من آداب المفتي والداعية: التزام البيان والوضوح في افتاء الناس وتبليغهم
* من آداب الداعية أو المفتي أن يخاطب الناس بما يفهمون من الكلام .
والملاحظ عند بعض أهل العلم التزام لهجة عامية لا يتكلم بها إلاَ بعض أهل البلاد الإسلامية .
وقد يكون السائل من بلاد أخرى لا يفهم هذه اللهجة ولا يعرف مقصد الشيخ من خطابه .
وقد يكون هذا الشيخ يفتي على الملأ أو يلقي درساً في الحرم أوفي الإذاعة التي تبث في أصقاع مختلفة أو غير ذلك مما هو عام للناس كلهم وليس لبعضٍ دون بعض ؟!!
نعم ..قد تفلت أحياناً كلمة أو كليمات ، أو مثال ، أو نحوهما؛ لكن الكلام على العموم .
* واللغة التي يفهمها جل العرب - عامتهم وخاصتهم - هي العربية الفصحى التي نزل بها القرآن .
- وبها تكتب الكتب الآن ، بل بها تنشر الصحف والجرائد ! ويذاع بالمذياع والقنوات والتلفاز وغيرها من وجوه الخطاب والبلاغ .
* فحريٌ بطالب العلم أن يلتزم البيان والفصحى في بيانه وبلاغه قبل أن يصير عالماً يستفى ويسأل .
* ولو كان هذا العالم أو المبلغ أو الداعية (القاص أو الواعظ) عند قومٍ لا يفهمون إلاَّ البلاغ بلهجتهم العامية أو البدوية فهنا لزمه خطابهم بما يعقلون ويعون.
وقد قال الله عزوجل: ( وما أرسلنا من رسول إلاَّ بلسان قومه ليبين لهم ).
____________________
* وأيضًا.. فعلى النقيض من هذا فقد جاءت الشريعة بذم التقعُّر .
ومما يلاحظ أنَّ بعض من ينسب للعلم وأهله أو مشتغلاً بخطبة الناس في المواسم والجمع ، وقد يستمع لخطبته الآلاف أو الملايين في العالم = ينتقي وحشي الكلام وغريبه ، الذي يستغلق على خاصَّة الخاصة! قبل الخاصة أو العامة؟!
فلا يكاد يفهم كلامه إلاَّ من هم على شاكلته من البيان والفصاحة ، وأحياناً قد يحتاج إلى القاموس المحيط ومجمع الأمثال؟! لفك مغاليق وأسرار هذه الخطبة (الملغزة)!
حتى إنك لتخال بعض هؤلاء الخطباء كأنما يلقي درساً تطبيقياً في البلاغة وفنونها أوالفصاحة وألوانها!
وخطب الجمعة عادة لا تكون إلا لعامة الناس وبعض من يفهم شيئًا من كلام العرب.
والاقتصاد في كل شيء حسن .
والبيان أداة البلاغ .
وأصدق تعريف للفصاحة أنها البيان .
ولكل مقام مقال .
- وبالله تعالى التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
رد: من آداب المفتي والداعية: التزام البيان والوضوح في افتاء الناس وتبليغهم
بارك الله فيكم شيخنا.
ولعلكم توافقون على أنه يدخل في جملة التزام المفتي البيان: عدم الملل من تكرّر السؤال والتزام الإجابة عنه بنفس الوضوح -إن لم يكن أكثر وضوحًا-.
وهذه النقطة -للأسف- يغفل عنها بعض المفتين ممن يتكرر ظهوره على برامج الافتاء، فربما أحال المستفتي إلى حلقاتٍ سبقت وهو ما قد يتعذر على المستفتي.
وكنت قديما استغرب من بعض المشائخ ممن تصدر للتدريس في الحرم كيف لا يسأم الإجابة عن نفس السؤال الذي يتكرر على مدار الأيام، بل أحياناً يُسأل الشيخ عن نفس المسألة في الحلقة أكثر من مرة، والشيخ يكرر الإجابة نفسها !
والإجابة على الأسئلة من أعظم أبواب التعليم ونشر الخير، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا.
رد: من آداب المفتي والداعية: التزام البيان والوضوح في افتاء الناس وتبليغهم
/// بارك الله فيكم.. وجزاكم خيرا يا أبا حازم.
/// ومن لطيف ما نُقِل في أحوال التقعُّر وذمِّه قديمًا ما ذكره ابن عبدربِّه في العقد، قال:
دخل أبو علقمة على أعين الطبيب، فقال: أصلحك الله، أكلت من لحوم هذه الجوازل، وطسئت طسأةً، فأصابني وجعٌ بين الوابلة ودأية العنق، فلم يزل ينمو ويربو، حتى خالط الخلب والشراسيف، فهل عندك دواء؟
قال: نعم، خذ خربقا وسلفقا، وشبرقا، فزهزقه وزقزقه، واغسله بماء ذوب واشربه.
فقال له أبوعلقمة: لم أفهمك؟!
فقال: ما أفهمتك إلا كما أفهمتني!
/// وقال أبوالأسود الدؤلي لأبي علقمة: ما حال ابنك؟
قال: أخذته الحمى، فطبخته طبخا، ورضخته رضخا، وفتخته فتخا، فتركته فرخا.
قال: فما فعلت زوجته، التي كانت تشاره وتهاره وتماره وتزاره؟
قال: طلقها. فتزوجت بعده، فحظيت وبظيت؟
فقال له: قد عرفنا "حظيت"، فما "بظيت"؟
قال: حرفٌ من الغريب لم يبلغك!
فقال: يا ابن أخي، كلُّ حرفٍ لا يعرفه عمُّك فاستره، كما تستر السِّنور خرأها!
/// ودعا أبو علقمة بحجَّامٍ يحجمه فقال له: أنق غسل المحاجم، واشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطكم وخزا، ومصك نهزا، ولا تردن آتيا، ولا تكرهن آبيا.
فوضع الحجام محاجمه في جونته، ومضى عنه.
/// وسمع أعرابي أبا المكنون النَّحوي في حلقته وهو يقول في دعاء الاستسقاء: اللَّهم ربنا وإلهنا ومولانا، فصلِّ على محمد نبيِّنا، اللَّهم ومن أراد بنا سوءًا فأحط ذلك السُّوء به كإحاطة القلائد بأعناق الولائد، ثم أرسخه على هامته، كرسوخ السجيل على هام أصحاب الفيل، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئا، مريعا، مجلجلا، مسحنفرا، هزجا، سحا، سفوحا، طبقا، غدقا، مثعنجرا، نافعا لعامتنا، وغير ضار لخاصتنا.
فقال الأعرابي: يا خليفة نوح! هذا الطوفان ورب الكعبة، دعني حتى آوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء!
/// وسمعه مرة أخرى يقول في يوم برد: إن هذا يوم بلة عصبصب بارد هلوف، فارتعد الأعرابي وقال: والله هذا ممَّا يزيدني بردا!