اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين إبن عبد الله
. و إن كان الأمر في الواقع أعمق بقليل مما تفضلت بنقله حيث أن تساؤلي كان يخص عذاب النار و كيف أنه (أي عذاب النار) يُفقد أي شيء ثاني قيمته مهما علا شأنه أو كبرت قيمته في أعيننا. فمثلا كأن يقول المرء "انظر إلى الصين و انظر إلى أمريكا و انظر إلى الحضارات" فأجيبه "ويحك، أنا أقول لك عذاب النار و انت تقول لي أمريكا و صين و حضارات، مالكم كيف تحكمون؟!"
نعم بارك الله فيك الواقع اعمق- وإن كنا نتعمق فى واقعهم شيئا فشيئا حتى نصل الى العمق والقاع بالنسبة لحالهم- لذلك نقف على بعض الجوانب والاسباب لكى نصل الى جواب السؤال الذى حيرك الذى عنونت به الموضوع-ونطفوا الى السطح بأمان بل ونركب سفية النجاة التى من ضل عنها كان فى العمق والقاع
قال تعالى :
” وَعْدَ اللَّهِ ، لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) ” [الروم]
يقول الشنقيطي-رحمه الله- في تفسيره أضواء البيان:
“اعلم أنه يجب على كل مسلم في هذا القرآن أن يتدبر آية الروم تدبراً كثيراً، ويبين ما دلت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس.
وإيضاح ذلك :
أن من أعظم فتن آخر الزمان التي ابتلى ضعاف العقول من المسلمين شدة إتقان الإفرنج؛
لأعمال الحياة الدنيا ومهارتهم فيها على كثرتها،
واختلاف أنواعها مع عجز المسلمين عن ذلك،
فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال أنه على الحق،
وأن من عجز عنها متخلف وليس على الحق،
وهذا جهل فاحش، وغلط فادح..
وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة وتخفيف لشأنها أنزله الله في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة، فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه، وما أعظمه، وما أحسن تعليمه..
فقد أوضح -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة أن أكثر الناس لا يعلمون، ويدخل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دخولاً أولياً، فقد نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل؛ لأنهم لا يعلمون شيئاً عمن خلقهم، فأبرزهم من العدم إلى الوجود، ورزقهم، وسوف يميتهم، ثم يحييهم، ثم يجازيهم على أعمالهم، ولم يعلموا شيئاً عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبدية في عذاب فظيع دائم: ومن غفل عن جميع هذا فليس معدوداً من جنس من يعلم كما دلت عليه الآيات القرآنية المذكورة، ثم لما نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل أثبت لهم نوعاً من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره.
وعاب ذلك النوع من العلم بعيبين عظيمين:
أحدهما: قلته وضيق مجاله، لأنه لا يجاوز ظاهراً من الحياة الدنيا، والعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة، وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السماوات والأرض جل وعلا، والعلم بأوامره ونواهيه، وبما يقرب عبده منه، وما يبعده منه، وما يخلد في النعيم الأبدي من أعمال الخير والشر.
والثاني منهما: هو دناءة هدف ذلك العلم، وعدم نيل غايته؛ لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا، وهي سريعة الانقطاع والزوال ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي أن أجود أوجه الإعراب في قوله: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً أنه بدل من قوله قبله: (لا يعلمون)، فهذا العلم كلا علم لحقارته .
ثم قال رحمه الله : ” واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية ، كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاح في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : { أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار ، إذا تعلمها المسلمون ، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقاً لما أمر الله به ، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : كانت من أشرف العلوم وأنفعها ، لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته جل وعلا ، وإصلاح الدنيا والآخرة ، فلا عيب فيها إذن كما قال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ } فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالاً لأمر الله تعالى وسعياً في مرضاته ، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة ، كما ترى الآيات بمثل ذلك كثيرة . والعلم عند الله تعالى . ” اه
***
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيره :
” وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها.