بسم الله الرحمن الرحيم
وصية موجزة
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله عظني وأوجز، فقال: إذا كنت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس رواه أحمد .
هذا الحديث رواه أحمد وغير أحمد وابن ماجه وغيرهما، والحديث سنده ضعيف مثل الحديث المتقدم بالأمس لا عقلك التدبير ولكن معناه تشهد له الأدلة وهو متضمن لثلاث وصايا.
" جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز " الموعظة هي: الأمر والنهي، - يعني - الأمر بما ينفع والنهي عما يضر والترغيب كذلك فيما ينفع والوعيد والتحذير مما يضر، ترغيب وترهيب، أمر ونهي وترغيب وترهيب ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ - يعني - يحذركم أن تعودوا لمثله " عظني وأوجز " - يعني - عظني موعظة مختصرة، الإيجاز هو الاختصار في الكلام، كأنه عكس ذلك الرجل الذي قال أوصني فتقال قوله لا تغضب هذا يريد وصية موجزة.
جاء في الحديث قال : إذا قمت إلى الصلاة فصل صلاة مودع هذه واحدة، الوصية الثانية : ولا تتكلم بكلام تعتذر منه غدا الوصية الثالثة : وأجمع اليأس مما في أيدي الناس .
إذا قمت إلى الصلاة فصل صلاة مودع - يعني - مودع لهذه الدنيا، خلاص، - يعني - صل كصلاة من يعرف أنه لا يصلي بعدها - انتهى - هذا آخر صلاة له في هذه الدنيا إذا قمت إلى الصلاة فصل صلاة مودع وما ظنكم بمن يعتقد أنه لن يصلي بعد هذه الصلاة، لا بد أن يقبل على صلاته ويؤديها على أكمل الوجوه يؤديها بحضور قلب وإقبال وبكل ما يشرع فيها من الأركان والواجبات والسنن يؤديها كاملة، إذا قوله صلاة مودع يساوي إذا قمت إلى الصلاة فأقبل على صلاتك وأديها كما أمر الله، أديها كما صلى رسول الله صلوا كما رأيتموني أصلي .
ففي هذه الوصية بهذه الصلاة وأنه ينبغي للمسلم أن يجتهد في أن يقبل على صلاته، يجتهد في أداء ما يشرع فيها من أركان من واجبات من سنن، هذا من الناحية الظاهرة هذا العمل الظاهر وهو سهل أسهل من غيره ولكن بشأن القلب، هذا القلب على الإنسان أنه يبتعد عن الشواغل وعن ما يشوش عليه، والشرائع التي جاءت كلها - يعني - تؤيد هذا المعنى لا صلاة بحضرة الطعام - يعني - أرشد النبي إلى أنه إذا حضرت صلاة المغرب وقدم العشاء قال فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب، قدر صادف أنه قدم طعامك وأقيمت الصلاة هناك شك يشتهيه سيكون فكرك متعلقا بطعامك ويمكن طعامك الآن بعد ما قدم أنه يصير عليه فوات يبرد يتغير، سبحان الله.
شرع هذا رعاية للحضور في الصلاة ولا وهو يدافعه الأخبثان الإنسان إذا كان حاقنا أو حاقبا يصلي وهو يضطرب وهو يدافع هذا يطلب الخروج وهو يمنعه ؛ إذا فلا يقبل على صلاته لا صلاة في حضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان وهكذا أيضا إذا كان الإنسان عنده أمر يشغل باله فعليه أن يستعد للصلاة: فإذا كان يخشى على ماله - يعني - نص العلماء على أنه إذا كان يخشى على ماله أنه يعذر بترك الجماعة وأسباب ذلك كثيرة كله دعاية - يعني - من أجل أداء الصلاة على الوجه المشروع ؛ لأنه ليس المقصود من الصلاة مجرد الحركات الظاهرة وعلى أي كيفية تم ذلك، لا، الله أكبر، بل يحتاج الإنسان أن يخشع وفي نفس هذا الوقت - يعني - الوصية بالصلاة على هذا الوجه يقتضي الأمر بالأسباب المعينة مثل ما قلنا في الوصية بترك الغضب، الأسباب المعينة على ذلك ودفع الأسباب المعارضة، أليس العلماء - يعني - نبهوا ؛ بل الرسول - عليه الصلاة والسلام- لما لبس خميصة فيها خطوط ألوان، لما صلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: خذوها وائتوني بأنبِجانِيَّةِ أبي جهم، فإن هذه ألهتني عن صلاتي ما الذي حصل؟
الرسول نظر بس إلى الأعلام إلى الخطوط بس، ولهذا نص العلماء على أنه يجب إبعاد - يعني - كل ما يشوش على المصلين في مساجدهم من الزخارف والكتابات والألوان والأشياء والأضواء التي تجعلهم ينبهرون وتنطلق أبصارهم هنا وهنا كله من أجل تحقيق الإقبال على الصلاة، فالأمر بأداء الصلاة على هذا الوجه يقتضي الأخذ بالأسباب المعينة وتجنب الأسباب المعارضة التي تمنع من إقامة الصلاة على الوجه الأكمل.
الأمر الثاني أو الوصية الثانية: ولا تتكلم بكلام تعتذر منه غدا طيب الإنسان إذا ذكر ربه يعتذر منه ؟ لا، هذا يفرح به، إذا تكلم بأي كلام خير لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ من تكلم بهذا الكلام من هذا النوع وغيره هل يعتذر ؟ ما يعتذر، لكن إذا تكلم بحرام بمكروه بل لعله بفضول فإنه لا بد أن يعتذر أو قد يعاقب وقد لا يعاقب يمكن ، لا تكلم بكلام تعتذر منه غدا لعل المراد بـ"غدا" - يعني - يوم القيامة، الإنسان يوم القيامة يسأل عن أقواله لأن الأقوال محفوظة، الله أكبر ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ كلامنا محفوظ علينا فلا تتكلم بكلام تعتذر منه، هذا يشمل الحرام والمكروه بل والفضول، أما الكلام المشروع هذا ما فيه شيء هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ - يعني - المسلم يكون في ذلك اليوم من يؤت كتابه بيمينه يكون مسرورا ويقول هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ الله أكبر، يدخل في هذا أنواع الكلام الحرام، والكلام الحرام كثير كثير كثير، الغيبة والنميمة، أعوذ بالله، الغيبة والنميمة وشهادة الزور والكذب والسخرية بالناس، فضلا عن الأمور العظام.
والخصلة الثالثة: وأجمع اليأس مما في أيدي الناس هذا يشبه حديث سالم بن سعد وهو من أحاديث الأربعين قال رجل يا رسول الله: أخبرني بعمل إذا فعلته أحبني الله وأحبني الناس قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس هنا يقول: وأجمع اليأس اليأس هو: قطع الطمع، وضد الرجاء اليأس ضد الرجاء، لا يتعلق قلبك بما عند الناس فليتعلق قلبك فيما عند الله لا ترجو إلا الله ولا تدعو إلا الله ولا تسأل إلا الله إذا سألت فاسأل الله أجمع اليأس أجمع - يعني - اعزم، أجمع رأيه يعني: عزم على رأيه، مثل الصيام لمن لم يجمع النية من الليل، إجماع، أجمع الأمر اجمع اليأس - يعني - اعزم عزما صادقا على اليأس مما في أيدي الناس، استغن عن الناس بالله، استغن بالله عن خلقه، فالحاجة إلى الناس مذلة، والنظر في ما عند الناس ذلة، حكمة يذكرها شيخ الإسلام بين حين وآخر يقول: " أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره " خلاص ما تشعر بهذا الفضل عليك أنت وهو سواء ما له فضل، " واحتج لمن شئت تكن أسيره " استغن " أحسن لمن شئت تكن أميره " يقول الشاعر شو يقول: أحسـن إلى الناس تستعبـد قلوبهـم
هذه ثلاث وصايا الأولى تتعلق بحق الله الذي هو أعظمه الصلاة بعد التوحيد، وهي من نوع الفعل وتتضمن الوصية بها فعل ترك، والثانية فيها نهي " لا تتكلم " الأولى أمر، والوصية الثانية نهي والوصية الثالثة تتعلق - يعني - بحقوق الله وحقوق العباد، والثالثة فيها الوصية بالاستغناء عما في أيدي الناس وأجمع اليأس عما في أيدي الناس لا تنظر إلى ما في أيدي الناس، أنزل حوائجك بربك لا تسأل إذا سألت فاسأل الله لا تسأل، حتى أوصى الرسول جماعة من أصحابه بوصايا ومنها أن لا يسألوا الناس شيئا فكان أحدهم إذا سقط سوطه من على راحلته ما يقول ناولني السوط الله يعافيك، لا، ينزل من راحلته ليأخذ السوط ولا يسأل أحدا، ما عندهم كلمة من فضلك مهما أنت لا تطلب من أحد لا تقل من فضلك، ما دمت تقدر، هذه الضرورات لها حكم آخر، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
شرح الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك
جامع شيخ الاسلام ابن تيمية