[align=justify]
[ 2 ]
الوقفة الثالثة: الاعتصام بالسنّة نجاة :-
إن المخرج عن الاختلاف، وتضارب الآراء، الاعتصام بالسنّة. وإن الواجب تعظيمها وتقديمها على قولك كلّ أحد، فالرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، والرجال إنما تعظم بما حملته من نور الحق. فاتباع الدليل الصحيح الاستدلال ، وربط الناس به هو الأصل، وما يستشهد به من قول أئمة الدين إنما هو للاعتضاد لا للاعتماد، فأهل الحق إنما اعتمادهم على الدليل بخلاف أهل الأهواء فإنهم يعتمدون على الآراء و ما وافق أهواؤهم من الأدلة، فاتباع الدليل الصحيح والتربية على الاعتصام به أمان من الزيغ و الضلال كما قال تعالى : {
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }[ آل عمران: 103 ].قال ابن مسعود رضي الله عنه : "
ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإن كنتم مقتدين فبالميت، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة"ا.هـ (
5) وقال الزهري رحمه الله: "
كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنّة نجاة "ا.هـ (
6)
الوقفة الرابعة: من علامات أهل البدع :-
من أعظم علامات أهل البدع الطعن في أهل السنّة وعلمائهم. قال الإمام الصابوني رحمه الله : "
وعلامات أهل البدع بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدّة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، واستخفافهم بهم"ا.هـ(
7) و قال أبو حاتم الرازي رحمه الله : "
علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر "ا.هـ (
8) وقال أحمد بن سنان القطان رحمه الله : "
ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه"ا.هـ (
9) فمن وجدتموه يستخف بعلماء السنّة فاعلموا أنه من أهل الأهواء .
ثم تأملوا ! ما يفعله بعض كتاب الصحف وغيرهم من الاستخفاف بالسنّة، وأهلها وعلمائهم. وحادثة شيخنا الشيخ صالح اللحيدان وقبله قريبا الشيخ صالح الفوزان وغيرهم أقرب مثال ففي ذلك عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
الوقفة الخامسة: سبب ارتفاع صوت الباطل، وجرأة أهله :-
إن المتأمل في هذا الزمان ليجد أن أهل البطل قد تمكنوا من بعض مصادر التوجيه العام، وتحزبوا على باطلهم، وأقصوا أهل الحق عن هذه المصادر، إلا قليلاً.
وما ارتفعت لهم راية، واستطالوا إلا لما ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه العام الذي جاءت به الشريعة، فالمعروف كل ما أمرت به الشريعة أو أقرته، وأعظمه التوحيد والسنّة، والمنكر كل ما أنكرته الشريعة وأبطلته وأعظمه الشرك والبدع.
فلما ميّع هذا المبدأ، ثم ضعفت السلطة، انتشرت الأفكار المنحرفة الحائدة عن طريق السلف الصالح، وتجرأ أهل الباطل .
قال الله تعالى : {
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم الفلحون }[ آل عمران:104 ] وهذا الوصية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت بعد الوصيّة بالاعتصام بحبل الله تعالى، إشارة إلى أن أعظم دعامة من دعامات قيام المجتمع المتآلف هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ترك هذه الفريضة أو ضعفها سبب من أسباب تقويض قوّة هذه الجماعة، وسبب للفرقة، وأعظم الفرقة افتراق الأديان، وفشوا الآراء المنحرفة الحائدة عن السبيل والسنّة.
ولا مخرج من هذا البلاء إلا بالتوبة إلا الله ، إذ ما حلّ بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة ، والتوبة هي العودة إلى حقيقة ما كان عليه السلف الصالح من الاعتصام بالسنّة والتمسّك بها والأمر بها والتحذير من الأهواء والبدع.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : "
لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب "ا.هـ (
10)
وقال الإمام أحمد رحمه الله : "
أهل البدع لا ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم، ولا يأنس بهم"ا.هـ (
11)
وقال ابن المبارك رحمه الله : "
إياك أن تجلس مع صاحب بدعة "ا.هـ (
12)
و قال الصابوني رحمه الله : "
ويبغضون- أي أهل السنّة - أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم " ا.هـ (
13)
قال رحمه الله : "
واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، و إخزائهم، وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. وأنا بفضل الله عز وجل ومنّه متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا – أي يبتعدوا - عن منارهم – أي طريقة السلف - ، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين، و المناكير من المسائل التي ظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرّن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع و وفور عددهم، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب اليوم الحق، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل والعلم هو السنة ، والجهل هو البدعة " ا.هـ (
14)[/align]