رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
والقليل منا من يفهم ما يقرأ، لماذا؟
لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين، وعدم الوقوع في أسر الخاطر الأول وبادئ الرأي، ويحتاج إلى علم واسع بالقرائن، ويحتاج إلى معرفة كبيرة باللغة وخاصة لغة من تقرأ له، ويحتاج في بعض الأحيان إلى معرفة حقبة هذا العالم وتاريخه.
لهذا انا اأعتبر قراءة مثلى فى تفسير بن كثير او كتاب من كتب التراث مضيعة للوقت فى غير طائل
اقتباس:
لن تستطيع أن تعرف ذلك على وجه اليقين وثلج القلب إلا بعد تحصيل قدر كاف من كلام هذا المؤلف والدربة بأسلوبه، وكذلك الاطلاع على كلام المشاركين له في الفن أو المعاصرين له إن أمكن، وكذلك الاطلاع على ثقافة هذا العصر الذي عاش فيه المؤلف؛ وذلك بالاطلاع على كلام عدد لا بأس به من علماء هذا العصر؛ لأن لكل عصر منهجا واصطلاحا وعبارات قد تختلف عن غيره من العصور، والمرء يلاحظ ذلك بجلاء عندما يكون التفاوت الزمني كبيرا، فمثلا كلمة ( مكروه ) إذا جاءت في الكتاب والسنة فلها معنى، وإذا جاءت في كلام السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم فلها معنى آخر!، وإذا جاءت في كلام الفقهاء المتأخرين فلها معنى ثالث!!، وهذا التفاوت بين المعاني موجود في كثير من الألفاظ والتعبيرات، حتى إن المرء أحيانا يقرأ بعض النصوص فيجزم بالعصر الذي قيلت فيه بغير أن يكون عارفا بقائلها ولا بالكتاب الذي وردت فيه.
وجماع معرفة هذا الأمر في كلمة واحدة فقط، وهي ( القرائن ).
وبعد هذا الحل يعود السؤال كما كان كيف أعرف أنى الفت تأليف منضبط بين ما اطلعت عليه من أقوال وأساليب ؟
ما أعتقده منذ فترة كاجابة على هذا السؤال أنه لو ثم شرح صوتى أو تعليق على الكتاب المراد قراءته فهذا المنبغى أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟
أرجو التعليق من شيخنا ابى مالك
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
وفقك الله يا أخي الكريم
أتعلم ما يشبه هذا الأمر؟ يشبه العلوم الضرورية عند الناس، فأنت مثلا تعرف أنه كان هناك عالم في المدينة النبوية اسمه الإمام مالك.
فإذا سألتك الآن عن الدليل على هذا الأمر، فماذا ستقول؟
قد تقول: لا أذكر، ولكني على يقين من ذلك، وقد تقول: لأن العلماء اتفقوا على هذا، وقد تقول: لأن هذا أمر معروف ... إلخ.
وأيا ما كان الأمر فلن تستطيع أن تأتي بدليل قاطع على كلامك؛ لماذا؟
لأن هذا الأمر تقرر عندك بالتدريج، فمثلا سمعت وأنت صغير خطيب المسجد يقول: وكان الإمام مالك يقول كذا وكذا.
ثم سمعت بعض العلماء يقول: وهذا قول الإمام مالك.
ثم قرأت في بعض الكتب: الإمام مالك يذهب إلى كذا وكذا.
ثم استمعت إلى بعض الأشرطة أيضا فوجدت فيها مثل ذلك.
ومع الوقت وتكرار مثل هذه الأمور على أذنك صار لديك قناعة يقينية بهذا الأمر، بحيث لا يمكن أبدا أن يستطيع أحد أن يشكك في هذا الأمر عندك، مهما جاء بشبهات أو أدلة، وغاية أمرك معه إذا لم تستطع أن ترد عليه أن تقول له: كلامك باطل وإن كنت لا أستطيع أن أرد عليه !
وهذه هي صفة العلم الضروري، وهذا العلم الضروري مهم جدا في كل الأمور؛ لأن باقي المعلومات تنبني عليه، فإنك عندما تقرأ في كتاب لا تقرأ في الحقيقة ما هو مكتوب، ولكنك تقرأ ما تفهمه من الكلام بناء على ما تقرر عندك من هذه العلوم الضرورية، فإذا قرأت مثلا أن (العالم الفلاني كان يبيع الخمر) فإنك تستبعد تلقائيا كلمة (الخَمْر) من الموضوع، وتفهم السياق على أنه كان يبيع (الخُمُر)، وإذا قرأت مثلا أن بعض زهاد السلف قال: (يا ليت أمي لم تلدني) فإنك تفهم تلقائيا أنه يقول ذلك خوفا من الله عز وجل وورعا ووجلا، وتستبعد تلقائيا أن يكون قال ذلك لأنه قتل مائة نفس مثلا!
وهكذا في كل شيء نقرؤه أو نطلع عليه بأي وسيلة من الوسائل، فإننا نتعامل معه بناء على ما تقرر لدينا من العلوم الضرورية، لأن الكلام في غالب الأحيان له كثير من الاحتمالات، وأنت إذْ تقرأ إنما تتجه بذهنك إلى أحد هذه الاحتمالات، وتحديد واحد من هذه الاحتمالات إنما يكون بناء على ما هو متأصل عندك، وليس على ما يفيده الكلام، وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة.
وهذا لا يعني أنك لا بد أن تظل على الخطأ دائما، فأنت تحتفظ في ذاكرتك بما قرأت، وبعد ذلك قد تطلع على أشياء تجعلك تغير تفكيرك فيما فهمته من قبل، فتقول: كنت أظنه يعني كذا، ولكن تبين لي أنه يعني كذا، فهذا الظن الأول، وهذا التبين الأخير لم يكن معتمدا في الحالتين على ما قرأته فقط؛ لأنه لو كان معتمدا على ما قرأته فقط لم يكن إلى تغييره سبيل؛ لأن المقروء واحد، وإنما كان معتمدا على ما عندك من علم سابق في الحالة الأول، وما عندك من علم لاحق في الحالة الثانية.
والله تعالى أعلم.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة.
وهذا لا يعني أنك لا بد أن تظل على الخطأ دائما، فأنت تحتفظ في ذاكرتك بما قرأت، وبعد ذلك قد تطلع على أشياء تجعلك تغير تفكيرك فيما فهمته من قبل،
أى العلم يحل عضه البعض
أستشهد من كلامكم للمرة الثانية على ما قلته قبل ذلك وهو
اقتباس:
لهذا انا اأعتبر قراءة مثلى فى تفسير بن كثير او كتاب من كتب التراث مضيعة للوقت فى غير طائل
لأن انا مثلا شاب محتاج ان انقل كل ما أقرأ اثناء دعوتى الناس فانا محتاج لكل ما أقرأه على سبيل الفور وتعلم ان من الممكن ان مثلا الكتاب رقم 12 فى خطة القراءة قد لايأتى الابعد سنين وقد أكون نسيت الكلام المراد تبيينه وخاصة أنى لم أتصور تصورا صحيحا فهو أقرب للنسيان منه للذكران وذكرت حل هذه المشكلة من وجهة نظرى وانتظر تعليقكم
اقتباس:
ما أعتقده منذ فترة كاجابة على هذا السؤال أنه لو ثم شرح صوتى أو تعليق على الكتاب المراد قراءته فهذا المنبغى أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
وفقك الله
حتى لو شرح الكتاب شرحا صوتيا، فالمشكلة قائمة، فتأمل!
لأن الشرح الصوتي هذا ما هو؟
هو معلومات أيضا تدخل إلى رأس الإنسان، ويحتاج إلى آلية معينة في فهمها، وهي الآلية نفسها التي يستعملها في فهم ما يقرأ.
ولكن الاختلاف الوحيد بين الأمرين أن الشرح الصوتي يكون لأناس معاصرين والثقافة بينكما متقاربة، ولذلك فيبعد أن لا تفهم الكلام على وجهه.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
ولكن الاختلاف الوحيد بين الأمرين أن الشرح الصوتي يكون لأناس معاصرين والثقافة بينكما متقاربة، ولذلك فيبعد أن لا تفهم الكلام على وجهه.
هكذا يبعد جدا فهم الكلام على غير وجهه خاصة اذا كان المدرس معروف بفصاحة اللسان وتفصيل المسألة كشيخنا محمد اسماعيل مثلا
هكذا اعتقد ما درسته مطمئنا وكذلك أنقله اما احتمال فهم غير المراد فطالما انا اسمع شرح كتاب مناسب لمرحلتى العلمية فهو احتمال نادر والنادر لاحكم له والا فماذا افعل اكثر من ذلك لتحرى الفهم الصحيح لما أقرأ
اقتباس:
أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟
قد يكون للكتاب شرح او تعليق لكن لا اعلمه يعنى مثلا انا لى فترة بعيدة ادخل النت ولم أجد للاختيارات العلمية لبن تيمية شرح صوتى الا من يومين فلطالب العلم أن يسأل عن الكتاب الذى يريد قرءته
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
آخذ عليك استخدام كلمة ديناميكية و مثلك يؤخذ عليه هذا
اقرر هنا قاعدة تضبط كثير من السلوك
ليس لك أخذها عليه الا بعد أن تسأله لما فعلت هذا يقول العثيمين معلقا على حديث متفق عليه ومعناه انه النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب فدخل رجل فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أصليت قال لا قال قم فصلى ركعتين
يستدل العثيمين بأ السنة سؤاله قبل الانكار هذا الهدى
وانت من اهل الفضل لاشك لكن العلم مفرق فى صدور العباد
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
وعلماء الذاكرة يقولون إن الطريقة الثانية أفضل في استيعاب أكبر قدر ممكن
أذكر انى سمعت عنهم ان الاولى هى الافضل
لعل بينهم خلاف ؟
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
قال ابن طباطبا في عيار الشعر :
(( والنفس تسكن إلى كل ما وافق هواها، وتقلق مما يخالفه، ولها أحوال تتصرف بها، فإذا ورد عليها في حالة من حالاتها ما يوافقها اهتزت له وحدثت لها أريحية وطرب، وإذا ورد عليها ما يخالفها قلقت واستوحشت ))
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد المرسى
أذكر انى سمعت عنهم ان الاولى هى الافضل
لعل بينهم خلاف ؟
أو لعلي وهمتُ ، فلو تفضلت بنقل الكلام المذكور ؟
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي
وقال ابن القيم رحمه الله: >
(( المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يكن لأصحابها ببال ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثم يلزمهم من طرد لوازم لا يقول بها الأئمة، فمنهم من يطردها ويلزم القول بها ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين الناس بجاه الأئمة ويفتى به ويحكم به والإمام لم يقله قط، بل يكون نص على خلافه !! ))
قال ابن طباطبا في عيار الشعر :
(( والنفس تسكن إلى كل ما وافق هواها، وتقلق مما يخالفه، ولها أحوال تتصرف بها، فإذا ورد عليها في حالة من حالاتها ما يوافقها اهتزت له وحدثت لها أريحية وطرب، وإذا ورد عليها ما يخالفها قلقت واستوحشت ))
كلام متين ...نفع الله به.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
المقالة عميقة ومفيدة!
جزاكم الله خيرا ـ شيخنا ـ .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي
لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين،
(شديدين) صفة لـ(تجرد ) أم (إنصاف ) ؟.(ابتسامة ).
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
بارك الله فيكم شيخنا المفضال أبا مالك.. دمت مسددا ونافعا لاخوانك
تقولون: "وهكذا في كل شيء نقرؤه أو نطلع عليه بأي وسيلة من الوسائل، فإننا نتعامل معه بناء على ما تقرر لدينا من العلوم الضرورية، لأن الكلام في غالب الأحيان له كثير من الاحتمالات، وأنت إذْ تقرأ إنما تتجه بذهنك إلى أحد هذه الاحتمالات، وتحديد واحد من هذه الاحتمالات إنما يكون بناء على ما هو متأصل عندك، وليس على ما يفيده الكلام، وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة"
قلت ولعله من المهم بيان أن الكلام - من حيث كونه تركيبا للألفاظ - ليس كله على درجة واحدة في تلك الخصيصة، فمن تراكيب اللغة ومبانيها وألفاظها ما لم تتغير معانيه الا الشيء القليل جدا، فلا يحتاج هذا الى كثير من القرائن في فهمه، بل المتبادر الى الذهن فيه عند العربي في زمان الجاهليين، لا يختلف الا اختلافا ضيئلا عن المتبادر الى ذهن المعاصرين.. ومنها ما تغير كثيرا وتبدلت دلالاته وربما دخل عليه ما دخل، من تحول من مشهور الى غريب والعكس، فأصبح المعاصرون لا يغنيهم شيء عن الاستعانة بقرائن الزمان والعصر وفقه لغة المتكلمين، كالاستعانة بالقواميس والمعاجم ونحوها، ويحتاجون الى الشيء الكثير من ذلك حتى يسلم فهمهم من أثر العجمة وتراكم طبقات الزمان (ان صح التعبير)..
ولعله لهذا السبب، كان القرءان منقسما في آياته الى المحكم والمتشابه، فالمحكم ألفاظه واضحة راسخة رسوخ الجبال لا تتبدل دلالاتها ولا معانيها ولا تكاد تحتاج الى قرائن في فهمها، وهكذا تبقى مهما تغير الزمان دون أن تكثر عليها وجوه المعاني في دلالة ألفاظها، كمثل قوله تعالى في سورة الشورى: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)). فهذه الآية الكريمة من أشهر محكمات القرءان، والتي لا تحتاج لاسناد الى قرائن أو الى نصوص أخرى من الكتاب أو السنة أو فهم الصحابة وأحوالهم حتى تفهم فهما صحيحا.. هذا والله تعالى أعلم وأحكم.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
أحسن الله إليك شيخنا الفاضل
كلامكم صحيح، ولكن ينبغي التنبه لمسألة مهمة، وهي أننا ليس لدينا طريقة واضحة تفصل بين المحكم والمتشابه، بل قد نختلف في بعض النصوص أمن المحكم هي أم من المتشابه؟ وهذا وارد في الكلام أيضا كما هو وارد في النصوص الشرعية.
ولا أنكر أن هناك من النصوص ما يفهم فهما صحيحا ربما في كل العصور، ولكن هذه النصوص لم تصر هكذا بسبب أن اللفظ يقتضيها، ولكن السبب أنها احتفت بكثير من القرائن التي جعلت دلالتها قطعية واضحة متواترة عبر العصور لا يختلف اثنان من المسلمين فيها، فعاد الأمر إلى أن العبرة بالقرائن المحتفة سواء أكانت معلومة لدى الخاصة فقط أو معلومة للعامة .
والدليل على ذلك أن هذه النصوص بعينها قد تُعرض على بعض المستشرقين أو الأجانب فيخطئ في فهمها، وليس هذا إلا بسبب غياب هذه القرائن -المعروفة عند المسلمين- عنه.
وينبغي أن نفهم أيضا أن الخطأ في الفهم إن كان عائدا إلى غرابة الألفاظ فهو أمر سهل؛ لأن معرفة دلالات المفردات متيسر.
ولذلك لم نجد العلماء اختلفوا في مسألة شرعية بسبب اختلافهم في معنى لفظة غريبة إلا في الشاذ النادر.
ولكن الإشكال في الأعم الأغلب إنما يعرض من جهة تركيب الكلام ونظمه، وفهم المعنى العام الإجمالي للكلام، وهذا هو المقصود في كلامي.
ولذلك أقول دائما: إن العالم أو طالب العلم لا بد أن يتقيد بفهوم أهل العلم، وأن يجعل فهمهم حاكما على فهمه، وأن يصحح فهمه للمسائل بناء على ما يقولونه تصريحا أو تلويحا.
فلم تظهر الأقاويل الباردة والآراء الشاذة والانتحالات العجيبة إلا من الدخلاء في العلوم الذين ليسوا من أهلها؛ لأن كل إنسان صار شيخ نفسه، وصار مؤهله الوحيد عقله الذي يفوق عقول العالمين !
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
بارك الله فيكم شيخنا الكريم..
قلتم "فعاد الأمر إلى أن العبرة بالقرائن المحتفة سواء أكانت معلومة لدى الخاصة فقط أو معلومة للعامة ."
ونعم صحيح هذا ولا مرية فيه، ولكن يا شيخنا الكريم، ألا توافقونني على أنه قد يكون من اللفظ أو التركيب اللفظي ما لا يحتاج الى قرائن كثيرة ليفهمه كل أحد - وأعني بكل أحد المتكلمين بلسان الكلام وليس الأجانب عنه فلا عبرة بالأجانب عن اللسان وفهمهم - ولا تزيد تلك القرائن - أو العلم الضروري المسبق عند السامع لفهم المراد - عن مجرد تعلم اللغة العربية الفصحى - القدر اليسير منها - حتى يفهم السامع معاني الألفاظ التي لم تتغير منذ أن صدرت عن قائلها والى يوم أن سمعها السامع بعدما نقلت اليه؟ لهذا ضربت مثال آية الشورى، والتي يكفي لكل واحد من المسلمين أن يتعلم قدرا قليلا من اللغة العربية حتى يفهم هذه العبارات منها: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) فلا يحتاج الى سماع شيء من جنس سبب النزول أو الناسخ والمنسوخ أو تفسيرات الصحابة والسلف، أو ما قد يكون مقيدا أو مخصصا أو مفصلا لها من السنة، أو غيرها من آيات القرءان مما يجمع اليها أو أي قرينة اضافية أخرى تجلي الوجهة الصحيحة التي تفهم بها مرادات الألفاظ، بل ان مجرد فهم معانيها اللغوية المباشرة والتي هي كما هي لم تتغير منذ زمان التنزيل، يكفي لفهمها فهما أوليا على نحو ما فهمها به الصحابة والسلف رضوان الله عليهم.
ولهذا ففي تصوري العاجز القاصر والله تعالى أعلى وأعلم - وصوبوني ان كنت مخطئا - أن المسألة اصطلاحية تتعلق بمساحة الاصطلاح (قرينة) وما يدخل فيه وما يخرج منه بالمقام الأول. فقد يصح أن يقال أن القرائن المطلوبة لفهم تلك الألفاظ هي معلومة لكل المسلمين بالضرورة، لأنها تقوم على ألفاظ ليست ذات وجوه كثيرة، ولا تحتاج الى قرائن اضافية من نحو ما ذكرت أنا، ولم يتغير معناها منذ زمان تنزيلها الى اليوم في قليل أو كثير! نعم، ربما كانت الكاف الزائدة في لفظة (كمثل) تلك هي ما لن تجد له نظيرا مشهورا في كلامنا اليوم، فيحتاج عامة المسلمين الى النظر في كلام المتقدمين فيها، ولكن فيما عدا ذلك فكل أحد يفهم المعنى الأولي المباشر لقوله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) بلا اشكال، ولا تزيد القرائن المحتفة بهذه الألفاظ والمطلوبة لفهمها فهما صحيحا عن ذات معانيها اللفظية، والا فماذا تقصدون بالقرينة بالضبط؟
بارك الله فيكم وأحسن اليكم.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
وفقك الله وسدد خطاك يا شيخنا الفاضل
لا أعترض على كلامك، ولكن مثال سورة الشورى الذي تفضلت بذكره يحتمل النظر؛ فإن هذه الآية لو قيل إن الناس لم يختلفوا في شيء أكثر من اختلافهم فيها لكان قريبا من الصواب !
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
أحسن الله اليكم يا شيخنا المفضال، وقولكم "فإن هذه الآية لو قيل إن الناس لم يختلفوا في شيء أكثر من اختلافهم فيها لكان قريبا من الصواب !" فصحيح أن الخلاف قد وقع في تفسير أكثر أجزاء الآية الكريمة، ولكن أنا أتكلم عن هذا الجزء منها بالتحديد: قوله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))، هذا ما علمت أن خلافا وقع فيه الا في التفصيل في قوله ((كمثل)) على قولين: هل الأصل "مثل" والكاف زائدة للتوكيد، أم العكس! أما المعنى والمراد المفهوم من تلك الكلمات الطيبات فهل علمتم فيه خلافا؟ وما بيان ذلك؟
نرجو الافادة بارك الله فيكم ونفع بكم.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
وفقك الله وسدد خطاك.
المقصود الخلاف مع الفرق الضالة .... سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. إلخ.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
بارك الله فيكم ونفع بكم يا شيخنا الفاضل، ووالله اني لأحب مدارستكم وأنتفع منكم كثيرا.. فأرجو من الله ألا أكون سببا في املالكم. (ابتسامة)
قلتم حفظكم الله "المقصود الخلاف مع الفرق الضالة .... سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. إلخ."
ولكن با شيخ هذا القيد الذي وضعه المتكلمة لا يمكن أن يتبادر الى ذهن أي عاقل يسمع هذا النص نفسه بهذه الألفاظ: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) فكيف يقال أن فهم ألفاظ هذا النص المبارك في نفسه يحتاج الى قرائن لدفع ذلك القيد المبتدع الذي لا يتبادر الى ذهن سوي صحيح أبدا؟؟؟ بل ان هذا النص على لفظه هذا، هو القرينة التي يدفع بها مثل هذا الهراء الذي يضعه المتكلمة بطوائفهم المختلفة على كل نص غيره فيه صفة من صفات الله توهموا أن اثباتها يلزم منه التجسيم أو التشبيه أو غير ذلك مما يزعمون!! فالله ما قرن قوله ((ليس كمثله شيء)) بقوله ((وهو السميع البصير)) الا ليحكم تلك القاعدة الواضحة في نص لا يحتمل الا وجها واحدا في معناه: أن الله مع كونه يسمع ويبصر، فهو ليس كمثله شيء! فالذي يقول بل هو يسمع بلا سمع، فقد هدم المعنى اللغوي لكلمة "سميع"! والذي يقول يبصر بلا بصر مثله! وقاعدة ((ليس كمثله شيء)) تخرسهم جميعا!
وعلى أي حال فمفهوم أنكم تقصدون أن تأويل صفتي السميع والبصير يكون عند أهل هذه الطوائف هو من العلم المسبق عندهم والقرينة التي على أساسها يوجهون فهمهم لصفتي السميع والبصير المذكورين في الآية الكريمة، ولهذا فهؤلاء يلزم أن تقام عليهم حجة قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) ويطالبون في مقابلها بأن يثبتوا بالنص دعواهم أن (بلا سمع) هي قرينة واجبة لفهم صفة السميع، وهو القيد الخارج عن مدلول ألفاظ الآية، والذي ما كانوا ليجدوا اليه سبيلا!
والذي أقصده أن صفة السميع والبصير في ذاتها كألفاظ يصف الله بها نفسه لا تلزم في عقل السامع العامي من المسلمين الا هذا المعنى: أن الله يسمع على الحقيقة ويرى على الحقيقة! فأما الذي تلوث عقله بالفلسفة فهذا يرميه شيطانه ليسأل نفسه "كيف يكون الله سميعا والمخلوقات سميعة أيضا؟" فاذا به يقول "يكون سميعا كما قال ولكن بلا سمع قطعا لأن السمع حاسة والحاسة مخلوقة و.... " الخ! فيبني على ظنه الفاسد بأن اتصاف الله بالسمع يلزم منه أن يكون سمعه كمثل سمع المخلوقين! فحينئذ نقول أنه لو رجع الى قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) لاستراح ولزال عنه كل ذلك! ولعلم أن كونه ((ليس كمثله شيء)) لا يتعارض مع كونه في ذات الوقت ((وهو السميع البصير))، فليس لنا أن نتكلف أو نتوهم ما لا يحتمله المعنى الواضح للنص!
ومن هنا يكون احكام هذا النص المبارك في ذات ألفاظه الواضحة هو الحجة التي بها يزال عنه ذلك الوهم!
ولذا فقولكم يا شيخنا أن الخلاف واقع عند المبتدعة في صفتي السمع والبصر وغيرهما، هذا لا أراه يغير شيئا من حقيقة كون هذا النص نصا لا يحتمل في فهمه اللغوي الا وجها واحدا وهو مراد الله الواضح منه! فهو من جهة كونه نصا، لا يحتاج في ذاته لحسن فهم ألفاظه عند أصحاب اللسان العربي الى قرائن أخرى خارجة عنه!
أما فهم المبتدعة وعبثهم بمدلولات الألفاط فقضية أخرى لا تغير من احكام النصوص المحكمة شيئا، ولا تغير من الفهم الصحيح للكلام على ظاهر اللغة شيئا.
فبعض أهل التنصير مثلا لو جئتهم بمثل قوله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً )) [النساء : 171] لوجدتهم يقولون "ها هو القرءان يقول عن المسيح أنه كلمة الله"! ونحن ما ننكر هذا! ولكن ما معنى الكلمة في اللغة؟ لفظ يتلفظ به قائله! أما الكلمة عندهم فهي الله نفسه لأن المدعو "يوحنا" نسب اليه أنه قال لهم في مطلع كتابه "في البدء كانت الكلمة، وكانت الكلمة مع الله، وكانت الكلمة هي الله"! اذا فالقرءان بزعمهم يقول أن المسيح هو الله!! فهؤلاء يرد كذبهم بارجاعهم الى نص يكون بالنسبة لفهمهم أشد احكاما، كقوله تعالى: (( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) الآية [المائدة : 17] وقوله : ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)) [آل عمران : 59] فهو عليه السلام كلمة تكوين ألقاها الله الى مريم! ولأنه لم يكن من بني آدم من ألقي الى أمه ككلمة تكوين وليس كنطفة من رجل الا هو، فكان وصفه بكلمة الله تمييزا له في هذا الجانب على غيره من الخلق! وانتهى الأمر.
فهل يقال أن فهمهم الضال الفاسد هذا هو وجه من الوجوه التي تحتملها الآية من جهة اللغة؟؟ أبدا. فهذا المعنى ما تبارد في ذهن مسلم موحد من المخاطبين بالقرءان أبدا، بل ولا لغير المسلمين والنصارى ممن يفهمون لسان العرب ويفهمون معنى لفظة "كلمته"! وانما انقدح ذلك الفساد في ذهن من فسد تصوره لمعنى كون المسيح "كلمة الله"، فهذا هو الذي بحسب بدعته التي نشأ عليها، يكون اخراجنا للنص المحكم الذي يصوب به فهمه لنقابله به!
فمحل الشاهد من هذا هو أن قوله تعالى ((وكلمة منه)) لا يحتمل عند مسلم عاقل أبدا أن يكون المراد بالكلمة هو الله نفسه!!! اللفظ لا يحتمل هذا! فكذلك في تحميل المتكلمة الضالة قوله تعالى: ((وهو السميع البصير)) قولهم : "بلا سمع ولا بصر"! فهذا غير محتمل أبدا ولا متصور لغة أن تدل تلك الكلمات عليه أو توهم به السامع!
والله أعلم وأحكم.
رد: هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟
قدمنا أن أهل كل فن هم أقدر الناس على فهم كلام أهل هذا الفن، ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم أن الآفة إنما ترد في العلوم من دخول غير أهلها فيها، ومن تفكر في هذا الأمر وعمل به زال عنه كثير من الإشكال في طلب العلم.
وأحيانا يخطئ محاورك في فهم كلامك بسبب أنه لا يعلم هذا الفن الذي أنت تتكلم فيه.
ثم هو بعد ذلك يحسب أنه قد فهم الكلام على وجهه، وأن الكلام لا يحتمل وجها إلا هذا الفهم الذي فهمه هو.
وبناء على ما سبق يحكم عليك بأن كلامك غير صحيح.
قال الجاحظ: (( اللهم إننا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن )).