من بقايا الشرك
للشيخ محمد الصالح رمضان رحمه الله
حدثني تاجر بالقبة القديمة، أن زوجته تتعسر عليها الولادة، فنذرت أن تبذل نصيبا من المال لضريح ولي في مسقط رأسها إذا سهلت عليها الولادة هذه المرة. وهذا في الحقيقة نوع من الشرك، وظاهرة من ظواهر التخلف العقلي، ودليل على عدم فهم الإسلام وحقيقته وروحه.
إن النذر فكرة حميدة، وعمل طيب، وسلوك حضاري، ولكن إذا بذل في وجه من وجوه الخير، كإعانة معوز، ومساعدة طالب علم، أو كشف كربة، أو تفريج غمة، أو قضاء دين، أما أن يكون النذر لولي صالح في رمسه، فهو نوع من الشرك الذي يحاربه الإسلام، ويرفضه العقل السليم.
وقد بلغ من حرص صحابة الرسول –صلى الله عليه وسلم- على ترسم حدود الشرع، والبعد عن مظان الشرك، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رأى قبة قد ضربت على قبر لبعض المسلمين فأمر بإزالتها فورا، وقال: دعوه يظله عمله، وما ذلك إلا خشية من أن يأتي بعده من يجعلها مثابة لدعائه وعبادته، ويقدم لها نذرا إذا نجح في عمل ما، أو نال مبتغى ما، كما فعلت هذه المرأة!
وقد زارتني في بيتي خلال هذا الأسبوع، مديرة إحدى الثانويات بالعاصمة، وذكرت لها في سياق الحديث عن بعض بقايا الشرك في البلدان الإسلامية، رغم انتشار العلم والمعرفة، قصة المرأة التي نذرت نذرها لضريح ولي، فذكرت لي ما ينسي قصة هذه المرأة، ذكرت أن امرأة باعت كل حليها وقدمت ثمنه نذرا إلى سبعة أضرحة لأولياء صالحين لأن ولدها شفي من مرضه، وأن امرأة أخرى قد رهنت قطعة أرض في سبيل نذر لأحد أدعياء الولاية، لأن بنتها قد تزوجت بعد عنوسة طويلة.
وهذا التصرف من هؤلاء الجهلة –وما أكثرهم في كل زمان ومكان- يعكس تقديرهم للأولياء، واعتقادهم بأنهم ينفعون ويضرون، ويملكون التصرف في أحوال الناس وأوضاعهم، وهذا تصرف باطل مناف للإسلام، يعيد إلى أذهاننا عصر الجاهلية المقيت، ويدل دلالة واضحة عميقة، على أن هناك رغم التقدم العلمي، ويقظة العقل، أناسا ما يزالون يعيشون في ظلام الجهل والشرك.
وقد يقول قائل: ولكن ماذا نصنع بقوله تعالى:(وليوفوا نذورهم)، فنقول له: علمت شيئا وغابت عنك أشياء، غاب عنك قوله -صلى الله عليه وسلم-:"من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".
أي من نذر طاعة الله، كالإحسان إلى الفقير، والبر بالمخلوق، وقضاء دين، وبناء مسجد، وطبع كتاب مفيد، وجَبَ عليه الوفاء بنذره؛ ومن نذر معصية وهي ظاهرة معروفة، حرام عليه الوفاء به، لأن النذر مفهومه الشرعي إيجاب قربة، وهذا إنما يتحقق في الطاعة ويتصور نذر الواجب بأن يوقته وينقلب المندوب بالنذر واجبا!
ولا ريب أن ما يقدمه هؤلاء الجهلة من النذر على ذلك الوجه، وتلك الحالة، بعيد كل البعد عن الإسلام، ومقاصد الشريعة، شبهة بعمل الجاهلية، وفي حديث آخر:"لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله".
إن الذي لا ريب فيه –في الأخير – هو أن بقاء الشرك في العصر الذي بلغ فيه العقل البشري أوَجَه بالعلم والمعرفة، ليجعل المسلمين مثار السخرية، فليتق الناس ربهم، وليدعوا جانبا ما ألصقوه بالإسلام، فهو عنوان غليظ لا يدل إلا على التخلف في العقل والإيمان والسلوك!.
http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1741