فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا تخفى على ذي حسٍّ صادق، وقلبٍ سليم، ومتأمِّل ومتابع للأحداث الجارية في بلاد الإسلام - الهجمةُ الشرسة على الإسلام وثوابتِه، ومُحاولةُ تَحريف وتقويض قواعدِه الكبرى، كما لا يخفى أيضًا ما استخدمه الأعداءُ في ذلك من أُناسٍ، هم من جِلْدَتنا، ويتكلَّمون بألسِنَتِنا، بل يُنْسَبون أحيانًا لأهْلِ السُّنَّة، والسُّنَّةُ منهم براء.
وهؤلاءِ قد جعلوا من أُصول دينِهم، وقواعدهم المُحْكمة التمسُّكَ بسقطات العلماء وأخطائِهم، فالنَّاسُ عندهم لا يُوزَنون إلا بأخطائِهم، ولا يُحكَم عليهم إلا من خِلال زلاتِهم وهفواتِهم، وأنَّ كُلَّ زلَّة وخطأٍ وهفوة تَهْدِمُ كلَّ إحسانٍ وبِرٍّ، واجتِهاد بل شهادةٍ في سبيل الله.
فأهلُ السُّنَّة العاملون الصادعون بالحقِّ: علماؤهم المجاهدون بالسيف والكلمة، ودُعاتُهم، وعوامُّهم هم المُنْكَرُ الأكبر - في رأيهم السقيم - الواجبُ إزالتُه من على وجه البسيطة، وكلَّما زاد عِلْمُ العالم، وجِهادُ المُجاهد، وجهْرُ الدَّاعية بالحقِّ، كلما زادَ إنكارُهم عليه، وتضليلُهم إيَّاه، وهتْكُ عِرْضِه بألسِنَتِهم الحداد وأقلامِهم المسمومة، وتسليمهم لأعداء الأمة وأعداء الإنسانية!!
ولو أنَّ الأمْرَ قدِ انتهى عند هذا الحدِّ لهان الخطْبُ، ولكنَّهم مع كلِّ هذا الضلال نسبوا باطلَهم وزيغَهم، وتُرَّهاتِهم وخُزَعْبِلاتِهم إلى مُعتقد أهْلِ السُّنَّة والجماعة.
ومن المعلوم من دينِ الإسلام بالضرورة، ومن البَدَهيَّات العقليَّة: أنَّ الرَّدَّ على المُخالف لا يكون إلا بعلْمٍ وعدْل، وليس بظُلْمٍ وجهل وجَوْر، وأنَّ الكلام يُحْمَل ويُفَسَّر على وجهٍ حسنٍ صحيحٍ ما أمكن، وأنَّ ما أُجْمِل في موضعٍ يُحْمل على المُفَصَّل المُحْكم من كلامِه في موضعٍ آخَر، وأنَّ مذهبَ الرَّجُل إنما يؤخَذ من آخِر كُتُبِه، كما يَجِبُ عدمُ تَحميل كلام المخالف ما لا يَحتمِلُه؛ بالدُّخول في النَّوايا، أو افتِراض الظَّنِّ السيِّئ.
وما قوَّى نَشَاطِي لهذا الموضوع: أَنِّي رَأَيْتُ كثيرا من المبتدئين في العلم الشرعي قد غرَّهم مذهبُ القِيل والقال، وثقافةُ الغِيبة والنَّميمة والبُهتان، يَقْرَؤُونُ ولا يَفْهَمُون، ومَذْهَبُهُم مَذْهَبُ العَوَامِّ، مع قلَّةِ العِلْمِ، وعَدَمِ الفَهْم، فضلاً عن ما هم عليه من العَصَبِيَّةِ المقيتة، والتي يسمُّونها سُنَّةً، حتى أن كثيرين ممن لم ينتسبوا لهذا المذهب الفاسد تأثروا به تأثرًا بالغا؛ ويظهر هذا جليا من تطاول هؤلاء الفُسْل على الأكابر من أهل العلم، الأحياء منهم والأموات؛ فوجب بيانُ الصَّوَاب لكلِّ مَن رزقه الله فَهْمًا في الدين والدنيا.
هذا؛ وإن كان الكَلامُ مَعَ هؤلاء مشافهةً صَعْبًا؛ لِقِلَّةِ فَهْمِهِم، وضحالة فِقْهِهِم، وهروبهم دائما من المناقشة؛ بدعوى أنها – أي المناظرة - من بدع العصر الحديث!!
بيد أَنِّه لابدَّ من مرَاعَاة طَالِبِي الحَقِّ مِنَ المسلمين، فنبين لهم الحق وندحض الباطل، وإن كنَّا لَم نبَالِ بِالسَّفْسَافِ الغَوْغَاءِ، الذين جِنَايَتُهُم على الشريعةِ، ومُخالفتِهم لمذاهبِ الفقهاءِ أجْمعين، ومنابذتهم لمعتقد أهل السنة وتفريق المسلمين - أكثَرُ من أن تُحصى.
وإن كان الغرض الأسمى والمطلب الأقوى – فيما أُرى – لهذا المقال هو مراعاة حال من ليس من أهل العلم؛ فيظن جهلاً أن ما يفعله ألئك الأغرار - هو فعلاً - مذهب أهل السنة في معاملة المخالفين، فضلاً عن معاملة علمائهم.
وليُعلم أن من أعظم قواعدِ الملَّة الحَنِيفِيَّة في الحُكم على الأشخاص، والَّتي دلَّ عليْها الكِتاب والسُّنَّة والإجْماع - قاعدةَ الموازنة، وتتلخَّص في أنَّ الحكم على الأشخاص يكونُ بالأغلب من أقوالِهم وأفعالهم، ما دام العالم أو الدَّاعية على مذهب أهل السُّنَّة في الجملة، وناصرًا لمعتقدهم على الإجمال، ثم بعد ذلك قال بقَوْلِ أهل البِدَعِ في مسألة - أو مسائلَ - لا يَعني ذلك أنَّه قد صار مبتدِعًا خارجًا عن أهل السُّنَّة، وهذا ما لم يَقُلْه أحد من أهل العلم ألبتة، ولَو قُلْنَا بغيْر ذلك، ومَاشَيْنا أهْلَ الضَّلال - وحاشانا - لَم يَسْلم لنا عالِمٌ واحد ولا إمام! كما قيل:
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّ وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
وقد وردت آيات كثيرة في القُرآن الكريم يصعُب حصْرُها تؤصل قاعدة العدْلِ والمُوازنة بالقِسط، منها قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9]، وقال سبحانه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].
بل إنَّ الله - تعالى - قد أنصف اليهود فذكر ما عند بعضِهم من أمانةٍ، فقال سبحانه: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75].
قال الإمام أبو جعفر الطبري: "هذا خبر من الله - عزَّ وجلَّ - أنَّ من أهل الكتاب - وهُم اليهودُ من بني إسرائيل - أهلَ أمانةٍ، يؤدُّونَها ولا يَخونونها، ومنهم الخائنُ أمانتَه، الفاجرُ في يَمينِه المستحِلُّ".
وكذلك قد وردتْ في صحيح السُّنَّة أحاديثُ كثيرةٌ، تدلُّ على تأصيل النبي - صلى الله عليه وسلَّم - وإرسائه لتلك القاعدة الذهبيَّة، وأنه ربَّى أصحابَه عليها، ودفع عنهم ما كان يَشوبُها أحيانًا، مع تَوجيهِهم إلى الحقِّ والعدْل والإنصاف، ومن الأمثلة المشهورة ما رواه البُخاريُّ عن عمر بن الخطاب: أنَّ رجلاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان اسمه عبدَالله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضْحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قد جَلَدَهُ في الشراب، فأُتِيَ به يومًا، فَأَمَر به فجُلِدَ، فقال رجلٌ من القوم: اللهم الْعَنْه، ما أكثرَ ما يُؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا تلعنوه! فوالله، ما علِمْتُ إلا أنَّه يُحِبُّ الله ورسوله)).
فانظر - رحِمك الله - كيف دافع نَبِيُّ الرَّحمة عن مُدْمِن للخَمر؛ لأنَّه وازن بين إدمانِه وما استقرَّ في قلبه من محبَّة للَّه ولرسوله، التي هي أصلُ الإيمان، فغلَّب القويَّ على الضعيفِ، ومثلُه ما ورد في حديث البطاقة!
وروى الشَّيخان عن عليٍّ - رضي الله عنه – في قصَّة حاطبِ بنِ أبي بلتعة - رضي الله عنه – وفيها: أنَّه أرسل كتابًا إلى ناسٍ من المشركين من أهل مكَّة، يُخْبِرُهُمْ ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا حاطبُ، ما هذا؟!))، قال: يا رسولَ الله، لا تَعْجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قريش، ولم أكن من أَنْفُسِهِا، وكان مَنْ معكَ من المهاجرين لهم قَرَابَاتٌ بمكَّةَ، يَحْمُونَ بها أهليهم وأموالَهم، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النَّسَبِ فيهم أن أَتَّخِذَ عندهم يدًا، يَحْمُونَ بها قَرَابَتِي، وما فعلتُ كفرًا، ولا ارتِدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد صَدَقَكُمْ))، قال عمر: يا رسولَ الله، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا المنافق، قال: ((إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لعلَّ اللهَ أن يكون قد اطَّلَعَ على أهل بدر، فقال: اعمَلوا ما شئتُم، فقد غفرتُ لكم)).
ولا يَخفى أنَّ ما فعله حاطبٌ مُوالاةٌ للكُفار، والتي حُكْمُها، إما كفرٌ مُخْرِجٌ مِن المِلَّةِ، وإمَّا معصيةٌ من كبائر الذنوب، ومع كلِّ هذا لم يَرفَع عنه وصفَ الإيمان، بل أنكر عليه فِعْلَتَهُ وقَبِلَ عذره، وأثبت تأثيرَ حسناتِه الكبار في تَكفير ذنبِه وإن كان كبيرًا، بل ودافع عنه بردِّ النفاق وإثبات نقيضه وهو الإيمان.
قال العلاَّمة ابن القيِّم في "زاد المعاد": "ومن فوائد هذه القِصَّة: أنَّ الكبيرةَ العظيمة - مِمَّا دون الشِّرك - قد تُكَفَّرُ بالحسنة الكبيرة الماحية، كما وقع الجَسُّ من حاطبٍ مُكَفَّرًا بشهوده بدرًا، فإنَّ ما اشتملتْ عليه هذه الحسنة العظيمة من المصلحة، وتَضَمَّنتْه من محبَّة الله لَها، ورِضاه وفرحِه بها، ومُباهاته لِلملائِكة بفاعِلها - أعظمُ مما اشتملت عليه سيئةُ الجَسِّ من المفسدة، وتَضَمُّنِه من بُغْضِ الله لها، فَغَلَبَ الأقوى على الأضعف، فأزاله وأبطل مُقْتضاه؛ وهذه حكمةُ الله في الصحة والمرض، الناشئَيْنِ من الحسنات والسيئات، المُوجِبَيْنِ لصحة القلب ومرضه؛ قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31].
فتأمَّلْ قوَّةَ إيمان حاطب، التي حملَتْه على شهود بدر، وبَذْلِه نَفْسَه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيثارِه اللهَ ورسولَه - صلى الله عليه وسلم - على قومِه وعشيرتِه وقرابتِه، وهم بين ظَهْرَانَيِ العَدُوِّ وفي بلدهم، ولم يَثْنِ ذلك عِنان عزمه، ولا فَلَّ من حَدِّ إيمانه، ومُواجهته للقتال لِمَنْ أهلُه وعشيرتُه وأقاربُه عندهم، فلما جاء مرَضُ الجَسِّ بَرَزَتْ إليه هذه القوَّة، فاندفع المرض، وقام المريض، كأنْ لم يكن به قَلْبُه، ولما رأى الطبيبُ قُوَّةَ إيمانه قد اسْتَعْلَتْ على مرض جَسِّهِ وَقَهَرَتْهُ، قال لمن أراد فَصْدَهُ: لا يحتاج هذا العارضُ إلى فِصَادٍ، ((وما يُدريك لعلَّ الله أن يكونَ قدِ اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))".اهـ. مُختصرًا.
وروى البخاري ومسلم، عن عِتْبانَ بن مالك: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أتاه في بيتِه ليُصَلِّي له في مكان يتَّخِذُه مُصلًّى... إلى أن قال: فقال رجلٌ منهم: ما فعل مالك، لا أراه؟! فقال رجل منهم: ذاك منافقٌ لا يُحبُّ الله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقُلْ ذاك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله؟!)) فقال: الله ورسوله أعلم، أمَّا نَحن، فوالله، لا نرى ودَّه ولا حديثَه إلا إلى المنافقين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار مَن قال: لا إله إلا الله يَبتغى بذلك وجه الله)).
فانظُرْ - رعاك الله - كيف تثبَّت النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في شأْنِ مالكٍ، وأنكر على مَن نَسَبه للنِّفاق، وحَمل الأمرَ فيه على الوَجْهِ الجميل، ودافع عنه ببيان أنَّ مالكًا لَم يكتَفِ في الإيمان بِمجرَّد النُّطْقِ من غيْرِ اعتِقادٍ، بل أثبت له صِدْقَ إيمانِه، وبيَّن بيانًا عامًّا: أنَّ العمل الذي يُبْتَغى به وجهُ الله - تعالى - يُنْجِي صاحبه، إن شاء الله تعالى.
أمَّا أقوال أئمَّة السُّنَّة الأعلام، فأكثَرُ من أن تُحصَر، وأعظم من أن تُذكر؛ إلا أن نذكر منها النَزْرَ اليسير، فَمَنْ راجعَ كُتُبَ العقائد والتَّراجِم والسِّيَر، وتأمَّل كُتُبَ شَيْخَيِ الإسلام أبي العبَّاس، ابن تيمية، وأبي عبدالله، ابن القيم، وكُتُب الحافظ الذَّهَبِيِّ، وغيرهم من أهل العلم الكِبار، وَجَدَ الحُجَّة تِلْوَ الحُجَّة في تَأْصِيلِهم لِهذا المنهج الرَّشيد القَويم، الَّذي شَهِدَ له المنقولُ والمعقولُ بأنه قاعدةٌ مُضطرِدةٌ في الشرع والعقل.
قال الإمام مالك بن أنس: "كلٌّ يُؤْخذ من قولِه ويُترَك؛ إلا رسولَ الله"، وقال الإمام أحمدُ بن حنبل: "لم يَعْبُر الجِسْر إلى خُراسانَ مثلُ إسحاق، وإن كان يُخالفنا في أشياء، فإنَّ النَّاس لم يَزَلْ يُخالف بعضُهم بعضًا"، "سير أعلام النبلاء".
وقد حكى شيخ الإسلام، أبو العبَّاس ابن تيمية اتِّفاقَ أهلِ السُّنَّة على قاعدة الموازنة الذهبية تلك، فقال - قَدَّسَ اللهُ رُوحَه، ونَوَّرَ ضَرِيحَه - في "مجموع الفتاوى" (28/209): "وإذا اجتَمع في الرَّجُل الواحد خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنَّةٌ وبدعةٌ - استحقَّ من الموالاة والثَّواب بقَدْرِ ما فيه من الخَيْرِ، واستحقَّ من المُعاداة والعِقاب بِحَسب ما فيهِ من الشَّرِّ، فَيجْتَمِعُ في الشَّخص الواحد مُوجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا؛ كاللِّصِّ الفقير: تُقْطَع يدُه؛ لسَرِقَته، ويُعْطى من بيت المال ما يَكفيهِ لحاجتِه، هذا هو الأصل الذي اتَّفق عليه أهل السُّنَّة والجماعة، وخالفَهُم الخوارجُ والمعتزِلة ومَن وافقهم عليْه؛ فلم يَجعلوا النَّاسَ إلاَّ مُستحِقًّا للثَّواب فقط، وإلاَّ مُستحقًّا للعِقاب فقط".
وقال في موضعٍ آخَر (35/ 94): "ومَن كان فيه ما يُوالَى عليه من حسناتٍ، وما يُعادَى عليْه من سيِّئاتٍ، عُومل بِموجِب ذلك، كفُسَّاق أهل الملَّة؛ إذْ هُم مستحقُّون للثَّواب والعقاب، والمُوالاة والمعاداة، والحبِّ والبغض، بِحسب ما فيهم من البِرِّ والفجور فإنَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
وقال أيضًا (3/283): "والأصل أنَّ دماءَ المسلمين وأموالَهم وأعراضَهم مُحرَّمةٌ من بعضِهم على بعض، لا تَحلُّ إلا بإذن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا خطبَهُم في حجَّة الوداع -: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعْرَاضَكُم عليْكم حرامٌ، كَحُرمة يومِكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))، وقال: ((كلُّ المسلم على المسلِمِ حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعرضُه))، وقال: ((مَن صلَّى صلاتَنا، واستقْبَل قِبْلَتنا، وأكَل ذبيحَتَنا، فهُو المُسْلِم، له ذمَّة الله ورسولِه))، ولهذا؛ كان السلف مع الاقتِتال يُوالِي بعضُهم بعضًا مُوالاةَ الدين، لا يُعادون كمُعاداة الكفَّار؛ فيقْبَل بعضُهم شهادةَ بعض، ويأخُذ بعضُهم العلمَ عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بِمعاملة المسلمين، بعضهم مع بعض، مع ما كان بينَهم من القتال والتَّلاعُن وغير ذلك".
وقال كذلك عن أبي مُحمَّد بن حزم - على الرَّغْم من أنَّه قال بقول الجَهْمِيَّة في باب الأسماء والصفات - (مجموع الفتاوى 4/20): "وإن كان أبو مُحمَّد بن حزم في مسائل الإيمان والقدَر أقومَ من غيْرِه، وأعلَمَ بالحديث، وأكثرَ تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكنْ قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة، في مسائل الصِّفات ما صرفه عن مُوافقة أهل الحديث في معاني مذهبِهم في ذلك، فوافق هؤلاءِ في اللفظ وهؤلاء في المعنى... وإن كان له من الإيمان والدِّين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يَدْفَعُه إلا مُكابر، ويُوجَد في كُتُبِه من كثرة الاطِّلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانبِ الرِّسالة ما لا يَجتمِعُ مثلُه لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديثٌ يكون جانِبُه فيها ظاهِرَ التَّرجيحِ، وله من التَّمييزِ بين الصحيح والضَّعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكادُ يقَع مثلُه لغيره من الفقهاء".
واعتذر أيضًا عن القاضي أبي يعلى، وهو من متكلِّمة الحنابلة - وقد قال بقول الجهْمِيَّة في مسألة شاتِم الرَّسول - في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (1/513)، فقال: "وهذه زلَّة منكَرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضيَ أبا يعلى، قد ذكر في غيْرِ موضعٍ من كُتُبِه ما يُناقض ما قاله هنا؛ وإنَّما وقع من وقع في هذه المهْواة ما تلقَّوْهُ من كلام طائفةٍ من متأخِّري المتكلمين".
ومَنْ طالع كتاب "مدارج السالكين"، للإمام أبي عبدالله بن القيم رأى أنَّه ينقل عن الهروي صاحبِ المنازل أشياءَ كثيرةً مُنْكَرة، ومُخالفة لعقيدة السلف، وأحيانًا تكون من الطَّامَّات الكبرى، ثُمَّ يتأوَّل عنه، ويُحاول حَمْلَ كلامِه مَحملاً حسنًا؛ لأنَّه كان من أهل السنَّة في الجملة، وغرضه نصرة الحق.
فقال مرَّة - بعد أن ذكر كلامًا مُتهافتًا للهروي – في (3/394): "شيخ الإسلام حبيبُنا، ولكن الحقَّ أحبُّ إليْنا منه، وكان شيْخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: عملُه خيْرٌ من عِلْمِه، وصدق - رحِمه الله - فسيرتُه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البِدَع لا يُشَقُّ له فيها غبار، وله المقاماتُ المشهورة في نُصرة الله ورسولِه، وأبَى الله أن يكسُوَ ثوبَ العِصمة لغَيْرِ الصَّادق المصدوق، الذي لا يَنطِق عن الهَوى، وقد أخطأ في هذا الباب لفظًا ومعنًى".
ومَنْ تأمَّل كتاب "سير أعلام النبلاء"، للإمام الذَّهبي، يَجِد قاعدةَ الموازنة بعَدْلٍ وتجرُّد وإنصاف، واضحةً جليَّة مع مَن هم مِن أهل السنة في الجملة، فقال في تَرجَمة أبي حامد الغزالي (19/327): "ما زال العُلماء يَختلفون، ويتكلَّم العالِمُ في العالِم باجتِهاده، وكلٌّ منهم معذورٌ مأجور، ومَن عانَد أو خَرَق الإجْماع فهو مأزور، وإلى الله تُرْجَع الأمور... إمامٌ كبير، وما مِن شرطِ العالم أنَّه لا يخطئ".
وقال في ترجمة أبي مُحمَّد بن حزم (18/186): "ولقد وَقَفْتُ له على تأليف يَحضُّ فيه على الاعتِناء بالمنطق، ويقدِّمُه على العلوم، فتألَّمتُ له؛ فإنَّه رأس في علوم الإسلام، متبحِّر في النقل عديم النظير... إلى أن قال: فلا نَغْلو فيه ولا نَجفو عنه، وقد أثْنَى عليه قبلنا الكبار".
وقال في ترجمة الإمام الكبير محمد بن نصر المروزي (14/40): "ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتِهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له، قُمْنا عليه وبدَّعناه، وهجرْناه، لما سَلِمَ معنا ابْنُ نصر، ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو هادي الخَلْقِ إلى الحقِّ، هو أرحم الراحمين، فنعوذُ بالله من الهوى والفظاظة".
وقال معتذرًا عن إمام الأئمَّة ابن خُزيْمة، في تأويلِه لحديث الصورة (14/376): "فليُعْذر من تأوَّل بعض الصفات ... ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتِهاده، مع صحَّة إيمانه وتوخِّيه لاتِّباع الحقِّ، أهدرناه وبدَّعناه - لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا".
وقال في ترجمة قتادة (5/271): "وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا فما توقَّف أحدٌ في صِدْقِه وعدالته وحفظه، ولعلَّ اللهَ ُيعذُر أمثالَه، مِمَّن تلبَّس ببدعةٍ، يُريد بِها تعظيمَ الباري وتنزيهه، وبذَل وُسْعَه، والله حكَمٌ عدْلٌ لطيف بعباده، ولا يُسأل عمَّا يفعل، ثم إنَّ الكبير من أئمَّة العلم إذا كثُر صوابُه، وعُلِمَ تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع عِلْمُه، وظهر ذكاؤُه، وعُرِفَ صلاحُه وورعُه واتِّباعه، يُغْفَر له زلَلُه، ولا نُضلِّله ونطرحه وننسى محاسنه، نَعَمْ، ولا نقتدي به في بِدْعَته وخطئه، ونرجو له التَّوبة من ذلك".
وقال الحافظ في "الفتح"، (5/335): "الحُكْم على الشَّيْءِ بِما عُرِفَ من عادته، وإن جاز أن يطرأ عليه غيرُه، فإذا وقع من شخصٍ هفوةٌ، لا يُعْهَد منه مثلُها، لا يُنسب إليها، ويُردُّ على من نسبه إليها، ومعذرة من نسبه إليها مِمَّن لا يعرف صورة حاله".
هذا؛ وقد أفرد علامة عصْرِه، وأُعْجُوبةُ دهره الشَّيخ بكر بن عبدالله أبو زيد تصانيفَ قيِّمة، مشى فيها على طريقة الأقدمين في الانتِصار لعُلماء الأمَّة المُفْتَرى عليهم، ومن تلك الكتب: "الردود"، و"براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمَّة"، و"تصنيف الناس بين الشَّكِّ واليقين"، و"الرسالة الذهبيَّة"، وكان لسان حالِه، وهو يُجاهِد بقلمه، شاهرًا إيَّاه في وجْهِ الحروريَّة الجُدُد، والمرجئة الجُلُد، والمُتَنَطِّعة العبط:
فَدُونَكَ إِذْ تَرْمِى الظِّبَاءَ سَوَانِحًا تَلَقَّ مَرَامِيْهَا فَمَنْ يَرْمِ يَتَّقِي
وهاك بعضَ الآداب العامَّة للتعامُل مع المخالف:
- التثبت من قول المخالِف - مهما عظُمَتْ مُخالفتُه – وإعذارُه، وتنزيهُه من فساد النية وإرادةِ غير الحقِّ؛ ما دام ظاهره هو الدينَ والعدل.
- إحسانُ الظَّنِّ بالعلماء والدُّعاة والمصلحين وعامَّة المسلمين، وعدم الاعتِقاد أنَّهم تعمَّدوا تركَ الحقِّ إلا إن قام دليل صحيح يدل على ذلك، ولنترك سرائِرهم لله - سبحانه وتعالى.
- ترك التشنيع والتَّفسيق والتبديع في الأمور الاجتهادية، وفي كل ما يُعْذَر فيه بالجهل أو التأويل، وخاصَّة العُلماءَ المشهود لهم بالخير والاجتِهاد، إذا خالف بعض الأمور القطعيَّة اجتهادًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وليس في ذِكْرِ كون المسألة قطعيَّة طعنٌ على مَن خالَفَها من المجتهدين؛ كسائِر المسائل التي اخْتَلَف فيها السلف، وقد تيقنَّا صحَّة أحدِ القولَيْن"، "الآداب الشرعية: 186/1".
ولا فرْقَ في ذلك بين مسائِلِ الاعتِقاد ومسائل الفِقْه؛ قال شيخ الإسلام: "فمَنْ كان من المؤمنين مُجتهدًا في طلب الحقِّ وأخطأ، فإنَّ الله يَغْفِر له خطأه كائنًا ما كان، سواءٌ كان في المسائل النظريَّة أو العمليَّة، هذا الذي عليه أصحابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وجَماهير أئمَّة الإسلام".اهـ. "مجموع الفتاوى23/346".
وقال "مجموع الفتاوى 20/33-36": "والخطأ المغفورُ في الاجتهاد هو في نوعَيِ المسائل الخبريَّة والعمليَّة، كما قد بسط في غير موضعٍ، كمَنِ اعتقد ثبوتَ شيء لدلالة آيةٍ أو حديثٍ، وكان لذلك ما يعارضُه ويُبيِّن المراد ولم يَعْرِفه، مثلُ منِ اعتقَد أنَّ الذَّبيحَ إسحاقُ؛ لحديثٍ اعتقَدَ ثبوتَه، أوِ اعتقد أنَّ الله لا يُرى؛ لقولِه تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، ولقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الشورى: 51]، نُقِلَ عن بعض التابعين أنَّ الله لا يُرى، وفسَّروا قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] بأنَّها تنتظِرُ ثوابَ ربِّها، كما نُقِلَ عن مُجاهدٍ وأبي صالح - أوِ اعتقد أنَّ الله لا يَعْجَبُ، كما اعتقد ذلك شريْحٌ؛ لاعتِقاده أنَّ العجب إنَّما يكون من جهل السبب، والله منزَّه عن الجهل.
وكما أنكر طائفةٌ من السَّلف والخلف أنَّ الله يُريد المعاصيَ؛ لاعتِقادهم أنَّ معناه أنَّ الله يُحِبُّ ذلك ويرضاه ويأمُر به، وكالذي قال لأهله: ((إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم ذرُّوني في اليمِّ؛ فوالله، لئن قدر الله عليَّ ليُعذِّبنِّي عذابًا لا يعذِّبه أحدًا من العالمين))، وكثيرٌ من النَّاس لا يعلم ذلك؛ إمَّا لأنَّه لم تبلغْهُ الأحاديثُ، وإمَّا لأنَّه ظنَّ أنَّه كذب وغلط".اهـ مختصرًا.
وقال في "مجموع الفتاوى 19/122": "وتنازعوا - أي الصحابة - في مسائلَ علميَّة اعتقاديَّة - كسماع الميِّت صوتَ الحيِّ، وتعذيب الميِّت ببُكاء أهله، ورؤية مُحمَّد ربَّه قبل الموت - مع بقاء الجماعة والأُلْفة، وهذه المسائل منها ما أحدُ القولين خطأٌ قطعًا، ومنها ما المُصيب في نفْسِ الأمر واحدٌ عند الجُمهور أتباع السلف، والآخَرُ مؤدٍّ لِما وجب عليه بِحسب قوَّة إدراكه .... ... ومذهبُ أهل السنة والجماعة: أنَّه لا إثْمَ على من ِاجتهَد وإنْ أخطأ".
ولعلَّه قد ظهر مِمَّا سبق بيانه: أنَّ الأصلَ عند هؤلاء الحرورية هو استحالةُ اجتِماع الثَّواب والعِقاب، والحسنات والسيِّئات، والسُّنَّة والبدعة، والمُوالاة والمعاداة في شخصٍ واحدٍ، فمَن أُثِيبَ لا يُعاقَب، ومَن عُوقب لَم يُثَبْ، كما قالتِ الخوارج قديمًا، والذي فارقوا به أهلَ السُّنَّة حيث زعموا: أنَّ الطاعة جزءٌ من الإيمان، والمعصية جزءٌ من الكفر، ولا يَجتمِعُ كفرٌ وإيمان؛ لأنَّه ليس هناك إلا مؤمنٌ مَحض أو كافرٌ محض – كما زعموا.
ودلائلُ اجتِماع شُعَب الإيمان وبعضِ شُعَب الكُفْر، في شخصٍ واحدٍ من الكتاب والسُّنَّة - كثيرٌة جدا، وقد أجْمَع عليه علماء الأمَّة؛ قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى (27/476)": "فإنَّ العبد قد يكون فيه سببُ هذا وسببُ هذا - الطاعةَ والمعصيةَ - إذا اجتمع فيه مِنْ حُبِّ الأمرَيْنِ؛ إذْ كان من أصول أهل السُّنَّة التي فارقوا بِها الخوارج: أنَّ الشَّخص الواحد تَجتمع فيه حسناتٌ وسيئات، فيُثاب على حسناتِه ويُعاقَب على سيِّئاته، ويُحمَد على حسناتِه ويذمُّ على سيِّئاته، وأنَّه من وجهٍ مرضيٌّ محبوبٌ، ومن وجهٍ بغيضٌ مسخوط؛ فلهذا كان لأهل الأحداث هذا الحكمُ، وأمَّا أهل التأويل المَحْض، الذين يسوغ تأويلهم: فأولئك مُجتهدون مُخطئون، خطؤُهم مغفورٌ لهم، وهم مُثابون على ما أحسنوا فيه، من حُسْنِ قَصْدِهم واجتهادِهم في طلب الحق واتِّباعه، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إذا اجتهد الحاكمُ فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد الحاكمُ فأخطأ فله أجْر)).
هذا؛ وللحديث بقية.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
بارك الله في الشيخ خالد على هذا المقال القيم ، ونفع الله بجهوده وكتاباته ،،،
والشكر موصول لكم - شيخ علي - على هذا النقل الموفق ، بوركتم ،،،
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
لو استحضر الكثير من الكتاب هذه الكلمات لما وجدت المقالات والمواضيع التي تطعن بفلان وتشهر بفلان ، والتي تفرق المسلمين فوق فرقتهم.
فجزى الله كاتب الموضوع وناقله كل خير ، وادخلهم الجنة برحمته.
اللهم آمين
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
الفاضلان
فريد المرادي
أبو يمامة
وفيكما بارك الله ، وجزاكما الله خيرًا.
شرفني مروركما.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
لله درك وعليه أجرك
آمين ..
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
الأخ إمام الأندلس
والأخ ابن رجب .
شكرًا لكما بارك الله فيكما .
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
موضوع طيب
ليت إخواننا المغرمين بعيب العلماء وطلاب العلم ، وغمزهم في أشخاصهم ، وانتقاد كتبهم وتحقيقاتهم ، من أهل هذا المنتدى وغيره ، يتأملوا هذا البيان .
وإني لأتعجب من أمثال هؤلاء المتلذذين بجرح العلماء وطلاب العلم ، ما ظنهم بربهم ؟؟!! ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ..
ما قولهم لربهم ، وقد جرحوا وعابوا الناس لشهواتهم ، لا لله ، ولو كان لله لرضوا أن يقف الناس من أخطائهم موقفهم هم من الناس ، لكنهم يجرحون الناس ويسخرون منهم ، بينا لو بينت لهم أخطاؤهم بشيء من الشدة ، لحذفوا مشاركاتهم ، كما صنعوا معي .
وإني لن أذكر الآن هذا الذي انتقدته ، حتى لا أقع في ضد ما أوصيه به ، لكني أدعو الله لي وله بالهداية ، وأذكره بالتوبة والإنصاف ، وآمره باللين مع المسلمين عامة ، ومع طلاب العلم خاصة .
بوركتم
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
الأخ الفاضل / أبو منصور .
وأنت جزاك الله خيرًا على المرور .
الأخت الفاضلة / بنت الخير
جزاك الله خيرًا ورزقنا الله وإياك العلم النافع وسعة الصدر والحكمة.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
فقه الخلاف والموازناتْ، بين المغالاة والمجافاتْ (2)
الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
أبدأ مقالتي هذه بتعقيب مختصَرٍ على الأختِ - أو الأخِ - نورِ الهدى، وَفَّقَها الله تعالى - أو وفَّقه - فأقول:
إنّ مناقشةَ ما حَواه ردُّكم مِن مغالَطات يُخْرِج هذه الخاصيةَ - أي: الردود على المقالات - عمّا وُضعت له، وسِيقَتْ مِن أَجْله:
فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاتَّقَيْتُهُ وَلَكِنَّه سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ!!
وَأَشَدُّ السِّهام طيشًا قولُكَِ - رعاكَِ الله -: "ألم يَلْتَمِسِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - العُذْرَ لمن ظهر منه الكفرُ والخيانةُ العظمى؟!"، فهل رأيتَِ أن أحدًا من أهل العلم المُعْتَبَرِين: نَصَّ على أن حاطبًا قد كَفَرَ بفِعْلَتِه هذه؟!
ولكن قام ما يمنع من إطلاق حكم الكفر عليه؛ وهو بَدْرِيَّتُه، وشُهُودُه تلك المَلْحَمَةَ الكبرى التي أَرْست دعائم الإسلام ومعالمه؛ وَمِنْ المقرَّر عند العلماء، بل ويعرفه حتى العَوَامُّ والدَّهْمَاء: أن إطلاق حكم التكفير لا يُجَوِّزه الشارع؛ حتى تُسْتَوفَى الشروط وتَنْتَفِيَ الموانع.
ثم إن عظمة مقام الصحابة تربأ بالمؤمن أن يُعَبِّر عن أحدهم بأنه: خان "الخيانة العظمى"، أو وقع في الجريرة الكبرى.
ومناقشة ما قُلْتَِه بالتفصيل آتٍ - بمشيئة الله تعالى - في حلقات قادمة، ومواقف متقادمة، فنرجو المتابعة إن رُمتُم معرفةَ الحق، وآثرتُم اتِّباع الصدق، فسَنُضَمِّنُه التِّرْيَاق، وعند الله الموعدُ والتَّلاق، وقد أحويناه ما يَجْلو عنكَِ عَشَا الخُفَّاش، ويَطْرد عنكَِ الاختلاط والاهْتِواش، بل إنه سيَمْحُو - بمعونة الله تعالى - كلَّ أثرٍ لوسوسة الوَسْواس، وخَنْس الخنّاس، سواءٌ أكان من الجِنَّة أم من الناس؛ اللهم إلا أن يكون الباعثُ غيرَ ما ظَنَنَّا من البواعث، فإن كان فلن يُوقِفَنا - بفضل الله - نَفْثُ نافث، ولا عَبَث عابث، ولله دَرُّ القائل:
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ
ولله دَرُّ الآخَر:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَاللَّعِبِ
هذا؛ إذا ثبت أنّ النِيَّة مدخولة، والطَّوِيَّة مرذولة، ونرجو ألا يكون الأمر كذاك، على أن الله أعلم بما هناك.
بَيْدَ أني أقول، وبالله تعالى نَصُولُ ونَجُول: إنّ قولكَِ، كان الله لكَِ، وهداكَِ رشدكَِ، قولكَِ: "أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ"، مُجْمَل يحتاج إلى تفصيل، ومتشابِه يحتاج إلى بيان، ومُطْلق يَفْتقر إلى تقييد، وعام يَعوزُه التخصيص، وبالسَّبْر والتقسيم تَنْتج لنا هذه الاحتمالات، والله بالمقصود عليم.
أمّا إن كنتَِ تَقْصِدينني - أو تَقْصدني - فالأمرُ - لَعَمْرُ الله - هَيّنٌ لَيّن، فنُعْمَى وكرامةَ عَيْن.
وأمّا إن كنتِ تقصدين - أو كنتَ تقصد - أَسَدَ الساعة، وغَضَنْفر الجماعة، الكِبْرِيتَ الأحمر، وعلاّمةَ هذا العصر الأَغْبر، شيخَ الشيوخ، والإمام الفَرُّوخ، العالِمَ العلاّمة، والمِنْطِيقَ التِّكِلاّمة، رافِعِيَّ البيان، شاهر السنان، قويَّ الجَنان، شاكريَّ الوَشيجة، تَيْميّ العقيدة، رحمه الله، وبَلَّل ثَراه، وجعل الجَنَّة مأوانا ومأواه، أَعْني: بكرَ بنَ عبدِ الله، المُكَنَّى بأبي زيد، الممدوحَ بلا قَيْد، على أن الكمالَ عزيزٌ، وخيرُ الكلام الكلامُ الوَجِيز، وقد كان الشيخُ - وَايْمُنُ اللهِ - أبوه، لا بُرَّ مَن يَشْنَوه، بل فُضَّ فُوهُ، وكِيدَ مناصِروه، ونُصِر مُعادوه، نقول: إن كان هذا مقصودَكَِ!!! فالله حسيبُكَِ، وهو نِعْمَ النصير، وإليه المرجع والمصير؛ إذ كيف - يا لَلهِ!!! - يخطر ببال عاقل أو عُوَيْقِل: أن يَذْهب هذا المذهب، ويَنْقلب هذا المُنْقَلَب، ويُصَاب بِحَوْرٍ بَعْدَ كَوْرٍ، ويَرْجع طَوْرًا بعد طور؟! أما علمتَِ أنّ الشيخ ما زال كالطَّوْدِ الشامخ، والعَلَم الباذخ، في وجوه أُولَيَّائِكم المُبْتَدِعة، الكالِحةِ وجوهُهم، المنتكِسةِ قلوبُهم، الفاسدةِ عقولُهم، المُتَهَوِّكة أفكارُهم، العاطِلةِ أوقاتُهم، الخائبةِ آمالُهم، الحروريِّة منهاجُهم، إلى ما لا يحصيه الحاص، مما ليس لهم عنه مناص ولا خلاص؛ بل كلُّ ذلك لهم لازم، رَغْمَ رَغْمِ الراغم، بالمنطوق والمفهوم، والمطابقة والتَّضَمُن واللزوم، وما زال كذلك حتى تَوَفَّاه الله أجلَه المحتوم، ففَرِح بذلك هَاتِيكَ الخصوم، وقد رد عليهم بتلك الردود العصماء، التي تَقْطَع ضَرْع البدع وتُغَوِّرُ ما بقي لهم من ماء؛ وهو ما أَوْرَثَ الشيخَ العَدَاوةَ العَادِيَة، ورَمَاه عند أهل البدع بالدَّوَاهِي الداهية، ممن انتصر لمذهبٍ مُحْدَثٍ مُلوَّث، أو نِحْلَةِ قديمٍ مُخَنَّث، مِن مبتدِعة العَصْر، وحَمْقَى ذلك المِصْر، ونعني من المعاصرين مَن نعني، والله أعلم بالمَعْنِي، وإنما يُخْبَر ذلك، كلُّ مختبئ هنالك، ونَعْني من المتقدمين خاصة، الأشاعرة المتأخرين ومَنْ لَصَّ تلك اللاصَّة، وأخشى أن تكون حَمْلَتُكَِ على الشيخ الذابّ، وانتصارُك للشيخ الذاهب أبي غدة من هذا الباب، فهذا بَكْرُ النِّياق، وذَاكَ مُقَلِّد العِتَاق، على أن للشيخ الثاني غدة، وليس الأمر كما قالت العرب: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَعِير؟! والأمر - والربِّ الجبَّار - خطير، فإن كان كذلك، ولا عُذْرَ في ذلك، فإنا ننصحكَِ بمراجعة مقالنا المنشور، في المجلس العلمي المعمور: "أباطيل وأسمار".
فإن لم يَكْفِكَِ مقالة ذلك المجلس، فتلك وسوسة مُوَسْوِس، شُفِيتَِ وعُوفيت، ومما تَكْره - أو تَكْرهين - لا لَقِيت، ثم أسألكَِ – هداكَِ الله - عن الحروب التي خاضها الشيخُ أبو غدة، اعْدُدِيها – أو اعددها – لنا عدة، ولن أُدْخِل في الحساب، حُرُوبَه المُعْلَنَة على ذوي الألباب، أعني: خوضَه الحروب الضَّرُوس، بوجه عَبُوس، ومحاربتَه لعقيدة أهل السنة والجماعة، الذين هم الناس، والمُعَدُّون ليَوْم الْبَاس، ولا أعني: نصرَه المُؤَزَّر، ودفاعَه المُحَبَّر، عن ذاك الكوثري، ذَيَّاك الغبي، الذي ركب رأسه وهواه، وأَضَلَّ مِن بَعْدِه مَنِ اتَّبَعه وحاباه.
أم أنك تَقصدين - أو تقصد - فراره من زحف النُّصَيْرِيِّي ن البَعْثِيِّين من بلاد الشام، ثم اللجوء لأهل جزيرة العرب العظام، مُتَدَثِّرًا بعقيدة أهل السنة، وحاله كما قال الشاعر:
إِذَا جَالَسَ الْفِتْيانَ أَلْفَيْتَهُ فتًى وَجَالَسَ كَهْلَ النَّاسِ أَلْفَيْتَه كَهْلاَ
وقول الآخر:
يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاقَيْتَ ذَا يَمَنٍ وَإِنْ لَقِيتَ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي
ولكن - بِرَبِّكَِ - أخبريني - أو أخبرني -: هل تَعْرِفِينَ - أو تعرف - حَقًّا نَصَرَهُ الشيخُ أبو غدة – رحمه الله تعالى- أو بَاطِلاً قَمَعَهُ، أو طَاغُوتًا كَسَرَه، أو عَدُوًّا قاتَلَه، أو مَرَضًا من أمراض الأمة عَالَجَه، أم أنكَِ لم تُرَاجعي - أو تراجع - كُتُبَه المنشورة – وإن كانت لا تخلو من فوائد،غيرَ أنها - كما يَعْرِفُ من له خِبْرَةٌ بالعلم الشرعي الشريف - مَحْضُ تجميع لكلام السابقين.
وأخيرًا: أرجو منكَِ أن تُتْحِفِينا – أو تتحفنا - بالمواضع التي خرج فيها الشيخُ بكر عن الجادة وأدب الحوار، في مناقشته للشيخ أبي غدة أو لغيره؛ لأني لم أجد في كتبه إلا الحُجَّةَ تَعْقبها الحُجَّة، بأسلوب عَذْبٍ رَصِين، وبقلمٍ رَافِعِيٍّ حَصِين، وقد عَلِم الموافِقُ والمخالف عنه أدب الحوار وعِفَّة اللسان، وراجعي – أو راجع - إن شئتَِ "الرسالة الذهبية".
هذا؛ وتحريرُ مَحَلِّ النزاع، فيمن نَعْنِيهم بالدفاع - كما ذكرتُ في أكثرَ من موضع من المقال السابق -: هم قومٌ من أهل السنة والجماعة في الجُمْلة، قالوا بقول أهل البدعة في مسألة جزئية مُعَيَّنة، أو مسائلَ جزئية محصورة، كمَن وقع عمليًا - تطبيقا لا تأصيلا - في تحريف بعض الصِّفَات؛ جَهْلاً، أو تأويلاً، أو لعَدَم معرفته بطرائق أهل السنّة في الاستدلال، أو لجَهْله بالسنّة أصلاً، أو قال كلاما ظاهرُه الضلالُ في موضع من كتبه، ورجع عنه في آخِرِ كُتُبِه، أو أَجْمَل أو أَطْلَق أو عَمَّم في موضع، وبَيَّن وقَيَّد وخَصَّص في موضع آخر... وغيرُ ذلك كثير ممن هو على المنهج الحق، وانتسب إلى السنّة في الجُمْلة، ونَصَرَها، فيُعْتَذر عنه، ولا تُنْسى حسناته، بل تُطْوَى سَيِّئَاتُه، في خِضَمِّ حَسَناتِه.
أما مَنْ خالف في أصل من الأصول، أو في جزئيات كثيرة، بحيث تكون كالأصل الْكُلِّيِّ – فقد فارقَ سبيلَ أهل السنّة، إلى طرق أهل البدعة؛ قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - في "الاعتصام": "وذلك أن هذه الفِرَقَ إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كُلِّيٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات؛ إذ الجزء والفرع الشاذ لا يَنْشَأُ عنه مخالَفة يَقَعُ بسببها التفرُّق شِيعا؛ وإنما ينشأ التفرُّق عند وقوع المخالفة في الأمور الكُلِّيَّة... ثم قال: ومَجْرى القاعدةِ الكلية كَثْرَةُ الجزئيات؛ فإن المبتدع إذا أَكْثَر من إنشاء الفروع المخترَعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارَضة".اهـ.
ومن تَأَمَّل حال كل مبتدِع منحرِف، وَجَدَه خالَف أهل السنة والجماعة، في معنى أو عدة معانٍ كلية: مثل الخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والرافضة، ومتأخري المتصوفة القبورية، والأشاعرة.
فمن كان على منهج يخالِف منهج أهل السنة أصلاً، فضلاً عن أن يُعْرف بعدائه الشديد لهم، أو الكَيْد بهم، والحَطِّ عليهم، فلا يَدْخل فيما قَعَّدْناه وأَصَّلْناه؛ بل يُعَامَلُ معاملةَ المبتدِع، وإن كان من الواجب أن تكون معاملتُه بعَدْلٍ وإنصاف، مع تَرْك التَّعَصُّبِ والاعْتِسَاف.
فمن عرف ما ذكرْنا، وفَهِم ما أخبرنا، وفَقِه ما عليه دَلَّلْنا، لم يَغِبْ عن وَعْيِه، بل ولم يَعْزُبْ عن عَقْلِه، سِرُّ حَمْل العلاّمة: بَكْرِ بن عبدالله أبو زيد على الشيخ عبد الفتاح أبوغدة الحلبي، المعروفِ بشدَّة عدائه لأهل السنَّة، بَلْهَ أهلَ الحديث، وأنه كثيرُ الوقيعة في أهل التوحيد، مع وَصْمِهم بالوَهَّابِيَّة ؛ تنقيصًا لهم، وتَصْرِيحه بتضليلهم، وهذا أشهر من أن يُذْكَر، وذلك مع قُبُورِيَّته وَأَشْعَرِيَّتِ ه، وتعصبه المقيت لحنفيَّته، وقوله بالاستعانة والاستغاثة بالموتى، فضلاً عن نُصْرَتِه لأقوال الضالِّ المُضِلِّ زاهدِ الكوثري، الذي جمع من الشرور أَشَرَّها، ومن الوقيعة أحَطَّها، ولم يُرَاعِ شيخًا أو إمامًا لأهل السنة والجماعة.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - تقريظًا لرسالة: "براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة" : "فقدِ اطَّلَعْتُ على الرسالة التي كتبتُم بعنوان: "براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة"، وفضحتُم فيها المُجْرم الآثمَ محمد زاهد الكوثري، بنقل ما كتبه من السَبِّ والشَّتْمِ والقَذْفِ لأهل العلم والإيمان، واستطالَتِه في أعراضهم، وانتقادِه لكُتُبِهم... إلى آخر ما فَاهَ به ذلك الأفَّاكُ الأثيم، عليه من الله ما يَسْتَحِقُّ، كما أوضحتُم - أثابكم الله - تَعَلُّقَ تلميذه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة به، وولاءَه له، وتَبَجُّحَه باستطالة شيخه المذكور في أعراض أهل العلم والتُّقَى، ومشاركتَه له في الهَمْزِ واللَّمْزِ، وقد سَبَقَ أن نصحْناه بالتَّبَرُّؤ منه، وإعلانِ عدم موافقته له على ما صَدَرَ منه، وألححْنا عليه في ذلك، ولكنه أَصَرَّ على موالاته له، هداه الله للرجوع إلى الحق، وكفى الله المسلمين شرَّه وأمثالِه، وإنا لَنَشْكرُكم على ما كتبتُم في هذا الموضوع، ونسأل الله أن يَجْزِيَكم عن ذلك خيرَ الجزاء، وأفضل المثوبة".
وأقول لكل مَن رَاجَتْ عليه أقوالُ أُولَيَّائِكم المبتدِعة: إنّ هؤلاء تَعِبُوا وما أَغْنَوْا، ونَصِبُوا وما أَجْدَوْا، وحامُوا وما وَرَدُوا، وغَنَّوْا وما أَطْرَبُوا، ونَسَجُوا فَهَلْهَلُوا، ومَشَّطُوا فَفَلْفَلُوا؛ ظنُّوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يُسْتطاع، ظنُّوا أنهم يُمْكنهم أن يَدُسُّوا البِدَعَ والخرافاتِ في الشريعة، وأن يَضُمُّوا إليها أقوالَ أهل الضلال، وهيهاتَ هيهاتَ!! ولاتَ حِينَ مَنْدَمِ!! فهذا مَرامٌ دونه حَدَد، وقد تَوَفَّر على هذا قبلَ هؤلاء قومٌ كانوا أَحَدَّ أنياباً، وأحضرَ أسباباً، وأعظمَ أقداراً، وأرفعَ أخطاراً، وأوسعَ قُوًى، وأوثق عُرًى، فلم يَتِمَّ لهم ما أرادوه، ولا بلغوا منه ما أمَلوه، وحصلوا على لُوثاتٍ قبيحة، ولطخاتٍ فاضحة، وألقابٍ مُوحِشة، وعواقبَ مخزِية، وأوزارٍ مثقِلة.
فالشريعة مأخوذةٌ عن الله - عز وجل - من طريق الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات على ما يوجِبه العقلُ تارةً، ويُجَوِّزه تارةً، لمصالحَ عامةٍ مُتْقَنة، ومراشدَ تامةٍ مُبَيَّنَة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولابد من التسليم للداعي إليه، والمُنَبِّه عليه؛ فهناك يَسْقُط "لم"، ويَبْطل "كيف"، ويزول "هلاّ"، ويذهب "لو" و"ليت" في الريح؛ لأن هذه المواد عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودةٌ، وارتياب المرتابين فيها ضارّ، وسكون الساكنين إليها نافع، وجملتها مشتملةٌ على الخير، وتفصيلها موصولٌ بها على حسن التقبُّل، وهي متداوَلة بين مُتَعَلِّق بظاهرٍ مكشوف، ومحتجٍّ بتأويلٍ معروفٍ، وناصرٍ باللغة الشائعة، وحامٍ بالجَدَل المُبِين، وذابٍّ بالعمل الصالح، وضاربٍ للمثل السائر، وراجعٍ إلى البرهان الواضح، ومتفقِّهٍ في الحلال والحرام، ومستندٍ إلى الأَثَر والخَبَر المشهورَيْنِ بين أهل المِلَّة، وراجعٍ إلى اتِّفاق الأمّة، وأساسُها على الوَرَع والتقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزُّلْفى.
هذا؛ وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وللحديث بقية.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بارك الله فيك أخي ( علي أحمد عبد الباقي ) على هذا الاختيار الموفق والتقل الجيد ، واستميحك العذر في طرح هذه المشاركة والتي هي بعنوان (القواعد العلمية في النقد عند شيخ الإسلام ابن تيمية) لـ (عبدالله بن محمد الحيالي) أسأل الله أن ينفع بها ، وهي على الرابط التالي :
http://file9.9q9q.net/Download/16252...--------------.
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
وهذه أخي الكريم (علي أحمد عبدالباقي ) مشاركة عسى الله أن ينفع به :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد :
فإن ما نراه من مخالفات صريحة لنصوص كتاب الله وسنة رسوله ممن يدعون السلفية لشئ عجاب ولا سيما في جانب حرمة المؤمن ..... فبالنظر لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عند تعريفه للمسلم بقوله (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) فهل على وجه الأرض من يستطيع إخراج مسلم من دائرة الإسلام ليُسْتَحَلَّ عرضه بالغيبة والبهت والتنقص والتحطيم ... بل هل هناك من يجرؤ على إخراج مؤمن من دائرة الإيمان وينقض قول الله تعالى (( إنما المؤمنون إخوة )) ..... وماذا عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ((عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطوف بالكعبة ويقولُ: " ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيراً" ))
أنظروا إلى السلف الحقيقيين ومواقفهم التي لا زالت كالشمس في رابعة النهار :
قال يحي ابن معين:
أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، وأعلمته فيما بيني وبينه، ولقد طلب إلي خلف بن سالم، فقال:
قل لي: أي شيء هي؟ .
فما قلت له.
وما رأيت على أحد خطأ الا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه. ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه.
طبقات الحنابلة 1/405.
من قصص السلف العجيبة في هذا المعنى المطروح ما ذكره الذهبي في السير 8/440
قال :" محمد بن الحسن بن علي بن بحر حدثنا الفلاس قال رأيت يحيى يوما حدث بحديث فقال له عفان ليس هو هكذا فلما كان من الغد أتيت يحيى فقال هو كما قال عفان ولقد سألت الله أن لا يكون عندي على خلاف ما قال عفان"، قال الذهبي معلقاً :" قلت هكذا كان العلماء فانظر يا مسكين كيف أنت عنهم بمعزل".
ونحن لو وقع نقاش بيننا لرأيت الواحد منا يبذل جهده ويتبع المتشابهات والتأويلات والتخريجات لنصرة رأيه لئلا يقال: خسر المسألة ..بل تراه يسعى جاهداً ليفسد قلوب الناس ويشككهم في الطرف الآخر ....و الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل والمتمادي في الباطل لم يزدد من الصواب إلا بعدا ......
(قال يونس الصدفي ما رأيت اعقل من الشافعي ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ) "سِير أعلام النبلاء"(10/16(
ولو جعل كل منا مقالة عمر وسهل بن حنيف رضي الله عنهما :
( اتهموا الرأي في الدين ) نصب عينيه
لزال كثير من العنت في مسائل كثيرة طال فيها النقاش .
فما أفسد قلوبنا عند النقاش إلا إعتقاد كل منا أن قوله هو الصواب الذي لا يقبل الخطأ .وكلام غيره خطأ لا يقبل الصواب .
أعاذنا الله وإياكم من الفتن ،ووالإعجاب بالرأي .
ورحم الله أبا حنيفة حين سأله تلامذته ، حين شاهدوا منه اقناعاً لخصومه بشكل عجيب وغريب ؛ فقال لهم :
نحن نناقش ونخشى على الخصم أن يزل ، وأنتم تناقشون ليزلَّ الخصم !!
وشتَّان بين النيَّتين .
وفي السير للذهبي :
ولو أنَّا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له, قمنا عليه وبدَّعناه, وهجرناه, لما سَلِمَ معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما, والله الهادي إلى الحق, وهو أرحم الراحمين, فنعوذ بالله مِن الهوى والفظاظة " السير 14/40
وهذه مقولة يبنبغي أن تكون ديدن من خشي أن يلقى الله بأعراض الأمة فوق ظهره (( التمس لإخيك عذرا إلى سبعين عذرا " قبل أن تصدر التهم وتحكم على الأخرين دونما دليل بل قدم الأعذار لهم ولا تحكم عليهم بالظاهر فقد يخفي الباطن عذرا قويا يجعله في حالة أنت لا ترضاها .
ومن هذا قول الشيخ صالح الفوزان عندما سئل عن رجال الجرح والتعديل في عصرنا هذا ومن هو أعلم الرجال بالرجال فقال ما معناه ( أهل الجرح والتعديل في القبور ماتوا ولم يبق منهم أحد وإنما بين أيدينا كتبهم .....
إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا...".
<<وإن العتب كل العتب ليس على الذين نصبوا أنفسهم موازين يوزن بهم الرجال بل وعطلوا عقول الناس وأفهامهم وأن الخير والصواب ما يرونه ومن لم يمشي في ركابهم فيحب ما أحبوه ويبغض ما أبغضوه فهو ضال مضل مبتدع خارجي وليس عند أحدهم من العلم الذي يقيم به جوارحه من الوقع في أعراض الأمة فكيف بالحكم على الناس .... وإنما العتب على من ارتضى أن يكون جثة هامدة بين يدي أغرار احداث يلعبون بفكره كيفما شاؤوا ولا يرقبون فيه إلا ولا ذمة ... ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
وفي كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي أقوال اهل العلم السلف منهم والخلف الإجماع على حرمة المؤمن وأن لا يُظن به إلا خيراً ولكن هناك من يُعارضون كل عالم من السلف والخلف ويُقدمون أراءهم وأهواءهم على ما قاله من تبرأ به الذمة في دينه وعلمه من علماء الأمة ...
فلنفطن لمثل هؤلاء وإن أُبتلينا بأمثالهم فلنعرض كلامهم على أهل العلم المعتبرين إما بإتصال هاتفي أو مقابلة العالم وعرض ما سمعنا منهم من أقوال عليهم للتتجلى لنا ما انطوت عليه أهواءهم ... >>
مقتطفات من كتاب الشيخ بكر عبدالله أبوزيد حفظه الله ( تصنيف الناس )
"وإذا علمت فشوّ ظاهرة التصنيف الغلابة، وأن إطفاءها واجب، فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقا منها: إنك ترى الجراح القصاب كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم (ذبيحا) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق فإن ذلك من شعب الإيمان!! وترى دأبه التربص والترصد: عين للترقب وأذن للتجسس، كل هذا للتحريش وإشعال نار الفتن بالصالحين وغيرهم. وترى هذا "الرمز البغيض" مهموما بمحاصرة الدعاة بسلسلة طويل ذرعها، رديء متنها، تجر أثقالا من الألقاب المنفرة والتهم الفاجرة، ليسلكهم في قطار أهل الأهواء، وضلال أهل القبلة، وجعلهم وقود بلبلة وحطب اضطراب!! وبالجملة فهذا (القطيع) هم أسوأ "غزاة الأعراض بالأمراض والعض بالباطل في غوارب العباد، والتفكه بها، فهم مقرنون بأصفاد: الغل، والحسد ، والغيبة، والنميمة، والكذب، والبهت، والإفك، والهمز، واللمز جميعها في نفاذ واحد. إنهم بحق (رمز الإرادة السيئة يرتعون بها بشهوة جامحة، نعوذ بالله من حالهم لا رعوا)" (التصنيف/22-23(
ويقول أيضا فيهم الشيخ بكر أبو زيد رعاه الله وسدده:
"وكم جرت هذه المكيدة من قارعة في الديار بتشويه وجه الحق، والوقوف في سبيله، وضرب للدعوة من حدثاء الأسنان في عظماء الرجال باحتقارهم وازدرائهم، والاستخفاف بهم وبعلومهم، وإطفاء مواهبهم، وإثارة الشحناء والبغضاء بينهم، ثم هضم لحقوق المسلمين في دينهم، وعرضهم، وتحجيم لانتشار الدعوة بينهم بل صناعة توابيت، تقبر فيها أنفاس الدعاة ونفائس دعوتهم...انظر كيف يتهافتون على إطفاء نورها فالله حسبهم" (التصنيف/24(
وقال أيضا - شفاه الله - :
"ولا يلتبس هذا الأصل الإسلامي بما تراه مع بلج الصبح وفي غسق الليل من ظهور ضمير أسود وافد من كل فج استعبد نفوسا بضراوة، أراه - تصنيف الناس - وظاهرة عجيب نفوذها هي (رمز الجراحين)، أو (مرض التشكيك وعدم الثقة) حمله فئام غلاض من الناس يعبدون الله على حرف، فألقوا جلباب الحياء، وشغلوا به أغرارا التبس عليهم الأمر فضلوا، وأضلوا، فلبس الجميع أثواب الجرح والتعديل، وتدثروا بشهوة التجريح، ونسج الأحاديث، والتعلق بخيوط الأوهام، فبهذه الوسائل ركبوا ثبج تصنيف الآخرين للتشهير والتنفير والصد عن سواء السبيل" (التصنيف/29(
وقال :
ويا لله كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي، والمد الطرقي، والعبث الأخلاقي، وإعطاء الفرصة في استباحة أخلاقيات العباد، وتأجيج سبل الفساد والإفساد إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين، وعلى علمائه، وعلى الأمة وعلى ولاة أمرها، وبالجملة فهي فتنة مضلة، والقائم بها (مفتون) و(منشق) عن جماعة المسلمين" (التصنيف/29(
وقال أيضا - حفظه الله -:
"وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسالخ من المنتسبين إلى السنة المتلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية - ظلما لها - فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بألسنتهم الفاجرة المبنية على الحجج الواهية، واشتغلوا بضلالة التصنيف" (التصنيف/28(
وقال متوجا ذلك القول البليغ في هذه المجموعة:
"ولكن بلية لا لعًا لها، وفتنة وقى الله شرها حين سرت في عصرنا ظاهرة الشغب هذه إلى ما شاء الله من المنتسبين إلى السنة ودعوى نصرتها، فاتخذوا (التصنيف بالتجريح) دينا وديدنا فصاروا إلبا إلى أقرانهم من أهل السنة وحربا على رؤوسهم وعظمائهم، يلحقونهم الأوصاف المرذولة، وينبذونهم بالألقاب المستشنعة المهزولة حتى بلغت بهم الحال أن فاهوا بقولتهم عن أخوانهم في الاعتقاد والسنة والأثر (هم أضر من اليهود والنصارى) و(فلان زنديق)... وتعاموا عن كل ما يجتاب ديار المسلمين، ويخترق آفاقهم من الكفر والشرك، والزندقة والإلحاد، وفتح سبل الإفساد والفساد، وما يفد في كل صباح ومساء من مغريات وشهوات، وأدواء وشبهات تنتج تكفير الأمة وتفسيقها، وإخراجها نشأ آخر منسلخا من دينه، وخلقه... وهذا الانشقاق في صف أهل السنة لأول مرة حسبما نعلم يوجد في المنتسبين إليهم من يشاقهم، ويجند نفسه لمثافنتهم، ويتوسد ذراع الهم لإطفاء جذوتهم، والوقوف في طريق دعوتهم، وإطلاق العنان يفري في أعراض الدعاة ويلقي في طريقهم العوائق في عصبية طائشة" (التصنيف/39-40(
الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله عضو هيئة كبار العلماء
ومن كتاب رفقا أهل السنة بأهل السنة لفضيلة الشيخ (عبد المحسن بن حمد العباد البدر )
موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ أنه يعذر فلا يبدع ولا يهجر ليست العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يسلم عالمٌ من خطأ، ومن أخطأ لا يُتابع على خطئه، ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة إلى عيبه والتحذير منه، بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير، ومن كان من هؤلاء العلماء قد مضى فيستفاد من علمه مع الحذر من متابعته على الخطأ، ويدعى له ويترحم عليه، ومن كان حياً سواء كان عالماً أو طالب علم يُنبه على خطئه برفق ولين ومحبة لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب. ومن العلماء الذين مضوا وعندهم خلل في مسائل العقيدة، ولا يستغنى العلماء وطلبة العلم عن علمهم، بل إن مؤلفاتهم من المراجع المهمة للمشتغلين في العلم، الأئمة: البيهقي والنووي وابن حجر العسقلاني. فأما الإمام أحمد بن حسين أبو بكر البيهقي، فقد قال فيه الذهبي في السير [18/163 وما بعدها]: " هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام "، وقال: " وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة "، وقال: " وانقطع بقريته مُقبلاً على الجمع والتأليف، فعمل السنن الكبير في عشر مجلدات، وليس لأحد مثله "، وذكر له كتباً أخرى كثيرة، وكتابه (السنن الكبرى( مطبوع في عشر مجلدات كبار، ونقل عن الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل كلاماً قال فيه: " وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث " ، وقال الذهبي أيضاً: " فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء، سيما سننه الكبرى ". وأما الإمام يحيى بن شرف النووي، فقد قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ [4/259]: " الإمام الحافظ الأوحد القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء ... صاحب التصانيف النافعة "، وقال: " مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها، كان حافظاً للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله، رأساً في معرفة المذهب ". وقال ابن كثير في البداية والنهاية [17/540]: " ثم اعتنى بالتصنيف، فجمع شيئاًَ كثيراً، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله، فمما كمل شرح مسلم والروضة والمنهاج والرياض والأذكار والتبيان وتحرير التنبيه وتصحيحه وتهذيب الأسماء واللغات وطبقات الفقهاء وغير ذلك، ومما لم يتممه – ولو كمل لم يكن له نظير في بابه – شرح المهذب الذي سماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر فيه الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه ... ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه، على أنه محتاجٌ إلى أشياء كثيرة تزاد فيه وتضاف إليه ". ومع هذه السعة في المؤلفات والإجادة فيها لم يكن من المعمرين، فمدة عمره خمس وأربعون سنة، ولد سنة (631هـ)، وتوفي سنة (676هـ). وأما الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فهو الإمام المشهور بتآليفه الكثيرة، وأهمها فتح الباري شرح صحيح البخاري، الذي هو مرجع عظيم للعلماء، ومنها الإصابة وتهذيب التهذيب وتقريبه ولسان الميزان وتعجيل المنفعة وبلوغ المرام وغيرها. ومن المعاصرين الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني، لا أعلم له نظيراً في هذا العصر في العناية بالحديث وسعة الإطلاع فيه، لم يسلم من الوقوع في أمور يعتبرها الكثيرون أخطاء منه، مثل اهتمامه بمسألة الحجاب وتقرير أن ستر وجه المرأة ليس بواجب، بل مستحب، ولو كان ما قاله حقاً فإنه يعتبر من الحق الذي ينبغي إخفاؤه، لما ترتب عليه من اعتماد بعض النساء اللاتي يهوين السفور عليه، وكذا قوله في كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: " إن وضع اليدين على الصدر بعد الركوع بدعة ضلالة " وهي مسألة خلافية، وكذا ما ذكره في السلسلة الضعيفة (2355) من أن عدم أخذ ما زاد على القبضة من اللحية من البدع الإضافية، وكذا تحريمه الذهب المحلق على النساء، ومع إنكاري عليه قوله في هذه المسائل فأنا لا أستغني وأرى أنه لا يستغني غيري عن كتبه والإفادة منها، وما أحسن قول الإمام مالك رحمه الله: " كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ". وهذه نقول عن جماعة من أهل العلم في تقرير وتوضيح اغتفار خطأ العالم في صوابه الكثير: قال سعيد بن المسيب (93هـ): " ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أنه من غلب عليه نقصانه ذهب فضله. وقال غيره: لا يسلم العالم ن الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل ". جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر [2/48]. وقال عبد الله بن المبارك (181هـ): " إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن ". سير أعلام النبلاء للذهبي [8/352 ط. الأولى]. وقال الإمام أحمد (241هـ): " لم يعبر الجسر من خراسان مثل إسحاق (يعني ابن راهويه)، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً ". سير أعلام النبلاء [11/371]. وقال أبو حاتم ابن حبان (354هـ): " كان عبد الملك – يعني ابن أبي سليمان – من خيار أهل الكوفة، وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبتٍ صحت عدالته بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة، لأنهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدثون من حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في الروايات، بل الاحتياط والأولى في مثل هذا قبول ما يروي الثبت من الروايات، وترك ما صح أنه وهم فيها ما يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه، فإن كان كذلك استحق الترك حينئذ ". الثقات [7/97-98]. وقال شيخ الإسلام ابن تيميه (728هـ): " ومما ينبغي أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات، منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومن من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة. ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محموداً فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد باطلاً بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة. ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك. ولهذا وقع في مثل هذا كثيرٌ من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنّة بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهولاء من أهل التفرق والاختلافات ". مجموع الفتاوى [3/348-349]. وقال [19/191-192]: " وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: (( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ))، وفي الصحيح أن الله قال: { قد فعلت } ". وقال الإمام الذهبي (748هـ): " ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه، وورعه واتباعه، يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم ! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ". سير أعلام النبلاء [5/271]. وقال أيضاً: " ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ". السير [14/39-40]. وقال أيضاً: " ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لإتباع الحق – أهدرناه وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معناه، رحمه الله الجميع بمنه وكرمه " . السير [14/376]. وقال أيضاً: " ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الإتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن " . السير [20/46]. وقال ابن القيم (751هـ): " معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسله لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها، لا يوجب اطراح أقوالهم جملة، وتنقصهم الوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عند القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثم ولا نعصم " إلى أن قال: " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين " . إعلام الموقعين [3/295]. وقال ابن رجب الحنبلي [795هـ]: " ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمصنف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه " . القواعد (ص3(
ويهاجم البعض منهج " الموازنات " في الحكم على الناس وعلى الجماعات الإسلامية بحجة أن هذا المنهج ليس من منهج السلف , بل تعدى بعضهم - هداه الله - حتى قال أن من يقول بمنهج الموازنات يريد أن يحمي أهل البدع من النقد , ولا ندري كيف عرف هؤلاء ما في قلوب الناس ! وبعضهم أساء أكثر من ذلك للمنهج السلفي القويم فقال أن منهج الموازنات لم يأتِ به لا اليهود ولا النصارى ولا أي أحد من أهل البدع !! .. واستدلوا لكلامهم بكلام لبعض العلماء لا يفهم منه ما يقوله هؤلاء !
ثم قرر هؤلاء أن منهج السلف هو أن يحكم على الناس بمنهج " الذباب " كما سماه شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال :
" إن بعض الناس لا تراه إلا منقداً داءً, ينسى حسنات الطوائف و الأجناس و يذكر مثالبهم, فهو كالذباب يترك مواضع البرء والسلامة , ويقع على الجرح والأذى, وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج "
والصحيح أن الناقد إن كان يريد أن يبين أخطاء المنتقد ، أو أن يرد على المخالف .. فإنه لا يلزمه أن يذكر حسناته ، ولكن يلزمه ذلك إن كان يحكم على الناس وعلى الجماعات حكما عاما ..
وقد ورد في القرآن مدح لصفة حسنة عند بعض أهل الكتاب : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك , ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما } .. ولا يعني هذا أن الله يمدح اليهود فهم من الكفرة .. ولكن هذا يعني أنهم مع غلبة السوء عليهم وعلى أنهم من أهل النار إلا أن الله أثنى على ما عندهم من خير .
وورد كذلك كلام يفهم منه ذكر الخير والشر في الحكم على الأشياء في قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما }
وقال تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }
أما في السنة فحديث حاطب رضي الله عنه فيه دليل واضح على أن حسنات حاطب غلبت على سيئه العظيمة التي فعلها رضوان الله عليه ..
وكذلك حديث حذيفة الذي أخرجه البخاري .. والذي فيه : ( قلت – أي حذيفة - : وهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم وفيه دخن )
فحكم عليهم بالخيرية على الرغم من وجود " الدخن " !
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
وسنستعرض في هذا الموضوع كلام العلماء الثقات في القديم والحديث حول منهج الموازنات في الحكم على الناس ..
أولا : الإمام سعيد بن المسيب
" ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه ، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله "
البداية والنهاية 9/106
ثانيا : الإمام ابن سيرين
" ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم ، وتكتم خيره "
الجامع لأخلاق الراوي 2/202
ثالثا : الإمام الشافعي
" إذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل ، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح "
الكفاية ص 102
رابعا : الإمام أحمد بن حنبل
يروي عبدالله الحميدي قصة حصلت له مع الإمام أحمد والإمام الشافعي .. حيث ذهب الحميدي وأحمد لمجلس الشافعي ، وبعد انتهاء الدرس سأل الإمام أحمد عبدالله الحميدي عن رأيه بالإمام الشافعي . فقال الحميدي :
" فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه .. فقال لي أحمد بن حنبل : أنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان .. تمر مائة مسألة يخطيء خمسا أو عشرا ، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب ! "
آداب الشافعي ومناقبه للرازي : ص 44
وقال أبو حاتم : " حادثت أحمد بن حنبل فيمن شرب النبيذ من محدثي أهل الكوفة وسميت له عددا منهم . فقال : هذه زلات لهم ، لا نسقط بزلاتهم عدالتهم "
المسودة ص 265
خامسا : الإمام سفيان الثوري
" عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة , ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والتعصب والشهوات دون أن يعي بفضائلهم حرم التوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطريق " .
جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 2/162
سادسا : الإمام ابن حبان
يتكلم ابن حبان عن دور الحسد في تقييم الرجال فيقول :
" من الذي يتعرى عن موضع عقب من الناس ؟ أو من لا يدخل في جملة من لا يلزق فيه العيب بعد العيب ؟
والمحسود أبدا يـُقدح فيه ، لأن الحاسد لا غرض له إلا تتبع مثالب المحسود ، فإن لم يجد ألزق مثله به "
الثقات 8/26
سابعا : شيخ الإسلام ابن تيمية
يقول شيخ الإسلام في حكمه على الصوفية :
" والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين , وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه " .
المجلد الحادي عشر ص 18 من مجموع الفتاوى
وقال عن المتصوفة أيضا :
" والذين شهدوا هذا اللغو متأولين من أهل الصدق والإخلاص والصلاح غمرت حسناتهم ما كان لهم فيه وفي غيره من السيئات أو الخطأ في مواقع الاجتهاد ، وهذا سبيل كل صالحي هذه الأمة في خطئهم وزلاتهم .. "
الاستقامة 1/297
ويقول :
" ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق .. ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات ، فيحمد وذم ، ويثاب ويعاقب ، ويحب من وجه ويبغض من وجه .
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم "
منهاج السنة 4/543
ويقول :
" كثيرا ما يجتمع في الشخص الواحد الأمران – أي الحسنات والسيئات - ، فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر .
كما يتوجه المدح والأمر والثواب إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من الأمر الآخر.
وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية والفجورية ، لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على فعل بعض الحسنات السنية البرية .
فهذا طريق الموازنة والمعادلة ، ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان "
مجموع الفتاوى 10/365-366
ثامنا : الإمام الذهبي
في ترجمة قتادة يقول الذهبي : ( لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنـزيهه وبذل وسعه . والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل ، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك)
سير أعلام النبلاء 5/279
ويقول :
" إنما يمدح العام بكثرة ما له من الفضائل، فلا تُدفن المحاسن لورطة ، ولعله رجع عنها "
سير أعلام النبلاء 16/285
ويقول :
" غلاة المعتزلة وغلاة الشيعة وغلاة الحنابلة وغلاة الأشاعرة وغلاة المرجئة وغلاة الجهمية وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا ، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء ..
نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع ونحب السنة وأهلها .
ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ ، إنما العبرة بكثرة المحاسن "
سير أعلام النبلاء 20/45
ويقول في ترجمة المروزي :
" ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما ..
والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة "
سير أعلام النبلاء 14/40
ويقول في ترجمة ابن خزيمة :
" ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه .
سير أعلام النبلاء 14/374
تاسعا : الإمام ابن القيم
يقول الإمام ابن القيم مقررا منهج الموازنات في الحكم على الناس :
" من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره .. فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .. وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فتلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات .
ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال : ( ما ضر عثمان ما عمل بعدها ) ..
وقال لطلحة لما تطأطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة " أوجب طلحة " .
وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ، ألقاها على الأرض حتى تكسرت .. ولطم عين ملك الموت ففقأها ، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم وقال : شاب بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .. وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله .. وكل هذا لم ينقص من قدره شيئاً عند ربه ، وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره ، الأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهة ولا تخفض منزلته ..
وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في نظرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ****** جاءت محاسنه بألف شفيع
وقــال آخر :
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً *** فأفعاله اللاتي سررن كثير
والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له فيفعل بأهل الحسنات الكثيرة الذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً من العفو والمسامحة مالا يفعله مع غيرهم " .
الفوائد
ويقول :
" ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وأثار حسنة وهو من الإسلام بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين "
إعلام الموقعين 3/283
ويقول :
" فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها " .
مدارج السالكين 2/39
ويقول :
" فالأعمال تشفع لصاحبها عند الله – أي في يوم لقيامة – ، ولهذا من رجحت حسناته على سيئاته أفلح ، ولم يعذب ووهبت له سيئاته لأجل حسناته " .
عاشرا : الشيخ محمد بن عبدالوهاب
" ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطأه ، بل الواجب السكوت والتوقف ، فإذا تحققتم بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة "
تاريخ نجد 2/161
حادي عشر : الشيخ عبدالرحمن السعدي
" ثم لو فرض أن ما أخطؤوا أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر ، لم يكن من الحق والإنصاف أن تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، فإن هذا ضرره كبير وفساده مستطير ، أي عالم لم يخطيء ؟! واي حكيم لم يعثر ؟! "
الرياض الناظرة والحدائق النيرة الزاهرة
ثاني عشر : الشيخ ابن باز
" إذا أخطأ العالم أو الداعية في مسألة ، ينبه عليها ولا يسقط حقه فيما أصاب فيه ، بل يجب الإنصاف والعدل .
ولا ينبغي للعاقل أن يترك الحق إذا قاله الداعية أو العالم من أجل أنه أخطأ في مسألة .. الحق مقدم على الجميع .. فإذا كان عنده حق وباطل : يؤخذ الحق ويترك الباطل ..
لا يغمط حق الداعية بالكلية ، ولكن يشكر على ما أصاب فيه من الحق ، وينبه على خطئه في مسألة من المسائل "
مجلة الإصلاح 27/12/1413 هـ " بتصرف "
يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في رسالة للأخ / فالح الحربي بتاريخ : 12/8/1406 هـ ، ورقم : 889/خ :
" ونحن بحمد الله على بصيرة من ديننا ونوازن بين المصالح والمضار ونرجح ما تطمئن إليه قلوبنا ، وقد تأكدنا من أخبارهم ما يطمئننا إلى الوقوف بجانبهم مع مناصحتهم فيما يحصل من بعضهم من النقص الذي هو من لوازم البشر كلهم إلا من شاء الله " .
ثالث عشر : الشيخ محمد ابن عثيمين
سئل الشيخ رحمه الله : ( ما رأيكم فيمن إذا أراد أن يقوم شخصاً لا يذكر ما لديه من خير بل يذكر مساوئه فقط ؟ )
فقال رحمه الله جواباً على ذلك :
" هذا من الإجحاف والجور لأن الله عز وجل يقول في كتابه : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاء بِالقِسْط وَلا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآن قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هَوَ أقْرَبُ لِلتّقْوَى } .. فنهانا الله سبحانه وتعالى أن يحملنا بغض قوم على عدم العدل ، بل أمرنا أن نقول العدل .
وقد أقر الله تعالى الحق الذي صدر من المشركين وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الحق الذي صدر من اليهود قال تعالى : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالوُا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَائَنَا وَالله أَمَرَنَا بِهَا } ، فكان الجواب : { قُل الله لا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ } فأبطل قولهم { الله أَمَرَنَا بِها } لأنها باطل وسكت عن قولهم { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَائَنَا } لأنها حق .
وجاء حبرٌ من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنّا نجد في التوراة أن الله يجعل السماوات على إصبع والأراضين على إصبع .. الخ .. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحبر وقرأ { وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه الآية } .. فأقر اليهودي على قول الحق وهو يهودي .
والواجب على من أراد أن يقوم شخصاً تقويماً كاملاً إذا دعت الحاجة أن يذكر مساوئه ومحاسنه ، وإذا كان ممن عرف بالنصح للمسلمين أن يعتذر عما صدر من المساوئ . مثلاً نحن نرى العلماء كابن حجر والنووي وغيرهما ممن لهم أخطاء في العقيدة لكنها أخطاء نعلم علم اليقين فيما تعرف من أحوالهم أنها حدثت عن اجتهاد ."
جريدة المسلمون عدد 4730
----------------------------------
ومن شاء أن يستزيد فعليه أن يرجع لهذه المراجع :
1- شريط ( وصايا للدعاة ) للشيخ عبدالله بن قعود ، على هذا الرابط :
http://www.sahwah.net/Nuke/sections...ticle&artid=168
2- كتاب ( تصنيف الناس بين الظن واليقين ) للشيخ بكر أبو زيد
3- كتاب ( منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم ) للشيخ أحمد الصويان
4- كتاب ( إنصاف أهل السنة والجماعة ) للشيخ محمد العلي
-5كتاب ( ضوابط ينبغي تقديمها قبل الحكم على الأشخاص والطوائف والجماعات ) للشيخ حامد بن عبد الله العلي )
6- كتاب رفقاً أهل السنة بأهل السنة للشيخ العباد
7- أصول الحكم على المبتدعه عندابن تيمية رحمه الله
8- كتاب (الحث على اتِّباع السنَّة) فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد
9-رسائل الشيخ عبدالعزيز بن باز ووصاياه للدعاة وكذلك الشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبدالله بن جبرين والشيخ صالح الفوزان .
----------------------------------------------
رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافاة - للشيخ/ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي.
وهذه تتمة المشاركة :
يقول الإمام ابن القيم مقررا منهج الموازنات في الحكم على الناس
" من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره .. فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .. وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فتلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات .
ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال : ( ما ضر عثمان ما عمل بعدها ) ..
وقال لطلحة لما تطأطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة " أوجب طلحة " .
وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ، ألقاها على الأرض حتى تكسرت .. ولطم عين ملك الموت ففقأها ، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم وقال : شاب بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .. وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله .. وكل هذا لم ينقص من قدره شيئاً عند ربه ، وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره ، الأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهة ولا تخفض منزلته ..
وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في نظرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ****** جاءت محاسنه بألف شفيع
وقــال آخر :
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً *** فأفعاله اللاتي سررن كثير
والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له فيفعل بأهل الحسنات الكثيرة الذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً من العفو والمسامحة مالا يفعله مع غيرهم " .
الفوائد
ويقول :
" ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وأثار حسنة وهو من الإسلام بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين "
إعلام الموقعين 3/283
ويقول :
" فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها " .
مدارج السالكين 2/39
ويقول :
" فالأعمال تشفع لصاحبها عند الله – أي في يوم لقيامة – ، ولهذا من رجحت حسناته على سيئاته أفلح ، ولم يعذب ووهبت له سيئاته لأجل حسناته " .
من كتاب (الحث على اتِّباع السنَّة) فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد
بدعة امتحان الناس بالأشخاص
ومن البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من امتحان بعض من أهل السنَّة بعضاً بأشخاص، سواء كان الباعث على الامتحان الجفاء في شخص يُمتحن به، أو كان الباعث عليه الإطراء لشخص آخر، وإذا كانت نتيجة الامتحان الموافقة لِمَا أراده الممتحِن ظفر بالترحيب والمدح والثناء، وإلاَّ كان حظّه التجريح والتبديع والهجر والتحذير، وهذه نقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أوَّلها التبديع في الامتحان بأشخاص للجفاء فيهم، وفي آخرها التبديع في الامتحان بأشخاص آخرين لإطرائهم، قال ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (3/413 ـ 414) في كلام له عن يزيد بن معاوية: (( والصواب هو ما عليه الأئمَّة، من أنَّه لا يُخَصُّ بمحبة ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (أوَّل جيش يغزو القسطنطينيَّة مغفورٌ له)، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان معه أبو أيوب الأنصاري ...
فالواجب الاقتصاد في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به؛ فإنَّ هذا من البدع المخالفة لأهل السنَّة والجماعة ))
وقال (3/415) : (( وكذلك التفريق بين الأمَّة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم )).
وقال (20/164): (( وليس لأحد أن ينصب للأمَّة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويُوالي ويُعادي عليها غير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويُعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمَّة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرِّقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويُعادون ((.
وقال (28/15 ـ 16): (( فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه: فإن كان قد فعل ذنباً شرعيًّا عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة، وإن لم يكن أذنب ذنباً شرعيًّا لم يجز أن يُعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البرِّ والتقوى، كما قال الله تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(( .
وقال :
والواجب على الأتباع والمتبوعين الذين وقعوا في ذلك الامتحان أن يتخلَّصوا من هذا المسلك الذي فرَّق أهلَ السنَّة وعادى بعضُهم بعضاً بسببه، وذلك بأن يترك الأتباعُ الامتحان وكلَّ ما يترتَّب عليه من بُغض وهجر وتقاطع، وأن يكونوا إخوةً متآلفين متعاونين على البرِّ والتقوى، وأن يتبرَّأ المتبوعون من هذه الطريقة التي توبعوا عليها، ويُعلنوا براءتَهم منها ومِن عمل مَن يقع فيها، وبذلك يسلم الأتباع من هذا البلاء والمتبوعون من تبعة التسبُّب بهذا الامتحان وما يترتَّبُ عليه من أضرار تعود عليهم وعلى غيرهم.
التحذير من فتنة التجريح والتبديع من بعض أهل السنة في هذا العصر
وقال :
وقريبٌ من بدعة امتحان الناس بالأشخاص ما حصل في هذا الزمان من افتتان فئة قليلة من أهل السنَّة بتجريح بعض إخوانهم من أهل السنة وتبديعهم، وما ترتَّب على ذلك من هجر وتقاطع بينهم وقطع لطريق الإفادة منهم، وذلك التجريح والتبديع منه ما يكون مبنيًّا على ظنِّ ما ليس ببدعة بدعة، ومن أمثلة ذلك أنَّ الشيخين الجليلين عبد العزيز بن باز وابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ قد أفتيا جماعة بدخولها في أمر رأيَا المصلحة في ذلك الدخول، ومِمَّن لم يُعجبهم ذلك المفتَى به تلك الفئة القليلة، فعابت تلك الجماعة بذلك، ولَم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل انتقل العيب إلى مَن يتعاون معها بإلقاء المحاضرات، ووصفه بأنَّه مُميِّع لمنهج السلف، مع أنَّ هذين الشيخين الجليلين كانا يُلقيان المحاضرات على تلك الجماعة عن طريق الهاتف.
ومن ذلك أيضاً حصول التحذير من حضور دروس شخص؛ لأنَّه لا يتكلَّم في فلان الفلاني أو الجماعة الفلانية، وقد تولَّى كبر ذلك شخص من تلاميذي بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، تخرَّج منها عام (1395 ـ 1396هـ)، وكان ترتيبه الرابع بعد المائة من دفعته البالغ عددهم (119) خرِّيجاً، وهو غير معروف بالاشتغال بالعلم، ولا أعرف له دروساً علميَّة مسجَّلة، ولا مؤلَّفاً في العلم صغيراً ولا كبيراً، وجلُّ بضاعته التجريح والتبديع والتحذير من كثيرين من أهل السنَّة، لا يبلغ هذا الجارحُ كعبَ بعض مَن جرَحهم لكثرة نفعهم في دروسهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم .... انتهى
وإن أهل السنة وسط في التعامل مع العلماء بين غلو الرافضة والصوفية وبين جفاء الخوارج والمرجئة الغلاظ ، فأهل السنة لا يدّعون عصمة لعلمائهم، ولا يتعصبون لهم مقابل الدليل، ولكن لا ينقصون قدرهم، ولا يحقرون أمرهم .
وقد كثر الكلام عن هذه المسألة في الآونة الأخيرة بين متعصب قد وضع عقله في يد غيره، وصار بين يدي شيخه كالميت في يدي مغسله، وشابه الروافض والصوفية في هذا، وبين رجل قد نزع الحياء عن وجهه، وغلّب السوء، وأراد اسقاط أهل الفضل والخير والإيمان، فشابه الخوارج في هذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحاً حال الكثيرين ..
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم وغير ذلك ، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى ترى ذلك الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً ، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يبالي ما يقول.
1- كان إبراهيم النخعي إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد ولا تقولي له ليس هاهنا كيلا يكون كذباً
2- حُكي عن بعض الحكماء رأى رجلاً يُكثر الكلام ويُقل السكوت ، فقال : إن الله – تعالى – إنما خلق لك أذنين ولسانا واحداً ، ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به .
3- روى الربيع بن صبيح أن رجلاً قال للحسن : يا أبا سعيد إني أرى أمراً أكرهه ، قال : وما ذاك يا ابن أخي ، قال : أرى أقواماً يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك ، فقال : يا ابن أخي : لا يكبرن هذا عليك ، أخبرك بما هو أعجب ، قال : وما ذاك يا عم ؟ قال : أطعت نفسي في جوار الرحمن وملوك الجنان والنجاة من النيران ، ومرافقة الأنبياء ولم أطع نفسي في السمعة من الناس ، إنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم الذي خلقهم ، فإذا لم يسلم من خلقهم فالمخلوق أجدر ألا يسلم .
4- قال جبير بن عبد الله : شهدت وهب ابن منبه وجاءه رجل فقال : إن فلاناً يقع منك ، فقال وهب : أما وجد الشيطان أحداً يستخف به غيرك ؟ فما كان بأسرع من أن جاء الرجل ، فرفع مجلسه وأكرمه .
5- عن حاتم الأصم قال : لو أن صاحب خير جلس إليك لكنت تتحرز منه ، وكلامك يُعرض على الله فلا تتحرز منه .
6- حدث أبو حيان التميمي عن أبيه قال : رأيت ابنة الربيع بن خثيم أتته فقالت : يا أبتاه ، أذهب ألعب ؟ قال : يا بنيتي ، إذهبي قولي خيرا .
-7اغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له : اذكر القطن إذا وُضع على عينيك .
8- قال رجل لعمرو بن عبيد : إن الأسواري مازال يذكُرك في قصصه بشرٍ ،فقال له عمرو : يا هذا ، ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن الموت يعُمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا ، والله – تعالى – يحكم بيننا وهو خير الحاكمين
9- قيل للمعافي بن معران : ما ترى في الرجل يُقرض الشعر ويقوله ؟ قال : هو عمرك فأفنه بما شئت !!
10- عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا ويكتب عليه حتى أنينه في مرضه ، فلما مرض الإمام أحمد فقيل له: إن طاووساً كان يكره أنين المرض ، فتركه .
11- قال عمر بن عبد العزيز : من علم أن كلامه من عَمَلِهِ ، قل كلامه إلا فيما يعنيه .
12- قال الحسن بن صالح : فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان.
13- كان عبد الله الخيار يقول في مجلسه : اللهم سلمنا ،وسلم المؤمنين منّا .
14- قال بعض السلف .. يُعرض على ابن آدم ساعات عمره ، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات ..
15- قال الحسن ابن بشار : منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر منها .
16- قال بشر بن منصور : كنا عند أيوب السختياني فغلطنا وتكلمنا، فقال لنا : كفوا .. لو أردت أن أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت .
17- وكان الشعبي إذا طُلب في المنزل وهو يكره خط دائرة وقال للجارية : ضعي الأصبع فيها وقولي ليس هاهنا .
وهذا في موضع الحاجة فأما في غير موضع الحاجة فلا ، لأن هذا تفهيم الكذب وإن لم يكن اللفظ كذباً فهو مكروه على الجملة.
18- قال رجل للفضيل ابن عياض : إن فلاناً يغتابني ، قال : قد جلب لك الخير جلباً.
19- قال عبد الرحمن بن مهدي : لولا أني أكره أن يُعصى الله تمنيت ألا يبقى في هذا العصر أحدٌ إلا وقع فيّ واغتابني فأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها.
20- قال رجل لبكر بن محمد : بلغني أنك تقع فيّ ، قال أنت إذاً أكرم عليَّ من نفسي .
21- رُؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسُئل عن حاله ، فقال : أنا موقوف على كلمه قُلتُها ،قُلتُ: ما أحوج الناس إلى غيث ، فقيل لي : وما يدريك ؟ أنا أعلم بمصلحة عبادي.
22- قال عبد الله بن محمد بن زياد : كنت عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله قد اغتبتك ، فاجعلني في حل ، قال :أنت في حل إن لم تعد ، فقلت له : أتجعله في خل يا أبا عبد الله وقد اغتابك ؟ قال : ألم ترني اشترطت عليه .
23- وجاء ابن سيرين أناسٌ فقالوا : إنا نلنا منك فاجعلنا في حل ، قال : لا أحل لكم شيئاً حرمه الله .
فكأنه أشار إليه بالاستغفار ، والتوبة إلى الله مع استحلاله منه .
24- قال طوق بن منبه : دخلت على محمد بن سيرين فقال : كأني أراك شاكيا؟ قلت : أجـل ، قال : اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال : اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ، ثم قال : أستغفر الله أراني قد اغتبته .
25- روي عن الحسن أن رجلاً قال : إن فلاناً قد اغتابك ، فبعث إليه طبقاً من الرطب ، وقال : بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك ، فأردت أك أكافئك عليها ، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام.
26- وذكر عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – أنه قال : إن العبد ليُعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن قد عملها ، فيقول يا رب: من أين لي هذا؟
فيقول : هذا بما اغتابك الناس وانت لا تشعر.
27- قيل لبعض الحكماء: ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبين في يومنا هذا ؟
قال: لأن الغيبة قد كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة وهي النتن ، ويكون مثال هذا ، مثال رجل دخل الدباغين ، لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة ، وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام ويشربون الشراب ولا تتبين لهم الرائحة ، لأنهم قد امتلأت أنوفهم منها ، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا .
-28 قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري : يا أبا عبد الله ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة ، ما سمعته يغتاب عدواً له قط ، فقال : هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يُذهبها .
29- روي عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا ،فقال له عمر : إن شئت نظرنا في أمرك ، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية : { إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا} وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية { همازٍ مشاءٍ بنميم } وإن شئت عفونا عنك ؟ فقال : العفو يا أمير المؤمنين ، لا أعود إليه أبدا .
30- قال رجل لعبد الله بن عمر – وكان أميراً – بلغني أن فلاناً أعلم الأمير أني ذكرته بسوء ، قال : قد كان ذلك ، قال فأخبرني بما قال حتى أظهر كذبه عندك ؟ قال : ما أحب أن أشتم نفسي بلساني ، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ، ولا أقطع عنك الوصال .
المصدر: كُتيب ( أحصاه الله ونسوه) لعبد المحسن القاسم ....
وأضع بين يديك أخي القارئ أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله تعالى :
الأصل الأول: الإعتذار لأهل الصلاح و الفضل عما وقعوا فيه من بدعة عن اجتهاد و حمل كلامهم المحتمل على أحسن المحامل.
الأصل الثاني : عدم تأثيم مجتهد إذا أخطأ في مسائل أصولية أو فرعية .. وأولى من ذلك، عدم تكفيره أو تفسيقه .
الأصل الثالث : عذر المبتدع لا يقتضي إقراره على ما أظهره من بدعة، ولا إباحة اتِّباعه، بل يجب الإنكار عليه فيما يسوغ إنكاره، مع مراعاة الأدب في ذلك .
الأصل الرابع : عدم الحكم على من وقع في بدعة أنه من أهل الأهواء والبـدع، ولا معاداته بسببها، إلا إذا كانت البدعة مشتهرة مغلظة عند أهل العلم بالسنة .
الأصل الخامس : لا يحكم بالهلاك جزمًا على أحد خالف في الاعتقاد أو غيره، ولا على طائفة معينة بأنها من الفرق الضالة الثنتين والسبعين، إلا إذا كانت المخالفة غليظة .
الأصل السادس : التحري في حال الشخص المعين، المرتكب لموجب الكفر أو الفسق، قبل تكفيره أو تفسيقه، بحيث لا يكفر ولا يفسق أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه .
الأصل السابع : الحرص على تأليف القلوب واجتماع الكلمة، وإصلاح ذات البين، والحذر من أن يكون الخلاف في المسائل الفرعية العقدية والعملية، سببًا في نقض عُرى الأخوة والولاء والبراء بين المسلمين .
الأصل الثامن : الإنصاف في ذكر ما للمبتدعة من محامـد ومـذام، وقبـول ما عندهم من حق، وردّ ما عندهم من باطل، وأن ذلك سبيل الأمة الوسط .
الأصل التاسع : رعاية شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأمر بالسنة والنهي عن البدعة، وتقديم الأهم فالأهم في ذلك.
ويقول ابن القيم عليه رحمة الله:
أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم بالنفع في الآخرة،
فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلاً عن أن تضره في الآخرة، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسناتٍ أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها كلها، ويأتي بسيئاتٍ أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به ... انتهى .
وأخيراً أنظر يارعاك الله إلى الذام والمذموم وأستفت قلبك بعدها ........
فنسأل الله العظيم أن يسل سخائم قلوبنا وأن يبصرنا بأمور ديننا ...
والسلفية أخي في الله حق مشروع لا حق محجور يهبه من يشاء لمن يشاء لمجرد الرأي والهوى وسلبه ممن يشاء أيضاً لمجرد الرأي والهوى .. وليس هذا محل تقريره ...
والمشكلة تكمن في ما آل إليه ألأمر من تحريف للولاء والبراء عن مفهومه العقدي السليم إلى مفهومه الإجتماعي التابع للهوى والرأي ...
فأصبحنا نرى أن فلان (( سلفي ذو أصول سلفية )) لإنه يُحب فلان من طلبة العلم أو العلماء أو المصلحين أو الدعاة ويأخذ بأقولهم ونبذ ما سواها... والآخر ضال مضل قد عُلم مكانه من النار خارجي مبتدع لأنه يسمع لفلان ويأخذ برأي فلان ويقول برأي فلان ، من طلبة علم وعلماء ودعاه ومصلحين أيضاً ... فأين الأصول السلفية هنا ...
وليس الكلام عن بن دؤاد ولا عن الجهم لولا عن غيرهم من المخالفين والذي وجب على أهل الصلاح بيان عوراهم والتحذير منه ... مع عدم غمط ما عندهم من حكمة إن وجدت فالحكمة ضالة المؤمن ، وستبقى كذلك ...
وأقوال من يرى الجميع أنهم أصحاب أصول سلفية مثل ((مثالا لا حصراً )) الشيخ بن تيمية والشيخ بن القيم والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله جميعاً وغيرهم كثير مما لايسع المجال لذكر أسماؤهم رسموا للأمة المنهج السلفي ذو الأصول السلفية في الرد على المخالف وأدب الحوار مع سلامة القلب ... فمواقف ابن تيمية مع خصومه لا تخفى وكذلك ابن القيم ومن سار على نهجهم من القدوات الكبار المتأخرين ...
وعلى العموم الكلام ينحصر في حماية أهل السنة من أهل السنة
ولنا أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية تعامله مع خصومه المعلومين بوحي من الله لا بظن أو هوى أو رأي وإنما بوحي من الله جل في علاه ، فصلى الله عليه وسلم ..
وأجتزئ لك أخي في الله هذه الأصول لابن تيمية رحمه الله نفعنا الله وإياكم أجمعين : -
الأصل الأول: الإعتذار لأهل الصلاح و الفضل عما وقعوا فيه من بدعة عن اجتهاد و حمل كلامهم المحتمل على أحسن المحامل.
الأصل الثاني : عدم تأثيم مجتهد إذا أخطأ في مسائل أصولية أو فرعية .. وأولى من ذلك، عدم تكفيره أو تفسيقه .
الأصل الثالث : عذر المبتدع لا يقتضي إقراره على ما أظهره من بدعة، ولا إباحة اتِّباعه، بل يجب الإنكار عليه فيما يسوغ إنكاره، مع مراعاة الأدب في ذلك .
الأصل الرابع : عدم الحكم على من وقع في بدعة أنه من أهل الأهواء والبـدع، ولا معاداته بسببها، إلا إذا كانت البدعة مشتهرة مغلظة عند أهل العلم بالسنة .
الأصل الخامس : لا يحكم بالهلاك جزمًا على أحد خالف في الاعتقاد أو غيره، ولا على طائفة معينة بأنها من الفرق الضالة الثنتين والسبعين، إلا إذا كانت المخالفة غليظة .
الأصل السادس : التحري في حال الشخص المعين، المرتكب لموجب الكفر أو الفسق، قبل تكفيره أو تفسيقه، بحيث لا يكفر ولا يفسق أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه .
الأصل السابع : الحرص على تأليف القلوب واجتماع الكلمة، وإصلاح ذات البين، والحذر من أن يكون الخلاف في المسائل الفرعية العقدية والعملية، سببًا في نقض عُرى الأخوة والولاء والبراء بين المسلمين .
الأصل الثامن : الإنصاف في ذكر ما للمبتدعة من محامـد ومـذام، وقبـول ما عندهم من حق، وردّ ما عندهم من باطل، وأن ذلك سبيل الأمة الوسط .
الأصل التاسع : رعاية شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأمر بالسنة والنهي عن البدعة، وتقديم الأهم فالأهم في ذلك.
*********
قال ابن الجوزي رحمه الله في " صيد الخاطر " ، في كلام له عن انحراف الصُّوفيَّة ( ص 54 _ 60 ) ت : الطنطاوي
وقد نقلت مواضع منه
قال رحمه الله :
1- فجاء أقوام، فأظهروا التزهد ، وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ، ثم تطلبوا لها الدليل .
وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقاً ويطلب دليلها.
ثم انقسموا: فمنهم، متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن.
يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات. ويري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، وما تزهد إلا القميص وإذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون.
ومنهم: سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
ومنهم: من تصدر، وصنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، وكانوا كعمي اتبعوا أعمى.
ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول ، الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، لما ذلوا .
ولقد كان جماعة من المحققين ، لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة ، بل يوسعونه لوماً.
فنقل عن أحمد أنه قال له المروزي: ما تقول في النكاح ؟
فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: فقد قال إبراهيم. قال: فصاح بي وقال: جئتنا ببنيات الطريق ؟
وقيل له: إن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، وقف الألف وسجدت الباء .
فقال: نَفِّرُوا الناسَ عَنْهُ.
واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم
كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير ، كانا على الباطل ؟
فقال له: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام ، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله ، لتعظيمهم في نفسه.
كما ينقل عن أبي يزيد رضي الله عنه، أنه قال: تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة.
وهذا إذا صح عنه، كان خطأ قبيحا ً، وزلة فاحشة ، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ، ولا يقوم مقامه شيء ، فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه ، وقد كان يستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها...
2- واسمع مني بلا محاباة ، لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم - أقوى على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن ...
3- ومن تأمل هذه الأشياء، علم أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتباعه ، وخفت إذا مات أشياعه - أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ، ويشيع جنائزهم ما لا يحصى .
وهل الناس إلا صاحب أثر نتبعه ، أو فقيه يفهم مراد الشرع ويفتي به ؟.
نعوذ بالله من الجهل، وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل !.
فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة ، والمحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت ... !!.
كما قال علي رضي الله عنه: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً.
**********
و هذا الكلام هو للتذكير بعدم التَّعصُّب لأحد خالف الحقَّ لمجرَّد اسمه ، فإن الحقَّ إذا كان ظاهرا بيِّنا أولى بالاتِّباع ، مع معرفة فضل المخطئ والاعتذار له إن كان أهلا للاعتذار .
والحقيقة أن كثيرا ممن يدَّعي الإنصاف والاحترام لأهل العلم تجده يردُّ الحقَّ أحيانا لأن المخطئ من المعظَّمين عنده ، ويحاول أن يبرر خطأ المعظَّمِ عنده بأي طريقة ، ولا أظن أحدا منَّا إلا قد تعرَّض لبعض هذه العيِّنات التي تدَّعي الإنصاف واتِّباع الحقِّ دون تعصُّب لقول أحد من أهل العلم ، فإذا نقَّبت عن حقيقة دعواه وجدته لا يطبق كلامه مع جميع العلماء المتقدِّمين أو المتأخرين بل يطبِّقه على بعض دون بعض ،فهو ينظر للعماء بعيني أعور ، وهذا من قلِّة العلم والإنصاف .
وتأمَّل معي قول ابن تيمية رحمه الله :
يمتنع مع العلم والعدل في كل اثنين أحدهما أكمل من الآخر في فن أنْ يُقَرَّ بِمَعْرِفَةِ ذلكَ الفَنِّ للمفضولِ دون الفاضلِ وقولنا مع العلمِ والعدلِ لأنَّ الظالمَ يفضلُ المفضولَ مع علمهِ بأنه مفضولٌ ، والجاهلُ قد يعرفُ المفضولَ ولا يعرفُ الفاضلَ
وابن الجوزي رحمه الله يتكلم عن الذين يعظِّمون أفعال أو أقوال بعض الذين اشتهروا بالزُّهد والتقلل من الدنيا ويرونها أفضل وأكمل من أفعال وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، كالذين يتركون الزَّواج أو شرب الماء أو الخروج للسياحة دون زاد .
فهو يبين للجهَّال أنَّا لن نجد هديا أكمل ولا أفضل من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
**************
ينبغي لبعض صغار العقول من المتعصبين أن يحفظَ هذه الكلمة جيدا قبل أن يرد على من بين خطأ من يحبون أو من يعظِّمون إن كان بعلم وبينة وحجة واضحة ، ويحسنَ الظن بالآخرين ، ولا يجعل سوء الظن بالآخرين أصل نظرته .
قال الإمام أبو بكر الخطيب البغدادى حين تصدى لبيان أوهام أكابر علماء الأمة حقا ، فى مقدمة (( موضح أوهام الجمع والتفريق )) :
(( ولعلَّ بعضَ من ينظرُ فيما سطرنَاهُ ، ويقفُ على ما لكتابنا هذا ضَمَّنَّاهُ ؛ يلحقُ سيءَ الظنِّ بنا ، ويرى أنَّا عمدنا للطعنِ على من تَقَدَمَنَا ، وإظهارِ العيبِ لكُبَرَاءِ شُيُوخِنَا ، وَعُلماءِ سَلَفِنَا !
وأَنَّى يكونُ ذلكَ ، وبهم ذُكِرْنَا ، وبِشُعَاعِ ضِيَائِهِم تَبَصَّرنَا ، وباقتِفَائِنَا واضحَ رُسُوْمِهِم تَمَيَّزنَا ، وبسلوكِ سَبِيْلِهِم عن الهَمَجِ تَحَيَّزْنَا .
وما مثـلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن العلاء ؛ فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم حدثنا محمد بن العباس اليزيدي حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال قال أبو عمرو : (( مَا نَحْنُ فِيمَن مَضَى إِلاَّ كَبَقْلٍ فِي أُصُوْلِ نَخْلٍ طـوَالٍ ))
ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً ، ونصب لكل قوم إماماً ؛ لزم المهتدين بمبين أنوارهم ، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم ، ممن رزق البحث والفهم ، وإنعام النظر في العلم بيان ما أهملوا ، وتسديد ما أغفلوا .
إذ لم يكونوا معصومين من الزلل ، ولا آمنين من مفارقة الخطأ والخطل ، وذلك حق العالم على المتعلم ، وواجب على التالي للمتقدم " اهـ
*************************
ويقول شيخ الإسلام طيب الله ثراه
وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ وَالْهَوَى فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ -وَالْمُنْتَسِبَ ةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ - هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ؛ وَيَجْعَلُ مَنْ خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ . وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ .
فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ ؛ وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ .
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا وَاتِّبَاعًا لَهَا : تَصْدِيقًا وَعَمَلًا وَحُبًّا وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا
الَّذِينَ يَرْوُونَ الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ؛ فَلَا يُنَصِّبُونَ مَقَالَةً وَيَجْعَلُونَهَ ا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَجُمَلِ كَلَامِهِمْ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ بَلْ يَجْعَلُونَ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَ هُ .
***************
• قال ابن القيم –رحمه الله- "إذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم،طالب للدليل، محكم له، متبع للحق حيث كان، وأين كان، ومع من كان، زالت الوحشة وحصلت الألفة وإن خالفك؛ فإنه يخالفك ويعذرك. والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك أو يبدعك بلا حجة، وذنبك: رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم؛ لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل ملء الأرض منهم". إعلام الموقعين 1/308.