الشبهة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان فَتُطْعِمُه،ُ وَكَانَتْ أُمّ حَرَام تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت،ِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ e يَوْمًا فَأَطْعَمَتْه،ُ ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ e ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. الحديث
هذا لفظُ مالك في الموطأ -رواية يحيى بن يحيى- ومُسلِم في صحيحه.
وَقَالَ الترمذي: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ، وأُمُّ حَرَام بِنْتُ مِلْحَان هي أختُ أُمّ سُلَيْم وهي خَالةُ أنس بنِ مالك)).
يقول العصرانيون والعلمانيون أن في هذا الحديث دليل على جواز الخلوة والاختلاط بل على أكثر من ذلك ..
الجواب
إعداد / منتديات شبهات وبيان
أولاً : أدلة تحريم الخلوة بالأجنبية والاختلاط :
في الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } . قال الترمذي : معنى كراهية الدخول على النساء على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان } .
قال الطيبي [ رحمه الله ]: لا يخلون جواب القسم ويشهد له الاستثناء لأنه يمنعه أن يكون نهياً، إذ التقدير: لا يخلون رجل بامرأة كائنين على حال من الأحوال إلا على هذه الحالة. وفيه تحذير عظيم في الباب (رواه الترمذي).( مرقاة المفاتيح باب النظر 6/ 280)
وفي الصحيحين أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم } . وفي الطبراني عنه مرفوعا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم } .
قال النووي: في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء ومنعهن من الظهور عليه وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى، وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره انتهى.( عون المعبود شرح سنن أبي داوود كتاب اللباس 11/ 165)
قلت : فإذا كان المخنث يحرم عليه الخلوة مع الأجنبية إن كان له اطلاع على عورات , فمن باب أولى تحريم خلوة الأجنبية مع الرجل المكتمل قوة ونشاطاً .
وقد أشار إلى أن الأصل هو تحريم الخلوة بالأجنبية اِبْن عَبْد الْبَرِّ فَقَالَ بعد أن ذكر محرمية الرسول عليه الصلاة والسلام لأم حرام مدللاً على أنها من محارم الرسول عليه الصلاة والسلام : (والدليل على ذلك - ثم ساق حَدِيث جابر، وعمر بن الخطاب، وابن عباس،وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وعقبة بن عامر في النهي عن الخلوة- وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك، ومحال أنْ يأتي رسولُ الله عليه الصلاة والسلام ما ينهى عنه))
ثانياً : الاجماع بتحريم الخلوة :
قال الحافظ ابن حجر : " وقد أجمعوا على تأديب من وجد مع امرأة أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما" ( فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الحدود 14/ 149)
قال العيني : " أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه، وهو كذلك إجماعاً بعد أن نزلت آية الحجاب، وما ورد من بروز النساء فإنما كان قبل نزول الحجاب، وكانت قصة أفلح مع عائشة بعد نزول الحجاب.. "(عمدة القاري 13/ 202)
قال ابن جرير في تفسيره " المعنى لا يأذن لأحد من الرجال الأجانب أن يدخل عليهن فيتحدث إليهن، وكان من عادة العرب لا يرون به بأساً، فلما نزلت آية الحجاب نهى عن محادثتهن والقعود" ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود 5/ 360 )
ثالثاً : أم حرام خالة للنبي عليه الصلاة والسلام من الرضاع وهو القول الصحيح والراجح :
ومما يدل على أنها محرم للنبي عليه الصلاة والسلام هو عدة أمور :
1- أقوال العلماء في إثبات ذلك :
وقد بيّن العلماء أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان مَحْرَمًا لأُمّ حَرَام ، فبينهما إمَّا قرابة نسب أورضاع .
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرِّ: " إِنَّمَا اِسْتَجَازَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَفْلِي أُمّ حَرَام رَأْسه لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْهُ ذَات مَحْرَم مِنْ قِبَل خَالَاته ; لِأَنَّ أُمّ عَبْد الْمُطَّلِب بن هاشم كَانَتْ مِنْ بَنِي النَّجَّار، وَقَالَ اِبْن وَهْب :أُمّ حَرَام إِحْدَى خَالات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّضَاعَة ، فَلِذَلِكَ كَانَ يُقِيل عِنْدهَا وَيَنَام فِي حِجْرِهَا وَتَفْلِي رَأْسه " .
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرِّ -كما تقدم-: (ولا يشك مسلم أن أُمّ حَرَام كانت من رسول الله لمحرم فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحَدِيث، والدليل على ذلك - ثم ساق حَدِيث جابر، وعمر بن الخطاب، وابن عباس،وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وعقبة بن عامر في النهي عن الخلوة- وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك ومحال أن يأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ما ينهى عنه)).
قَالَ النَّوَوِيّ: ((قَوْله: (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النِّسَاء إِلَّا عَلَى أَزْوَاجه إِلَّا أُمّ سُلَيْمٍ , فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ: إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَاب الْجِهَاد عِنْد ذِكْر أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع , وَإِمَّا مِنْ النَّسَب , فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا , وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً , لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَزْوَاجه. قَالَ الْعُلَمَاء: فَفِيهِ جَوَاز دُخُول الْمَحْرَم عَلَى مَحْرَمه , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَنْع دُخُول الرَّجُل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة . وَإِنْ كَانَ صَالِحًا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيّ َةِ. قَالَ الْعُلَمَاء: أَرَادَ اِمْتِنَاع الْأُمَّة مِنْ الدُّخُول عَلَى الْأَجْنَبِيَّا ت))
قَالَ العينيُّ: ((قَالَ الكرمانيّ: كيف صار قتل الأخ سبباً للدخول على الأجنبية؟ قلتُ: لم تكن أجنبية كانت خالة لرسول الله عليه الصلاة والسلام من الرَّضَاعَ، وقيل: من النسب فالمحرمية كانت سبباً لجواز الدخول))
قَالَ ابنُ حَجَر: (وَجَزَمَ أَبُو الْقَاسِم بْن الْجَوْهَرِيّ والدَاوُدِيُّ وَالْمُهَلَّب فِيمَا حَكَاهُ اِبْن بَطَّال عَنْهُ بِمَا قَالَ اِبْن وَهْب قَالَ: وَقَالَ غَيْره إِنَّمَا كَانَتْ خَالَة لأَبِيهِ أَوْ جَدّه عَبْد الْمُطَّلِبِ , وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ سَمِعْت بَعْض الْحُفَّاظ يَقُول: كَانَتْ أُمّ سُلَيْمٍ أُخْت آمِنَة بِنْت وَهْب أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَة))
2- تأمل قولَ أَنَسِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ.
"فهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق-زمن النبوة-مثل هذا الموقف دون استغلاله في الطعن في النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام وفي نبوته؟", وهم الذين طعنوا في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمجرد شبهة باطلة!!، وما فتأووا يحيكون الدسائس والمؤامرات والشائعات!!.
وكذلك لِمَ لمْ يتكلموا في أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام كما تكلموا في عائشة رضي الله عنها !!.
3-تعامل النَّبِيّ مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام تعامل المحارم بعضهم مع بعض. وقد ورد ذلك في عدة أحاديث موجودة في بحث الشيخ علي الصياح .
4 - امتناع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن مصافحة النساء في البيعة وهي أمر عظيم في تأريخ البشرية واكتفى بالكلام , فكيف يقال عنه بأن امرأة أجنبية عنه تفل رأسه وأنه ينام في فراش إمرأة أجنبية ؟!
قَالَ الشنقيطيُّ: (( فإذا امتنع منها عليه الصلاة والسلام في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة دلّ ذلكَ على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته عليه الصلاة والسلام لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره)).
5 - وكذلك قوله للصحابيين: (عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)). فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نبه الصحابيين على أن من تسيرمعه في الليل هي صفية زوجته حتى لايظن به الريبة , فكيف إذن تقولون عنه بأنه اختلى مع امرأة أجنبية وفي بيتها ونام في فراشها ؟! تالله أنه لشبهة مريضة تسيء لمقام النبوة أيما إساءة ..
6 - أنّ الرَّضَاعَ من النساء الأجنبيات من الأمور المنتشرة في ذلك الوقت، وربما خفي أمره على أقرب الناس , بله غرباء الناس وقليل المصاحبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام .
قال الشيخ علي الصياح : " فهذه الأمور مجتمعة تُعدّ من قبيل تظافر الدلائل التي لا تخطىء، والدلالات التي تورث اليقين بأنَّ هناك محرمية بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمّ حرام، وبأقل من هذه القرائن يستدل على مثل هذه القضايا، فكيف بهذه القرائن مجتمعة أ.هـ
7- المثبت لمحرمية أم حرام وأنها خالة للنبي عليه الصلاة والسلام مُقدَّم على النافي لها لأن مع المثبت زيادة علم .. فإذا كان قد ثبت محرمية رسول الله عليه الصلاة والسلام عند أحد , فلا عبرة لنافيها عنه لأن مع المثبت لها زيادة علم واطلاع على ما خفي عنه , والمحرمية بالرضاع محتمل جداً أن يخفى اطلاع كثير من الناس عليها .
8 - إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الدخول على المرأة الأجنبية ووصف دخول الحمو بأنه الموت , فكيف إذن يقع فيما نهى عنه ؟! وإن المسلم الحق لينزه الرسول عليه السلام من ذلك , ولكن الآراء الفاسدة تنتهي بأصحابها إلى الطوام وهم لا يشعرون ..!
ثالثاً : الاستدلال على جواز الاختلاط والخلوة بالرجال من حديث أم حرام لم يعرف عن أحد من علماء المسلمين السابقين بل هو من محدثات وأقاويل العصرانيين ومن نحا نحوهم ..
وقد أحسن الشاطبيُّ حيث قَالَ: (فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به فهو أحرى بالصواب وأقوم في العلم والعمل)).
ولله در الشاطبيُّ حيث قَالَ: (ولذلك لا تجد فرقةً من الفرقِ الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مرّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفى كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة، وانظر في مسألة التداوي من الخمار في درة الغواص للحريري وأشباهها بل قد استدل بعض النصارى على صحة ما هم عليه الآن بالقرآن ثم تحيل فاستدل على أنهم مع ذلك كالمسلمين في التوحيد سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)).
استفدت من كتاب الدكتور علي الصياح في كثير من النقاط الماضية , وهذا رابط لمن أراد تحميله :
الجزء الثاني :
قد رددنا في أصل الموضوع على أهم شبهة طرحتها الكاتبة وبينَّا شدة جهلها وتخبطها واقحامها لنفسها ما ليس لها بعلم ووضحنا أن الاجماع في تحريم الخلوة وعرضنا لموضوع أكثر من أربعين دليلاً على تحريم الاختلاط , وإننا لنتساءل كيف يطيب للمرء أن يتحدث أمام الناس بالطوام ويبقى طاوياً لفراشه هانئاً البال , إننا ندعو كل من خطت أنامله الفائكات أن يتوبوا إلى ربهم ويلتزموا قول بارئهم وخالقهم وإلاههم : ( ولا تقف ما ليس به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسؤولاً )
وإتماماً لنقض شبهاتها الواردة نجمل في القول ونقول مستعينين بالله الحي القيوم :
تقول صاحبة الشبهة : أن الخلوة ليس فيها شيء إذا حدثت مع أشخاص لاريبة فيهم!!
ولا أدري مَن مِن العلماء قال بهذا؟ ولا أعلم ماذا يريد الشخص الذي لاريب فيه من امرأة بداخل غرفة مغلقة يخلو بها؟!
لانستغرب منها هذا الكلام لأنها مسكينة لم تفهم معنى الخلوة بعدُ، بدليل ذكرها لوقائع من السيرة النبوية ليس فيها أي معنىً للخلوة، حيث استدلت بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر على النساء فيسلم عليهن أويلوح لهن بيده، وأنه كان يدخل على أم السائب المريضة فيخفف عنها، وأنه هنأ العروس الربيع بنت المعوذ بن عفراء، وأنه كان يدخل على أم سليم وينام على فراش لها، وأنه كان يضع رأسه في حجر أختها " أم حرام " فتفلي رأسه حتى ينام، وأنه كان يمر على العجوز فيحلب لها ويخدمها..
- هذه وقائع أحوال لا عموم لها ولا يمكن الاستدلال بها على جواز الاختلاط في العمل والتعليم .. وهذه ليست طريقة الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية بل هو طريقة الدخلاء على العلم ومتبعي المتشابهات , وقد قيل إذا رأيت الرجل يتّبع المتشابه ويدع المحكم الواضح، ويتتبّع الرخص والأقوال الشاذّة والضعيفة؛ فإنّه صاحب هوى، فاحذره.
- كما إن كل الوقائع التي ذكرتها الكاتبة ليس فيها أدنى دلالة على جواز الخلوة ، وقد عرف العلماء الخلوة المحرمة في كتب الفقه واشترطوا لتحققه شروط، هي : أن تكون الخلوة بين ذكر وأنثى بالغين أجنبيين عن بعضهما في مكان يمنع الآخرين من الإطلاع عليهما كالغرفة المغلقة والسيارة المظللة والطرق البعيدة والأماكن النائية وما شابه ذلك، وعلى هذا فإن اختلاء النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة لسماع شكواها في ناحية طريق مألوف ليس فيه خلوة غير شرعية، بل حكى العلماء أنه إذا رُئِي الرجل يتحدث إلى امرأة في ناحية طريق يَؤُمُّه الناس فلا ينكر عليه إذا لم يكن من أهل الريبة، كما ذكر ذلك الماوردي وابن حجر، والواقعة التي ذكرتها الكاتبة من هذا القبيل، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يختلي بامرأة خلوة محرمة كما تتخيل الكاتبة، قال ابن حجر رحمه الله: أي لايخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لايسمعون كلامهما إذا كان مما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس.
- أيضاً لا يمكن الاستدلال به على جواز الاختلاط المستهتر في العمل والتعليم , وكيف لنا أن نقيس حدث عابر ولقاء محدود لا تزول به الكلفة باختلاط دائم لاسيما إذا كانت النساء فيه متبرجات متبذلات , نسأل الله أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
تقول: (حتى الأمة - الجارية – كانت تضع يدها في يد الرسول عليه الصلاة والسلام, فتأخذه حيث شاءت, لتخبره بشكواها في نجوة من الناس).
لقد فسرت عن قصد أو عن غير قصد (الجارية) هنا بـ ( الأمة), لتبيح تشابك يد الرجل الأجنبي بالمرأة, فيذهبان حيث شاءا, ويتناجيان كما يحلوا لهما.
- الجارية في النص- كما لايخفى- هي الطفلة الصغيرة, والقصة تدل على تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم , ورفقه بالصغار.
فالحديث له لفظ آخر في رواية أخرجها أحمد وابن ماجة من طريق علي بن زيد عن أنس قال: " إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت" وفيها لفظة (الوليدة) ويفهم منها أن الأمة أو الجارية في الروايات الأخرى لا يراد بها البالغة، لأن هذا اللفظ في الأعم الأغلب إنما يراد به الطفلة الصغيرة (وقد يراد بها البالغة ولكنه بعيد)، وهذه صورة قريبة إلى أذهان أهل المروءة والفطرة السليمة، يُحمل عليها – إن صحت – متشابه اللفظ هنا! فهي ألصق بصفة الرحمة ولين الجانب والتواضع وغيرها مما يظهر من النص أنه مقصود المتكلم..
- أيضاً من طرائق العرب في الكلام إطلاق الشيء وإرادة لازمه، من باب التوسع في اللفظ.. وهذا ما ذهب إليه الشراح في شرح الحديث، وهو ما يجمع به مع غيره من النصوص التي فيها التشديد في النهي عن مس المرأة الأجنبية..
فهذا الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول في فتح الباري: " المقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع.." اهـ.
وقال العيني في شرح الحديث : والمراد مِن الأخذ بِيده لازِمه ، وهو الرفق والانقياد ، يعني : كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المرتبة هو أنه لو كان لأمَة حاجة إلى بعض مواضع المدينة ، وتلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجة ، واحتاجت بأن يمشي معها لقضائها لَمَا تَخَلَّف عن ذلك حتى يَقْضي حاجتها . اهـ .
ومثله قول القائل: خذ بيدي، يريد دلني أو ارشدني، وقوله خذ على يد الظالم، يريد عاقبه وحاسبه، ونحو ذلك..
تقول في قصة المجادلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها , عند ما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها لما ظاهرها, وقالت كما تروي عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -: يا رسول: أكل مالي, وأفني شبابي ونثرت له بطن , حتى إذا كبرت سني, وانقطع ولدي, ظاهرمني, اللهم إني أشكو إليك, فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )). تقول: أم المؤمنين عائشة : تبارك الله الذي أوعى سمعه كل شيء, إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة, ويخفى عليّ بعضه)
. فانظر إلى التعبير السخيف للكاتبة عن هذه القصة ؟ , قالت : (وكان يختلي بالمرأة , فيرى الناس شخوصها، دون أن يسمعا صوتيهما). فلعل القارئ يلحظ قولها( كان يختلي) لتدعي أن خلوة الرجال بالنساء سنة وليست بفاحشة.
ولنسأل الكاتبة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خولة بنت ثعلبة في خلوة؟
وهل كانت خولة إلا شاكية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينها وبين زوجها في الظهار؟
وهل كان ذلك إلا في بيت عائشة على مرآى ومسمع منها؟
وهل كان هذا الحدث إلا لقاءاً عابراً ينقضي بمجرد انتهاء المسألة ؟!
فكيف إذن أباحت هذه الكاتبة لنفسها الاستدلال بهذا الواقعة المؤقتة والمحدودة بالاختلاط المستهتر في العمل والتعليم , ومن باب أولى ضعف العلم والحجة في الاستدلال بها على جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية ..
وأي انحراف في فكر الكاتبة وسلوكها يدفعها إلى اختيار مثل هذه الألفاظ للتعبير بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته؟
تقول: ( وكان يجلس بجانب العروس الربيع بنت معوذ فيهنئها)
فقولها( بجانب العروس) إنما هو من مفترياتها, وأما التهنئة فكانت قبل نزول الأمر بالحجاب، في السنة الثانية تقريباً, والحجاب إنما فرض في السنة الرابعة.
وأما الربيع بنت معوذ فهي من فضليات الصحابيات, وأبوها معوذ بن عفراء ممن أبلى بلاءاً حسناً في معركة بدر، ومن بلائه الحسن قتله لرأس الكفر أبي جهل, ومن بلائه الحسن أن يده قطعت وهو يقاتل, وظلت مدلاة في جنبه, فلما خشي أن تعوقه عن القتال وضع رجله عليها فنزعها. وكانت ابنة الربيع من أهل بيعة الرضوان في السنة السابعة.
وما تهنئة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إجلالاً لها ولأبيها, من النبي القائد الرحيم الذي يتفقد أصحابه وأتباعه.
فهل تريد الكاتبة من إيراد هذه القصة أن تسن للرجال الأجانب تهنئة العرائس, والجلوس بجانبهن, كما يفعله من لاخلاق لهم, بعد أن علمت ما فرض الله على النساء من الحجاب, وما فرض على الرجال من عدم مخالطة النساء الأجانب؟
تقول: مشيرة إلى ما روته أم سليم رضي الله عنها ( أم أنس بن مالك , وزوجة أبي طلحة رضي الله عنهم ) قالت: ( وكان – أي النبي صلى الله عليه وسلم – يقيل عندي – على نطع ). والنطع : هو الجلد المدبوغ. فتقول الكاتبة معبرة عن هذه الرواية بألفاظها التي تناسب مرادها, وما ترمي إليه، تقول: ( وكان يدخل على أم سليم في غياب زوجها, وينام في فراشها, بدون ريبة).
<FONT face=Arial><FONT size=4><FONT color=navy>فهل في رواية أم سليم ما يدل على أن أبا طلحة كان غائباً ؟ وهل فيها أن رسول