وإذا أعياه أن يخاطب السفيهَ، ارتفعت عنه صفة الحلم...
(تعقيب بطعم الشوق...)
عرض للطباعة
/// عجيب!
/// أخرج البخاريُّ في صحيحه: كتاب الأدب، باب «قول الرجل للشيء: ليس بشيءٍ، وهو ينوي أنَّه ليس بحقٍّ»:
وقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «للقبرين يعذبان بلا كبير وإنه لكبيرٌ».
حدثنا محمد بن سلام أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال ابن شهاب أخبرني يحيى بن عروة انه سمع عروة يقول: قالت عائشة: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله! فإنَّهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حقًّا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».
/// لا يلزم ارتفاع ذلك عنه!
بل قد يكون ما فيه من التظاهر بالعيِّ أوتركه المخاطبة رأسًا هو عين الحلم، وهذا قد يكون من أحد هذه الأبواب -أو كلها-:
وقد يكون معنى كلامه: أشدّ المواطن التي لا يُعرَف فيها الحليم: مخاطبته السفيه؛ أي من المواطن التي لا يصبح فيها الحليم حليما: مخاطبته للسفيه. إذ الأصل في الحليم السكوت عن السفيه. وقد روي عن عليّ، رضي الله عنه، أنّه قال: الحِلم فِدام السفيه.
وهذا التأويل "فيه ما فيه"...
قام ابن المنكدر يصلي من الليل , فكثر بكاؤه في صلاته , ففزع أهله , فأرسلوا إلى صديقه أبي حازم , فسأله : ما الذي أبكاك ؟ فقال : مر بي قوله تعالى :ففف وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ققق فبكى أبو حازم معه و اشتد بكاؤهما , فقال أهل ابن المنكدر : جئنا بك لتفرج عنه فزدته ! فأخبرهم ما الذي أبكاهما .
صفوة الصفوة 2/ 142
/// في روضة العقلاء لابن حبَّان بسنده قال: أقبل الشَّعبيُّ يومًا، فإذا هو برجلين من قومه من وراء جدارٍ قصيرٍ، فاستمع عليهما، فإذا هما يقعان فيه ويشتمانه، وينتقصانه حتى أكثرا، فلمَّا أطالا أشرف عليهما الشَّعبيُّ، فقال:
هنيئًا مريئًا غير داءٍ مخامر /// /// لِعَزَّة مِن أعراضنا ما استحلَّتِ!فقالا: والله يا أبا عمرو لا نَقَعُ فيك بعد اليوم!
/// في الصَّحيحين من حديث عمر رضي الله عنه، في قصَّة إيلاء النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ودخول عمر رضي الله عنه عليه في مشربته ورؤيته له صلَّى الله عليه وسلَّم في حالٍ ضيقة=قال عمر رضي الله عنه: وإنَّه لعلى حصيرٍ، ما بينه وبينه شيءٌ، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها لِيف، وإن عند رجليه قرظًا مصبوبًا، وعند رأسه أهب معلَّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه = فبكيت!
فقال: ما يبكيك؟!
فقلتُ: يا رسول الله! إنَّ كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله!
فقال: «أمَا ترضَى أن تكون لهم الدُّنيا ولنا الآخرة»؟!
/// وفي لفظ لمسلم: «فنظرتُ بِبَصَري في خزانة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصَّاع ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أَفِيْق معلَّقٌ.
قال: فابتَدَرَت عيناي!
قال: ما يبكيك يا ابن الخطَّاب؟!
قلتُ: يا نبيَّ الله! ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلَّا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثِّمار والأنهار، وأنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصفوته، وهذه خزانتك!
فقال: يا ابن الخطاب! أَلَا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا؟!
قلتُ: بلى».
/// وفي لفظٍ لهما: «ادعُ اللهَ يا رسول الله أن يوسِّع على أمَّتك؛ فقد وسَّع على فارس والرُّوم وهم لا يعبدون الله!
فاستوى جالسًا! ثم قال: أفي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟!
أولئك قومٌ عُجِّلت لهم طيِّباتهم في الحياة الدُّنيا!
فقلت: استغفر لي يا رسول الله.
أخرج ابن أبي شيبة , عن عكرمة في قوله تعالى ففف كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ققق {الممتحنة : 13 } قال : الكفار إذا دخلوا القبور فعاينوا ما أعد الله لهم من الخزي يئسوا من رحمة الله .
شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور .
أعوذ بالله من عذاب القبر و فتنة المحيا و الممات .
يا لجمال الاتباع وعلو الهمة: روي البخاري في صحيحه بسنده عن الزبير بن عربيٍّ قال : سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . قال : قلت : أرأيت إن زُحمت ، أرأيت إن غُلبت ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن ، رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يستلمُه ويقبلُه .
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ** ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ** محاها مجال الريح بعدك و القبر
صيد الخاطر / فصل طول الأمل .
مِنْ علاماتِ التوفيق: أن تنسى وَجْهَ مَن أحسنتَ إليه، وتظلّ تذكر مَن توجّه إليك بالإحسان.
فِي شُعَبِ الإِيمَانِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ مَنْزِلَهُ بِحِمْصَ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ يَتَشَهَّدُ، جَعَلَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ النِّفَاقِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! مَا أَنْتَ وَالنِّفَاقُ؟ قَالَ :[اللَّهُمَّ غَفْرًا -ثَلاثًا- ، مَنْ يَأْمَنُ الْبَلاءَ؟ مَنْ يَأْمَنُ الْبَلاءَ؟ وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَتَنُ فِي سَاعَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ]
وسبب هذه الخاطرة: حادثة وقعت لي منذ أيام، لا أودّ ذكرها...
وحادثة أخرى شهدتُها منذ أعوام في أحد المساجد:
بعد أداء المكتوبة، يتقدم أحد المصلّين، وحمرة الخجل تعلو وجهه، إلى شاب كان جالسًا، مستندًا إلى أحد جدران المسجد. يهمس الرجل إلى الشاب بكلمات، فيطأطئ الشاب رأسه ليخفي وجهه، ويُخرج من جيبه مبلغًا من المال ثم يسلّمه إلى الرجل.
علمتُ أنّ الرجل كان محتاجًا، فتعجبت! فالذي يراهما يلتبس عليه السائل بالمسؤول...
وظنّي أنّ الشابّ تذكّر استحباب الإسرار بالصدقة، فأخفى وجهه، عملاً بقوله تعالى: "فَاتّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ".
"إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ".
من النافع أحيانًا: تذكير السائل بافتقارك؛ لعلّه يتذكّر أنّ الرزق بيَد الله، وأنّ أفضل الكسب عملُ الرجُل بيَده، وأنّ اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى.
/// في الحِلية لأبي نعيم، بسنده عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنَّه كثيرًا ما كان يقول: «اللهم زَهِّدْنا في الدُّنيا؛ فإنَّه صلاحُ قلوبِنا وأعمالِنا، وجميع طلباتِنا، ونجاح حاجاتِنا».
_
﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ /// وقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ: وَيْلَكُمْ! ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ولا يُلَقَّاهَا إلَّا الصَّابِرُونَ /// فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ومَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ /// وأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ: وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا..﴾.
_
_
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾
_
﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ /// وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ /// أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾
_
/// تقبَّل الله منا ومنكم أعمالنا، وستر وغفر زللنا وخطأ نفوسنا ..
/// عيدكم مبارك.. أعاد الله علينا وعليكم مواسم الطاعة والخير والنفحات ونحن في خيرٍ وسعةٍ وعافيةٍ وصلاحِ أمرٍ في الدين والدنيا، وختم لنا هذه الدنيا على خير..
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها /// /// /// على أنَّهم فيها عراةٌ وجُوَّعُ!
أراها وإن كانت تُحَبُّ فإنَّها /// /// /// سحابةُ صيفٍ عن قليلٍ تقشعُ
كركبٍ قَضَوا حاجاتهم وترحَّلوا /// /// /// طريقهم بادي العَلامةِ مَهْيَعُ
/// من «رسائل الجوال» التي أرسلها أخي أبو الفضل - سقا الله قبره برحماته وإنعامه - لبعض إخوانه في العام الفائت أيَّام مرضه:
«قواعد السَّعادة السَّبعة:
1- لا تكره أحدًا، مهما أخطأ في حقِّك.
2- لا تقلق أبدًا، وأكثر من الدُّعاء.
3- عِش في بساطةٍ، مهما علا شأنك.
4- توقَّع خيرًا، مهما كثر البلاء، وأحسن الظَّنَّ بربِّك.
5- اعطِ كثيرًا، ولو حُرِمتَ.
6- ابتسم، ولو القلب يقطر دمًا.
7- لا تقطع دعاءك لأخيك بظهر الغيب، فإنَّ دعاء إخوانك المحبِّين يصل دون علمك.
أسعد الله أيامك، وأطال عمرك في طاعته.
محبُّكم: أبوالفضل».
!