يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
محمد القاضي
وصف المولى -جلَّ وعلا- الصحابة بصفاتٍ عديدة، ومدحهم بخلالٍ تخلقوا بها، هذه الصفات كانت السبب الرئيسي لكي يسودوا العالم في سنواتٍ قليلةٍ، ومِن هذه الصفات: تلك المحبة التي كانت سائدة بينهم مِن لحظة وطئت أقدام المهاجرين المدينة، تلك المحبة التي أخبر بها الله -جلَّ وعلا- في القرآن؛ إذ يقول المولى -سبحانه-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9).
يصف لك المولى ما في صدور الأنصار تجاه المهاجرين، ولا ينبئك مثل خبير؛ فالمحبة هنا محبة حقيقية، وليستْ محبة مصطنعة؛ فهي قائمة على الإيمان بالله ورسوله، والمشاركة في الطاعات والقربات، وتحمل مسؤولية الديانة.
هذه المحبة التي وطد دعائمها الرسول صلى الله عليه وسلم بما فعله عندما آخى بيْن المهاجرين والأنصار، وكان مِن أول الأعمال التي قام بها[؛ لأنه يعرف ما للمحبة والأخوة مِن أثرٍ في الدعوة إلى الله؛ فالدعوة إلى لله تحتاج إلى المحبة حاجة الدم الى العروق التي يتدفق فيها؛ فوجود قلوب متحابة متألفة في أي مكانٍ في الدنيا مع اتباعهم للشرع وتعظيمهم للأوامر، يعني نجاح الدعوة وانتشارها وتغلغلها في قلوب الناس؛ فالمحبة في الله هي الحضن الدافئ التي تتهيأ فيه البذور للإنبات، وللزرع أن يؤتي أكله، وفوات المحبة بيْن الإخوان وتآكلها خطر كبير يهدد الدعوة في أي مكان.
لكَ أن تتخيل تسرب أسباب الشقاق وما أكثرها في هذه الأيام إلى صفوف أبناء الدعوة الواحدة، مِن التقاطع والتدابر والتشاحن لأسبابٍ واهيةٍ، مردها في نهاية الأمر إلى الدنيا وحظ النفس.
التقاطع والتشاحن مِن مفسدات الأخوة الإيمانية، ومِن قواطع المحبة، وإذا نظرت إلى الأسباب المؤدية للقطيعة؛ تجد المنافسة على المسؤوليات والمناصب منافسة غير حميدة يؤدي إلى التحاسد والتباغض، كل هذا -وغيره كثير- مِن الأخلاق الواجبة، الواجب تعلمها والتخلق بها، والأخلاق الرذيلة الواجب تجنبها، والبُعد عنها مِن أجل الحفاظ على المحبة الإيمانية بيْن المؤمنين.