والجر ، واجتمع استعماله فيهن في قوله تعالى : ) ربنا إننا سمعنا( ([35]) . ويصلح هذا شاهداً أيضاً لاتصاله بالكلم الثلاث ، واستشهد ابن هشام لاتصال ياء المتكلم بالكلم الثلاث بقوله - تعالى - : ) إنني هداني ربي ( ([36]) .
للبحث صلة ، إن شاء الله .
[1]- المغني 35 ، والإعراب 78 .
[2]- المغني 59 ، والأوضح 1/347 ، وشرح القطر 149 .
[3]- المغني 127 ، والموضع الأول في الإعراب 68 .
[4]- المغني 223 ، والأوضح 3/38 ، وشرح اللمحة 2/244 .
[5]- المغني 240 ، والأوضح 1/86 .
[6]- المغني 294 .
[7]- المغني 426 .
[8]- المغني 463 .
[9]- شرح الشذور 445 .
[10]- المغني 501 و 787 ، وشرح القطر 125 .
[11]- المغني 510 ، والإعراب 44 .
[12]- المغني 566 ، والإعراب 55 .
[13]- المغني 581 ، وشرح الشذور 141 .
[14]- شرح بانت 29 ، وشرح الشذور 165 .
[15]- شرح بانت 84 ، والأوضح 1/237 ، وشرح الشذور 185 .
[16]- شرح القطر 35 .
[17]- شرح القطر 246 .
[18]- شرح الشذور 61 ، وشرح القطر 49 .
[19]- المغني 655 .
[20]- شرح بانت 11 .
[21]- الأوضح 1/254 ، وشرح القطر 136 .
[22]- شرح القطر 229 .
[23]- الأوضح 3/390 .
[24]- الأوضح 2/41 .
[25]- الأوضح 3/16 ، وشرح الشذور 317 .
[26]- شرح الشذور 449 .
[27]- الأوضح 4/184 .
[28]- الأوضح 4/243 ، وشرح اللمحة 2/364 .
[29]- المغني 454 ، والأوضح 1/86 .
[30]- المغني 287 .
[31]- تخليص الشواهد 442 .
[32]- الأوضح 2/228 .
[33]- الأوضح 4/210 .
[34]- المغني 116-117 .
[35]- الأوضح 1/86 .
[36]- شرح اللمحة 1/173 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
بارك الله فيكم أخي الكريم.
بحث جيد.
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
· فرعان على قراءتين :
ويكون الفرعان في موضع واحد ، ولكنهما على قراءتين . وهو قسمان : واقع في قراءة عشرية ، وواقع في قراءة شاذة .
- فالواقع في قراءة عشرية من أمثلته :
1- اجتماع ذكر الضمير الرابط لجملة الصلة وحذفه في قوله - تعالى - : ) وما عملته أيديهم ( ، ) وفيها ما تشتهيه الأنفس ( ، وقرئ : ) وما عملت أيديهم ( ، ) وفيها ما تشتهي الأنفس ( ([1]) .
2- واجتماع فتح همزة ( إن ) وكسرها في قوله - تعالى - : ) إنّا كُنَّا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم ( ؛ وذلك لوقوعها موقع العلة ، فالفتح على تقدير الحرف ، والكسر على الاستئناف ([2]) .
3- واجتماع فتحها وكسرها في قوله - تعالى - : ) إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( ، المراد الآخرة ؛ وذلك لوقوعها بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه ، فالكسر على الاستئناف أو العطف على جملة ( إن ) السابقة ، والفتح على العطف على : ) ألاّ تجوع ( ([3]) .
4- واجتماع النصب والاتباع في المستثنى في كلام تام غير موجب والاستثناء متصل في قوله - تعالى - : ) ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ( ، ) ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ( ([4]) .
5- واجتماع تقدير ( أنْ ) مخففةً وتقديرها ناصبة - وذلك لسبق الظن - في قوله - تعالى - : ) وحسبوا ألا تكون فتنة( ، قرئ برفع ) تكون ( وبنصبه ([5]) .
6- واجتماع النصب والجر بالإضافة في الاسم التالي للوصف العامل في قوله - تعالى- : ) إن الله بالغ أمره( ، ) هل هُنّ كاشفات ضره ؟ ( ([6]) .
- وأما الواقع في قراءة شاذة فأمثلته :
1- اجتماع التعدية بالباء والتعدية بالهمزة في قوله - تعالى - : ) ذهب الله بنورهم ( ، وقرئ : ) أذهب الله نورهم ( ([7]) .
2- اجتماع النصب بـ ( إذاً ) وإهمالها ؛ وذلك لوقوعها بعد واو أو فاء ، في قوله تعالى : ) وإذاً لا يلبثون ( ، ) فإذاً لا يؤتون ( ، وقرئ بالنصب : ) وإذاً لا يلبثوا ( ، ) فإذاً لا يؤتوا ( ([8]) .
3- واجتماع الرفع والنصب في قوله - تعالى - : ) جنات عدن يدخلونها ( ، وهي مسألة الاشتغال ([9]) .
· فروع على قراءات :
ويكون في الموضع الواحد قراءات تصلح شاهداً لفروع من المسألة ، من ذلك :
1- اجتماع إعراب ( قبل ) و( بعد ) منوّنين ، وغير منوّنين ، وبنائهما على الضم، في قوله تعالى : ) لله الأمر من قبل ومن بعد ( ، فقد قرئ بكل ذلك ([10]) .
2- واجتماع الرفع على الاستئناف ، والجزم بالعطف ، والنصب بـ ( أنْ ) مضمرة ، في المضارع المقرون بالفاء أو الواو بعد انقضاء جملتي الشرط والجواب ـ في قوله تعالى : ) وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر ( ، وقوله : ) من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ( ، وقرئ بكل ذلك ([11]) .
· فرعان في سورة :
ويجمع ابن هشام شاهدين لفرعين من مسألة ، والشاهدان في سورة واحدة ، ومن ذلك :
1- اجتماع مجيء اللام في جواب ( لو ) المثبت وتركها في سورة الواقعة ، في قوله - تعالى - : ) لو نشاء لجعلناه حطاماً( ، ) لو نشاء جعلناه أجاجاً( ([12]) .
2- واجتماع مثال ظرف المكان ومثال ظرف الزمان في أول سورة يوسف ، في قوله - تعالى - : ) أو اطرحوه أرضاً( ، ) وجاؤوا أباهم عشاءً( ([13]) .
3- واجتماع مثال ( أهلون ) بالواو ومثالها بالياء في سورة الفتح ، في قوله - تعالى - : ) شغلتنا أموالنا وأهلونا( ، ) إلى أهليهم أبداً ( ([14]) .
· فرعان في المتشابه :
ومن الاستشهاد المعجب الرائق أن يكون الفرعان في موضعين متشابهين من القرآن، ومن أمثلته :
1- تسويغ الابتداء بالنكرة بالعطف ، بأن يكون أحد المتعاطفين يجوز الابتداء به، فشاهد ما فيه المعطوف يجوز الابتداء به : ) طاعة وقول معروف( ، وشاهد ما فيه المعطوف عليه يجوز الابتداء به : ) قول معروف ومغفرة خير( ([15]) .
2- وجواز ذكر ( أن ) الناصبة للمضارع بعد اللام وحذفها ، فشاهد الحذف : ) وأُمِرْنا لنُسْلم لرب العالمين( ، وشاهد الذكر : ) وأُمِرْتُ لأن أكون أول المسلمين( ([16]) .
3- وتثنية الحال وجمعها لمتعدد إذا اتحد اللفظ ، فشاهد التثنية : ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( وشاهد الجمع : ) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخراتٍ بأمره ( ([17]) .
4- وإضافة ( إذ ) إلى الجمل ، فشاهد الاسمية : ) واذكروا إذ أنتم قليل ( ، وشاهد الفعلية : ) واذكروا إذ كنتم قليلاً( ([18]) .
5- وتأنيث العدد وتذكيره ، فشاهد التأنيث : ) آيتُك ألاَّ تُكلّم الناس ثلاثة أيام( ، وشاهد التذكير : ) آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويّاً( ([19]) .
6- وجواز المخالفة في البدل في التعريف والتنكير ، فشاهد الموافقة : ) اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين( ، وشاهد المخالفة : ) إلى صراط مستقيم صراط الله( ([20]) .
7- وتعدِّي بعض الأفعال إلى اثنين بنفسه ، وإلى أحدهما بالحرف ، فشاهد التعدي إلى اثنين بنفسه : ) زوّجناكها ( ، وشاهد التعدي إلى أحدهما بالحرف : ) وزوجناهم بحور عين ( ([21]) .
8- وتمييز المائة والألف بمفرد مجرور ، فشاهد المائة : ) بل لبثتَ مائة عام( ، وشاهد الألف : ) فلبث فيهم ألف سنة( ([22]) .
9- وجمع الْخُلة بمعنى الصداقة على خِلال ، فشاهد المفرد : ) يومٌ لا بيع فيه ولا خلة ( ، وشاهد الجمع : ) يومٌ لا بيع فيه ولا خلال ( ([23]) .
10- ومجيء ( لولا ) و( لوما ) للتحضيض فيختصان بالفعلية ، نحو : ) لولا أُنزل علينا الملائكة ( ، ) لوما تأتينا بالملائكة( ([24]) .
11- واختصاص ( إذا ) بالفعلية ، ويكون الفعل ظاهراً ، نحو : ) فإذا انشقت السماء ( ، ومضمراً ، نحو : ) إذا السماء انشقت ( ([25]) .
12- وفصل الضمير إذا لم يتأتَّ اتصاله ، وذلك بتقدمه على عامله ، نحو : ) إياك نعبد ( ، أو مجيئه بعد ( إلا ) ، نحو : ) أَمَر ألا تعبدوا إلا إياه( ([26]) .
13- وتخلّف شرط القلبية في المفعول له في قوله - تعالى - : ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( ، ولذلك جُرَّ بالحرف ، وحصوله في : ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق( ، ولذلك نُصب ([27]) .
14- وترجح النصب في المشتغَل عنه لإيهام الرفع أن الفعل صفة ، نحو : ) إنَّا كلَّ شيء خلقناه بقدر ( ، ووجوب الرفع إذا كان الفعل صفة ، نحو : ) وكلُّ شيء فعلوه في الزبر ( ([28]) .
15- ومجيء الشرط والجواب مضارعين ، نحو : ) وإن تعودوا نعد( ، وماضيين ، نحو : ) وإن عُدتم عُدْنا ( ([29]) .
16- ومن طريف هذا الضرب أنه جاء به في مسألة بلاغية ، وذلك اختلافهم في حذف أداة التشبيه أيكون تشبيهاً أم استعارة ؟ وهو نوعان : أن يكون المشبه به خبراً لمذكور ، نحو : ) والذين كذبوا بآياتنا صمٌّ وبكم ( ، وأن يكون خبراً لمحذوف ، نحو : ) صمّ بكم( ([30]) .
· فروع في المشابه :
ويكون في المتشابه شواهد لعدة من الفروع ، ومثاله في كلامه على جواب ( لما )، إذ يكون جوابها فعلاً ماضياً ، وشاهده : ) فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم ( ، وجملة اسمية مقرونة بـ ( إذا ) الفجائية ، وشاهده : ) فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون ( ، أو مقرونة بالفاء ، وشاهده : ) فلمّا نجّاهم إلى البرّ فمنهم مقتصد( ، وفعلاً مضارعاً ، وشاهده : ) فلمّا ذهب عن إبراهيم الرَّوْعُ وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ( ([31]) . والأخيرة لا تشبه سابقاتها .
للبحث صلة ، إن شاء الله .
[1]- المغني 654-655 ، وشرح القطر 108 .
[2]- الأوضح 1/338 ، وشرح بانت 38 .
[3]- الأوضح 1/338 .
[4]- الأوضح 2/257 ، وشرح الشذور 265 ، وشرح القطر 245 .
[5]- الأوضح 4/161 .
[6]- الأوضح 3/230 .
[7]- المغني 138 .
[8]- الأوضح 4/167 .
[9]- شرح القطر 196 .
[10]- الأوضح 3/154 ، وشرح الشذور 103 ، وشرح القطر 19 .
[11]- الأوضح 4/213 ، وشرح الشذور 351 .
[12]- المغني 358 ، والأوضح 4/231 .
[13]- الإعراب 62 .
[14]- شرح القطر 67 .
[15]- المغني 610 .
[16]- الأوضح 4/191 ، وشرح الشذور 297 ، وشرح القطر 67 .
[17]- الأوضح 2/336 .
[18]- الأوضح 3/124 ، والإعراب 69 ، وشرح الشذور 126 .
[19]- شرح الشذور 458 .
[20]- شرح الشذور 444 .
[21]- شرح الشذور 376 .
[22]- شرح اللمحة 2/368 .
[23]- شرح بانت 27 .
[24]- الأوضح 4/237 .
[25]- الإعراب 67 .
[26]- الأوضح 1/94-95 .
[27]- الأوضح 4/226 .
[28]- الأوضح 2/169 .
[29]- الأوضح 4/205 .
[30]- شرح بانت 13-14 .
[31]- المغني 37 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
· فرعان في كلمة :
ويأتي بفرعين ويستشهد لهما بكلمة واحدة في موضعين ، ومن أمثلته :
1- جَرُّ الممنوع من الصرف بالفتحة ، نحو : ) فحيّوا بأحسنَ منها ( ، ما لم يُضف ، نحو : ) في أحسنِ تقويم( ([1]) .
2- وإضافة المصدر إلى الفاعل بغير ذكر المفعول ، نحو : ) ربَّنا وتقبّل دعاءِ ( ، وإضافته إلى المفعول بغير ذكر الفاعل ، نحو : ) لا يسأمُ الإنسان من دعاء الخير( ([2]) .
· فروع في كلمة :
ويأتي بفروع ويستشهد لهنّ بكلمة واحدة في مواضع ، ومن أمثلته :
1- أنّ في المنادى المضاف إلى الياء لغاتٍ ، منها : حذف الياء والاكتفاء بالكسرة، نحو : ) يا عبادِ فاتّقون( ، وثبوت الياء ساكنة ، نحو : ) يا عبادي لا خوف عليكم ( ، وثبوتها مفتوحة ، نحو : ) يا عباديَ الذين أسرفوا ( ([3]) .
2- وأن الفعل يُوحَّد مع تثنية الفاعل وجمعه كما يُوحَّد مع إفراده ، نحو : ) قال رجلان( ، ) وقال الظالمون( ، ) وقال نسوة( ([4]) .
· فرعان في مادة :
ويستشهد لفرعين بمادة واحدة في موضعين ، ومن أمثلته :
1 ـ أن فعل الشرط لا يُقرن بحرف النفي إلا ( لم ) ، نحو : ) وإن لم تفعل فما بلّغت رسالاته ( ، و ( لا ) ، نحو : ) إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض ( ([5]) .
2 ـ وأن النون تُبْدَل ميماً إذا لقيتها الباء في كلمة ، نحو : ) انبعث( ، أو كلمتين ، نحو : ) من بعثنا( ([6]) .
· فروع في مادة :
ويستشهد لفروع بمادة واحدة في مواضع ، ومن أمثلته : أنه يُذْكَر في باب ( أعطى ) المفعولان ، نحو : ) إنا أعطيناك الكوثر ( ، ويحذفان ، نحو : ) فأما من أعطى ( ، ويُحذف الآخِر منهما ، نحو : ) ولسوف يعطيك ربك ( ، ويُحذف الأول ، نحو : ) حتى يُعطوا الجزية ( ([7]) .
· فرعان على احتمال :
ويكون فرعان في موضع واحد ، ولكن ذلك على وجه الاحتمال ، ومن أمثلته :
1- جواز كينونة الهمزة للاستفهام وللنداء في قراءة التخفيف في قوله - تعالى - : ) أَمَنْ هو قانتٌ آناء الليل ( ([8]) .
2- وجواز إرادة الاستفهام الحقيقي والتقرير في قوله - تعالى - : ) أأنت فعلت هذا ؟ ( ([9]) .
3- وجواز أن تكون ( ما ) موصولة ومصدرية في قوله - تعالى - : ) إنَّ ما صنعوا كيدُ ساحر ( ، بتقدير : إن الذي صنعوه ، أو : إنَّ صُنْعهم ([10]) .
4- وجواز أن تكون ( حتى ) للغاية وللعلة في قوله - تعالى - : ) فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ( ([11]) .
5- وجواز أن تكون ( أم ) متصلة ومنقطعة في قوله - تعالى - : ) قل : أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلفَ الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ( ([12]) .
· فروع على احتمال :
ويكون في الموضع الواحد فروع على وجه الاحتمال ، ومن أمثلته :
1- جواز أن تكون ( كان ) ناقصة وتامة وزائدة في قوله - تعالى - : ) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ( ، وقوله : ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ( ([13]) .
2- وجواز أن يكون ) مُنْزَلاً ( من قوله - تعالى - : ) ربِّ ، أنزلني مُنْزَلاً مباركاً( مصدراً واسم زمان واسم مكان ؛ من أجل أن صيغة اسم المفعول تصلح لذلك ([14]) .
· فروع باتفاق الفواصل :
ويأتي لفروع بشواهد تتفق في الفاصلة ، نحو استشهاده في إعراب أسماء الاستفهام والشرط - لوقوعها على زمان بقوله - تعالى - : ) أيّان يُبعثون ؟ ( ، ولوقوعها على مكان بقوله : ) فأين تذهبون ؟( ، ولوقوعها على حدث بقوله : ) أيَّ منقلب ينقلبون ؟ ( ([15]) .
للبحث صلة ، إن شاء الله
[1]- الأوضح 1/72 ، وشرح الشذور 38 ، وشرح اللمحة 1/194 .
[2]- الأوضح 3/214 .
[3]- الأوضح 4/37 .
[4]- الأوضح 2/98 .
[5]- شرح الشذور 340 .
[6]- الأوضح 4/401 .
[7]- المغني 830 ، وشرح اللمحة 2/78 .
[8]- المغني 18 .
[9]- المغني 26 .
[10]- شرح الشذور 280 .
[11]- المغني 169 ، والإعراب 72 ، وشرح اللمحة 2/343 .
[12]- المغني 68 .
[13]- المغني 726 .
[14]- نزهة الطرف 106 .
[15] - المغني 607 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
(2) تمثيل
وما سميته التفريع ذاك فن على حدة ، وهذا فن آخر من استشهاد ابن هشام بالآي القرآنية ، أسمّيه التمثيل ، وهو أن يأتي بالموضع الواحد فيه غير مثال للمسألة .
· مثالان في موضع :
فيأتي بالموضع فيه مثالان ، وهذا النوع قسمان : قسم يكون فيه المثالان متلاصقين ، وقسم يكون فيه المثالان متباعدين .
- فمما فيه المثالان متلاصقان :
1- كسر همزة ( إن ) بعد عامل عُلِّق باللام ، نحو : ) والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( ([1]) .
2- وكينونة ( أل ) موصولاً بدخولها على مشتق ، نحو : ) إن المصّدّقين والمصّدّقات( ، ) والسقف المرفوع ، والبحر المسجور( ([2]) .
3- وحذف العائد المنصوب ، نحو : ) ويعلم ما تُسِرُّون وما تُعلنون ( ([3]) .
4- ومجيء ( مِنْ ) لبيان الجنس ، نحو : ) مِنْ أساور مِن ذهب ( ([4]) .
5- وعطف الفعل على الفعل ، نحو : ) وإن تؤمنوا وتتّقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألْكم أموالكم ( ([5]) .
6- وحذف المفعولين في باب ( ظن ) اقتصاراً ، نحو : ) والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( ([6]) .
7- ونصب باب ( أعلم ) لثلاثة مفاعيل ، نحو : ) إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً ( ([7]) .
8- وتقدّم المفعول جوازاً ، نحو : ) فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون ( ([8]) .
9- ونيابة المفعول به عن الفاعل ، نحو : ) وغيض الماء وقضي الأمر ( ([9]) .
10- وإضافة المصدر إلى الفاعل ، نحو : ) وَأَخْذِهم الرِّبا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموالَ الناس بالباطل ( ([10]) .
11- ومجيء الباء بمعنى ( مع ) ، نحو : ) وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ( ([11]) .
12- وترك حذف العائد مرفوع الموضع بالابتداء إذا لم تطل الصلة ، نحو : ) أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟ ( ([12]) .
13- ومجيء ( كان ) بمعنى ( صار ) ، نحو : ) فكانت هباءً منبثّاً ، وكنتم أزواجاً ثلاثة ( ([13]) .
14- ومجيء اسم المكان من غير الثلاثي ، نحو : ) ربِّ ، أدخلني مُدْخَلَ صدق وأخرجني مُخْرَجَ صدق ( ([14]) .
15- وتذكير ( السبيل ) ، نحو : ) وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً ، وإن يروا سبيل الغيِّ يتخذوه سبيلاً ( ([15]) .
16- ومجيء ( أل ) للعهد الذكري ، نحو : ) فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دُرِّيّ ( ([16]) .
17- ونصب المضارع بـ ( أنْ ) مضمرة بعد لام الجحود ، نحو : ) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ، وما كان الله ليُطلعكم على الغيب( ([17]) .
18- واقتران جواب الشرط بالفاء لأنه ماضي المعنى ، نحو : ) إن كان قميصه قُدَّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين ، وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين ( ([18]) .
19- وتعدّي ( أنبأ ) إلى أحد المفعولين بالباء ، نحو : ) أنبئهم بأسمائهم ، فلمّا أنبأهم بأسمائهم ( ([19]) .
20- وإعمال ( أفعل ) في التمييز ، نحو : ) أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً( ([20]).
21- ومجيء ( أفعل ) من غير الثلاثي ، نحو : ) ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة( ؛ فهما من ( أقسط ) و( أقام ) ([21]) .
22- وحذف المبتدأ جوازاً بعد فاء الجواب ، نحو : ) من عمل صالحاً فلنفسه ، ومن أساء فعليها( ([22]) .
23- وحذف المضاف ، نحو : ) فاسأل القرية التي كنا فيها ، والعير التي أقبلنا فيها ( ، أي : أهل القرية ، وأهل العير ([23]) .
24- وتعدّي الفعل بصيغة ( أفعل ) ، نحو : ) ربَّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين( ([24]) .
25 ـ ودخول لام الابتداء على ضمير الفصل بعد ( إنَّ ) ، نحو : ) وإنّا لنحن الصافّون ، وإنّا لنحن المسبّحون ( ([25]) .
ومعلوم أنه في هذا الضرب لا يتلو الآية كلها في الغالب ، ولكن يتلو أولها ويقول : الآية ، اعتماداً على حفظ الحافظ .
- ومما فيه المثالان متباعدان :
1- خلوُّ ( إذا ) من معنى الشرط ، نحو : ) وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( ، ) والذين إذا أصابهم البغيّ هم ينتصرون ( ، بدليل ترك الفاء ([26]) .
2- وتسويغ الابتداء بالنكرة بالوصف ، نحو : ) ولأَمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ( ، ) ولَعَبْدٌ مؤمن خير من مشرك ( ([27]) .
3- وحذف المبتدأ في جواب الاستفهام ، نحو : ) ما أصحاب اليمين ؟ في سدر مخضود ( ، ) ما أصحاب الشمال ؟ في سموم وحميم ( ([28]) .
· أمثلة في موضع :
ويأتي بأمثلة في موضع واحد ، وهذا أيضاً يكون على تلاصق ، وعلى تباعد . فأمثلة المتلاصق منه - وهو أدعى لأن يترك تلاوة تتمة الآية للطول - :
1- ياء المخاطبة متصلة بالأمر ، نحو : ) فكلي واشربي وقرِّي عيناً ( ([29]) .
2- وحذف المبتدأ بعد القول ، نحو : ) سيقولون : ثلاثة رابعهم كلبهم ، ويقولون : خمسة سادسهم كلبهم ، ويقولون : سبعة وثامنهم كلبهم ( ([30]) .
3- وتعدية الفعل بصيغة ( أفعل ) ، نحو : ) والله أنبتكم من الأرض نباتاً ، ثم يُعيدكم فيها ويُخرجكم إخراجاً ( ([31]) .
4- وحذف عائد الصفة ، نحو : ) واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ، ولا يُقبل منها شفاعة ، ولا يُؤخذ منها عدل ، ولا هم يُنصرون ( ([32]) . ومثلها الآية الأخرى في السورة نفسها .
5- وتقدير جملة القسم قبل ( لأفعلن ) ، نحو : ) لأعذّبنه عذاباً شديداً ، أو لأذبحنّه ، أو لَيَأْتِيَنِّي بسلطان مبين( ، وقبل ( لئن ) ، نحو : ) لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ، ولئن نصروهم ليولُنّ الأدبار ( ([33]) .
6- ومن أطرف تعدد الأمثلة في الموضع الواحد استشهاده في الجملة الحالية بقوله - تعالى - : ) ما يأتيهم من ذِكْر من ربهم مُحْدَث إلا استمعوه وهم يلعبون ، لاهيةً قلوبهم ( ، فـ ) استمعوه( حال من مفعول ) يأتيهم( أو من فاعله ، وقرئ في الشاذ : ) مُحْدَثاً( ، فهو حال من الذِّكْر ؛ لأنه مختص بصفته ، ولسَبْق النفي . ) وهم يلعبون( حال من فاعل ) استمعوه( ، و) لاهية( حال من فاعل ) يلعبون( ، أو من فاعل ) استمعوه( ([34]) . وتَرَك عامداً للوضوح ، أو ساهياً : ) اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون( .
- ومثال المتباعد من ذلك استشهاده لنون النسوة بقوله - تعالى - في سورة البقرة : ) والمطلقات يتربصن ( ، ) والوالدات يرضعن ( ، ) إلا أن يعفون ( ([35]) .
· تمثيل باتفاق الفواصل :
ويستشهد لمسألة بشواهد تتفق في الفاصلة ، ومن ذلك :
1- استشهاده لخروج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي إلى الإنكار التوبيخي بقوله - تعالى - : ) أتعبدون ما تنحتون ؟ ( ، ) أغير الله تدعون ؟ ( ، ) أإفكاً آلهةً دون الله تريدون ؟ ( ([36]) .
2- واستشهاده لقطع ( كل ) عن الإضافة والمقدّر جمع بقوله - تعالى - : ) كلٌّ له قانتون( ، ) كلٌّ في فلك يسبحون( ، ) وكلٌّ آتـُوه داخرين( ، ) وكلٌّ كانوا ظالمين( ([37]) .
3- ويأتي بالشواهد على ما يشبه الفاصلة ، نحو استشهاده لمجيء الفاء للعطف والسببية معاً بقوله - تعالى - : ) فوكزه موسى فقضى عليه( ، ) فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه( ([38]) .
للبحث صلة ، إن شاء الله
[1] - الأوضح 1/336 ، وشرح الشذور 205 ، وشرح القطر 163 .
[2] - الأوضح 1/153 .
[3] - الأوضح 1/169 .
[4] - الأوضح 3/21 .
[5] - الأوضح 3/394 .
[6]- الأوضح 2/70 .
[7]- الأوضح 2/80 .
[8]- الأوضح 2/133 .
[9]- الأوضح 2/138 .
[10]- شرح اللمحة 2/101 ، وشرح القطر 267 .
[11]- شرح اللمحة 2/249 .
[12]- تخليص الشواهد 158 .
[13]- شرح بانت 40 ، وشرح القطر 134 .
[14]- شرح بانت 53 .
[15]- شرح بانت 73 .
[16]- شرح الشذور 150 ، وشرح القطر 113 .
[17]- شرح الشذور 297 .
[18]- شرح الشذور 341 .
[19]- شرح الشذور 376 .
[20]- شرح الشذور 414 .
[21]- شرح بانت 21 ، وشرح الشذور 419 .
[22]- المغني 822 ، والأوضح 1/217 .
[23]- المغني 812 .
[24]- المغني 678 .
[25]- شرح القطر 164 .
[26]- المغني 135 ، وشرح بانت 18 .
[27]- شرح الشذور 182 .
[28]- المغني 822 .
[29]- شرح اللمحة 1/173 ، وشرح الشذور 22 ، وشرح القطر 30 .
[30]- المغني 822 .
[31]- المغني 678 .
[32]- تخليص الشواهد 195 .
[33]- المغني 846 .
[34]- المغني 537 .
[35]- شرح القطر 35 .
[36]- المغني 25 .
[37]- المغني 264 .
[38]- شرح بانت 9 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
(3) تنويع
وهذا ضرب آخر من طريقته في الاستشهاد أُسمّيه : التنويع ، وهو أن يستشهد بآي من القرآن للمسألة بأنواع من الشواهد على سبيل التبرّع ، ولو لم يذكر تلك الأنواع ما كان في الاستشهاد تقصير أو نقص ، وهو في الغالب لا ينبّه عليها ، ولكنك بالتأمل تتفطن إليها .
· نوعان :
فيأتي بشاهدين لنوعين ، ومن أمثلته :
1- استشهاده لتقديم المفعول وجوباً إذا كان له الصدر بقوله - تعالى - : ) فأيَّ آيات الله تنكرون ؟ ( ، ) أيّاً ما تدعوا ( ([1]) ، فأتى بشاهد لاسم الاستفهام ، وشاهد لاسم الشرط .
2- واستشهاده لمعنى الظرفية في ( مِنْ ) بقوله - تعالى - : ) ماذا خلقوا من الأرض ؟ ( ، ) إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( ([2]) ، فأتى بشاهد للظرفية المكانية، وشاهد للظرفية الزمانية .
3- واستشهاده لمعنى الظرفية في الباء بقوله - تعالى - : ) وما كنت بجانب الغربي ( ، ) نجيناهم بسَحَر ( ([3]) ، فأتى بشاهد للظرفية المكانية ، وشاهد للظرفية الزمانية .
4- واستشهاده لمعنى الظرفية في الإضافة بقوله - تعالى - : ) بل مكر الليل ( ، ) يا صاحبي السجن( ([4]) ، فأتى بشاهد للزمان ، وشاهد للمكان .
5- واستشهاده لعطف الفعل على الفعل بقوله - تعالى - : ) لنحيي به بلدة ميتاً ونُسْقيه ( ، ) وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم( ([5]) ، فأتى بشاهد للمنصوب ، وشاهد للمجزوم .
6- واستشهاده لحذف ألف المقصور وبقاء الفتحة إذا جُمع سالماً بقوله - تعالى - : ) وأنتم الأعلَوْن( ، ) وإنهم عندنا لمن المصطفَيْن( ([6]) ، فأتى بشاهد لجمعه مع الواو، وشاهد لجمعه مع الياء .
7- واستشهاده للتعليق في باب ( ظن ) من أجل الاستفهام بقوله - تعالى - : ) لنعلم أيُّ الحزبين أحصى ( ، ) وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون } ([7]) ، فأتى بشاهد للاستفهام بالعُمْدة ، وشاهدة للاستفهام بالفضلة .
8- واستشهاده لـ ( مَن ) الاستفهامية بقوله - تعالى - : ) مَن بَعَثَنا مِن مرقدنا ؟ ( ، ) فمن ربكما ؟ يا موسى( ([8]) ، فأتى بشاهد للتي بعدها فعل ، وشاهد للتي بعدها اسم .
9- واستشهاده للجملة المضاف إليها بقوله - تعالى - : ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( ، ) يوم هم بارزون ( ([9]) ، فأتى بشاهد للفعلية ، وشاهد للاسمية.
10- واستشهاده لخبر ( أن ) المخففة إذا كان جملة فعلية دعائية بقوله - تعالى - : ) أن بورك من في النار( ، ) والخامسة أن غَضِب اللهُ عليها( ([10]) فيمن قرأ بالتخفيف ، فأتى بشاهد للدعاء بالخير ، وشاهد للدعاء بالشر .
· أنواع :
ويأتي بشواهد لأكثر من نوعين ، ومن أمثلته :
1- استشهاده لدخول لام الابتداء بعد ( إنّ ) المكسورة على الخبر بقوله - تعالى - : ) إن ربي لسميع الدعاء( ، ) وإن ربك ليعلم( ، ) وإنك لعلى خلق عظيم ( ، ) وإنا لنحن نحيي ونميت ( ([11]) ، فأتى بشواهد للخبر مفرداً ، وجملة اسمية ، وجملة فعلية ، وشبه جملة .
2- واستشهاده لحذف حرف النداء بقوله - تعالى - : ) يوسفُ ، أعرِضْ عن هذا( ، ) سنفرغ لكم ، أيُّها الثقلان ( ، ) أَنْ أدُّوا إليّ ، عبادَ الله( ([12]) ، فأتى بشاهد لنداء العلم ، وشاهد لنداء ( أيّ ) ، وهما مبنيّان على الضم ، وشاهد لنداء المضاف ، وهو منصوب .
3- واستشهاده للفعل الذي يلي ( إن ) المخففة إذا كان مضارعاً ناسخاً بقوله - تعالى - : ) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك ( ، ) وإن نظنك لمن الكاذبين ( ، وإذا كان ماضياً ناسخاً بقوله تعالى : ) وإن كانت لكبيرة( ، ) إن كدت لتُرْدِينِ ( ، ) وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين( ([13]) ، فأتى بشاهد من باب ( كاد ) ، وشاهد من باب ( ظن ) ، في المضارع ، وشاهد من باب ( كان ) ، وشاهد من باب ( كاد ) ، وشاهد من باب ( ظن ) ، في الماضي .
4- واستشهاده لإعمال ( ما ) عمل ( ليس ) بقوله - تعالى - : ) ما هن أمهاتهم ( ، ) وما منكم من أحد عنه حاجزين ( ، ) ما هذا بشراً ( ، وقال : " ولم يقع في القرآن إعمال ( ما ) صريحاً في غير هذه المواضع الثلاثة " ، ونبّه على أنها تعمل في معرفتين أو نكرتين أو مختلفين ([14]) ، وكل شاهد لنوع .
5- واستشهاده لكسر همزة ( إنّ ) بعد القول بقوله - تعالى - : ) قال : إنّي عبدالله( ، ) ومن يقل منهم : إنّي إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( ، ) قل : إن ربي يقذف بالحق ( ([15]) ، فأتى بشواهد لفعل القول ماضياً ومضارعاً وأمراً .
6- واستشهاده للمفعول المطلق المؤكد لعامله بقوله - تعالى - : ) وكلّم الله موسى تكليماً ( ، ) ويسلّموا تسليماً ( ، ) صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ( ([16]) ، فأتى بشواهد للعامل ماضياً ومضارعاً وأمراً ، وكل ذلك بصيغة التفعيل .
7- واستشهاده لظرف الزمان مبهماً ومختصّاً بقوله - تعالى - : ) سيروا فيها ليالي وأياماً( ، ) النار يعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً( ، ) وسبّحوه بكرة وأصيلاً( ([17]) ، فأتى بشواهد للعامل ماضياً ومضارعاً وأمراً ، والشواهد كما ترى متشابهة في عطف ظرف على آخر .
8- واستشهاده لألفاظ العقود في تمييز العدد بقوله - تعالى - : ) وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمَّ ميقات ربه أربعين ليلة ( ، ) فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ( ، ) فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ( ، ) ذَرْعُها سبعون ذراعاً ( ، ) فاجلدوهم ثمانين جلدة ( ، ) إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ( ([18]) ، فأتى بشواهد للعقود من ثلاثين إلى تسعين . وإنما ترك قوله - تعالى - : ) إن يكن منكم عشرون صابرون ( لأنه لم يُصرَّح فيه بالتمييز .
9- واستشهاده لما يتعدّى بنفسه من الأفعال كأفعال الحواس بقوله - تعالى - : ) يوم يرون الملائكة ( ، ) يوم يسمعون الصيحة ( ، ) لا يذوقون فيها الموت ( ، ) أو لامستم النساء ( ([19]) ، فأتى بشواهد للحواس الخمس .
10- واستشهاده لاشتراط أن يكون ما قبل ضمير الفصل مبتدأ في الحال أو في الأصل بقوله تعالى : ) أولئك هم المفلحون ( ، ) وإنا لنحن الصافّون ( ، ) كنت أنت الرقيب عليهم ( ، ) تجدوه عند الله هو خيراً ( ، ) إن ترني أنا أقل منك مالاً وولداً ( ([20]) ، فأتى بشواهد من باب المبتدأ ، ومن باب ( كان ) ، ومن باب ( إن ) ، ومن باب ( ظن ) ، وأتى بالضمير أيضاً للمتكلم وللمخاطب وللغائب .
11- واستشهاده لكسر همزة ( إن ) في العلة بقوله - تعالى - : ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ؛ إنه كان حوباً كبيراً ( ، ) وصلِّ عليهم ؛ إن صلواتك سكن لهم ( ، ) إنا كنا من قبل ندعوه ؛ إنه هو البَرّ الرحيم ( ، في قراءة من كسر الهمزة في الأخيرة ([21]) ، فأتى بشواهد للعلة للنهي ، وللأمر ، وللخبر .
12- واستشهاده للجملة المضاف إليها اسم الزمان ، سواء أكان ظرفاً أم اسماً ، بقوله - تعالى - : ) والسلام عليّ يوم ولدت ( ، ) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب( ، ) لينذر يوم التلاق ، يوم هم بارزون ( ، ) هذا يوم لا ينطقون( ، قال : " ألا ترى أن اليوم ظرف في الأولى ، ومفعول ثانٍ في الثانية ، وبدل منه في الثالثة ، وخبر في الرابعة ؟ ( بلى ، أرى ! ) ويمكن في الثالثة أن يكون ظرفاً لـ ) يخفى ( من قوله - تعالى - : ) لا يخفى على الله منهم شيء ( " ([22]) .
· تنويع باتفاق الفواصل :
ويزيد في التفنّن بأنواع متفقة في الفواصل أو ما يشبهها ، فمن ذلك :
1- استشهاده لتأخر أدوات الاستفهام عن حروف العطف بخلاف الهمزة - بقوله - تعالى - : ) وكيف تكفرون ؟ ( ، ) فأين تذهبون ؟ ( ، ) فأنّى تؤفكون ؟ ( ، ) فهل يُهلَك إلا القوم الفاسقون ؟ ( ، ) فأي الفريقين ؟ ( ، ) فما لكم في المنافقين فئتين ؟ ( ([23]) ، فأتى بشواهد لست أدوات ، ولو اقتصر على بعضها لكان كافياً . وانظر كيف قرن شاهدي المثنى ، واقتصر على : ) فأي الفريقين ؟ ( قبل تمام الجملة ليتم له الاتفاق ؟
2- واستشهاده للجملة التابعة لمفرد نعتاً له بقوله - تعالى - : ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( ، ) واتقوا يوماً تُرجعون فيه ( ، ) ربنا ، إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ( ([24]) ، فأتى بشاهد لها وهي في محل رفع ، وشاهد لها وهي في محل نصب ، وشاهد لها وهي في محل جر ، مع الاتفاق في الأواخر ، وترك ما يتعلق بالشاهد الثاني ، فإن تمامه : ) يوماً تُرجعون فيه إلى الله ( ؛ ليتم الاتفاق أيضاً .
[1]- الأوضح 2/133 .
[2]- الأوضح 3/28 .
[3]- الأوضح 3/37 ، وشرح اللمحة 2/249 .
[4]- الأوضح 3/86 .
[5]- الأوضح 3/394 .
[6]- الأوضح 4/301 .
[7]- الأوضح 2/62 ، وشرح الشذور 366 .
[8]- المغني 431 .
[9]- الإعراب 38 .
[10]- شرح الشذور 282 .
[11]- الأوضح 1/344 .
[12]- الأوضح 4/10 .
[13]- الأوضح 1/368 .
[14]- شرح الشذور 193 .
[15]- شرح الشذور 206 .
[16]- شرح الشذور 226 .
[17]- شرح الشذور 231 .
[18]- شرح الشذور 255 .
[19]- شرح الشذور 356 ، وشرح اللمحة 2/76 .
[20]- المغني 641 .
[21]- شرح بانت 38 .
[22]- المغني 547 .
[23]- المغني 22 .
[24]- المغني 554 ، والإعراب 40 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
(4) تنظير وترجيح وتوضيح
هذه أبواب من فن ابن هشام في الاستشهاد بالقرآن الكريم ، كنت على أن أشرح طرائقه فيها ، وأكثر من أمثلتها وألوانها ، ثم رأيت أن ذلك مبثوث في طول كتاب المغني ، حتى إنه قال في مقدمته : " وقد تجنّبت هذين الأمرين ( يعني : إيراد ما لا يتعلق بالإعراب وإعراب الواضحات ) ، وأتيت مكانها بما يتبصّر به الناظر ، ويتمرّن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية ، والشواهد الشعرية ، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية " ([1]) . وتجد ذلك وافراً في الجهة السابعة من الباب الخامس في ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها ، وهي أن يحمل كلاماً على شيء ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ، والجهة الثامنة ، وهي أن يحمل على شيء وفي ذلك الموضع ما يدفعه ، وفي الفصل الطويل الذي عقده للحذف ؛ إذ كان يستدل على المحذوف وكيفية تقديره بالنظائر .
ولكني أذكر بعض ما أستحسنه من هذه الضروب ، وبعض ما وجدته في غير المغني منها . فمن ذلك :
1- فصل عقده للتدريب في ( ما ) ، وذكر فيه قوله - تعالى - : ) ما أغنى عنه ماله وما كسب ( ، وأن ( ما ) الأولى تحتمل النافية والاستفهامية ، و( ما ) الآخرة موصول اسمي أو حرفي ، وقوله - تعالى - : ) وما يغني عنه ماله إذا تردّى( ، ) ما أغنى عني ماليه ( ، و( ما ) فيهما تحتمل الاستفهامية والنافية ، ورجّح النفي بقوله - تعالى - : ) فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ( ؛ لأنه متعين فيه ([2]) . فذكر النظائر المتشابهة ، ورجّح بأحدها .
2- وقولهم : ( جاء زيد ركضاً ) يحتمل المصدرية والحالية ، ورجّح الحالية بقوله - تعالى - : ) ائتيا طوعاً أو كرهاً ، قالتا : أتينا طائعين ( ، فمجيء ) طائعين ( وهو حال، في موضع ) طوعاً أو كرهاً( يدل على أنهما حالان ([3]) .
3- وقوله - تعالى - : ) فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا ( في الأعراف ، يحتمل أن يكون الأصل : بما كذبوه ، وبما كذبوا به ، ويرجح الآخِر منهما التصريح به في سورة يونس ([4]) .
4- وتنبيهه على أنه قد يحتمل الموضع أكثر من وجه ، ويوجد ما يرجح كلاًّ منها، كقوله - تعالى - : ) فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه ( ، فالموعد محتمل للمصدر ، ويشهد له : ) لا نخلفه نحن ولا أنت ( ، وللزمان ، ويشهد له : ) قال : موعدكم يوم الزينة ( ، وللمكان ، ويشهد له : ) مكاناً سوى ( ، وإذا أعرب ) مكاناً ( بدلاً من ) موعداً ( لا ظرفاً لـ ) نخلفه ( - تعيّن للمكان ([5]) .
5- وقوله - تعالى - : ) إلا أن يعفون ( الواو فيه لام الكلمة ، والنون ضمير النسوة ، والفعل مبني ، وأما : ( الرجال يعفون ) فالواو ضمير المذكّرين ، والنون علامة الرفع ، وهي تحذف في النصب ، نحو : ) وأن تعفوا أقرب للتقوى ( ([6]) ، فوضّح بما في الموضع نفسه ، وباللفظ نفسه .
6- ومجيء ( أخرى ) بمعنى ( آخرة ) ، نحو : ) وقالت أولاهم لأخراهم ( ، فإذا كانت كذلك جمعت على ( أُخَر ) مصروفاً ، واستدل لمجيئها كذلك بقوله - تعالى - : ) وأنّ عليه النشأة الأخرى( ، وقوله : ) ثُم الله ينشئ النشأة الآخرة ( ([7]) ، فاستدل بنظيرين متشابهين عاقبت فيهما الكلمة ما هو بمعناها .
7- وكسر همزة ( إن ) من أجل اللام بعدها ، نحو : ) والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون( ، ووضح هذا بأنها فتحت مع هذين الفعلين عند فَقْد اللام ، نحو قوله - تعالى - : ) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم( ، وقوله : ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( ([8]) .
· النظير في الوهم والخطأ :
ويأتي بالنظائر في أوهام العلماء في الإعراب وغيره :
1- فوهَّم الزمخشريَّ في تجويز الحال من الفاعل ومن المفعول في قوله - تعالى - : ) ادخلوا في السلم كافة ( ؛ لأن ( كافة ) مختص بمن يعقل ؛ أي لا يكون إلا حالاً من الفاعل ، قال ابن هشام : " ووَهْمُه في قوله - تعالى - : ) وما أرسلناك إلا كافة للناس( ، إذ قدر ( كافة ) نعتاً لمصدر محذوف ؛ أي : إرسالة كافة - أشدّ ؛ لأنه أضاف إلى استعماله فيما لا يعقل إخراجَه عما التُزم فيه من الحالية . ووهمه في خطبة المفصل إذ قال : محيط بكافة الأبواب - أشدّ وأشدّ ؛ لإخراجه إياه عن النصب البتة "([9]) . فذكر وهم الزمخشري في النظائر على وجه التدرّج ، كما ترى .
2- ونبّه على خطأ الرازي في تلاوة قوله - تعالى - : ) لا تتخذوا بطانة من دونكم ( ، فإن الرازي سأل : ما الحكمة في تقديم ) من دونكم( على ) بطانة( ؟ وأجاب ، وليست التلاوة كما ذكر . قال ابن هشام : " ونظير هذا أن أبا حيان فسّر في سورة الأنبياء كلمة ) زُبُراً ( بعد قوله - تعالى - : ) وتَقَطَّعوا أمرهم بينهم ( ، وإنما هي في سورة المؤمنون ، وترك تفسيرها هناك ، وتبعه على هذا السهو رجلان لَخَّصا من تفسيره إعراباً " ([10]) . فذكر خطأ الرازي في تلاوة آية ونظّره بخطأ أبي حيان في تلاوة آية أخرى ، ومتابعة من لخص من كتاب أبي حيان .
· التورية :
ومن عجيب استشهاده أنه يورِّي بمعنى الآية في الردّ على من يردّ عليه ، قال : " في كتاب المصاحف لابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسّك بقوله - تعالى - : ) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ( - في الطعن على بعض الصحابة ( يريد أن يجعل ) منهم ( للتبعيض ) ، والحق أن ( مِنْ ) فيها للتبيين لا للتبعيض ؛ أي : الذين آمنوا هم هؤلاء . ومثله : ) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( ، وكلهم محسن ومتّقٍ ، ) وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم( ، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار " ([11]) . وهو يورِّي بالآية الأخيرة عن التأنيب والتحذير لمن ذكر أنه يطعن على بعض الصحابة ، رضي الله عنهم .
· مخالفة طريقته :
على أن ابن هشام قد يخالف طريقته هذه التي شرحتها في الاستشهاد بالقرآن الكريم ، فيترك من الآي الأقرب والأنسب إلى غيره . ووجدت من ذلك :
1- استشهاده للمفعول له المستوفي للشروط بقوله - تعالى - : ) يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَرَ الموت ( ، ولِمَا فقد شرط المصدرية بقوله - تعالى - : ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ( ، وهو هنا الضمير ، ولذا جُرَّ باللام ([12]) . وترك في آية البقرة : ) من الصواعق( .
2- واستشهاده لتعدية ( نبّأ وأنبأ ) إلى أحد المفعولين بالحرف بآي منها : ) أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبأهم بأسمائهم ( ، ) نبِّئوني بعلم( ، ولتعديتهما إلى المفعولين بغير حرف بقوله تعالى : ) من أنبأك هذا ؟( في سورة التحريم ([13]) . وترك في السورة نفسها التعدية بالحرف ، وذلك قوله : ) فلما نبّأت به( ، ) فلما نبّأها به ( .
3- واستشهاده لوجوب تأخر الخبر إذا اقترن بـ ( إلا ) معنى بقوله - تعالى - : ) إنما أنت نذير ( ، ولوجوب تأخره إذا اقترن بـ ( إلا ) لفظاً بقوله - تعالى - : ) وما محمد إلا رسول ( ([14]) . وترك : ) إن أنت إلا نذير( ، وهي شبه الآية الأولى .
4- واستشهاده لاستعمال ( حَسْب ) استعمال الأسماء بقوله - تعالى - : ) حَسْبُهم جهنم ( ، ) فإن حَسْبَك الله ( ([15]) ، فأتى به مبتدأ واسماً لـ ( إن ) ، وترك : ) حَسْبُك الله ( قريباً من موضع الأنفال المذكور .
خاتمة بتنبيهين
أحدهما : أني لا أزعم أن هذه المواضع كلها وشبهها مما استخرجه ابن هشام ولم يُسبق إليه ، فلا أشك في أنه أخذ بعضها عمن سلف ، ولكنّ الذي أنسبه إليه عنايته بهذا الفنّ ، وتتبعه له ، وحرصه عليه ، واتخاذه طريقةً ومنهجاً في التأليف لا يكاد يتركه .
الآخِر : أني إنّما وَفَرْتُ الأمثلة لهذا المنهج وكثّرتها للإغراء بالانتفاع بها في تعليم العربية ، وبمتابعة ابن هشام في هذا الفن ، فيُنتحى نَحْوُه ، ويُحتذى حَذْوُه ، ويُقاس على حاضر ما ذُكِرَ غائبُه ؛ إذ كان القرآن العظيم لا تنقضي عجائبه .
والله أعلم
تم البحث بإذن الله وحمده
بيان الطبعات
- الإعراب عن قواعد الإعراب ، تحقيق د. علي فودة نيل ، جامعة الرياض ، 1401 هـ = 1981م .
- أوضح المسالك ، إلى ألفية ابن مالك ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة التجارية ، القاهرة ، 1967م .
- تخليص الشواهد ، وتلخيص الفوائد ، تحقيق د. عباس مصطفى الصالحي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1406 هـ = 1986م .
- شرح بانت سعاد ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1345هـ .
- شرح شذور الذهب ، في معرفة كلام العرب ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، المكتبة التجارية ، القاهرة ، 1953م .
- شرح قطر الندى ، وبلّ الصدى ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة التجارية ، القاهرة ، ط 11 ، 1383 هـ = 1963م .
- شرح اللمحة البدرية ، في علم العربية ، تحقيق د. صلاح راوي ، القاهرة ، ط 2 ، 1984 ـ 1985م .
- مغني اللبيب ، عن كتب الأعاريب ، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله ، دار الفكر ، بيروت ، ط 3 ، 1972م .
- نُزْهَة الطَّرْف ، في علم الصرف ، تحقيق د. أحمد عبد المجيد هريدي ، مكتبة الزهراء ، القاهرة ، 1410 هـ = 1990م .
[1]- المغني 16 .
[2]- المغني 414-415 .
[3]- المغني 729 ، وشرح الشذور 31 .
[4]- المغني 736 .
[5]- المغني 776 .
[6]- الأوضح 1/75 .
[7]- الأوضح 4/123 ـ 124 .
[8]- شرح القطر 163 .
[9]- المغني 732 .
[10]- المغني 504 .
[11]- المغني 421 .
[12]- شرح الشذور 227 .
[13]- شرح الشذور 376 .
[14]- الأوضح 1/208 .
[15]- الأوضح 3/163 .
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
جزاك الله خيراً وأحسن إليك بما أتحفتنا به من الفوائد والفنون
رد: فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام
أشكر لك أخي الأستاذ الشيخ عصام المجريسي على دخولك واطلاعك وثنائك ودعائك ، ولك بمثل ما دعوت به ، والله يحفظك .