خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل
خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
يقرر أهل السنة والجماعة أن الله متصف بصفات الكمال منذ الأزل ( كان ولم يزل ) من سمع وبصر وخلق ورزق وغيرها من صفات الكمال كما قال الإمام الطحاوي : وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري .
وقال الإمام أحمد : ( بل نقول : إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولا نقول : إنه كان ولا يتكلم حتى خلق .
درء التعارض(1|275)
وقال أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي في كتابه المعروف بالحجة على تارك المحجة : وكذلك قول من قال إن الخالق لا يسمى خالقا والرازق لا يسمى رازقا حتى يخلق ويرزق ويحصل منه الخلق والرزق وقالوا : إنما قلنا هذا لأن العقل والمشاهدة ينكران أن يتسمى أحد بأنه فاعل أو يتحلى بالفعل إذا خلا عن الفعل في الحال وإذا صح هذا صح أن الله لايتصف بالخالق والرازق ما لم يخلق ويرزق فيقيسون الخالق بالمخلوق ويشبهونه به ويقولون إن الخالق والرازق وأشباههما من صفات الله تعالى صفات للفعل لا صفات للذات وإذا كان الفعل موصوفا بصفة لم تحصل الصفة حتى يحصل الفعل وهذا إنما يصح في فعل المخلوق لا في فعل الخالق وفعل الخالق لا يشبه فعل المخلوق وقال أهل اللغة الفعل لا يوصف ؛ لا يقال فعل قائم .. ولكن يقال زيد ضارب وعمرو ذاهب فقولهم الخالق والرازق صفة للفعل خطأ وإنا ذلك صفة للذات .
ومن الدليل على أن الصفات الصادرة عن فعل الله تعالى كالخالق والرازق والعادل والمحسن والمنعم والمحي والمميت والمثيب والمعاقب هي صفات لازمة له قديمة بقدمه لا لقدم معانيها الذي هو الخلق والرزق والإحسان والإثابة والعقاب لكن لتحقق وجود معانيها قال أحمد بن حنبل رحمه الله في رواية حنبل عنه : لم يزل متكلما عالما غفورا فوصفه بالغفران فيما لم يزل كما وصفه بالكلام والعلم خلافا لمن قال هي صفات محدثة لا يكون موصوفا بها في القدم ومن الدليل على صحة ما قلناه أن تحقق الفعل من جهته يوجب كونه صفة لازمة له قديمة بدليل وصفه في القدم أنه معيد وباعث ووارث وإن لم يعد ولم يبعث ولم يرث ويوصف بأنه رب قبل أن يخلق مربوب وأنه آله قبل أن يخلق المألوه ومن نفى هذه الصفات قبل وجود معانيها فقد خالف المسلمين ويبين صحة هذا قول أهل اللغة سيف مقطوع وخبز مشبع وماء مرو وإن لم يوجد منه القطع والشبع والري لتحقق الفعل منه .
الحجة في بيان المحجة (1|301)
والشبهة التي قامت في أذهان المتكلمين أنه لو اتصف بهذه الصفات لزم ووجب أن يكون معه حوادث منذ الأزل .
وقد وقع المتكلمون في حيرة وتناقض في هذه المسألة لما يلزم من إثبات النقص بصفات الله تعالى وتشبيهه بالمخلوق الذي كان معدوما ولم يكن قادرا على شيء حتى حصلت له كالكلام مثلا .
فأجاب بعض الأشاعرة بجواب كالجويني والغزالي وغيرهما أن الله كان – مثلا في صفة الخلق- خالقا بالقوة حتى خلق فصار خالقا بالفعل وهكذا في الرزق وهكذا في الكلام .
ويعنون بذلك قابلية اتصاف الله بصفة الخلق قبل أن يخلق فلما وقع منه الخلق صار خالقا بالفعل أي صارت هذه الصفة حقيقة .
قال الغزالي : ما يدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله كالجواد والرزاق والخالق والمعز والمذل وأمثاله، وهذا مختلف فيه، فقال قوم هو صادق أزلاً إذ لو لم يصدق لكان اتصافه به موجباً للتغير وقال قوم لا يصدق إذ لا خلق في الأزل فكيف خالقاً. والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف في الغمد يسمى صارماً وعند حصول القطع به وفي تلك الحالة على الاقتران يسمى صارماً، وهما بمعنيين مختلفين، فهو في الغمد صارم بالقوة وعند حصول القطع صارم بالفعل وكذلك الماء في الكوز يسمى مروياً وعند الشرب يسمى مروياً وهما إطلاقان مختلفان فمعنى تسمية السيف في الغمد صارماً أن الصفة التي يحصل بها القطع في الحال لقصور في ذات السيف وحدته واستعداده بل لأمر آخر وراء ذاته. فبالمعنى الذي يسمى السيف في الغمد صارماً يصدق اسم الخالق على الله تعالى في الأزل فإن الخلق إذ أجري بالفعل لم يكن لتجدد أمر في الذات لم يكن، بل كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجود في الأزل. وبالمعنى الذي يطلق حالة مباشرة القطع للسيف اسم الصارم لا يصدق في الأزل فهذا حظ المعنى. فقد ظهر أن من قال إنه لا يصدق في الأزل هذا الاسم فهو محق وأراد به المعنى الثاني، ومن قال يصدق في الأزل فهو محق وأراد به المعنى الأول. وإذا كشف الغطاء على هذا الوجه ارتفع الخلاف.
الاقتصاد في الاعتقاد (48)
وهذا كلام يوافقهم عليه أهل السنة بالجملة إلا أن وجه المخالفة أن أهل السنة يرون أن الله لم يأت عليه زمان قد خلا فيه من الفعل من خلق ورزق إلخ وهي المسألة المسماة بجواز حوادث لا أول لها مع إثبات أولية الله سبحانه وتعالى .
فأن يخلق أكمل من أن لا يخلق كما قال ابن أبي العز : وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل , ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه فإنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدما لا أول له ؛ فلكل مخلوق أول , والخالق سبحانه لا أول له ؛ فهو وحده الخالق , وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن .
"شرح الطحاوية" ( 130)
وقال شيخ الإسلام : والذات موصوفة بغاية الكمال الممكن؛ فإن كان كمالها في أن يكون ما فيها بالقوة هو بالفعل من غير إمكان ذلك ولا كون دوام الإحداث هو أكمل من أن لا يحدث عنها شيء كما قد يقوله هؤلاء الفلاسفة فيجب أن لا يحدث عنها شيء أصلا ولا يكون في الوجود حادث وإن كان كمالها في أن تحدث شيئا بعد شيء لأن ذلك أكمل من أن لا يمكنها إحداث شيء بعد شيء ولأن الفعل صفة كمال والفعل لا يعقل إلا على هذا الوجه ولأن حدوث الحوادث دائما أكمل من أن لا يحدث شيء ولأن هذا الذي بالقوة هو جنس الفعل وهذا بالفعل دائما.
منهاج السنة (1|207)
و قال شيخ الإسلام : فإن قال : إن نوع الفعل يجب أن يكون مسبوقاً بالعدم .
قيل له : من أين لك هذا ، وليس في الكتاب والسنة ما يدل عليه ، ولا في المعقول ما يرشد إليه ؟ وهذا يستلزم أن يصير الرب قادراً على نوع الفعل بعد أن لم يكن قادراً عليه ، فإنه إن لم يزل قادراً أمكن وجود المقدور ، فإن كان المقدور ممتنعاً ثم صار ممكناً صار الرب قادراً بعد أن لم يكن ، وانتقل الفعل من الامتناع إلى الإمكان من غير حدوث شيء ولا تجدده ، فإن الأزل ليس هو شيئاً معيناً ، بل هو عبارة عن عدم الأولية ، كما أن الأبد عبارة من عدم الآخرية ،فما من وقت يقدر إلا والأزل قبله لا إلى غاية .
الصفدية (1|65)
وقال الشنقيطي في كتابه رحلة الحج إلى بيت الله الحرام ص51 : أما بالنظر إلى وجود حوادث لا أول لها بإيجاد الله ، فذلك لا محال فيه ولا يلزمه محذور لأنها موجودة بقدرة وإرادة من لا أول له جل وعلا . وهو في كل لحظة من وجوده يحدث ما يشاء كيف يشاء فالحكم عليه بأن إحداثه للحوادث له مبدأ يوهم أنه كان قبل ذلك المبدأ عاجزاً عن الإيجاد سبحانه وتعالى عن ذلك . وإيضاح المقام أنك لو فرضت تحليل زمن وجود الله في الماضي إلى الأزل إلى أفراد زمانية أقل من لحظات العين أن تفرض أن ابتداء إيجاد الحوادث مقترن بلحظة من تلك اللحظات فإنك إن قلت هو مقترن باللحظة الأولى قلنا ليس هناك أولى البتة ، وإن فرضت اقترانه بلحظة أخرى فإن الله موجود قبل تلك اللحظة بجميع صفات الكمال والجلال بما لا يتناهى من اللحظات وهو في كل لحظة يحدث ما شاء كيف شاء فالحكم عليه بأن لفعله مبدأ ، لم يكن فعل قبله شيئاً يتوهم أن له مانعاً من الفعل قبل ابتداء الفعل ، فالحاصل أن وجوده جل وعلا لا أول له وهو في كل لحظة من وجوده يفعل ما يشاء كيف يشاء فجميع ما سوى الله كله مخلوق حادث بعد عدم ، إلا أن الله لم يسبق عليه زمن هو فيه ممنوع الفعل سبحانه وتعالى عن ذلك . فظهر أن وجود حوادث لا أول لها إن كانت بإيجاد من لا أول له لا محال فيه وكل فرد منها كائناً ما كان فهو حادث مسبوق بعدم لكن محدثه لا أول له وهو في كل وقت يحدث ما شاء كيف شاء سبحانه وتعالى .
هذا النص والذي قبله مستفاد من " قدم العالم" لكاملة الكواري
فتبين أن قول بعض الأشاعرة بأن الله خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل على مذهبهم ليس موافقا لقول أهل السنة على التمام كما قدمنا.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
رد: خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل
السلام عليك يا عبد الباسط، جزاك الله خيرا على ما أمتعتنا به!!! والله نحن بحاجة إلى مثل هذه المقالات.
ووالله أقولها وأكررها: لو كان المقال في الرجال أو حول قضايا التكفير وجنس العمل أو السياسة لرأيت مئات التعليقات!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رد: خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل
رد: خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل
ثم وقفت على كلام لشيخ الإسلام يؤكد ما ذكرته
وقال شيخ الإسلام : وذكروا أشياء مما نقمت على أبي الحسن الأشعري وكان مما ذكروه قوله إن الرب لم يكن في الازل قادرا على الفعل وهذا أصل قول هؤلاء المتكلمين الذين احتجوا على حدوث العالم بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها ويلزم من ذلك امتناع أن يكون مقدورا للرب فقالوا صار الفعل ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا
ومعلوم عند من يعلم الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها أنه ليس في الكتاب ولا السنة شيء يدل على أن الرب لم يكن الفعل ممكنا له في الأزل أو لم يكن الفعل والكلام ممكنا له في الأزل أو أنه لم يزل معطلا عن الفعل أو عن الفعل والكلام لم يزل معطلا ثم إنه صار قادرا فاعلا متكلما بعد أن لم يكن كذلك
وقد يجيبون عن هذا بجواب فيه مغلطة فيقولون لم يزل قادرا ولكن المقدور كان ممتنعا في الأزل وهذا تناقض فإن المقدور لا يكون ممتنعا بل لا يكون إلا ممكنا ولأن ذلك يتضمن الإنتقال من الإمتناع إلى الإمكان بلا حدوث شيء وهو باطل .
الصفدية (2|163)
ويعنون أن الله كان منذ الأزل متصف بهذه الصفات لكن كان معطلا عن الفعل كما تقدم بيانه ؛ وهذه نقطة مهمة جدا في بيان الفرق بين كلام أهل السنة وكلام هؤلاء لأن طالب العلم ربما قرأ أن بعضهم يثبت الصفات لله منذ الأزل لكن ربما لم يفهم الفرق الدقيق بين كلام أهل السنة وكلامهم فحقيقة كلامهم أن الله كان معطلا عن الفعل حتى فعل وهذه المسألة مرتبطة بمسألة حوادث لا أول لها كما تقدم والله أعلم .