هل هناك خطأ شرعي في أن أقول ((مطر)) وأن الصواب أن أقول ((غيث)) ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أحبتي في الله بعض الإخوة أنكر علي أن أقول كلمة مطر وقال لي لابد أن تقول غيث فقلت له : ما الدليل على ما تقول, فأستدل لي ببعض الآيات من القرآن الكريم منها قول الله تعالى:(فساء مطر المنذرين) وغيرها من الآيات الواردة في هذا الشأن, ولذلك إخواني في الله أرجو لمن كان عنده علم حول هذه المسألة أن يفيدنا وهل يصح الإنكار على من قال بمثل مقولتي؟أرجو الإفادة بارك الله فيكم..
*** اُفْرُقْ بِفَهْمِكَ بَيْنَ الغَيْثِ وَالمَطَرِ ***
يرى بعض اللغويين أن هناك فرقا بين الغيث والمطر، معتمدين - في ذلك - على تخصيص الغَيْثِ بالمطر الذي يَنتُجُ عنه الخَصْبُ والنَّمَاءُ، وتَعْمِيمِ المطرِ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَصْبٌ وَنَمَاءٌ، وما من الخير لم يصب:
قال الإمام أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية:
((الفرق بين الغيث والمطر:
الغيث: المطر الذي يغيث من الجدب، وكان نافعا في وقته.
والمطر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته، وفي غير وقته)). انظر الفروق اللغوية: 391.
لطيفة: السياق القرآني لم يستخدم المطر في الخير؛ بل الغيث
من اللطائف القرآنية أن القرآن الكريم جرت عادته أن يستعمل المطر في الشر والعذاب والنذارة، أما الخير والنماء والبشارة، فمن الكليات القرآنية استعمال الغيث لأداء تلك المعاني.
قال الدكتور فاضل السامرائي: ((القرآن يستعمل الغيث مثلاً في الخير، والمطرَ في الشر، هذه حالة خاصة بالقرآن وليس باللغة العربية)). انظر: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل: 168 (كتاب إلكتروني بالشاملة).
واسمحوا لي أن أستعرض سياق المطر وسياق الغيث في القرآن الكريم:
أما سياق المطر واستعماله في الشر؛ فمنه:
ـ قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ}.
ـ وقوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
ـ وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
ـ وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ}.
ـ وقوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ}.
ـ وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}.
ـ وقوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}.
ـ وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وأما سياق الغيث واستعماله في الخير في القرآن الكريم؛ فمن ذلك:
ـ قوله تعالى: {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}: فعبر عن الماء الذي تمنوه نجاة لهم بالغوث.
ـ وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}: والغيث في هذا السياق مراد به الرزق، وهو لا يتعدى الخير إلى الشر؛ لنوطه بفعل الله تعالى، بخلاف تسمية الحرام رزقا عند السلف؛ فإنه منوط بتحصيل العباد له من حِلِّهِ وحُرمته.
ـ وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.
ـ وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}.
ومن استعمالات الغيث والمطر في السنة وَفْقًا للعادة القرآنية:
ـ حديث: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ -: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ؛ قَبِلَتِ المَاءَ، وَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ))،،، الحديث.